سلسلة
فوائد من كتاب
"مختصر منهاج القاصدين"
لزوجتي بارك الله فيها
أبو جهاد الجزائري
وفيها
مداخل إبليس في قلب الإنسان
التوبة شروطها وأركانها
الزهد والفقر
الصبر والشكر
التوكل
مداخل إبليس في قلب الإنسان
مثل القلب كمثل حصن والشيطان عدو يريد أن يدخل الحصن ويملكه ولا يمكن حفظ الحصن إلا بحراسة أبوابه ولا يقدر على حراسة أبوابه من لا يعرفها ولا يتوصل إلى دفع الشيطان إلا بمعرفة مداخله ومداخل الشيطان وأبوابه صفات العبد وهى كثيرة
فمن أبوابه العظيمة :
1. الحسد والحرص فمتى كان العبد حريصاً على شيء أعماه حرصه وأصمه وإذا كان حسوداً يجد الشيطان الفرصة فيحسن عند الحريص كل ما يوصله إلى شهوته وإن كان منكراً أو فاحشاً .
2. الغضب والشهوة والحدة فالغضب غول العقل وإذا ضعف جند العقل هجم الشيطان فلعب بالإنسان.
3. لا يزال يدعو إلى عمارة الدار وتزيين سقوفها وحيطانها والتزين بالثياب والأثاث فيخسر الإنسان طول عمره في ذلك .
4. الشبع يقوي الشهوة ويشغل عن الطاعة .
5. الطمع في الناس فمن طمع في شخص بالغ بالثناء عليه بما ليس فيه وداهنه ولم يأمره بالمعروف ولم ينهه عن المنكر .
6. العجلة وترك التثبت.
7. حب المال متى تمكن من القلب أفسده وحمله على طلب المال من غير وجهه وأخرجه إلى البخل وخوفه الفقر فمنع الحقوق اللازمة.
8. حمل العوام على التعصب في المذاهب دون العمل بمقتضاها .
9. سوء الظن بالمسلمين فمن حكم على مسلم بسوء ظنه احتقره وأطلق فيه لسانه ورأى نفسه خيراً منه، وإنما يترشح سوء الظن بخبث الظان.
ثبات القلوب على الخير
القلوب في الثبات على الخير والشر والتردد بينهما ثلاثة :
1. قلب عَمُرَّ بالتقوى وطهر عن خبائث الأخلاق فتتفرج فيه خواطر الخير من خزائن الغيب فيمده الملك بالهدى .
2. قلب مخذول مشحون بالهوى ملوث بالأخلاق الذميمة فيقوى فيه سلطان الشيطان ويضعف سلطان الإيمان ويمتلئ بدخان الهوى، فيعدم النور فلا يمكنه النظر ولا يؤثر عنده زجر ولا وعظ .
3. قلب يبتدئ فيه خاطر الهوى فيدعوه إلى الشر فيلحقه خاطر الإيمان فيدعوه إلى الخير.
كتاب رياضة النفس وتهذيب الخلق ومعالجة أمراض القلوب. الإنسان مركب من جسد ونفس فالجسد مدرك بالبصر والنفس مدركة بالبصيرة ولكل واحدة منها هيئة وصورة إما جميلة وإما قبيحة والنفس المدركة بالبصيرة أعظم قدراً من الجسد المدرك بالبصر فالخلق عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية فإن كانت الأفعال جميلة سميت خلقاً حسناً وإن كانت قبيحة سميت خلقاً سيئاً وقد زعم بعض من غلبت عليه البطالة فاستثقل الرياضة أن الأخلاق لا يتصور تغييرها كما لا يتصور تغيير صورة الظاهر .
ولو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لم يكن للمواعظ والوصايا معنى إلا أن بعض الطباع سريعة القبول للصلاح وبعضها مستصعبة.
الطريق إلى تهذيب الأخلاق الاعتدال في الأخلاق هو الصحة في النفس والميل عن الاعتدال سقم ومرض فمثال النفس في علاجها كالبدن في علاجه.
1. فكما أن البدن لا يخلق كاملاً وإنما يكمل بالتربية والغذاء كذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال وإنما تكمل بالتزكية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم.
2. وكما أن البدن إذا كان صحيحاً فشأن الطبيب العمل على حفظ الصحة وإن كان مريضاً فشأنه جلب الصحة إليه كذلك النفس إذا كانت زكية مهذبة الخلاق ينبغي أن يسعى بحفظها وجلب مزيد القوة إليها وإن كانت عديمة الكمال فيسعى بجلب ذلك إليه .
3. وكما أن العلة الموجبة لمرض البدن لا تعالج إلا بضدها فكذلك الأخلاق الرذيلة التي هي من مرض القلب علاجها بضدها فيعالج مرض الجهل بالعلم ومرض البخل بالسخاء.
4. وكما أنه لابد من احتمال مرارة الدواء وشدة الصبر عن المشتهيات لصلاح الأبدان المريضة فكذلك لابد من احتمال المجاهدة والصبر على مداومة مرض القلب بل أولى، فمرض البدن يخلص منه بالموت ومرض القلب عذاب يدوم بعد الموت أبداً.
علامات مرض القلب وعوده إلى الصحة. مرض القلب أن يتعذر عليه فعله الخاص به الذي خلق لأجله وهو العلم والحكمة والمعرفة وحب الله وعبادته وإيثار ذلك على كل شهوة .
فلو أن الإنسان عرف كل شيء ولم يعرف الله سبحانه كان كأنه لم يعرف شيئاً وعلامة المعرفة الحب فمن عرف الله أحبه وعلامة المحبة أن لا يؤثر عليه شيئاً من المحبوبات فمن آثر عليه شيئاً من المحبوبات فقلبه مريض.
ومرض القلب خفي قد لا يعرفه صاحبه فيغفل عنه وإن عرفه صعب عليه الصبر على مرارة دوائه لأن دواءه مخالف الهوى وإن وجد الصبر لم يجد طبيباً حاذقاً يعالجه فإن الأطباء هم العلماء والمرض قد استولى عليهم والطبيب المريض قلما يلتفت إلى علاجه فلهذا صار الداء عضالاً.
من أراد الوقوف على عيب نفسه فله في ذلك أربع طرق :
1. أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس يعرف عيوب نفسه وطرق علاجها وهذا قد عز في هذا الزمان وجوده فمن وقع به، فقد وقع بالطبيب الحاذق فلا ينبغي أن يفارقه .
2. أن يطلب صديقاً صدوقاً بصيراً متديناً وينصبه رقيباً على نفسه لينبهه على المكروه من أخلاقه وأفعاله رحم الله امرءاً أهدى إلينا عيوبنا ...
3. أن يستفيد معرفة نفسه من ألسنة أعدائه فإن عين السخط تبدى المساوئ وانتفاع الإنسان بعدو يذكر عيوبه أكثر من انتفاعه بصديق مداهن يخفى عنه عيوبه .
4. أن يخالط الناس فكل ما يراه مذموماً فيما بينهم يجتنبه .
شهوات النفوس
شهوات النفوس لم توضع إلا لفائدة وإنما المذموم فضول الشهوات وطغيانها وثمة قوم لم يفهموا هذا القدر فأخذوا يتركون كل ما تشتهيه النفس وهذا ظلم لها بإسقاط حقها فإن لها حقاً.
علامات حسن الخلق
ربما جاهد المريد نفسه حتى ترك الفواحش والمعاصي ثم ظن أنه قد هذب خلقه واستغنى عن المجاهدة وليس كذلك فحسن الخلق هو مجموع صفات المؤمنين وقد وصفهم الله تعالى فقال : { إنما المؤمنين الذين ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون* الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون* أولئك هم المؤمنون حقاً } وقال : { التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين } وقال تعالى : { قد أفلح المؤمنون } إلى قوله { أولئك هم الوارثون } وقال : { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً } فمن أشكل عليه حاله فليعرض نفسه على هذه الآيات فوجود جميع هذه الصفات علامة حسن الخلق وفقد جميعها علامة سوء الخلق ووجود بعضها دون البعض يدل على البعض دون البعض فليشتغل بحفظ ما وجده وتحصيل ما فقده .
