منقول من خطبة للشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي حفظه الله
أسبابُ التوفيق إلى حسنِ الخاتمةِ النيةُ الصالحة والإخلاصُ لله؛ لأنَّ النيةَ والإخلاص شرطان للأعمالِ المقبولة.
ومِن أسباب الخاتمة الحسنةِ المحافظةُ على الصلواتِ جماعةً، ففي الحديث: ((من صلّى البردَين دخل الجنة)) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه[1]. والبردان هما الفجر والعصر، ومن داوم عليهما وصلاَّهما فهو بالقِيامِ بِغيرهما من الصّلوات أولى.
ومن أسباب التوفيقِ لحسنِ الخاتمة الإيمان والإصلاح، الإصلاح للنفس، والإصلاح للغير، كما قال تعالى: فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون [الأنعام:48].
ومِن أسباب توفيق الله لحسن الخاتمة تقوَى الله في السرِّ والعلن بامتثالِ أمرِه واجتنابِ نهيِه والدوامِ على ذلك، كما قال تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83]، وقال تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].
ومِن أسبابِ التّوفيقِ لحُسنِ الخاتمة اجتنابُ الكبائر وعظائمِ الذّنوب، قال الله تبارك وتعالى: إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا [النساء:31].
ومن أسبابِ التّوفيق لحسنِ الخاتمة لزومُ هديِ النبيِّ واتباعُ طريقِ المهاجرين والأنصار والتابعينَ لهم رضي الله تعالى عنهم، قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21]، وقال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100].
ومِن أسباب التوفيقِ لحسن الخاتمة البعدُ عن ظلم الناسِ وعدَمُ البغي والعدوان عليهم في نفسٍ أو مال أو عِرض، قال : ((المسلِمُ من سلِم المسلمون من لسانِه ويده، والمهاجِر من هجَر ما حرَّم الله))[2]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((واتَّق دعوةَ المظلوم؛ فإنّه ليس بينها وبين الله حِجاب)) رواه البخاري وغيره[3]، وفي الحديثِ: ((ما من ذَنبٍ أسرَع من أن يعجّل الله عقوبتَه من البغي وقطيعة الرحم))[4].
ومِن أسباب التوفيق لحسن الخاتمةِ الإحسانُ إلى الخلقِ وكفّ الشرّ عنهم، قال الله تعالى: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّليْلِ وَالنَّهَارِ سِرًا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274].
وصِفةُ السّخاء وسماحةُ النفس مع الإسلامِ سَببٌ للتوفيق لحسنِ الخاتمة، قال : ((صنائِعُ المعروف تقِي مصارعَ السوء))[5].
ومِن أسبابِ حُسن الخاتمة العافيةُ مِنَ البدع، فإنَّ ضررَها كبير وفسادَها خطير، والبِدعُ هي التي تفسِدُ القلوبَ وتهدِم الدّين وتنقُضُ الإسلام عُروةً عروةً، قال تعالى: وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]، وهؤلاء المنعَمُ عليهم مبرَّؤونَ من البدَع كلِّها.
ومن أسباب حسنِ الخاتمة الدعاءُ بذلك للنفسِ، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]، وفي الحديثِ: ((لا ينجي حذَرٌ مِن قدَر، والدّعاء ينفع مما نزَلَ ومما لم ينزِل))[6]. ودُعاء المسلم لأخيه المسلِم بحسنِ الخاتمة مستجابٌ بظهر الغيب، وفي الحديث: ((ما مِن مسلمٍ يدعو لأخيه بالغيب إلاَّ قال الملك: آمين، ولك بمثله))[7].
فاسعَوا ـ رحمكم الله ـ إلى تحصيل أسبابِ حسنِ الخاتمة ليوفِّقَكم الله إلى ذلك، واحذَروا أسبابَ سوءِ الخاتمة فإنَّ الخاتمة السيِّئة هي المصيبةُ العظمى والداهيَة الكبرى والكَسر الذي لا ينجَبِر والخسران المبين، والعياذ بالله من ذلك.
