*****
تفريغ محاضرة / من معين أقوال السلف
لمعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله تعالى
*****
بسم الله الرحمن الرحيم
رأيت ان كثير من الاخوة ينقلون فوائد من هذه المحاضرة الماتعة تضرب لها اكباد الابل ..
لهذا قررت نشرها مفرغة كاملة وقد اعتمدت على تفريغ وجده في أحد المواقع .. وقد قمت ببعض التعديلات عليه لتوافق الصوتية .. نسأل الله تعال ان ينفع بها.. ومن وجد خطأ فالينبه عليه وجزاكم لله خيرا ..
تنبيه : الى ان الشريط وقع فيه بتر وهو للاسف هو المنتشر في النت وقد رمزت لمكان البتر {}
*****
من معين اقوال السلف
فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
المقدم : السلام عليكم ورحمة الله.. الحمد لله، الحمد لله مجيب من سأله ومثيب من علق به رجاه وأمله الكريم الذي من أقبل عليه قبله، ومن أعرض عنه أرداه وخذله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله البررة وصحبه الخيرة، ومن على دربه سار واقتفى أثره، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد ففي هذه الليلة ليلة الأربعاء 11 من شهر رمضان من العام 1427هـ يطيب لنا في هذا الجامع المبارك «جامع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله تعالى في محافظة جدة.
نرحب جميعا بصاحب المعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ حفظه الله تعالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف في محاضرة ضمن البرنامج الرمضاني الذي يقيمه اللجنة الدعوية في هذا الجامع المبارك، وعنوان محاضرة معالي الشيخ (من معين أقوال السلف).
نسأل الله عز وجل أن يكتب مسعاه في موازين حسناته، وأن يوفقه ويسدده تسديد وتوفيق الصالحين، وأن ينفعنا بما يقول، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ :
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، أتم النعمة ومن على الأمة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، فهي تتقلب في خير إلى قيام الساعة، أحمده سبحانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد.. فيا أيها الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، كما أسأله في هذا الشهر الكريم أن يمن علينا وعلى والدينا وعلى من له حق علينا بالمغفرة والرحمة والتجاوز عن الآثام والقبول لقليل الصالحات إنه سبحانه جواد کريم.
كما أني أشكر للجنة الدعوية في جامع خادم الحرمين الشريفين دعوتها لي بأن أشارك في مجموع المحاضرات والدروس التي تقيمها في هذا الجامع المبارك في شهر رمضان.
ولاشك أن المحاضرات والدروس من أشد ما تكون الحاجة إليه في هذا الزمن، لأنها سلاح يتسلح به المؤمن في خضم هذه الفتن وخضم هذه التقلبات، لا سيما أن أغلى شيء عند أهل الإسلام هو دينهم،وأغلى شيء عندهم في هذه الدنيا هو إيمانهم، فالحرص عليه بالسلاح المناسب؛ الإيماني وبالدواء النافع من أهم المطالب وأعظم ما يحرص عليه.
ولذلك كانت هذه المحاضرات وغيرها مما ينبغي للشباب وللناس بعامة رجالا ونساء أن يحرصوا عليها؛ لأن المؤمن إذا استفاد لا شك أنه سيفيد غيره من أهل بيته أو ممن يخالطه أو ممن يكون معه، هذه المحاضرة ليس لها عنوان يتضح معه المقصود منها، لكنها بعنوان:" من معين أقوال السلف " والسبب في هذا الاختيار أن أقوال السلف رحمهم الله تعالى وهم من سبقنا من أهل العلم الراسخ وأهل الاستقامة على المنهج الحق فإن هؤلاء لهم من الدروس والأقوال وما أثر عنهم ما يكون إماما للناس، يفهمون به مقاصد کلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ومقاصد الإسلام بعامة.