رياضة الصبيان في أول النشوء الصبي أمانة عند والديه فإن عود الخير نشأ عليه وشاركه أبواه ومؤدبه في ثوابه وإن عود الشر نشأ عليه وكان الوزر في عنق وليه فينبغي
1. أن يصونه ويؤدبه ويهذبه.
2. يعلمه محاسن الأخلاق.
3. يحفظه من قرناء السوء.
4. لا يعوده التنعم، ولا يحبب إليه أسباب الرفاهية فيضيع عمره في طلبها إذا كبر.
5. أن يراقبه من أول عمره فلا يستعمل في رضاعة وحضانته إلا امرأة صالحة متدينة تأكل الحلال.
6. أن يعلم آداب الأكل.
7. يقبح عنده كثرة الأكل.
8. يحبب إليه الثياب البيض دون الملونة ويقرر عنده أنه شأن النساء والمخنثين.
9. يمنعه من مخالطة الصبيان الذين عودوا التنعم.
10. يشغله في المكتب بتعليم القرآن والحديث ليغرس في قلبه حب الصالحين ولا يحفظ من الأشعار التي فيها ذكر العشق .
11. متى ظهر منه خلق جميل يكرم عليه فإن خالف ذلك في بعض الأحوال تغوفل عنه فإن عاد عوتب سراً وخوف من اطلاع الناس عليه ولا يكثر عليه العتاب لأن ذلك يهون عليه سماع الملامة.
12. ينبغي للأم أن تخوفه بالأب.
13. أن يمنع النوم نهاراً فإنه يورث الكسل ولا يمنع النوم ليلاً ولكنه يمنع الفرش الوطيئة لتتصلب أعضاؤه .
14. يتعود الخشونة في المفرش والملبس والمطعم .
15. يعود المشي والحركة والرياضة لئلا يغلب عليه الكسل .
16. يمنع أن يفتخر على أقرانه بشيء مما يملكه أبواه.
17. يعود التواضع والإكرام لمن يعاشره .
18. يمنع أن يأخذ شيئا من صبى مثله.
19. يعلم أن الأخذ دناءة، وأن الرفعة في الإعطاء .
20. يقبح عنده حب الذهب والفضة .
21. يعود أن لا يبصق في مجلسه ولا يتمخط ولا يتثاءب بحضرة غيره ولا يضع رجلا على رجل.
22. يمنع من كثرة الكلام .
23. يعود أن لا يتكلم إلا جواباً وأن يحسن الاستماع إذا تكلم غيره ممن هو أكبر منه .
24. أن يقوم لمن هو فوقه ويجلس بين يديه .
25. يمنع من فحش الكلام ومخالطة من يفعل ذلك.
26. يحسن أن يفسح له بعد خروجه من المكتب في لعب جميل ليستريح به من تعب التأديب.
27. أن يعلم طاعة والديه ومعلمه وتعظيمهم .
28. إذا بلغ سبع سنين أمر بالصلاة ولم يسامح في ترك الطهارة ليتعود ويخوف من الكذب والخيانة.
29. إذا قارب البلوغ ألقيت إليه الأمور .
شروط الرياضة
من شاهد الآخرة بقلبه مشاهدة يقين أصبح مريداً لها زاهداً في الدنيا.
ومن رزقه الله الانتباه لذلك، فعليه لسلوك الرياضة شرطاً لابد من تقديمه ومعتصماً لابد من التمسك به وحصناً لابد من التحصن به . أما الشرط فرفع الحجاب بترك الذنوب . وأما المعتصم فشيخ يدله على الطريق لئلا تختطفه الشياطين في السبل . وأما الحصن فالخلوة وعليه من الوظائف مخالفه الهوى وكثرة الذكر ومنتهى الرياضة أن يجد قلبه مع الله أبداً ولا يمكن ذلك إلا بأن يخلو عن غيره ولا يخلو إلا بطول المجاهد.
كسر الشهوتين شهوة البطن وشهوة الفرج
طريق الرياضة في كسر شهوة البطن أن من تعود استدامة الشبع فينبغي له أن يقلل من مطعمه يسيراً مع الزمان إلى أن يقف على حد التوسط وخير الأمور أوساطها فالأولى تناول مالا يمنع من العبادات ويكون سبباً لبقاء القوة فلا يحس المتناول بجوع ولا شبع فحينئذ يصح البدن وتجتمع الهمة ويصفو الفكر ومتى زاد في الأكل أورثه كثرة النوم وبلادة الذهن وذلك بتكثير البخار في الدماغ حتى يغطى مكان الفكر وموضع الذكر ويجلب أمراضاً أخر وليحذر من ترك شيئاً من الشهوات أن تتطرق إليه آفة الرياء، وقد كان بعضهم يشترى الشهوة ويعلقها في بيته وهو زاهد فيها، يستر بها زهده وهذا هو نهاية الزهد الزهد في الزهد بإظهار ضده، وهو عمل الصديقين لأنه يجرع نفسه كأس الصبر مرتين والثانية أمر .
شهوة الفرج سلطت على الآدمي لفائدتين : - بقاء النسل - ليدرج لذة يقيس عليها لذات الآخرة فما لم يدرك جنسه بالذوق لا يعظم إليه الشوق
إلا أنه إذ لم ترد هذه الشهوة إلى الاعتدال جلبت آفات كثيرة ولولا ذلك ما كان النساء حبائل الشيطان.
وقد ينتهي الإفراط في هذه الشهوة حتى تصرف همة الرجل إلى كثرة التمتع بالنساء فيشغله عن ذكر الآخرة وربما آل إلى الفواحش وقد تنتهي بصاحبها إلى العشق وهو أقبح الشهوات وأجدرها أن تستحيي منه.
آفات اللسان آفاته كثيرة ومتنوعة ولها في القلب حلاوة ولها بواعث من الطبع ولا نجاة من خطرها إلا بالصمت لأنه يجمع الهمة ويفرغ الفكر وفى الحديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : " من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة "
آفات الكلام :
1. الكلام فيما لا يعنى.
2. الخوض في الباطل وهو الكلام في المعاصي.
3. التقعر في الكلام وذلك يكون بالتشدق وتكلف السجع .
4. الفحش والسب والبذاء.
5. المزاح أما اليسير منه فلا ينهى عنه إذا كان صدقاً .
6. السخرية والاستهزاء.
7. إفشاء السر وإخلاف الوعد والكذب في القول واليمين وكل ذلك منهي عنه، إلا ما رخص فيه من الكذب لزوجته وفى الحرب.
8. الغيبة أن تذكر أخاك الغائب بما يكره.
9. النميمة.
10. كلام ذي اللسانين الذي يتردد بين المتعادين وينقل كلام كل واحد إلى الآخر ويكلم كل واحد بكلام يوافقه أو يعده أنه ينصره أو يثنى على الواحد في وجهه ويذمه عند الأخر .
المدح له آفات : منها ما يتعلق بالمادح ومنها ما يتعلق بالممدوح .
آفات المادح
1. قد يقول ما لا يتحققه ولا سبيل للاطلاع عليه
2. قد يفرط في المدح فينتهي إلى الكذب،
3. قد يمدح من ينبغي لأن يذم .
على الممدوح أن يكون شديد الاحتراز من آفة الكبر والعجب والفتور عن العمل ولا ينجو من هذه الآفات إلا أن يعرف نفسه ويتفكر في أن المادح لو عرف منه ما يعرف من نفسه ما مدحه ..
ذم الغضب والحقد والحسد الغضب شعلة من النار والإنسان ينزع فيه عند الغضب عرق إلى الشيطان اللعين ومن نتائج الغضب الحقد والحسد ومما يدل على ذم الغضب قوله صلى الله عليه وآله وسلم للرجل الذي قال له : أوصني، قال : " لا تغضب " ، فردد عليه مراراً قال : " لا تغضب ".
