على المستقيم أن يقيم لسانه
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: 112].
فالآية فيها توجيه لسيد المستقيمين عليه الصلاة والسلام على الاستقامة، فغيره ممن سلك الطريق المستقيم أولى وأولى بهذا الإرشاد.
ففي هذا الآية حث للمستقيم أن يستقيم.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعلب).
فروغان اللسان دليل على ما في القلب من أدواء واسقام، واعوجاج اللسان من اعوجاج القلب.
كما قيل: الألسن مغاريف القلوب.
فالكذب، والسب، والشتم، والقول البذيء، والغيبة، والنميمة، وكل قول فاحش، بسب ما في القلب من مرض.
فإذا فسد القلب ظهر على فلتات اللسان.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)).
أخرجه البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
وكذلك استقامة اللسان من استقامة القلب.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا يدخل رجل الجنة لا يأمن جاره بوائقه)).
أخرجه أحمد وحسنه الألباني.
قال الإمام ابن رجب رحمه الله في ((جامع العلوم والحكم)): ((ومعني استقامة القلب أن يكون ممتلئا من محبة الله تعالى ومحبة طاعته وكراهة معصيته)) اهـ.
وعلى هذا جاءت الوصية، فعن أبي عمرو وقيل: أبي عمرة سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك.
قال: ((قل: آمنت بالله، ثم استقم)).
أخرجه مسلم.
وفي سنن الدارمي عن عثمان بن حاضر، قال: دخلتُ على ابن عباس، فقلت: أَوْصني.
فقال: (نعم! عليك بتقوى الله والاستقامة، اتَّبع ولا تبتدع!).
فمن عف لسانه عن تلك القاذورات، واقامه على الصدق وقول الحق فليبشر بخير.
قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت :30] .
وقوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف: 13- 14].
وهذا التذكير جاء لبيان خطورة ما تجنيه الألسن وتحصده، ففي الحديث أن معاذا رضي الله عنه قال: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟
قال صلى الله عليه وسلم: ((ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)).
أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني.
فعلى المستقيم أن يقيم – القلب واللسان والجوارح - إلى أن يلقى الله رب العالمين.
هذا وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأحد 24 ربيع الأول سنة 1440 هـ
الموافق 2 ديسمبر 2018 ف