ولذلك كان حرص المؤمن أولا على كلام الله تعالى وهو الذي لا يعدله شيء- القرآن العظيم -: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبرو أياته وليتذكر أولوا الألباب)[ص:29]، هو الحق الذي لا محيد عنه وهو الفصل ، وهو الذي تأنس له القلوب وتقوم له الناس، لذلك كان من اللوازم أن يهتم بالقرآن منهجا وعلما وعملا، ثم سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ما عليه الصحابة رضوان الله عليهم ثم ما يكون من أقوال أهل العلم الذين رسخت قدمهم وشهدت لهم الأمة ، فإن في كلامهم ما يكون نبراسا لأهل الإيمان.
ولذلك قال الحافظ العلامة ابن رجب رحمه لله تعالى قال في كلام السلف:" کلام السلف قليل كثير الفائدة وكلام الخلف كثير قليل الفائدة ".
وكلام السلف على قلته فهو محفوظ، لأنه كلمات قليلة تستوعب و تروى وتذكر وتتناقلها الأمة، لكن الكلام الكثير تجد أنه لا يُنقل عن صاحبه مع كثرة كلامه لا ينقل عنه إلا الشيء النادر من الكلام الذي يبقى، يبقى التأثير العام، لكن كلام السلف فيه نفع عظيم في التأثير وفي الحفظ، ويمكن أن ينطلق منه طالب العلم، ينطلق منه الداعي، ينطلق منه المربي في بيته، في مدرسته، ليكون ميدانا للبيان والشرح وتعليق الناس بهذا الكلام العظيم.
لذلك كان من المهم أن نلفت انتباه المهتمين بالديانة من جميع الطبقات، والمهتمين بالعلم، والمهتمين بشأن الإسلام إلى الالتفات إلى ما كان عليه السلف الصالح من الفهم والإدراك والعمل، فإن فيهم المقتدى بهم وفيهم الإمام في أقواله وأعماله.
أقوالهم كثيرة متنوعة، لكني سآخذ بعض ما تيسر منها.
وهذه الأقوال التي سأوردها ليست من جمعي وإنما كانت مراسلات عبر الهاتف الجوال بيني وبين بعض الإخوة الخاصين الذين لي بهم صلة دائمة.
وهذه من المهمات، فإن هذه الوسائل الحديثة مثل الرسائل عبر الجوال لا بد أن يُستفادة منها في الدعوة إلى الله تعالى، والاستفادة منها في التثبيت، وفي تعليق الناس بالمنهج الصحيح، وفي ربطهم بما كان عليه أهل العلم وما كان عليه السلف الصالح.
كثير من الإخوة يهتم في هذه المراسلات عبر الجهاز الجوال يهتم فيها بالدعاء، سيما في بعض المواسم أو في يوم الجمعة، أو في آخر الليل، وهذا حسن والدعاء طيب، لكن الكلام الذي يُنتقي لا شك أنه يكون له تأثير إذا كان معزوا للأحد من أهل العلم، هذا أساسها، ولذلك هي ليست اختيارا مني ولكنها مجموعة و لها دلالتها.
- قال ابن القيم رحمه لله تعالى:" كم من حزازة في نفوس كثير من الناس من كثير من النصوص وبودهم أن لو لم ترد تلك النصوص وكم من حرارة في أكبادهم منها وكم من شجى في حلوقهم منها ". في « الرسالة التبوكية » لابن القيم رحمه لله تعالى.
ماذا يقول في هذا الكلام العظيم؟ .. كلام الله تعالى وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم هي التي يعبر عنه أهل العلم بالنصوص ولا يقصدون بالنص المصطلح الأصولي وهو: ( اللفظ الذي لا يقبل الاحتمال أو التأويل، يقابلون النص بالظاهر ... ) إلى آخره، لا، بل يقصدون بالنص کلام الله جل وعلا وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم .
الله جل وعلا يقول :( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) [الأحزاب:36]، وأوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم أو الخبر الذي جاء في القرآن أو في السنة، الواجب في الأخبار التسليم ؛ الإيمان بها والتسليم و اعتقاد مقتضاها. وفي الأوامر والنواهي: « وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه ».
