التفريق بين المتزوجين مسلك الشياطين
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فالتفريق بين الزوجين من صفات الشياطين وخصائصهم، يهدمون البيوت الآمنة بنميمة ونقل كلام لقطع أواصل المحبة وكذب وغير ذلك من الأساليب الماكرة كل هذا من أجل أن يطلق الزوج زوجه.
ومن صور التفريق التي يعمل عليها شياطين الإنس والجن، تخبيب المرأة على زوجها، وإفسادها عليه.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا.
فيقول: ما صنعت شيئا.
قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته.
قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت)).
قال الأعمش: أراه قال: فيلتزمه.
أخرجه مسلم.
فلهذا كان من أفضل ما يتقرب به الشياطين لأبيهم إبليس التفريق بين المتزوجين.
ومن هنا جاء التحريم لهذا الفعل.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدا على سيده)).
أخرجه أبو داود في ((السنن)) والحاكم في ((المستدرك)) والبيهقي في ((الشعب)) وصححه الألباني.
قال شيخ الإسلام كما في ((مجموع فتاوى)): ((فِي الْمُسْنَدِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدًا عَلَى مَوَالِيهِ)) فَسَعْيُ الرَّجُلِ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا مِنْ الذُّنُوبِ الشَّدِيدَةِ، وَهُوَ مِنْ فِعْلِ السَّحَرَةِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ فِعْلِ الشَّيَاطِينِ.
لَاسِيَّمَا إذَا كَانَ يُخَبِّبُهَا عَلَى زَوْجِهَا لِيَتَزَوَّجَهَا هُوَ مَعَ إصْرَارِهِ عَلَى الْخَلْوَةِ بِهَا، وَلَاسِيَّمَا إذَا دَلَّتْ الْقَرَائِنُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ)) اهـ.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((روضة المحبين ونزهة المشتاقين)): ((ولذلك كان أحب شيء إلى الشيطان أن يفرق بين الرجل وبين حبيبه ليتوصل إلى تعويض كل منهما عن صاحبه بالحرام كما في السنن عنه ((أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق)) [1]، وفي صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن إبليس ينصب عرشه على الماء ثم يبث سراياه في الناس فأقربهم منه منزلة أعظمهم فتنة فيقول أحدهم ما زلت به حتى زنى فيقول يتوب فيقول الآخر ما زلت به حتى فرقت بينه وبين أهله فيدنيه ويلتزمه ويقول نعم أنت نعم أنت)) فهذا الوصال لما كان أحب شيء إلى الله ورسوله كان أبغض شيء إلى عدو الله فهو يسعى في التفريق بين المتحابين في الله المحبة التي يحبها الله ويؤلف بين الاثنين في المحبة التي يبغضها الله ويسخطها)) اهـ.
ومن الأساليب الشيطانية تعاطي السحر في التفريق بين الزوجين بما يعرف بسحر التفريق - سحر الصرف -.
قال الله تعالي: { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِيْنُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُوْنَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُوْنَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ } [البقرة: 102].
قال العلامة حافظ حكمي رحمه الله في ((معارج القبول)): ((كذب الله تعالى اليهود فيما نسبوه إلى نبيه سليمان عليه السلام بقوله وما كفر سليمان وهم إنما نسبوا السحر إليه ولازم ما نسبوه إليه هو الكفر لأن السحر كفر ولهذا أثبت كفر الشياطين بتعليمهم الناس السحر فقال تعالى ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وكذلك كل من تعلم السحر أو علمه أو عمل به يكفر ككفر الشياطين الذين علموه الناس إذا لا فرق بينه وبينهم بل هو تلميذ الشيطان وخريجه عنه روى وبه تخرج وإياه اتبع)) اهـ.
وقال العلامة الفوزان حفظه الله في ((إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد)): ((قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}، هذا خبر من الله سبحانه وتعالى أنّ الكهان والسحرة يتلّقون عن الشياطين، فهذا فيه بُطلان السحر والكهانة، وأن مصدرهما واحد؛ عن الشياطين الذين هم أكفر الخلق، وأَغَشُّ الخلق للخلق.
والسحر معروف، وهو: عملية يعلمها الساحر إما بالعُقَد والنَّفْث {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ}، وإما بكلام الكفر والشرك، فهو عزائم ورُقى شيطانية)) اهـ.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمهما وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)).
متفق عليه.
ومن معاني هذا الحديث ما أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) والخرائطي في ((مساوئ الأخلاق)) قال عن أبي امامة رضي الله عنه قال: (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي إِلَى فِرَاشِ أحدكم بعد ما يَفْرِشُهُ أَهْلُهُ وَيُهَيِّئُونَهُ، فَيُلْقِي عَلَيْهِ الْعُودَ أَوِ الْحَجَرَ أَوِ الشَّيْءَ؛ لِيُغْضِبَهُ عَلَى أَهْلِهِ، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ فَلَا يَغْضَبْ عَلَى أَهْلِهِ، قَالَ: لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَان).
قال الإمام الألباني رحمه الله في ((صحيح الأدب المفرد)): حسن الإسناد، وقد صح مرفوعاً عن أبي هريرة نحوه.
فكل من سعى في التفريق بين الرجل وزوجه كان فيه شبه بالشياطين.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ((إذا أصبح إبليس بث جنوده، فيقول : من أضل اليوم مسلما ألبسته التاج.
قال : فيخرج هذا، فيقول: لم أزل به حتى طلق امرأته.
فيقول : أوشك أن يتزوج.
ويجيء هذا فيقول : لم أزل به حتى عق والديه.
فيقول : أوشك أن يبر.
ويجيء هذا ، فيقول : لم أزل به حتى أشرك.
فيقول : أنت أنت.
ويجيء ، فيقول : لم أزل به حتى زنى.
فيقول : أنت أنت.
ويجيء هذا ، فيقول : لم أزل به حتى قتل.
فيقول : أنت أنت ، ويلبسه التاج)).
أخرجه ابن حبان في ((صحيحه)) واللفظ له والحاكم في ((المستدرك)) والروياني في ((المسند)) وابن أبي شيبة في ((المصنف)) وأبو نعيم في ((الحلية)) وصححه الإمام الألباني.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((روضة المحبين ونزهة المشتاقين)): ((ولهذا كان أحب ما لإبليس وجنوده التفريق بين هذين المحبوبين)) اهـ.
فلا يكن فيك شبه بالشياطين في التفريق بين المتزوجين.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأثنين 16 شعبان سنة 1440 هـ
الموافق لـ: 22 أبريل سنة 2019 ف
[1] ضعفه الإمام الألباني رحمه الله في ((ضعيف الجامع الصغير)) (رقم 44)).
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأثنين 16 شعبان سنة 1440 هـ
الموافق لـ: 22 أبريل سنة 2019 ف