حقيقة الغضب : غليان دم القلب لطلب الانتقام فمتى غضب الإنسان ثارت نار الغضب ثوراناً يغلى به دم القلب وينتشر بالعروق ويرتفع إلى أعالي البدن لذلك يحمر الوجه والعين والبشرة وكل ذلك يحكى لون ما وراءه من حمرة الدم وإنما ينبسط الدم إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه . فإن كان الغضب صدر ممن فوقه وكان معه يأس من الانتقام تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب فصار حزناً ولذلك يصفر اللون. وإن كان الغضب من نظير يشك فيه تردد الدم بين انقباض وانبساط، فيحمر ويصفر ويضطرب فالانتقام هو قوت لقوة الغضب . الناس في قوة الغضب على درجات ثلاث : إفراط، وتفريط، واعتدال . فلا يحمد الإفراط فيها لأنه يخرج العقل والدين عن سياستهما فلا يبقى مع ذلك نظر ولا فكر ولا اختيار . والتفريط في هذه القوة مذموم لأنه يبقى لا حمية له ولا غيرة ومن فقد الغضب بالكلية عجز عن رياضة نفسه فينبغي أن يطلب الوسط بين الطريقين .
متى قويت نار الغضب والتهبت أعمت صاحبها وأصمته عن كل موعظة لأن الغضب يرتفع إلى الدماغ فيغطى على معادن الفكر وربما تعدى إلى معادن الحس فتظلم عينه حتى لا يرى بعينه وتسود الدنيا في وجهه، وربما زاد الغضب فقتل صاحبه .
ومن آثار الغضب في الظاهر تغير اللون وشدة الرعدة في الأطراف، وخروج لأفعال عن الترتيب واستحالة الخلقة وتعاطي فعل المجانين ولو رأى الغضبان صورته في حال غضبه وقبحها لأنف نفسه من تلك الحال، ومعلوم أن قبح الباطن أعظم .
الأسباب المهيجة للغضب
علاج كل علة بحسم مادتها وإزالة أسبابها فمن أسبابه العجب والمزاح والمماراة والمضادة والغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه وهذه الأخلاق رديئة مذمومة شرعاً فينبغي أن يقابل كل واحد من هذه بما يضاده فيجتهد على حسم مواد الغضب وقطع أسبابه .
إذا هاج الغضب فيعالج بأمور :
1. أن يتفكر في الأخبار الواردة في فضل كظم الغيظ والعفو والحلم والاحتمال.
2. أن يخوف نفسه من عقاب الله تعالى وهو أن يقول قدرة الله على أعظم من قدرتي على هذا الإنسان فلو أمضيت فيه غضبى لم آمن أن يمضى الله عز وجل غضبه على يوم القيامة فأنا أحوج ما أكون إلى العفو.
3. أن يحذر نفسه عاقبة العداوة والانتقام وتشمير العدو في هدم أعراضه والشماتة بمصائبه فالإنسان لا يخلو عن المصائب فيخوف نفسه ذلك في الدنيا إن لم يخف من الآخرة.
4. أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب وأنه يشبه حينئذ السبع العادي ويكون مجانباً لأخلاق الأنبياء والعلماء في عادتهم لتميل نفسه إلى الاقتداء بهم .
5. أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام.
6. أن يعلم أن غضبه إنما كان من شيء جرى على وفق مراد الله لا على وفق مراده فكيف يقدم مراده على مراد الله تعالى، هذا ما يتعلق بالقلب .
7. ينبغي له السكون والتعوذ وتغيير الحال وإن كان قائماً جلس وإن كان جالساً اضطجع.
العفو والرفق
العفو أن تستحق حقاً فتسقطه وتؤدى عنه من قصاص أو غرامة وهو غير الحلم والكظم.
الحقد والحسد الغيظ إذا كظم لعجز عن التشفي في الحال رجع إلى الباطن فاحتقن فيه فصار حقداً وعلامته دوام بغض الشخص واستثقاله والنفور منه فالحقد ثمرة الغضب والحسد من نتائج الحقد ..
اعلم أن الله تعالى إذا نعم على أخيك نعمة فلك فيها حالتان :
1. أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها فهذا هو الحسد .
2. أن لا تكره وجودها ولا تحب زوالها ولكنك تشتهى لنفسك مثلها، فهذا يسمى غبطة .
وعلاج الحسد تارة بالرضى بالقضاء وتارة بالزهد في الدنيا وتارة بالنظر فيما يتعلق بتلك النعم من هموم الدنيا وحساب الآخرة فيتسلى بذلك ولا يعمل بمقتضى ما في النفس أصلاً ولا ينطق فإذا فعل ذلك لم يضره ما وضع في جبلته .
الحسد له أسباب : العداوة والتكبر وحب الرياسة وخبث النفس وبخلها
1. أشدها العداوة والبغضاء فمن آذاه إنسان بسبب من الأسباب وخالفه في غرضه أبغضه قلبه ورسخ في نفسه الحقد .
2. الكبر فهو أن يصيب بعض نظرائه مالاً أو ولاية فيخاف أن يتكبر عليه ولا يطيق تكبره وأن يكون من أصاب ذلك دونه فلا يحتمل ترفعه عليه أو مساواته.
3. حب الرياسة والجاه فمثاله أن الرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون إذا غلب عليه حب الثناء واستفزه الفرح بما يمدح به من أنه أوحد العصر إذا سمع بنظير له في أقصى العالم ساءه ذلك وأحب موته أو زوال النعمة التي بها يشاركه في علم أو غير ذلك.
4. خبث النفس وشحها على عباد الله فتجد من الناس من لا يشتغل برئاسة ولا تكبر وإذا وصف عند حسن حال عبد من عباد الله فيما أنعم عليه به شق عليه ذلك وإذا وصف له اضطراب أمور الناس وإدبارهم وتنغيص عيشهم فرح به فهو أبداً يحب الإدبار لغيره ويبخل بنعمة الله على عباده كأنهم يأخذون من ملكه.
حقيقة الدنيا والمذموم منها والمحمود الدنيا أعيان موجودة للإنسان فيها حظ وهى الأرض وما عليها وكل ذلك علف لراحلة بدنه السائر إلى الله عز وجل فلا يبقى إلا بهذه المصالح فمن تناول منها ما يصلحه على الوجه المأمور به مدح . ومن أخذ منها فوق الحاجة يكتنف الشره وقع في الذم فليس للشره في تناول الدنيا وجه لأنه يخرج عن النفع إلى الأذى ويشغل عن طلب الآخرة فيفوت المقصود ويصير بمثابة من أقبل يعلف الناقة ويرد لها الماء، ويغير عليها ألوان الثياب وينسى أن الرفقة قد سارت فإنه يبقى في البادية فريسة للسباع هو وناقته . ولا وجه للتقصير في تناول الحاجة لأن الناقة لا تقوى على السير إلا بتناول ما يصلحها فالطريق السليم هي الوسطى أن يؤخذ من الدنيا قدر ما يحتاج إليه من الزاد للسلوك وإن كان مشتهىً فإعطاء النفس ما تشتهيه عون لها وقضاء لحقها . وينبغي أن يتلمح حظ النفس في المشتهى فإن كان في حظها حفظها وما يقيمها ويصلحها وينشطها للخير فلا يمنعها منه وإن كان حظها مجرد شهوة ليست متعلقة بمصالحها المذكورة فذلك حظ مذموم.
مدح المال المال لا يذم لذاته لأنه سبب للتوصل إلى مصالح الدين والدنيا وحاصل الأمر أن المال مثل حية فيها سم وترياق فترياقه فوائده وغوائله سمه فمن عرف فوائده وغوائله أمكنه أن يحترز من شره ويستدر من خيره .
فوائده
1. أن ينفقه على نفسه إما في عبادة كالحج وإما في الاستعانة على العبادة كالمطعم والملبس والمسكن وغيرها من ضرورات المعيشة.
2. ما يصرفه إلى الناس وهو أربعة أقسام
- الصدقة، وفضائلها كثيرة ومشهورة .
- المروءة ونعنى بها صرف المال إلى الأغنياء والأشراف في ضيافة وهدية وإعانة ونحو ذلك. - وقاية العرض نحو بذل المال لدفع هجو الشعراء.
- ما يعطيه أجراً على الاستخدام فإن الأعمال التي يحتاج إليها الإنسان لمهنة أسبابها كثيرة ولو تولاها بنفسه ضاعت أوقاته، وتعذر عليه سلوك الآخرة بالفكر والذكر.