فإذا هذه النصوص هي حياة المسلم يأخذها ويعمل بها، ابن القيم رحمه الله استعرض حال كثير من الناس في هذه الأمة ممن ألفوا أو ممن لهم شأن، قال: كم من حزازة في نفوس كثير من الناس من كثير من النصوص.لماذا ؟.. هل حق الله جل وعلا وحق رسوله صلى الله عليه وسلم أن يكون في القلب حزازة من النص الشرعي ؟ هذا أمر عظيم، لكن هنا لا بد من معالجة السبب، لأن هذا أمر عظيم أن يكون في القلب شيء من ذلك : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) [النساء 65[
اليوم في أعظم المسائل - مسائل التوحيد والعقيدة – إذا أتيت فيها بالنصوص الدالة على الاعتقاد الصحيح على الإخلاص وعلى التوحيد وعلى الشرك وما أشبه ذلك تجد أن بعضا من الناس الذين أُشربوا هواهم في أشياء بودهم أن هذا النص لا يورد.
بل هناك أغرب من ذلك ذكره بعض المنتسبين - مع الأسف – للعلم قال: إنني إذا أتيت إلى جزعم وأتيت إلى سورة ( تبّت يدآ أبي لهَب وتبّ ) لا أقرأها. وهذا ذكرها في مجلة من المجلات مقال بها، لماذا ؟ قال: لأنها في عم النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا من الشأن العظيم، هذا يسبب بلاء عظيما في اعتقاد المرء وفي عقيدته وفي صلته بالله جل وعلا، النص جاء ليتبع، الحجة على العباد في القرآن وفي السنة، كلام الله الذي.. يتلى وأحي الى النبي صلى الله عليه وسلم هو الحجة، لذلك لا بد من التسليم له، فكيف يجد بعض المسلمين حرارة - كما يقول ابن القيم - في أكبادهم من تلك النصوص، بوده أنه لا تذكر له هذا النص، هكذا في مسائل كثيرة.
اليوم في مسائل عظيم تأتي مثل تحكيم الشريعة في بلاد الإسلام والمسلمين، تحكيم الشريعة واجب، لكنك إذا أتيت إليهم في خطبة أو في مقالة أو في مناسبة وقلت ما قال الله تعالى (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) [المائدة 50]، بودهم أنك لم تذكر هذه الآية، ويأتي أناس كثيرون الذين يناهضون حجاب المرأة ويناهضون الاستقامة ويريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، كما قال الله جل وعلا: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا) [النساء:27]، أو إذا أتيت وذكرت لهم النصوص الدالة على هذا الأمر ؛ على ستر المرأة وعلى عدم جواز الفتنة بها وما أشبه ذلك ، بوُدهم أنك لا تورد هذه النصوص.
وهذه مصيبة عظيمة في أن مسلما يتمنى أنه لم يسمع نصا ، ما السبب في ذلك ؟ السبب في ذلك الهوى،أن له هوا في شيء معين ولا يريد أن يكون الدليل ضده، والواجب التسليم، الواجب أن لا يكون في نفس المؤمن حرج مما قضى الله جل وعلا أو قضى رسوله صلى الله عليه وسلم ، بل الواجب أن يتبع الدليل کلام الله وكلام رسوله، والدال هو النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك قال تعالى ( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) [فاطر24]، النبي صلى الله عليه وسلم نذير وهو السراج المنير، ينذرنا أشياء ويفتح لنا الطريق في نور وبصيرة ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ) [المائدة: 15] وهو النبي صلى الله عليه وسلم .
ولذلك تجد اليوم فيما ينشر من مساجلات ومن حوارات فيما يدعون،اليوم .. شاع في الناس ما يسمى الحوار ، شاع في الناس سواء في الصحف أو في بعض القنوات الفضائية الى آخره ، وهو في الحقيقة لا يريدون به الحوار للاستفادة ومعرفة الحق ومعرفة النص ومعرفة الدليل والاتباع وللنجاة يوم العرض على الله جل وعلا، هم يريدون من الحوار خلخلة الثوابت والمبادئ التي علمناها.