فقد كان السَّلف الصالح رضي الله عنهم يخافون مِن سوءِ الخاتمة أشدَّ الخوف، قال البخاري في صحيحه: "قال ابن أبي ملَيكة: أدركتُ ثلاثين من الصّحابة كلُّهم يخاف النّفاقَ على نفسه"[8]، وقال ابن رجب: "وكان سفيان الثوريّ يشتدّ قلقُه وخوفُه منَ السّوابِقِ والخواتم، فكان يبكي ويقولُ: أخاف أن أكونَ في أمِّ الكتاب شقيًّا، ويبكي ويقول: أخاف أن أُسلَبَ الإيمانَ عند الموت"[9]، وقال بعضُ السلَف: "ما أبكى العيونَ ما أبكاها الكتابُ السابق"، وقد قيل: "إنَّ قلوبَ الأبرار معلّقَةٌ بالخواتيم يقولون: بماذا يختَم لنا؟ وقلوبُ المقرَّبين معلّقةٌ بالسوابق يقولون: ماذا سبَق لنا؟"، وكان مالك بن دينار رحمه الله يقوم ليلَه ويقول: "يا ربِّ، قد علمتَ ساكنَ الجنة والنار، ففي أيِّ منزلٍ مالك؟"[10]. وكلام السّلَف في الخوف من سوءِ الخاتمة كثير.
ومَن وقَف على أخبارِ المحتَضَرين عندَ الموتِ وشاهدَ بَعضًا منهم اشتدَّت رغبةُ المسلم في تحصيلِ أسبابِ حُسن الخاتمة؛ ليكونَ مع هؤلاء الموفَّقين لحسنِ الخاتمة، فقد شوهِدَ بعضُهم وهو يقول مرحَبًا بهذه الوجوهِ التي ليست بوجوهِ إنسٍ ولا جانّ، وشوهِد من المحتضَرينَ من يلهج بذكر الله وبـ"لا إله إلا الله"، ومَن كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخلَ الجنة، وشوهِد بعضهم يتلو القرآنَ، وشوهد بعضُ المحتضَرين يقسِّم مسائلَ الفرائض ويتكلَّم في مسائل العلم، وقال بعضهم: لا تخافوا عليَّ فقد بشِّرتُ بالجنّة الساعةَ، قال بعضُ أهل العلم: "الخواتيمُ ميراثُ السّوابق".
فكونوا ـ عبادَ الله ـ مع الموفَّقين، فمن سلك سبيلَهم حشِر معهم، ولا تسلكوا سبُلَ الهالكين المخذولِين الذين خُتِم لهم بخاتمةِ سوءٍ والعياذ بالله، قال عبد العزيز بن أبي روّادٍ: "حضرتُ رجلاً عند الموت يلقَّن: لا إلهَ إلا الله، فقال في آخر ما قال: هو كافِرٌ بها، ومات على ذلك، قال: فسألتُ عنه فإذا هو مُدمِن خمرٍ، وقيل لآخر عند الموت: قل: لا إلهَ إلا الله، فقال: عشَرة بأحدَ عشر، وكان يتعامل بالربا، وقيل لآخر: اذكر الله، فقال: رِضا الغلام فلان أحبُّ إليَّ مِن رِضا الله، وكان يميل إلى الفاحِشة، وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله، فقال:
يا رُبَّ قائِلةٍ يومًا وقد تَعِبت: أين الطريقُ إلى حمّام منجاب؟
وكان قد خدَع جاريةً تريد حمّام منجاب فأدخَلَها داره؛ لأنها كانت تشبِه ذلك الحمّامَ يريد بها الفاحشةَ، فهام بها. وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله، فقال: سيجارة سيجارَة؛ لأنّه كان يشرَب الدّخان.
وأسباب سوء الخاتمة ـ والعياذ بالله ـ كثيرةٌ:
منها ترك الفرائض من الصلوات وغيرها وارتكاب المحرَّمات وتركُ الجُمَع والجماعات، فإنَّ الذنوبَ ربما غلَبت على الإنسانِ واستَولَت على قلبه بحبِّها، فيأتي الموتُ وهو مصِرّ على المعصية، فيستولي عليه الشيطانُ عند الموت وهو في حالةِ ضَعفٍ ودَهشة وحيرة، فينطِق بما ألِفَه وغلب على حالِه، فيُختَم له بسوء، نعوذ بالله من ذلك.
ومن أسبابِ سوء الخاتمة البِدَع التي لم يشرَعها الرّسول الله ، فالبِدعة شُؤمٌ وشرّ على صاحبها وعلى الدين، وهي أعظم من الكبائرِ، وفي الحديث عن النبيّ : ((يرِد عليَّ أناسٌ من أمّتي الحوضَ أعرِفهم، فتطردُهم الملائكة وتقول: إنّك لا تدرِي ماذا أحدَثوا بعدك، فأقول: سُحقًا سحقًا لمن غيّر بعدي))[11].