3. ما لا يصرفه الإنسان إلى معين لكن يحصل عليه به خيراً عاماً كبناء المساجد.
غوائل المال وآفاته
1. أنه يجر إلى المعاصي غالباً لأنه من استشعر القدرة على المعصية انبعثت داعيته إليها.
2. أنه يحرك إلى التنعم في المباحات حتى تصير له عادة وإلفاً، فلا يصبر عنها، وربما لم يقدر على استدامتها إلا بكسب فيه شبهة، فيقتحم الشبهات.
3. لا ينفك عنها أحد وهو أن يلهيه عن ذكر الله وهذا هو الداء العضال.
ذم الحرص والطمع الفقر محمود ولكن ينبغي للفقير أن يكون قانعاً منقطع الطمع عن الخلق غير ملتفت إلى ما في أيديهم ولا حريص على اكتساب المال كيف كان ولا يمكنه ذلك إلا بأن يقنع بقدر الضرورة من المطعم والملبس .
علاج الحرص والطمع والدواء
1. الاقتصاد في المعيشة والرفق في الإنفاق فمن أراد القناعة فينبغي أن يسد عن نفسه أبواب الخروج ما أمكنه، ويرد نفسه إلى ما لابد منه.
2. إذا تيسر له في الحال ما يكفيه فلا يكون شديد الاضطراب لأجل المستقبل ويعينه على ذلك قصر الأمل واليقين بأن رزقه لا بد أن يأتيه وليعلم أن الشيطان يعده الفقر .
3. أن يعرف ما في القناعة من عز الاستغناء وما في الطمع والحرص من الذل وليس في القناعة إلا الصبر عن المشتبهات والفضول، مع ما يحصل له من ثواب الآخرة.
4. أن يكثر تفكره في تنعم اليهود والنصارى وأراذل الناس والحمقى منهم ثم ينظر إلى أحوال الأنبياء والأولياء والصالحين ويسمع أحاديثهم ويطالع أحوالهم ويخير عقله بين مشابهة أراذل العالمين، أو صفوة الخلق عند الله تعالى.
5. أن يفهم ما في جمع المال من الخطر وينظر إلى ثواب الفقر ويتم ذلك بأن ينظر أبداً من دونه في الدنيا وإلى من فوقه في الدين.
لزوم القناعة لمن فقد المال ينبغي لمن فقد المال أن يستعمل القناعة ولمن وجده أن يستعمل السخاء والإيثار واصطناع المعروف فالسخاء أخلاق الأنبياء وأصل من أصول النجاة .
لحب المال سببان :
1. حب الشهوات التي لا وصول إليها إلا بالمال مع طول الأمل وإن كان قصير الأمل وله ولد فيقوم مقام طول الأمل .
2. أن يحب عين المال فمن الناس من معه ما يكفيه لبقية عمره لو اقتصر على ما جرت عادته به ويفضل معه آلاف ويكون شيخاً لا ولد له ثم لا تسمح نفسه بإخراج الواجب عليه ولا بصدقة تنفعه، ويعلم أنه إذا مات أخذه أعداؤه أو ضاع إن كان مدفوناً وهذا مرض لا يرجى علاجه .
علاج حب الجاه من غلب على قلبه حب الجاه صار مقصور الهم على مراعاة الخلق مشغوفاً بالتردد إليهم ولا يزال في أقواله وأفعاله ملتفتاً إلى ما يعظم منزلته عندهم وذلك بذر النفاق وأصل الفساد فيجب علاجه بالعلم والعمل
1. أما الأول فهو أن يعلم أن السبب الذي لأجله أحب الجاه هو كمال القدوة على أشخاص الناس وقلوبهم وذلك إذا صفا وسلم يكون في آخره الموت.
2. أما الثاني فهو إسقاط الجاه من قلوب الخلق بأفعال توجب ذلك.
عدم الاكتراث بذم الناس
أكثر الناس هلكوا لخوف مذمة الناس وحب مدحهم فصارت حركاته على ما يوافق رضى الناس وذلك من المهلكات فوجبت معالجته وطريق ذلك أن ننظر إلى الصفة التي مدحت بها إن كانت موجودة فيك فلا يخلو إما أن يكون مما يفرح به كالعلم أو مما لا يصلح أن يفرح به كالجاه
1. أما الأول فينبغي أن يحذر من الخاتمة فالخوف منها شغل عن الفرح بالمدح ثم إن كنت تفرح بها على رجاء حسن الخاتمة فينبغي أن يكون فرحك بفضل الله عليك بالعلم لا بمدح الناس .
2. أما الثاني فالفرح بذلك كالفرح بنبات الأرض الذي يصير عن قريب هشيماً ولا يفرح بذلك إلا من قل عقله وإن كنت خالياً عن الصفة التي مدحت بها ففرحك بالمدح غاية الجنون .
إن افترى عليك بما أنت منه بريء ينبغي أن تتفكر في ثلاثة أشياء :
1. أنك إن خلوت من ذلك العيب لم تخل من أمثاله فما ستر الله عز وجل عليك من عيوبك أكثر فاشكره إذ لم يطلعه على عيوبك ودفعه عنك فذكر ما أنت عنه بريء .
2. أن ذلك كفارات لذنوبك .
3. أنه جنى على دينه وتعرض لغضب الله عليه فينبغي أن يسأل الله العفو عنه.
الرياء في الدين أنواع :
1. أن يكون من جهة البدن بإظهار النحول والصفار ليريهم شدة الاجتهاد وغلبة خوف الآخرة
2. الرياء من جهة الزي كالإطراق حالة المشي وإبقاء أثر السجود على الوجه وغلظ الثياب ولبس الصوف.
3. الرياء بالقول بالوعظ والتذكير وحفظ الأخبار والآثار لأجل المحاورة وإظهار غزارة العلم والدلالة على شدة العناية بأحوال السلف وتحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس.
4. الرياء بالعمل كمرآة المصلى بطول القيام وتطويل الركوع ونحو ذلك.
5. المراءاة بالأصحاب والزائرين كالذي يتكلف أن يستزير عالماً أو عابداً وكذلك من يرائي بكثرة الشيوخ.
أبواب الرياء بعضها أشد من بعض
1. أشدها أن لا يكون مراده بالعبادة الثواب أصلاً.
2. أن يقصد الثواب مع الرياء قصداً ضعيفاً بحيث لو كان خالياً لم يفعله فهو قريب من القسم الأول في كونهما ممقوتين عند الله تعالى .
3. أن يكون قصد الرياء وقصد الثواب متساويين بحيث لو انفرد كل واحد منهما عن الآخر لم يبعثه على العمل فهذا قد أفسد مثل ما أصلح ولا يسلم من الإثم.
4. أن يكون إطلاع الناس عليه مقوياً لنشاطه ولو لم يطلع عليه أحد لم يترك العبادة فهذا يثاب على قصده الصحيح ويعاقب على الفاسد، وقريب من ذلك الرياء بأوصاف العبادة لا بأصلها، كالذي يصلى وغرضه تخفيف الركوع والسجود ولا يطيل القراءة، فإذا رآه الناس أحسن ذلك فهذا أيضاً من الرياء المحظور، لأنه يتضمن تعظيم الخلق، ولكنه دون الرياء بأصول العبادات .
الرياء الخفي الذي هو أخفى من دبيب النمل
1. الجلي هو الذي يبعث على العمل ويحمل عليه
2. أخفى منه قليلاً رياء لا يبعث على العمل بمجرده لكن يخفف العمل الذي أريد به وجه الله كالذي يعتاد التهجد كل ليلة ويثقل عليه فإذا نزل عنده ضيف نشط له وسهل عليه.
3. أخفى من ذلك ما لا يؤثر في العمل ولا في التسهيل لكنه مع ذلك مستبطن في القلب ومتى لم يؤثر الدعاء في العمل لم يكن أن يعرف إلا بالعلامات .
4. وقد يخفى فلا يدعو إلى الإظهار بالنطق تعريضاً ولا تصريحاً ولكن بالشمائل كإظهار النحول والصفار وخفض الصوت ويبس الشفتين وآثار الدموع وغلبة النعاس الدالة على طول التهجد .