تأتي حوارات في قنوات فضائية الأصل أنه إذا أتى النص كما قال ابن القيم هنا استسلم الناس، لكن هنا يأتون له بطريق وطريق وتأويل و تأويل بغير حجة ولا بيان، خاصة فيما يكون مما يتعلق بالأهداف التي يريدونها في تغيير في المجتمع. هذه لغْتة دل عليها كلام ابن القيم رحمه الله.
- الإمام محمد بن علي بن الحسين رحمه الله تعالى قال :" جميع التعايش والتناصُف والتعاشر في مكيال، ثلثاه فطنة وثلثه تغافل".
التعايش والتعاشر مع الناس هذا لا ينفك عنه أحد، فالإنسان - كما يقولون - مدني بطبعه، يحتاج إلى أن يعاشر، يعاشر أهل بيته، يعاشر إخوانه وأهله، يعاشر زملاءه في العمل، في منطقته، في حارته، في مسجده... إلى آخره، هذا التعاشر لا بد لا ينفك منه أحد، ولذلك أدب الله جلا وعلا المؤمنين بآداب التعاشر فقال سبحان : ( وقولو للناس حسنا ) [البقرة:83] والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «وخالق الناس بخلق حسن».
- الإمام محمد ابن علي ابن الحسين قال : جميع التعايش والتناصف والتعاشر في مكيال؛ ثلثاه فطنة وثلثه تغافل.
التعايش والتعاشر مع الناس هذا لا ينفك عنه أحد ، الإنسان كما يقولون مدني بطبعه يحتاج إلى أنه يعاشر ،يعاشر في بيته والديه ، يعاشر إخوانه ، أهله ، أبناءه يعاشر زملاءه في العمل ، في منطقته ، في حارته في مسجده ...إلخ
هذا التعاشر لا بد ، لا ينفك منه أحد ، ولذلك الله جلّ وعلا أدّب المؤمنين بآداب التعاشر فقال سبحانه: (وقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) والنبي صلى الله عليه وسلم قال : "وخالق الناس بخلق حسن"
محمد بن علي بن الحسين ماذا قال ؟ قال : التعايش والتعاشر في مكيال ،هذا المكيال ثلثاه فطنة وثلثه تغافل،
ما معنى ذلك ؟ يقول : إنك تحتاج في التعاشر مع الناس والتعايش معهم لكي تكون مخالقاً للناس بخلق حسن ، تكون معك صفتان حتى تنجح
هذه الصفتان : ثلث : صفة وثلثان صفة (الفطنة والتغافل)
التغافل ما معناه ؟ التغافل هو عدم إقصاء الأمور بحثاً وتنقيبا ، ربما يقول لك واحد كلمة تعرف أنه غير صادق فيها ، ما تأتي تلاحيه حتى تُثبث له أنه غير صادق ، يأتي يقول شي من هواه ما تأتي تثبت أنه خطأ ، لا بد من الفطنة حتى تدرك الأمور في تعاشرك وتعاملك لكن لابد من التغافل ، ما يكون المرء مصادما ، التعاشر مع الناس يحتاج إلى من هو فطِن ومتغافل ، فطن حتى لا يُلعب عليه، حتى لا يُضحك عليه ، حتى لا يأتي أشياء يُظن معها أن المؤمن أو الرجل الصالح أو هذا أنه لا يفهم شيئاً ، هو فطن ، لكنه لا يُقصي الأمور إلى نهايتها يتغافل .
ولذلك قال أحد علماء الحديث وأظنه وكيع أو سفيان قال : الخير تسعة أعشاره في التغافل فنُقلت للإمام أحمد : قال الإمام أحمد : قصّر - يعني لم يأتي بالصواب بكامله - الخير كله في التغافل.
