تنبيه الطالب المهتم لما في الاستغفار من قوة للفهم
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فللاستغفار فوائد عظيمة وثمرات جليلة، منها أن يرزقك الله عز وجل بسببه حسن الفهم ويفتح عليك ما اغلق من مسائل العلم، ففي الاستغفار قوة في العقل الذي يحصل به الفهم وحسن تصور المسائل ومعرفة الراجح منها وجودة الاستنباط.
قال الله عز وجل عن نبيه هود عليه الصلاة والسلام: {ويَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52].
ولعل كون الاستغفار سببا قوي في قوة الفهم، وذلك لأن العقل محله القلب، قال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الحج: 46].
ولما كانت الذنوب سببا في سواد القلب وضعفه، تأثر العقل سلبا بتأثره بالذنوب،
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((إن المؤمن إذا أذنب كانت نكته سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وان زاد زادت حتى يعلو قلبه ذاك الرين الذي ذكر الله عز و جل في القرآن {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14])).
أخرجه أحمد في ((المسند)) وابن ماجه في ((السنن)) والبغوي في ((شرح السنة)) وحسنه الألباني.
فإذا حصل الاستغفار انجلى القلب بقدر ما حصل من الاستغفار، وكلما زِد في الاستغفار ازداد القلب بياضا ونورا، فحصل للعقل من الصفاء بقدر ما حصل للقلب من جلاء، وتأثر تأثرا ايجابيا بما وقع للقلب من صفاء.
ولهذا قال العلامة ابن عبد الهادي رحمه الله في ((العقود الدرية)) هو يتحدث عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((ولقد سمعته في مبادئ أمره يقول إنه ليقف خاطري في المسألة والشيء أو الحالة التي تشكل على فأستغفر الله تعالى ألف مرة أو أكثر أو أقل حتى ينشرح الصدر وينحل إشكال ما أشكل قال وأكون اذ ذاك في السوق أو المسجد أو الدرب أو المدرسة لا يمنعني ذلك من الذكر والاستغفار إلى أن أنال مطلوبي)) اهـ.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)): ((وشهدت شيخ الاسلام قدس الله روحه إذا أعيته المسائل واستصعبت عليه فر منها إلى التوبة والاستغفار والاستغاثة بالله واللجأ إليه واستنزال الصواب من عنده والستفتاح من خزائن رحمته فقلما يلبث المدد الالهي أن يتتابع عليه مدا وتزدلف الفتوحات الالهية إليه بأيتهن يبدأ ولا ريب أن من وفق لهذا الافتقار علما وحالا وسار قلبه في ميادينه بحقيقة وقصد فقد أعطى حظه من التوفيق ومن حرمه فقد منع الطريق والرفيق فمتى أعين مع هذا الافتقار ببذل الجهد في درك الحق فقد سلك به الصراط المستقيم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)) اهـ.
فمن أدمن الاستغفار حصل له من حسن فهم وطيب عيش فضل من الله وكرم منه سبحانه وتعالى.
قال الله عز وجل عن نبينا عليه الصلاة والسلام: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: 3].
ولهذا الاستغفار بصفة خاصة من الاسباب المعينة على الحفظ والفهم، وكذلك ذكر الله بصفة عامة، قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24].
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((الوابل الصيب)): ((وحضرت شيخ الاسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار ثم التفت إلي وقال: هذه غدوتي ولو لم أتغد الغداء سقطت قوتي أو كلاما قريبا من هذا)) اهـ.
هذا وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الخميس 2 صفر سنة 1440 هـ
الموافق 11 اكتوبر 2018 ف
تعليق