فوائد من كتاب
"مختصر منهاج القاصدين"
لزوجتي بارك الله فيها
أبو جهاد الجزائري
وفيها
مداخل إبليس في قلب الإنسان
التوبة شروطها وأركانها
الزهد والفقر
الصبر والشكر
التوكل
مداخل إبليس في قلب الإنسان
مثل القلب كمثل حصن والشيطان عدو يريد أن يدخل الحصن ويملكه ولا يمكن حفظ الحصن إلا بحراسة أبوابه ولا يقدر على حراسة أبوابه من لا يعرفها ولا يتوصل إلى دفع الشيطان إلا بمعرفة مداخله ومداخل الشيطان وأبوابه صفات العبد وهى كثيرة
فمن أبوابه العظيمة :
1. الحسد والحرص فمتى كان العبد حريصاً على شيء أعماه حرصه وأصمه وإذا كان حسوداً يجد الشيطان الفرصة فيحسن عند الحريص كل ما يوصله إلى شهوته وإن كان منكراً أو فاحشاً .
2. الغضب والشهوة والحدة فالغضب غول العقل وإذا ضعف جند العقل هجم الشيطان فلعب بالإنسان.
3. لا يزال يدعو إلى عمارة الدار وتزيين سقوفها وحيطانها والتزين بالثياب والأثاث فيخسر الإنسان طول عمره في ذلك .
4. الشبع يقوي الشهوة ويشغل عن الطاعة .
5. الطمع في الناس فمن طمع في شخص بالغ بالثناء عليه بما ليس فيه وداهنه ولم يأمره بالمعروف ولم ينهه عن المنكر .
6. العجلة وترك التثبت.
7. حب المال متى تمكن من القلب أفسده وحمله على طلب المال من غير وجهه وأخرجه إلى البخل وخوفه الفقر فمنع الحقوق اللازمة.
8. حمل العوام على التعصب في المذاهب دون العمل بمقتضاها .
9. سوء الظن بالمسلمين فمن حكم على مسلم بسوء ظنه احتقره وأطلق فيه لسانه ورأى نفسه خيراً منه، وإنما يترشح سوء الظن بخبث الظان.
ثبات القلوب على الخير
القلوب في الثبات على الخير والشر والتردد بينهما ثلاثة :
1. قلب عَمُرَّ بالتقوى وطهر عن خبائث الأخلاق فتتفرج فيه خواطر الخير من خزائن الغيب فيمده الملك بالهدى .
2. قلب مخذول مشحون بالهوى ملوث بالأخلاق الذميمة فيقوى فيه سلطان الشيطان ويضعف سلطان الإيمان ويمتلئ بدخان الهوى، فيعدم النور فلا يمكنه النظر ولا يؤثر عنده زجر ولا وعظ .
3. قلب يبتدئ فيه خاطر الهوى فيدعوه إلى الشر فيلحقه خاطر الإيمان فيدعوه إلى الخير.
كتاب رياضة النفس وتهذيب الخلق ومعالجة أمراض القلوب. الإنسان مركب من جسد ونفس فالجسد مدرك بالبصر والنفس مدركة بالبصيرة ولكل واحدة منها هيئة وصورة إما جميلة وإما قبيحة والنفس المدركة بالبصيرة أعظم قدراً من الجسد المدرك بالبصر فالخلق عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية فإن كانت الأفعال جميلة سميت خلقاً حسناً وإن كانت قبيحة سميت خلقاً سيئاً وقد زعم بعض من غلبت عليه البطالة فاستثقل الرياضة أن الأخلاق لا يتصور تغييرها كما لا يتصور تغيير صورة الظاهر .
ولو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لم يكن للمواعظ والوصايا معنى إلا أن بعض الطباع سريعة القبول للصلاح وبعضها مستصعبة.
الطريق إلى تهذيب الأخلاق الاعتدال في الأخلاق هو الصحة في النفس والميل عن الاعتدال سقم ومرض فمثال النفس في علاجها كالبدن في علاجه.
1. فكما أن البدن لا يخلق كاملاً وإنما يكمل بالتربية والغذاء كذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال وإنما تكمل بالتزكية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم.
2. وكما أن البدن إذا كان صحيحاً فشأن الطبيب العمل على حفظ الصحة وإن كان مريضاً فشأنه جلب الصحة إليه كذلك النفس إذا كانت زكية مهذبة الخلاق ينبغي أن يسعى بحفظها وجلب مزيد القوة إليها وإن كانت عديمة الكمال فيسعى بجلب ذلك إليه .
3. وكما أن العلة الموجبة لمرض البدن لا تعالج إلا بضدها فكذلك الأخلاق الرذيلة التي هي من مرض القلب علاجها بضدها فيعالج مرض الجهل بالعلم ومرض البخل بالسخاء.
4. وكما أنه لابد من احتمال مرارة الدواء وشدة الصبر عن المشتهيات لصلاح الأبدان المريضة فكذلك لابد من احتمال المجاهدة والصبر على مداومة مرض القلب بل أولى، فمرض البدن يخلص منه بالموت ومرض القلب عذاب يدوم بعد الموت أبداً.
علامات مرض القلب وعوده إلى الصحة. مرض القلب أن يتعذر عليه فعله الخاص به الذي خلق لأجله وهو العلم والحكمة والمعرفة وحب الله وعبادته وإيثار ذلك على كل شهوة .
فلو أن الإنسان عرف كل شيء ولم يعرف الله سبحانه كان كأنه لم يعرف شيئاً وعلامة المعرفة الحب فمن عرف الله أحبه وعلامة المحبة أن لا يؤثر عليه شيئاً من المحبوبات فمن آثر عليه شيئاً من المحبوبات فقلبه مريض.
ومرض القلب خفي قد لا يعرفه صاحبه فيغفل عنه وإن عرفه صعب عليه الصبر على مرارة دوائه لأن دواءه مخالف الهوى وإن وجد الصبر لم يجد طبيباً حاذقاً يعالجه فإن الأطباء هم العلماء والمرض قد استولى عليهم والطبيب المريض قلما يلتفت إلى علاجه فلهذا صار الداء عضالاً.
من أراد الوقوف على عيب نفسه فله في ذلك أربع طرق :
1. أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس يعرف عيوب نفسه وطرق علاجها وهذا قد عز في هذا الزمان وجوده فمن وقع به، فقد وقع بالطبيب الحاذق فلا ينبغي أن يفارقه .
2. أن يطلب صديقاً صدوقاً بصيراً متديناً وينصبه رقيباً على نفسه لينبهه على المكروه من أخلاقه وأفعاله رحم الله امرءاً أهدى إلينا عيوبنا ...
3. أن يستفيد معرفة نفسه من ألسنة أعدائه فإن عين السخط تبدى المساوئ وانتفاع الإنسان بعدو يذكر عيوبه أكثر من انتفاعه بصديق مداهن يخفى عنه عيوبه .
4. أن يخالط الناس فكل ما يراه مذموماً فيما بينهم يجتنبه .
شهوات النفوس
شهوات النفوس لم توضع إلا لفائدة وإنما المذموم فضول الشهوات وطغيانها وثمة قوم لم يفهموا هذا القدر فأخذوا يتركون كل ما تشتهيه النفس وهذا ظلم لها بإسقاط حقها فإن لها حقاً.
علامات حسن الخلق
ربما جاهد المريد نفسه حتى ترك الفواحش والمعاصي ثم ظن أنه قد هذب خلقه واستغنى عن المجاهدة وليس كذلك فحسن الخلق هو مجموع صفات المؤمنين وقد وصفهم الله تعالى فقال : { إنما المؤمنين الذين ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون* الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون* أولئك هم المؤمنون حقاً } وقال : { التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين } وقال تعالى : { قد أفلح المؤمنون } إلى قوله { أولئك هم الوارثون } وقال : { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً } فمن أشكل عليه حاله فليعرض نفسه على هذه الآيات فوجود جميع هذه الصفات علامة حسن الخلق وفقد جميعها علامة سوء الخلق ووجود بعضها دون البعض يدل على البعض دون البعض فليشتغل بحفظ ما وجده وتحصيل ما فقده .