لذلك تأتي هنا في التعاشر لا بد لك من التغافل وهذه وصية لكي نحصل على أعظم ما يوضع في الميزان يوم القيامة وهوالخلق الحسن.
فإن أعظم ما يوضع في الميزان يوم القيامة الخلق الحسن ، لكن الخلق الحسن ليس دَرْوشة ، غفلة ، بمعنى عدم انتباه أو عدم فطنة
لا ، فطِن ولكنه مربّي، فطِن مربّي يفهم ويتغافل ، وهذه تكون في كثير من الأحيان أعظم تأثيراً في المقابل إذا علم أن الذي يتعامل معاه أنه فطن ولكنه يتغافل فيكون أكثر وأكثر في ذلك.
الإمام أحمد قيل له إن فلاناً من أئمة الحديث أو من رواة الأحاديث إنه مريض وله عشرة أيام لم يخرج من بيته.
قال : نذهب لزيارته فإن من حق المسلم على المسلم أن يعوده إذا مرض، فذهب هو وأصحابه وكان هذا الذي يروي الحديث أو من علماء الحديث كان يتأوّل شيئا : ( لا يُشترط في العالم أو في الراوي او غيره أن يكون كاملاً ربما له تأويل في مسائل من مسائل العلم يرى هكذا ولا يوافقه عليه غيره ) فكان له تأويل في بعض المشروبات ممّا لم يُجمع العلماء على حرمته ، فدخل الإمام أحمد لزيارته ، فلما دخل وجد بعض هذه الأشربة - وهو يعرف مذهبه في الشراب - وجد بعض هذه الأشربة في مكان فجلس وجعلها خلفه ( جلس الإمام أحمد لزيارة المريض وجعل تلك الأشربة خلفه ) ومعه عدد من طلابه ،وزاروه وخرجوا ، لما خرج قال له بعض تلامذته : يا أبا عبد الله ألم ترَ الشراب؟
قال : لم أرَ شيئا
قال : لقد كان وراء ظهرك
قال : وهل يرى الإنسان ماوراء ظهره ؟
هذا تغافل ، تغافل فيه حكمة.
أتت الجارية لهذا الراوية أتت له وقالت : لقد أتاك أبو عبد الله ولم تنزع الشراب فقال : إذا كنت لا أستحِ من الله فكيف أستحي من أبي عبد الله ؟ ولكني أتركه من الساعة أريقي تلك القوارير. الموقف له تأثيره ولكن لكل مقام مقال، هنا قال محمد بن علي ابن الحسين : فطنة وتغافل
المؤمن فطن ، كيّس فطن يدرك الأمور ويعرفها لكن لايقصي الأمور إلى نهايتها ، في بيتك ، أنت ترى أشياء ، تصرّف ابنك ، يتصرف أخوك ،يتصرف صديقك بأشياء لا بد فيها من التغافل.
يقول كلمة لا تعجبك ، تُمَرِّرْها، لذلك قال بعض السلف :الكلمة التي تؤذيك طأْطِئ لها رأسك فإنها تتخطاك ،إذا أتى كلام يؤذيك تقول فلان يقصدني هذا يقصدني ، لا تعتبر أنه يقصدك ولا تكون أنت المراد به لكن إذا واجهت الكلام أصبح عليك وأصبح وأصبح الخ .. وزاد.
ولذلك في كثير من المواجهات تزيد ، أصلا الخلافات تزيد بالمواجهات لأنها بدأت المواجهة لكن لو مرّرها المسلم وكان فطناً فيها لكن تغافل عنها ، نجح كثيرا في ذلك.