ومِن أسباب سوءِ الخاتمة ظُلم الناس والعدوان عليهم في الدّمِ أو المال والعرض، وظلمُ النفسِ بنوعٍ من أنواع الشرك بالله تعالى، قال عزّ وجلّ: إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:21].
ومِن أسباب سوء الخاتمة الزهدُ في بذلِ المعروف، وعدَمُ نفع المسلمين، والزهد في الدعاءِ فلم يطلُبِ الخير، كما قال تبارك وتعالى: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُم [التوبة:67]، وقال تعالى: أَشـِحَّةً عَلَى الخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ [الأحزاب:19].
ومن أسباب سوء الخاتمة الركونُ إلى الدنيا وشهواتها وزخرفِها، وعدمُ المبالاة بالآخرة، وتقديم محبّةِ الدنيا على محبة الآخرةِ، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يونس:7، 8].
ومن أسباب سوء الخاتمة أمراضُ القلوب من الكبر والحسَد والحِقد والغلِّ والعُجب واحتقار المسلمين والغدر والخيانة والمكر والخداع والغشّ وبُغض ما يحبّ الله وحبِّ ما يبغض الله تعالى، قال تعالى: وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:87-89].
ومن أسباب سوء الخاتمة عقوقُ الوالدين وقطيعة الأرحام.
ومِن أسباب سوء الخاتمة الوصِيّة الظالمةُ المخالِفة للشرع الحنيفِ.
قال الله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281].
منقول من خطبة للشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي حفظه الله
بعنوان ., اسباب حسن الخاتمه وسوئها,.
أسأل الله ان يرزقني واياكم حسن الخاتمه ونعوذه سبحانه وتعالي من سوء الخاتمه اخوتي في الله ادعوا لأخيكم في الله في ظاهر الغيب بارك الله فيكم وحفظكم من كل سوء
1] صحيح البخاري: كتاب الصلاة (574)، صحيح مسلم: كتاب المساجد (635).
[2] أخرجه البخاري في كتاب الإيمان (10) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[3] صحيح البخاري: كتاب المظالم (244، صحيح مسلم: كتاب الإيمان (19).
[4] أخرجه أحمد (5/36)، وأبو داود في الأدب (4902)، والترمذي في صفة القيامة (2511)، وابن ماجه في الزهد (4211) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (455، 456)، والحاكم (2/356)، ووافقه الذهبي، وهو في السلسلة الصحيحة (91.
[5] أخرجه الحاكم في المستدرك (1/124) من طريق الحسن عن أنس رضي الله عنه، ورمز له السيوطي بالصحة، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3795). وفي الباب عن عدد من الصحابة منهم: أبو أمامة ومعاوية بن حيدة وأبو سعيد وأم سلمة رضي الله عنهم. انظر: مسند الشهاب (100، 101، 102)، ومجمع الزوائد (3/155، 8/193-194).
[6] أخرجه أحمد (5/234)، والطبراني في الكبير (20/201) من طريق إسماعيل بن عياش، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن شهر بن حوشب عن معاذ رضي الله عنه. قال الهيثمي في المجمع (10/146): "شهر بن حوشب لم يسمع من معاذ، ورواية إسماعيل بن عياش عن أهل الحجاز ضعيفة"، وهذا منها. وله شاهد من حديث عائشة عند البزار (2165- كشف الأستار)، والطبراني في الدعاء (133)، والحاكم (1/492)، قال الهيثمي في المجمع (10/146): "وفيه زكريا بن منظور، وثقه أحمد بن صالح المصري وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات"، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1014). وشاهد ثان من حديث ابن عمر عند الترمذي في الدعوات (354، وفي إسناده عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، وهو متفق على ضعفه، قال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، وهو ضعيف في الحديث، ضعفه بعض أهل العلم من قبل حفظه". وله شواهد أخرى في سند كلٍّ منها مقال.
[7] أخرجه مسلم في الذكر (2732) عن أبي الدرداء رضي الله عنه نحوه.
[8] صحيح البخاري: كتاب الإيمان، باب: خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر.
[9] جامع العلوم والحكم (ص57).
[10] أخرجه أحمد في الزهد (ص321)، وانظر: صفة الصفوة (3/285)، وجامع العلوم والحكم (ص57).
[11] أخرجه البخاري في كتاب الرقاق (6585) ، ومسلم في الفضائل (2291) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.