رياضة الصبيان في أول النشوء الصبي أمانة عند والديه فإن عود الخير نشأ عليه وشاركه أبواه ومؤدبه في ثوابه وإن عود الشر نشأ عليه وكان الوزر في عنق وليه فينبغي
1. أن يصونه ويؤدبه ويهذبه.
2. يعلمه محاسن الأخلاق.
3. يحفظه من قرناء السوء.
4. لا يعوده التنعم، ولا يحبب إليه أسباب الرفاهية فيضيع عمره في طلبها إذا كبر.
5. أن يراقبه من أول عمره فلا يستعمل في رضاعة وحضانته إلا امرأة صالحة متدينة تأكل الحلال.
6. أن يعلم آداب الأكل.
7. يقبح عنده كثرة الأكل.
8. يحبب إليه الثياب البيض دون الملونة ويقرر عنده أنه شأن النساء والمخنثين.
9. يمنعه من مخالطة الصبيان الذين عودوا التنعم.
10. يشغله في المكتب بتعليم القرآن والحديث ليغرس في قلبه حب الصالحين ولا يحفظ من الأشعار التي فيها ذكر العشق .
11. متى ظهر منه خلق جميل يكرم عليه فإن خالف ذلك في بعض الأحوال تغوفل عنه فإن عاد عوتب سراً وخوف من اطلاع الناس عليه ولا يكثر عليه العتاب لأن ذلك يهون عليه سماع الملامة.
12. ينبغي للأم أن تخوفه بالأب.
13. أن يمنع النوم نهاراً فإنه يورث الكسل ولا يمنع النوم ليلاً ولكنه يمنع الفرش الوطيئة لتتصلب أعضاؤه .
14. يتعود الخشونة في المفرش والملبس والمطعم .
15. يعود المشي والحركة والرياضة لئلا يغلب عليه الكسل .
16. يمنع أن يفتخر على أقرانه بشيء مما يملكه أبواه.
17. يعود التواضع والإكرام لمن يعاشره .
18. يمنع أن يأخذ شيئا من صبى مثله.
19. يعلم أن الأخذ دناءة، وأن الرفعة في الإعطاء .
20. يقبح عنده حب الذهب والفضة .
21. يعود أن لا يبصق في مجلسه ولا يتمخط ولا يتثاءب بحضرة غيره ولا يضع رجلا على رجل.
22. يمنع من كثرة الكلام .
23. يعود أن لا يتكلم إلا جواباً وأن يحسن الاستماع إذا تكلم غيره ممن هو أكبر منه .
24. أن يقوم لمن هو فوقه ويجلس بين يديه .
25. يمنع من فحش الكلام ومخالطة من يفعل ذلك.
26. يحسن أن يفسح له بعد خروجه من المكتب في لعب جميل ليستريح به من تعب التأديب.
27. أن يعلم طاعة والديه ومعلمه وتعظيمهم .
28. إذا بلغ سبع سنين أمر بالصلاة ولم يسامح في ترك الطهارة ليتعود ويخوف من الكذب والخيانة.
29. إذا قارب البلوغ ألقيت إليه الأمور .
شروط الرياضة
من شاهد الآخرة بقلبه مشاهدة يقين أصبح مريداً لها زاهداً في الدنيا.
ومن رزقه الله الانتباه لذلك، فعليه لسلوك الرياضة شرطاً لابد من تقديمه ومعتصماً لابد من التمسك به وحصناً لابد من التحصن به . أما الشرط فرفع الحجاب بترك الذنوب . وأما المعتصم فشيخ يدله على الطريق لئلا تختطفه الشياطين في السبل . وأما الحصن فالخلوة وعليه من الوظائف مخالفه الهوى وكثرة الذكر ومنتهى الرياضة أن يجد قلبه مع الله أبداً ولا يمكن ذلك إلا بأن يخلو عن غيره ولا يخلو إلا بطول المجاهد.
كسر الشهوتين شهوة البطن وشهوة الفرج
طريق الرياضة في كسر شهوة البطن أن من تعود استدامة الشبع فينبغي له أن يقلل من مطعمه يسيراً مع الزمان إلى أن يقف على حد التوسط وخير الأمور أوساطها فالأولى تناول مالا يمنع من العبادات ويكون سبباً لبقاء القوة فلا يحس المتناول بجوع ولا شبع فحينئذ يصح البدن وتجتمع الهمة ويصفو الفكر ومتى زاد في الأكل أورثه كثرة النوم وبلادة الذهن وذلك بتكثير البخار في الدماغ حتى يغطى مكان الفكر وموضع الذكر ويجلب أمراضاً أخر وليحذر من ترك شيئاً من الشهوات أن تتطرق إليه آفة الرياء، وقد كان بعضهم يشترى الشهوة ويعلقها في بيته وهو زاهد فيها، يستر بها زهده وهذا هو نهاية الزهد الزهد في الزهد بإظهار ضده، وهو عمل الصديقين لأنه يجرع نفسه كأس الصبر مرتين والثانية أمر .
شهوة الفرج سلطت على الآدمي لفائدتين : - بقاء النسل - ليدرج لذة يقيس عليها لذات الآخرة فما لم يدرك جنسه بالذوق لا يعظم إليه الشوق
إلا أنه إذ لم ترد هذه الشهوة إلى الاعتدال جلبت آفات كثيرة ولولا ذلك ما كان النساء حبائل الشيطان.
وقد ينتهي الإفراط في هذه الشهوة حتى تصرف همة الرجل إلى كثرة التمتع بالنساء فيشغله عن ذكر الآخرة وربما آل إلى الفواحش وقد تنتهي بصاحبها إلى العشق وهو أقبح الشهوات وأجدرها أن تستحيي منه.
آفات اللسان آفاته كثيرة ومتنوعة ولها في القلب حلاوة ولها بواعث من الطبع ولا نجاة من خطرها إلا بالصمت لأنه يجمع الهمة ويفرغ الفكر وفى الحديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : " من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة "
آفات الكلام :
1. الكلام فيما لا يعنى.
2. الخوض في الباطل وهو الكلام في المعاصي.
3. التقعر في الكلام وذلك يكون بالتشدق وتكلف السجع .
4. الفحش والسب والبذاء.
5. المزاح أما اليسير منه فلا ينهى عنه إذا كان صدقاً .
6. السخرية والاستهزاء.
7. إفشاء السر وإخلاف الوعد والكذب في القول واليمين وكل ذلك منهي عنه، إلا ما رخص فيه من الكذب لزوجته وفى الحرب.
8. الغيبة أن تذكر أخاك الغائب بما يكره.
9. النميمة.
10. كلام ذي اللسانين الذي يتردد بين المتعادين وينقل كلام كل واحد إلى الآخر ويكلم كل واحد بكلام يوافقه أو يعده أنه ينصره أو يثنى على الواحد في وجهه ويذمه عند الأخر .
المدح له آفات : منها ما يتعلق بالمادح ومنها ما يتعلق بالممدوح .
آفات المادح
1. قد يقول ما لا يتحققه ولا سبيل للاطلاع عليه
2. قد يفرط في المدح فينتهي إلى الكذب،
3. قد يمدح من ينبغي لأن يذم .
على الممدوح أن يكون شديد الاحتراز من آفة الكبر والعجب والفتور عن العمل ولا ينجو من هذه الآفات إلا أن يعرف نفسه ويتفكر في أن المادح لو عرف منه ما يعرف من نفسه ما مدحه ..
ذم الغضب والحقد والحسد الغضب شعلة من النار والإنسان ينزع فيه عند الغضب عرق إلى الشيطان اللعين ومن نتائج الغضب الحقد والحسد ومما يدل على ذم الغضب قوله صلى الله عليه وآله وسلم للرجل الذي قال له : أوصني، قال : " لا تغضب " ، فردد عليه مراراً قال : " لا تغضب ".
