التحذير من التشبه بالشياطين في اللباس والزينة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعدُ:
فقد جاءت الشريعة بمخالفة سبل الشياطين، والتحذير من السير على طريقتهم، والتشبه بهم، وصور التشبه بهم عدة، منها مشابهتهم في اللباس والزينة:
1) المشي في نعل واحد: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا انقطع شسع أحدكم او من انقطع شسع نعله فلا يمش في نعل واحدة حتى يصلح شسعه ولا يمش في خف واحد ولا يأكل بشماله ولا يحتبي بالثوب الواحد ولا يلتحف الصماء)).
أخرجه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المشي في النعل الواحدة، وقال: ((إن الشيطان يمشي بالنعل الواحدة)).
أخرجه الطحاوي في ((مشكل الآثار)).
قال العلامة السندي رحمه الله في ((حاشيته على ابن ماجه)): ((قيل النهي عن الشهرة وقيل لما فيه من المثلة ومفارقة الوقار ومشابهة زي الشيطان كالأكل بالشمال وللمشقة في المشي والخروج عن الاعتدال فربما يصير سببا للعثار)) اهـ.
وقال العلامة الألباني رحمه الله في ((الصحيحة)): ((فالحديث في النهي عن المشي في نعل واحدة صحيح مشهور، وإنما خرجت حديث الطحاوي هذا لتضمنه علة النهي، فهو يرجح قولا واحدا من الأقوال التي قيلت في تحديدها، فجاء في " الفتح " (10 / 261): " قال الخطابي: الحكمة في النهي أن النعل شرعت لوقاية الرجل عما يكون في الأرض من شوك او نحوه، فإذا انفردت إحدى الرجلين احتاج الماشي أن يتوقى لإحدى رجليه ما لا يتوقى للأخرى فيخرج بذلك عن سجية مشيه، ولا يأمن مع ذلك من العثار.
وقيل: لأنه لم يعدل بين جوارحه، وربما نسب فاعل ذلك إلى اختلال الرأي او ضعفه. وقال ابن العربي: قيل: العلة فيها أنها مشية الشيطان، وقيل: لأنها خارجة عن الاعتدال. وقال البيهقي: الكراهة فيه للشهرة فتمتد الأبصار لمن ترى ذلك منه، وقد ورد النهي عن الشهرة في اللباس، فكل شيء صير صاحبه شهرة فحقه أن يجتنب ".
فأقول: الصحيح من هذه الأقوال، هو الذي حكاه ابن العربي أنها مشية الشيطان.
وتصديره إياه بقوله: " قيل " مما يشعر بتضعيفه، وذلك معناه أنه لم يقف على هذا الحديث الصحيح المؤيد لهذا " القيل "، ولو وقف عليه لما وسعه إلا الجزم به. وكذلك سكوت الحافظ عليه يشعرنا أنه لم يقف عليه أيضا، وإلا لذكره على طريقته في جمع الأحاديث وذكر أطرافها المناسبة للباب، لاسيما وليس في تعيين العلة وتحديدها سواه.
فخذها فائدة نفيسة عزيزة ربما لا تراها في غير هذا المكان، يعود الفضل فيها إلى الإمام أبي جعفر الطحاوي ، فهو الذي حفظها لنا بإسناد صحيح في كتابه دون عشرات الكتب الأخرى لغيره.
(تنبيه) أما الحديث الذي رواه ليث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: (ربما مشى النبي صلى الله عليه وسلم في نعل واحدة).
فهو ضعيف لا يحتج به)) اهـ.
2) عمل القزع: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيا قد حلق بعض شعر رأسه وترك بعضه، فنهاهم عن ذلك، وقال: ((احلقوه كله، او اتركوه كله)).
أخرجه ابو داو د والنسائي وقال النووي في ((رياض الصالحين)): ((بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم)) اهـ، وصححه الإمام الألباني.
والقزع: قال العلامة النووي في ((رياض الصالحين)): ((وَهو: حلق بعض الرأس دون بعض)) اهـ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)): ((واختلف في علة النهي فقيل لكونه يشوه الخلقة وقيل لأنه زي الشيطان وقيل لأنه زي اليهود)) اهـ.
وقد نقل العلامة عظيم آبادي رحمه الله في ((عون المعبود)) عبارة الحافظ ابن حجر ولم يعزوها إليه.
3) فتح صالون للتجميل والحلاقة لتغيير خلق الله للحسن: قال الله تعالى: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119].
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)): ((والأصل في تغيير خلق الله المنع؛ لأن تغيير خلق الله من أوامر الشيطان، قال الله عنه: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119])) اهـ.
ومن صور تغير خلق الله للحسن:
قال العلامة الفيروزابادى رحمه الله في ((بصائر ذوى التمييز في لطائف الكتاب العزيز)): ((وقوله تعالى: {وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} قيل: هو إِشارة إِلى ما يشوِّهونه من الخِلْقة بالخِصاءِ ونَتْف اللِّحية وما يجرى مجراه)) اهـ.
وقال العلامة ابن سعدي رحمه الله في ((تفسيره)): (({وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} وهذا يتناول تغيير الخلقة الظاهرة بالوشم، والوشر والنمص والتفلج للحسن، ونحو ذلك مما أغواهم به الشيطان فغيروا خلقة الرحمن.
وذلك يتضمن التسخط من خلقته والقدح في حكمته، واعتقاد أن ما يصنعون بأيديهم أحسن من خلقة الرحمن، وعدم الرضا بتقديره وتدبيره)) اهـ.
وقال الشيخ محمد بن جميل زينو رحمه الله في ((توجيهات إسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع)): ((قال الله تعالى في حق الشيطان: { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } [النساء: 119].
