السـؤال:
ما هي النصيحة التي تقدمونها لشابٍّ أعزبَ يُدَرِّس الصبيانَ، وتميل نفسه إليهم كثيرًا إلى درجة أنه وقع في هذه الذنوب والمعاصي بسبب مخالطتهم، وهو يُسَوِّفُ التوبةَ؟
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فاعلم أنَّ طريق الخلاص من الذنوب إنما هو بالتوبة واستغفار الله تعالى، قال جلَّ وعلا: ﴿أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ﴾ [المائدة: 74]، وقال عزّ وجلّ: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ﴾ [هود: 3]، فتعيَّن على التائب من ذنوبه الإقلاع عن الذنب بالقلب والجوارح مع الندم على المعصية، والعزم على عدم الرُّجوع إليه، ولابدّ للمغفرة من الإقلاع عن الذنب وإصلاح الحال، قال تعالى: ﴿فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [المائدة: 39]، كما أنّ الواجب عليه أن يستبدل العمل السيِّءَ بالعمل الصالح حتى تصدق توبتُه، قال تعالى: ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا، وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا﴾ [الفرقان: 70-71]، وتغييرُ العملِ السيِّءِ باجتناب موارد الفتن المُوقِعَة في الشهوات والفاحشة كمخالطة الصِّبيان والمردان والنِّسوان، وإذا لم يتمَّ ذلك إلاَّ بترك التدريس فَعَليهِ فِعلُه؛ لأنَّ «مَا لاَ يَتِمُّ تَرْكُ الحَرَامِ إِلاَّ بِتَرْكِ الجَمِيعِ فَتَرْكُهُ وَاجِبٌ».
والتوبةُ واجبةٌ بظاهر الآيات والأخبار، ولا خلافَ في وجوبها، لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا﴾ [التحريم: 8]، أي: خالية من الشوائب، وهي واجبةٌ على الفور لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 17]، قال النووي: «اتفقوا على أنَّ التوبةَ من جميع المعاصي واجبة، وأنها واجبة على الفور، لا يجوز تأخيرها، وسواء أكانت المعصية صغيرة أو كبيرة»(١- «شرح مسلم» للنووي: (17/59)).
ثُمَّ اعلم أنَّ المعاصي مهلكات تبعث بالضرورة على تركها، فمن لم يتركها فهو فاقد الإيمان المطلق، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ»(٢- أخرجه البخاري في «صحيحه» كتاب المظالم، باب النهبى بغير إذن صاحبه: (2343)، ومسلم في «صحيحه» كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي: (202)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.).
فعليك أن تسلك سُبُلَ الهِداية، وأن تترك سُبُل الغواية، وأن تلتزم الاستقامةَ حتى تنال الكرامةَ، وطالعْ لزومًا كتاب «الداء والدواء»(٣- يمكن مراجعة الكلمة الشهرية ضمن الموقع الموسومة: «طُرُق الخلاصِ من الذُّنوب وتكفير السيئات») لابن قيم الجَوْزِية، فتجد فيه ما يُعينك على إصلاح حالك، ويساعدك على تقويم سلوكك وأخلاقك، فترجع إلى الحقِّ وتَحْذَر من الرجوع إلى فتن الشهوات بعد التوبة؛ لأنَّ العودة إلى تلك المعاصي خطر على دِين المرء، وكذا من ترك المبادرة إلى التوبة بالتسويف كان بين مَهلكتين عظيمتين، إمَّا أن تتراكم الظُلمة في قلبه من المعاصي حتى يَسْوَدَّ، فيصير طبعًا له فلا يقبل المحو، وإمَّا أن يستعجله المرض أو الموت فلا يجد سبيلاً للتدارك أو مُهلةً للاشتغال بمحو الذنوب والمعاصي.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
١- «شرح مسلم» للنووي: (17/59). ٢-أخرجه البخاري في «صحيحه» كتاب المظالم، باب النهبى بغير إذن صاحبه: (2343)، ومسلم في «صحيحه» كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي: (202)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
۳- يمكن مراجعة الكلمة الشهرية ضمن الموقع الموسومة: «طُرُق الخلاصِ من الذُّنوب وتكفير السيئات».