حقيقة الغضب : غليان دم القلب لطلب الانتقام فمتى غضب الإنسان ثارت نار الغضب ثوراناً يغلى به دم القلب وينتشر بالعروق ويرتفع إلى أعالي البدن لذلك يحمر الوجه والعين والبشرة وكل ذلك يحكى لون ما وراءه من حمرة الدم وإنما ينبسط الدم إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه . فإن كان الغضب صدر ممن فوقه وكان معه يأس من الانتقام تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب فصار حزناً ولذلك يصفر اللون. وإن كان الغضب من نظير يشك فيه تردد الدم بين انقباض وانبساط، فيحمر ويصفر ويضطرب فالانتقام هو قوت لقوة الغضب . الناس في قوة الغضب على درجات ثلاث : إفراط، وتفريط، واعتدال . فلا يحمد الإفراط فيها لأنه يخرج العقل والدين عن سياستهما فلا يبقى مع ذلك نظر ولا فكر ولا اختيار . والتفريط في هذه القوة مذموم لأنه يبقى لا حمية له ولا غيرة ومن فقد الغضب بالكلية عجز عن رياضة نفسه فينبغي أن يطلب الوسط بين الطريقين .
متى قويت نار الغضب والتهبت أعمت صاحبها وأصمته عن كل موعظة لأن الغضب يرتفع إلى الدماغ فيغطى على معادن الفكر وربما تعدى إلى معادن الحس فتظلم عينه حتى لا يرى بعينه وتسود الدنيا في وجهه، وربما زاد الغضب فقتل صاحبه .
ومن آثار الغضب في الظاهر تغير اللون وشدة الرعدة في الأطراف، وخروج لأفعال عن الترتيب واستحالة الخلقة وتعاطي فعل المجانين ولو رأى الغضبان صورته في حال غضبه وقبحها لأنف نفسه من تلك الحال، ومعلوم أن قبح الباطن أعظم .
الأسباب المهيجة للغضب
علاج كل علة بحسم مادتها وإزالة أسبابها فمن أسبابه العجب والمزاح والمماراة والمضادة والغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه وهذه الأخلاق رديئة مذمومة شرعاً فينبغي أن يقابل كل واحد من هذه بما يضاده فيجتهد على حسم مواد الغضب وقطع أسبابه .
إذا هاج الغضب فيعالج بأمور :
1. أن يتفكر في الأخبار الواردة في فضل كظم الغيظ والعفو والحلم والاحتمال.
2. أن يخوف نفسه من عقاب الله تعالى وهو أن يقول قدرة الله على أعظم من قدرتي على هذا الإنسان فلو أمضيت فيه غضبى لم آمن أن يمضى الله عز وجل غضبه على يوم القيامة فأنا أحوج ما أكون إلى العفو.
3. أن يحذر نفسه عاقبة العداوة والانتقام وتشمير العدو في هدم أعراضه والشماتة بمصائبه فالإنسان لا يخلو عن المصائب فيخوف نفسه ذلك في الدنيا إن لم يخف من الآخرة.
4. أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب وأنه يشبه حينئذ السبع العادي ويكون مجانباً لأخلاق الأنبياء والعلماء في عادتهم لتميل نفسه إلى الاقتداء بهم .
5. أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام.
6. أن يعلم أن غضبه إنما كان من شيء جرى على وفق مراد الله لا على وفق مراده فكيف يقدم مراده على مراد الله تعالى، هذا ما يتعلق بالقلب .
7. ينبغي له السكون والتعوذ وتغيير الحال وإن كان قائماً جلس وإن كان جالساً اضطجع.
العفو والرفق
العفو أن تستحق حقاً فتسقطه وتؤدى عنه من قصاص أو غرامة وهو غير الحلم والكظم.
الحقد والحسد الغيظ إذا كظم لعجز عن التشفي في الحال رجع إلى الباطن فاحتقن فيه فصار حقداً وعلامته دوام بغض الشخص واستثقاله والنفور منه فالحقد ثمرة الغضب والحسد من نتائج الحقد ..
اعلم أن الله تعالى إذا نعم على أخيك نعمة فلك فيها حالتان :
1. أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها فهذا هو الحسد .
2. أن لا تكره وجودها ولا تحب زوالها ولكنك تشتهى لنفسك مثلها، فهذا يسمى غبطة .
وعلاج الحسد تارة بالرضى بالقضاء وتارة بالزهد في الدنيا وتارة بالنظر فيما يتعلق بتلك النعم من هموم الدنيا وحساب الآخرة فيتسلى بذلك ولا يعمل بمقتضى ما في النفس أصلاً ولا ينطق فإذا فعل ذلك لم يضره ما وضع في جبلته .
الحسد له أسباب : العداوة والتكبر وحب الرياسة وخبث النفس وبخلها
1. أشدها العداوة والبغضاء فمن آذاه إنسان بسبب من الأسباب وخالفه في غرضه أبغضه قلبه ورسخ في نفسه الحقد .
2. الكبر فهو أن يصيب بعض نظرائه مالاً أو ولاية فيخاف أن يتكبر عليه ولا يطيق تكبره وأن يكون من أصاب ذلك دونه فلا يحتمل ترفعه عليه أو مساواته.
3. حب الرياسة والجاه فمثاله أن الرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون إذا غلب عليه حب الثناء واستفزه الفرح بما يمدح به من أنه أوحد العصر إذا سمع بنظير له في أقصى العالم ساءه ذلك وأحب موته أو زوال النعمة التي بها يشاركه في علم أو غير ذلك.
4. خبث النفس وشحها على عباد الله فتجد من الناس من لا يشتغل برئاسة ولا تكبر وإذا وصف عند حسن حال عبد من عباد الله فيما أنعم عليه به شق عليه ذلك وإذا وصف له اضطراب أمور الناس وإدبارهم وتنغيص عيشهم فرح به فهو أبداً يحب الإدبار لغيره ويبخل بنعمة الله على عباده كأنهم يأخذون من ملكه.
حقيقة الدنيا والمذموم منها والمحمود الدنيا أعيان موجودة للإنسان فيها حظ وهى الأرض وما عليها وكل ذلك علف لراحلة بدنه السائر إلى الله عز وجل فلا يبقى إلا بهذه المصالح فمن تناول منها ما يصلحه على الوجه المأمور به مدح . ومن أخذ منها فوق الحاجة يكتنف الشره وقع في الذم فليس للشره في تناول الدنيا وجه لأنه يخرج عن النفع إلى الأذى ويشغل عن طلب الآخرة فيفوت المقصود ويصير بمثابة من أقبل يعلف الناقة ويرد لها الماء، ويغير عليها ألوان الثياب وينسى أن الرفقة قد سارت فإنه يبقى في البادية فريسة للسباع هو وناقته . ولا وجه للتقصير في تناول الحاجة لأن الناقة لا تقوى على السير إلا بتناول ما يصلحها فالطريق السليم هي الوسطى أن يؤخذ من الدنيا قدر ما يحتاج إليه من الزاد للسلوك وإن كان مشتهىً فإعطاء النفس ما تشتهيه عون لها وقضاء لحقها . وينبغي أن يتلمح حظ النفس في المشتهى فإن كان في حظها حفظها وما يقيمها ويصلحها وينشطها للخير فلا يمنعها منه وإن كان حظها مجرد شهوة ليست متعلقة بمصالحها المذكورة فذلك حظ مذموم.
مدح المال المال لا يذم لذاته لأنه سبب للتوصل إلى مصالح الدين والدنيا وحاصل الأمر أن المال مثل حية فيها سم وترياق فترياقه فوائده وغوائله سمه فمن عرف فوائده وغوائله أمكنه أن يحترز من شره ويستدر من خيره .
فوائده
1. أن ينفقه على نفسه إما في عبادة كالحج وإما في الاستعانة على العبادة كالمطعم والملبس والمسكن وغيرها من ضرورات المعيشة.
2. ما يصرفه إلى الناس وهو أربعة أقسام
- الصدقة، وفضائلها كثيرة ومشهورة .
- المروءة ونعنى بها صرف المال إلى الأغنياء والأشراف في ضيافة وهدية وإعانة ونحو ذلك. - وقاية العرض نحو بذل المال لدفع هجو الشعراء.
- ما يعطيه أجراً على الاستخدام فإن الأعمال التي يحتاج إليها الإنسان لمهنة أسبابها كثيرة ولو تولاها بنفسه ضاعت أوقاته، وتعذر عليه سلوك الآخرة بالفكر والذكر.