- مجاهد بن جبر التابعي الإمام المشهور قال – كان مربيا ومرشدا - لما شاعت الأهواء في زمنه وبدأ ظهور الفرق من الخوارج والمرجئة والجبرية والقدرية وما أشبه ذلك، قال مجاهد رحمه الله تعالى للناس: " ما أدري أي النعمتين علي أعظم أن هداني الله للإسلام، أو عافاني من هذه الأهواء ". لماذا ؟ لأن عنده أنه لن يصح له إسلامه إلا بالسلامة من تلك الأهواء، فهو يتنازع يرى منة الله عليه بالسلامة من تلك الأهواء ويرى منة الله عليه بالاسلام، فيرى.. فهذه تتم هذه.
بالإسلام الصحيح والفقه في دين الله والعلم النافع واتباع السبيل المتيقن الذي لا اشتباه فيه سلم ووفقه الله للسلامة من تلك الأهواء، وبحرصه على السلامة من تلك الأهواء سلم له إيمانه وسلم له دينه.
لذلك المؤمن حريص ويجب أن يحرص دائما على السلامة من تلك الأهواء، إذا وجدت الأهواء والأقوال اذهب إلى المتيقن تسلم، لا تذهب إلى طريق تخاطر فيه بدينك، المرء التزم بدين الله وحرص عليه وحرص على الخير لماذا ؟ ليفوز برضى الله جل وعلا والجنة، فلا يخاطر بشيء مظنون.
الآن في أمور التجارة، يقول التاجر: هذا مخاطرته عالية. هم - مثلا - يقولون: الأسهم مخاطرتها عالية جدا، يقولو: هذا فيه مخاطرة لا تدخل فيه، لأن العاقل لا يأتي ويقدم ماله في شيء مخاطرته عالية،.. الناس حريصون على أموالهم، ويأنفون ويمرضون ويصيبهم مايصيبهم إذا فقدوا تلك الأموال، لأن المال عصب الحياة، فكيف إذا خاطر بمنهج خاطر بدينه، فالمسألة عظيمة، لذلك يجب على المسلمأن يتنبه الى الا يخاطر بشيء هو من تلك الأهواء، بل لا بد أن يرجع إلى الأصل، يرجع إلى الديانة الأصلية.
- الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى:من العلماء المعروفين والزهاد المشهورين کان مربيا في العبادة والزهد، وكان أيضا مربيا في التعامل والتعاشر، الفضيل بن عياض يعاشر من ؟ – هو من الزهاد العباد- .. يعاشر من ؟اكثر ما يعاشر العباد فرأى في العباد شيئا فوجه لهم تلك الكلمة، قال رحمه الله تعالى:" إن الفاسق إذا كان حسن الخلق عاش بعقله وخف على الناس، وإن العابد إذا كان سيئ الخلق تقل على الناس ومقتوه ". كما ذكرنا آنفا، الله جل وعلا : ( وقولو للناس حسنا ) [البقرة:83]، وقال عليه الصلاة والسلام: « ..وخالق الناس بخلق حسني ». فهل يكفي أن يكون عابدا وصالح وبإذن الله يأتي الفرائض، وبإذن الله ينتهي عن المحرمات، هذا يكفي أن يكون صاحب خلق حسن؟ لا، قد يكون رجل يرتكب بعض المنهيات أو يفرط في بعض الواجبات أحسن خلقا منه فيثقل ميزانه من تلك الجهة.
قال الفضيل: " إن الفاسق إذا كان حسن الخلق عاش بعقله وخف على الناس، وإن العابد إذا كان سيئ الخلق ثقل على الناس ومقوه ". يرشد إلى أن الأكمل أن تكون صالحا مستقيما على دين الله، ومعك عقل يكون فيه حسن الخلق. حسن الخلق " کاد حسن الخلق أن يذهب بخيري الدنيا والآخرة " [هذا الحديث قال عنه ابن الجوزي لا يصح،وضعفه الالباني رحمه الله في ضعيف الترغيب وقال غنه منكر]، لذلك فإن حسن الخلق يكون محبوبا ولو كان غير سالم من الذنوب. ومن يسلم من الذنوب لكن باعتبار الأغلب.
تعليق