ما هي النصيحة التي تقدمونها لشابٍّ أعزبَ يُدَرِّس الصبيانَ، وتميل نفسه إليهم كثيرًا إلى درجة أنه وقع في هذه الذنوب والمعاصي بسبب مخالطتهم، وهو يُسَوِّفُ التوبةَ؟
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فاعلم أنَّ طريق الخلاص من الذنوب إنما هو بالتوبة واستغفار الله تعالى، قال جلَّ وعلا: ﴿أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ﴾ [المائدة: 74]، وقال عزّ وجلّ: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ﴾ [هود: 3]، فتعيَّن على التائب من ذنوبه الإقلاع عن الذنب بالقلب والجوارح مع الندم على المعصية، والعزم على عدم الرُّجوع إليه، ولابدّ للمغفرة من الإقلاع عن الذنب وإصلاح الحال، قال تعالى: ﴿فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [المائدة: 39]، كما أنّ الواجب عليه أن يستبدل العمل السيِّءَ بالعمل الصالح حتى تصدق توبتُه، قال تعالى: ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا، وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا﴾ [الفرقان: 70-71]، وتغييرُ العملِ السيِّءِ باجتناب موارد الفتن المُوقِعَة في الشهوات والفاحشة كمخالطة الصِّبيان والمردان والنِّسوان، وإذا لم يتمَّ ذلك إلاَّ بترك التدريس فَعَليهِ فِعلُه؛ لأنَّ «مَا لاَ يَتِمُّ تَرْكُ الحَرَامِ إِلاَّ بِتَرْكِ الجَمِيعِ فَتَرْكُهُ وَاجِبٌ».
والتوبةُ واجبةٌ بظاهر الآيات والأخبار، ولا خلافَ في وجوبها، لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا﴾ [التحريم: 8]، أي: خالية من الشوائب، وهي واجبةٌ على الفور لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 17]، قال النووي: «اتفقوا على أنَّ التوبةَ من جميع المعاصي واجبة، وأنها واجبة على الفور، لا يجوز تأخيرها، وسواء أكانت المعصية صغيرة أو كبيرة»(١- «شرح مسلم» للنووي: (17/59)).
ثُمَّ اعلم أنَّ المعاصي مهلكات تبعث بالضرورة على تركها، فمن لم يتركها فهو فاقد الإيمان المطلق، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ»(٢- أخرجه البخاري في «صحيحه» كتاب المظالم، باب النهبى بغير إذن صاحبه: (2343)، ومسلم في «صحيحه» كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي: (202)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.).
فعليك أن تسلك سُبُلَ الهِداية، وأن تترك سُبُل الغواية، وأن تلتزم الاستقامةَ حتى تنال الكرامةَ، وطالعْ لزومًا كتاب «الداء والدواء»(٣- يمكن مراجعة الكلمة الشهرية ضمن الموقع الموسومة: «طُرُق الخلاصِ من الذُّنوب وتكفير السيئات») لابن قيم الجَوْزِية، فتجد فيه ما يُعينك على إصلاح حالك، ويساعدك على تقويم سلوكك وأخلاقك، فترجع إلى الحقِّ وتَحْذَر من الرجوع إلى فتن الشهوات بعد التوبة؛ لأنَّ العودة إلى تلك المعاصي خطر على دِين المرء، وكذا من ترك المبادرة إلى التوبة بالتسويف كان بين مَهلكتين عظيمتين، إمَّا أن تتراكم الظُلمة في قلبه من المعاصي حتى يَسْوَدَّ، فيصير طبعًا له فلا يقبل المحو، وإمَّا أن يستعجله المرض أو الموت فلا يجد سبيلاً للتدارك أو مُهلةً للاشتغال بمحو الذنوب والمعاصي.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 21 ربيع الأول 1429ﻫ
الموافق ﻟ: 29 مارس 2008م
الموافق ﻟ: 29 مارس 2008م
١- «شرح مسلم» للنووي: (17/59). ٢-أخرجه البخاري في «صحيحه» كتاب المظالم، باب النهبى بغير إذن صاحبه: (2343)، ومسلم في «صحيحه» كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي: (202)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
۳- يمكن مراجعة الكلمة الشهرية ضمن الموقع الموسومة: «طُرُق الخلاصِ من الذُّنوب وتكفير السيئات».