وحلق اللحية تغيير لخلق الله ، وطاعة للشيطان)) اهـ.
وقال الإمام الألباني رحمه الله في ((آداب الزفاف)): ((ومثلها في القبح - إن لم تكن أقبح منها عند ذوي الفطر السليمة - ما ابتلي به أكثر الرجال من التزين بحلق اللحية بحكم تقليدهم للأوربيين الكفار حتى صار من العار عندهم أن يدخل العروس على عروسه وهو غير حليق وفي ذلك عدة مخالفات:
أ - تغيير خلق الله قال تعالى في حق الشيطان: {لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا}.
فهذا نص صريح في أن تغيير خلق الله دون إذن منه تعالى إطاعة لأمر الشيطان وعصيان للرحمن جل جلاله فلا جرم أن لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرات خلق الله للحسن كما سبق قريبا ولا شك في دخول اللحية للحسن في اللعن المذكور بجامع الاشتراك في العلة كما لا يخفى، وإنما قلت: دون إذن من الله تعالى لكي لا يتوهم أنه يدخل في التغيير المذكور مثل حلق العانة ونحوها مما أذن فيه الشارع بل استحبه أو أوجبه)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((اللقاء الشهري)): ((إزالة شعر الفخذين والساقين في حلها نظر؛ لأن الشعر من خلق الله، وتغيير خلق الله في غير ما أذن الله فيه من وحي الشيطان، قال الله تعالى عن الشيطان: وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119] والشعر من خلق الله، فلا يزال إلا فيما شرعت إزالته كالعانة والإبط والشارب بالنسبة للرجل، فهذا يزال، أما شعر الساقين والفخذين فإنه لا يزال، لكن لو كان الشعر كثيراً في المرأة بحيث يكون ساقاها كساق الرجل فلا بأس أن تزيله، أما الأفخاذ إذا كثر فيها الشعر، فلا تزيله امرأة أخرى بل تزيله المرأة صاحبة هذا الشعر؛ لأنه لا حاجة إلى الاستعانة بامرأة ثانية، فهنا الآن وسائل لإزالة الشعر من دهن أو غيره بمجرد ما يمسح به الشعر يزول، فيستعمل هذا لكن بشرط أن يراجع في ذلك الطبيب. والخلاصة أن الشعر الذي لم يؤمر بإزالته فلا يزال إلا إذا كثر بالنسبة للمرأة، وصار كشعر الرجال فلها أن تزيله، ولا حاجة إلى أن تستعين بامرأة لإزالته؛ لأن المزيلات الآن موجودة وبسهوله فليس لها حاجة أن تستعين بامرأة أخرى)) اهـ.
سئلت اللجنة الدائمة كما في ((فتاواها)): ((هل قوله تعالى: { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } يدل على حلق اللحية؟
فأجابت: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد:
نعم حلق اللحية يدخل في عموم ما ذكره الله تعالى في كتابه عن إغواء الشيطان كثيرا من الناس فإن حلقها تغيير لخلق الله وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية وإحفاء الشوارب.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم)) اهـ.
وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله). فقال عبد الله: ومالي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهو في كتاب الله، فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته، فقال: لئن كنت قرأتيه فقد وجدتيه، قال الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7].
أخرجه الشيخان.
قال العلامة ابن العربي رحمه الله في ((أحكام القرآن)): ((فالواشمة هي التي تجرح البدن نقطا أو خطوطا، فإذا جرى الدم حشته كحلا، فيأتي خيلانا وصورا فيتزين بها النساء للرجال؟ ورجال صقلية وإفريقية يفعلونه ليدل كل واحد منهم على رجلته في حداثته.
والنامصة: هي ناتفة الشعر، تتحسن به. وأهل مصر ينتفون شعر العانة، وهو منه؛ فإن السنة حلق العانة ونتف الإبط، فأما نتف الفرج فإنه يرخيه ويؤذيه ويبطل كثيرا من المنفعة فيه.
والواشرة: هي التي تحدد أسنانها.
والمتفلجة: هي التي تجعل بين الأسنان فرجا
وهذا كله تبديل للخلقة، وتغيير للهيئة، وهو حرام. وبنحو هذا قال الحسن في الآية)) اهـ.
4) تصميم أزياء العري والتبرج والمروجون لها: قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الْأَعْرَافِ: 27].
قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في ((الملخص الفقهي)) (ص89): ((ولهذا يحرص الشيطان على إغراء بني آدم بكشف عوراتهم، وقد حذرنا اله منه في قوله: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا}.
فكشف العورات مكيدة شيطانية قد وقع فيها كثير من المجتمعات البشرية اليوم، وربما يسمون ذلك رقيا وتفننا؛ فتكونت نوادي العراة، وتفشي السفور في النساء، فعرضت أجسادها أمام الرجال؛ بلا حياء ولا خجل)) اهـ.
5) الإسراف وإضاعة المال وكثرة الإنفاق في اللباس والزينة: قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء:27].
فكل ما ينفقه المرء زيادة على حاجته للشيطان فيه نصيب، لهذا جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((فراش للرجل، وفراش لامرأته، وفراش للضيف، والرابع للشيطان)).
هل لبس الأحمر من التشبه؟ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس المعصفر وقال: ((إياكم والحمرة فإنها زي الشيطان)).
هذا الحديث يذكر في كتب الفقه ولم أجد له زمام ولا خطام ولم أقف عليه في كتب الحديث.
هذا والله أعلم وبالله التوفيق ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الخميس 7 شوال سنة 1439 هـ
الموافق لـ: 21 يونيو سنة 2018 ف