يقول ابن القيم رحمه الله تعالى :
" إضاعة الوقت الصحيح يدعو إلى درك النقيصة ، إذ صاحب
حفظه مترق على درجات الكمال
فإذا أضاعه لم يقف موضعه ، بل ينزل إلى درجات من النقص
فإن لم يكن في تقدم فهو متأخر ولا بد ، فالعبد سائر لا واقف
فإما إلى فوق ، وإما إلى أسفل ، إما إلى أمام ، وإما إلى وراء
وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف ألبتة ، ما هو إلا
مراحل تطوى أسرع طي ، إلى الجنة أو إلى النار ، فمسرع
ومبطئ ، ومتقدم ومتأخر ، وليس في الطريق واقف ألبتة ، وإنما
يتخالفون في جهة المسير وفي السرعة والبطء ، قال تعالى :
( إنها لإحدى الكبر . نذيرا للبشر . لمن شاء منكم أن يتقدم أو
يتأخر ) ،
ولم يذكر واقفا ، إذ لا منزل بين الجنة والنار ، ولا طريق لسالك
إلى غير الدارين ألبتة ، فمن لم يتقدم إلى هذه الأعمال الصالحة
فهو متأخر إلى تلك بالأعمال السيئة .
فإن قلت : كل مُجِدٍّ في طلب شيء لا بد أن يعرض له وقفة وفتور
ثم ينهض إلى طلبه ؟
قلت : لا بد من ذلك ، ولكن صاحب الوقفة له حالان :
إما أن يقف ليجم نفسه ، ويعدها للسير : فهذا وقفته سير ، ولا
تضره الوقفة ، فإن لكل عمل شرَّة ، ولكل شرَّة فترة .
وإما أن يقف لداع دعاه من ورائه ، وجاذب جذبه من خلفه ، فإن
أجابه أخره ولا بد ، فإن تداركه الله برحمته ، وأطلعه على سبق
الركب له وعلى تأخره : نهض نهضة الغضبان الآسف على
الانقطاع ، ووثب ، وجمز – أي : [ قفز ] ، واشتد سعيا ليلحق
الركب .
وإن استمر مع داعي التأخر ، وأصغى إليه ، لم يُرض برده إلى
حالته الأولى من الغفلة وإجابة داعي الهوى ، حتى يرده إلى
أسوأ منها ، وأنزل دركا ، وهو بمنزلة النكسة الشديدة عقيب
الإبلال من المرض ، فإنها أخطر منه وأصعب .
وبالجملة : فإن تدارك الله سبحانه وتعالى هذا العبد بجذبة منه
مِن يَدِ عدوِّه وتخليصه ، وإلا فهو في تأخر إلى الممات ، راجع
القهقرى ، ناكص على عقيبه ، أو مُوَلٍّ ظهره ، ولا قوة إلا بالله
، والمعصوم من عصمه الله " انتهى .
"مدارج السالكين" (1/267-26 .
" إضاعة الوقت الصحيح يدعو إلى درك النقيصة ، إذ صاحب
حفظه مترق على درجات الكمال
فإذا أضاعه لم يقف موضعه ، بل ينزل إلى درجات من النقص
فإن لم يكن في تقدم فهو متأخر ولا بد ، فالعبد سائر لا واقف
فإما إلى فوق ، وإما إلى أسفل ، إما إلى أمام ، وإما إلى وراء
وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف ألبتة ، ما هو إلا
مراحل تطوى أسرع طي ، إلى الجنة أو إلى النار ، فمسرع
ومبطئ ، ومتقدم ومتأخر ، وليس في الطريق واقف ألبتة ، وإنما
يتخالفون في جهة المسير وفي السرعة والبطء ، قال تعالى :
( إنها لإحدى الكبر . نذيرا للبشر . لمن شاء منكم أن يتقدم أو
يتأخر ) ،
ولم يذكر واقفا ، إذ لا منزل بين الجنة والنار ، ولا طريق لسالك
إلى غير الدارين ألبتة ، فمن لم يتقدم إلى هذه الأعمال الصالحة
فهو متأخر إلى تلك بالأعمال السيئة .
فإن قلت : كل مُجِدٍّ في طلب شيء لا بد أن يعرض له وقفة وفتور
ثم ينهض إلى طلبه ؟
قلت : لا بد من ذلك ، ولكن صاحب الوقفة له حالان :
إما أن يقف ليجم نفسه ، ويعدها للسير : فهذا وقفته سير ، ولا
تضره الوقفة ، فإن لكل عمل شرَّة ، ولكل شرَّة فترة .
وإما أن يقف لداع دعاه من ورائه ، وجاذب جذبه من خلفه ، فإن
أجابه أخره ولا بد ، فإن تداركه الله برحمته ، وأطلعه على سبق
الركب له وعلى تأخره : نهض نهضة الغضبان الآسف على
الانقطاع ، ووثب ، وجمز – أي : [ قفز ] ، واشتد سعيا ليلحق
الركب .
وإن استمر مع داعي التأخر ، وأصغى إليه ، لم يُرض برده إلى
حالته الأولى من الغفلة وإجابة داعي الهوى ، حتى يرده إلى
أسوأ منها ، وأنزل دركا ، وهو بمنزلة النكسة الشديدة عقيب
الإبلال من المرض ، فإنها أخطر منه وأصعب .
وبالجملة : فإن تدارك الله سبحانه وتعالى هذا العبد بجذبة منه
مِن يَدِ عدوِّه وتخليصه ، وإلا فهو في تأخر إلى الممات ، راجع
القهقرى ، ناكص على عقيبه ، أو مُوَلٍّ ظهره ، ولا قوة إلا بالله
، والمعصوم من عصمه الله " انتهى .
"مدارج السالكين" (1/267-26 .