3. ما لا يصرفه الإنسان إلى معين لكن يحصل عليه به خيراً عاماً كبناء المساجد.
غوائل المال وآفاته
1. أنه يجر إلى المعاصي غالباً لأنه من استشعر القدرة على المعصية انبعثت داعيته إليها.
2. أنه يحرك إلى التنعم في المباحات حتى تصير له عادة وإلفاً، فلا يصبر عنها، وربما لم يقدر على استدامتها إلا بكسب فيه شبهة، فيقتحم الشبهات.
3. لا ينفك عنها أحد وهو أن يلهيه عن ذكر الله وهذا هو الداء العضال.
ذم الحرص والطمع الفقر محمود ولكن ينبغي للفقير أن يكون قانعاً منقطع الطمع عن الخلق غير ملتفت إلى ما في أيديهم ولا حريص على اكتساب المال كيف كان ولا يمكنه ذلك إلا بأن يقنع بقدر الضرورة من المطعم والملبس .
علاج الحرص والطمع والدواء
1. الاقتصاد في المعيشة والرفق في الإنفاق فمن أراد القناعة فينبغي أن يسد عن نفسه أبواب الخروج ما أمكنه، ويرد نفسه إلى ما لابد منه.
2. إذا تيسر له في الحال ما يكفيه فلا يكون شديد الاضطراب لأجل المستقبل ويعينه على ذلك قصر الأمل واليقين بأن رزقه لا بد أن يأتيه وليعلم أن الشيطان يعده الفقر .
3. أن يعرف ما في القناعة من عز الاستغناء وما في الطمع والحرص من الذل وليس في القناعة إلا الصبر عن المشتبهات والفضول، مع ما يحصل له من ثواب الآخرة.
4. أن يكثر تفكره في تنعم اليهود والنصارى وأراذل الناس والحمقى منهم ثم ينظر إلى أحوال الأنبياء والأولياء والصالحين ويسمع أحاديثهم ويطالع أحوالهم ويخير عقله بين مشابهة أراذل العالمين، أو صفوة الخلق عند الله تعالى.
5. أن يفهم ما في جمع المال من الخطر وينظر إلى ثواب الفقر ويتم ذلك بأن ينظر أبداً من دونه في الدنيا وإلى من فوقه في الدين.
لزوم القناعة لمن فقد المال ينبغي لمن فقد المال أن يستعمل القناعة ولمن وجده أن يستعمل السخاء والإيثار واصطناع المعروف فالسخاء أخلاق الأنبياء وأصل من أصول النجاة .
لحب المال سببان :
1. حب الشهوات التي لا وصول إليها إلا بالمال مع طول الأمل وإن كان قصير الأمل وله ولد فيقوم مقام طول الأمل .
2. أن يحب عين المال فمن الناس من معه ما يكفيه لبقية عمره لو اقتصر على ما جرت عادته به ويفضل معه آلاف ويكون شيخاً لا ولد له ثم لا تسمح نفسه بإخراج الواجب عليه ولا بصدقة تنفعه، ويعلم أنه إذا مات أخذه أعداؤه أو ضاع إن كان مدفوناً وهذا مرض لا يرجى علاجه .
علاج حب الجاه من غلب على قلبه حب الجاه صار مقصور الهم على مراعاة الخلق مشغوفاً بالتردد إليهم ولا يزال في أقواله وأفعاله ملتفتاً إلى ما يعظم منزلته عندهم وذلك بذر النفاق وأصل الفساد فيجب علاجه بالعلم والعمل
1. أما الأول فهو أن يعلم أن السبب الذي لأجله أحب الجاه هو كمال القدوة على أشخاص الناس وقلوبهم وذلك إذا صفا وسلم يكون في آخره الموت.
2. أما الثاني فهو إسقاط الجاه من قلوب الخلق بأفعال توجب ذلك.
عدم الاكتراث بذم الناس
أكثر الناس هلكوا لخوف مذمة الناس وحب مدحهم فصارت حركاته على ما يوافق رضى الناس وذلك من المهلكات فوجبت معالجته وطريق ذلك أن ننظر إلى الصفة التي مدحت بها إن كانت موجودة فيك فلا يخلو إما أن يكون مما يفرح به كالعلم أو مما لا يصلح أن يفرح به كالجاه
1. أما الأول فينبغي أن يحذر من الخاتمة فالخوف منها شغل عن الفرح بالمدح ثم إن كنت تفرح بها على رجاء حسن الخاتمة فينبغي أن يكون فرحك بفضل الله عليك بالعلم لا بمدح الناس .
2. أما الثاني فالفرح بذلك كالفرح بنبات الأرض الذي يصير عن قريب هشيماً ولا يفرح بذلك إلا من قل عقله وإن كنت خالياً عن الصفة التي مدحت بها ففرحك بالمدح غاية الجنون .
إن افترى عليك بما أنت منه بريء ينبغي أن تتفكر في ثلاثة أشياء :
1. أنك إن خلوت من ذلك العيب لم تخل من أمثاله فما ستر الله عز وجل عليك من عيوبك أكثر فاشكره إذ لم يطلعه على عيوبك ودفعه عنك فذكر ما أنت عنه بريء .
2. أن ذلك كفارات لذنوبك .
3. أنه جنى على دينه وتعرض لغضب الله عليه فينبغي أن يسأل الله العفو عنه.
الرياء في الدين أنواع :
1. أن يكون من جهة البدن بإظهار النحول والصفار ليريهم شدة الاجتهاد وغلبة خوف الآخرة
2. الرياء من جهة الزي كالإطراق حالة المشي وإبقاء أثر السجود على الوجه وغلظ الثياب ولبس الصوف.
3. الرياء بالقول بالوعظ والتذكير وحفظ الأخبار والآثار لأجل المحاورة وإظهار غزارة العلم والدلالة على شدة العناية بأحوال السلف وتحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس.
4. الرياء بالعمل كمرآة المصلى بطول القيام وتطويل الركوع ونحو ذلك.
5. المراءاة بالأصحاب والزائرين كالذي يتكلف أن يستزير عالماً أو عابداً وكذلك من يرائي بكثرة الشيوخ.
أبواب الرياء بعضها أشد من بعض
1. أشدها أن لا يكون مراده بالعبادة الثواب أصلاً.
2. أن يقصد الثواب مع الرياء قصداً ضعيفاً بحيث لو كان خالياً لم يفعله فهو قريب من القسم الأول في كونهما ممقوتين عند الله تعالى .
3. أن يكون قصد الرياء وقصد الثواب متساويين بحيث لو انفرد كل واحد منهما عن الآخر لم يبعثه على العمل فهذا قد أفسد مثل ما أصلح ولا يسلم من الإثم.
4. أن يكون إطلاع الناس عليه مقوياً لنشاطه ولو لم يطلع عليه أحد لم يترك العبادة فهذا يثاب على قصده الصحيح ويعاقب على الفاسد، وقريب من ذلك الرياء بأوصاف العبادة لا بأصلها، كالذي يصلى وغرضه تخفيف الركوع والسجود ولا يطيل القراءة، فإذا رآه الناس أحسن ذلك فهذا أيضاً من الرياء المحظور، لأنه يتضمن تعظيم الخلق، ولكنه دون الرياء بأصول العبادات .
الرياء الخفي الذي هو أخفى من دبيب النمل
1. الجلي هو الذي يبعث على العمل ويحمل عليه
2. أخفى منه قليلاً رياء لا يبعث على العمل بمجرده لكن يخفف العمل الذي أريد به وجه الله كالذي يعتاد التهجد كل ليلة ويثقل عليه فإذا نزل عنده ضيف نشط له وسهل عليه.
3. أخفى من ذلك ما لا يؤثر في العمل ولا في التسهيل لكنه مع ذلك مستبطن في القلب ومتى لم يؤثر الدعاء في العمل لم يكن أن يعرف إلا بالعلامات .
4. وقد يخفى فلا يدعو إلى الإظهار بالنطق تعريضاً ولا تصريحاً ولكن بالشمائل كإظهار النحول والصفار وخفض الصوت ويبس الشفتين وآثار الدموع وغلبة النعاس الدالة على طول التهجد .
تعليق