قمار الصبيان
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فإنه من المعلوم عند الكثير أن القمار – الميسر – محرم.
قال الله تعالى: { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة : 90-91].
فالميسر القمار، كما جاء عن جمع من السلف منهم: ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم ومحمد بن سيرين والحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك والسدي رحمهم الله.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق)). متفق عليه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)): ((فدعاه إلى المعصية والقمار حرام باتفاق فالدعاء إلى فعله حرام)) اهـ.
الميسر محرم بالنص والإجماع، فهو محرم على الكبار وينسحب حكمه على الصغار.
قال الإمام الذهبي رحمه الله في ((تشبيه الخسيس بأهل الخميس)): ((فالله تعالى حَرَّم الميْسر في كتابه، واتفق المسلمون على تحريم الميسر، سواءُ كان بالشِّطرنج، أو بالنرْد، أو بالكعاب، أو البيض، أو بالجوز. فإنَّ غير واحدٍ من التابعين كعطاء، ومجاهد، وإبراهيم، النخعيِّ وطاوس قالوا: كُلَّ شيء من القمار فهو من الميسْر، وهو حرامُ حتى لعب الصِّبيان بالجوز)) اهـ.
وما يشاهده الكثير من لعب الصبيان وغفلوا أن منه قمار، فهذا الذي يحتاج إلى مزيد بيان.
فأي لعبة يلعبها فريقين والخاسر منهما الذي يدفع رسوم الاشتراك فهي من القمار.
وأي لعبة يلعبها فريقين والخاسر يأخذ لعبة خصمه فهي من القمار.
وأي لعبة يلعبها فريقين يجمع منهما رسوما مالية ثم يشتري بها جوائز للفائزين فهي من القمار.
أما إن جاءت الجوائز من طرف آخر - من غير اللاعبين – وخلت من مفاسد أخرى، فهي على قولين .
وقد بوب الإمام الآجري رحمه الله في ((تحريم النرد والشطرنج)) بابا بعنوان: (باب ذكر من قال القمار كله حرام حتى لعب الصبيان بالجوز وبالكعاب وغيرهما).
وجاء في هذا الباب عدة آثار عن السلف، منها:
عن عبد الله بن مسعود قال: (إياكم وهاتين الكعبتين الموسومتين اللتين تزجران زجرا فإنهما من الميسر).
أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) والبيهقي في ((الكبرى)) و ((شعب الإيمان)) والآجري في ((تحريم النرد والشطرنج)) والطبري في ((تفسيره)) وتصحف إلي عبيد الله، وصححه الإمام الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)).
وجاء بلفظ: (إياكم وهذه الكِعاب الموسومة التي تزجرون بها زجرًا ، فإنهن من الميسر).
قال السيوطي رحمه الله في ((الدر المنثور)): ((وأخرج وكيع وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ ... ثم ساقه)).
وأخرجه مسدد في ((المسند)) وابن منيع في ((المسند)) كما في ((إتحاف الخيرة المهرة)) والآجري في ((تحريم النرد والشطرنج)).
وهذا الأثر روي مرفوعا ولا يصح.
قال الدارقطني رحمه الله في ((العلل)): ((يرويه إبراهيم الهجري وعبد الملك بن عمير، عن أبي الأحوص، فرفعه علي بن عاصم، عن إبراهيم. وروي عن شعبة، عن إبراهيم الهجري مرفوعا، والصحيح موقوف. وكذلك رواه أصحاب الهجري عن أبي الأحوص، وكذلك رواه عبد الملك بن عمير، عن أبي الأحوص موقوفا)) اهـ.
وعن ليث ، يذكر عن عطاء ، وطاووس ، ومجاهد ، قالوا : (كل شيء من القمار فهو من الميسر ، حتى لعب الصبيان بالكعاب [1] والجوز).
أخرجه ابن أبي الدنيا في ((ذم الملاهي)) والآجري في ((تحريم النرد والشطرنج)) وأشيب في ((جزئه)) وجاء عند ابن أبي شيبة في ((المصنف)) وابن أبى حاتم في ((تفسيره)) (أو اثنين منهم) وعزاها ابن أبى حاتم لسفيان.
وأخرجه الطبري في ((تفسيره)) من قول طاوس وعطاء، والآجري في ((تحريم النرد والشطرنج)) على أنه من قول عطاء، وسعيد بن منصور في ((التفسير من سنن)) مقتصرا فيه على مجاهد.
وعن طاووس ، قال : (كان يكره القمار ويقول : إنه من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب).
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) من طريق ليث به.
وعن مجاهد ، قال : (الميسر القمار كله ، حتى الجوز الذي يلعب به الصبيان).
أخرجه معمر بن راشد في ((الجامع)) ومن طريقه عبد الرزاق الصنعاني في ((تفسيره))
والطبري في ((تفسيره)) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) كلهم من طريق ليث به.
وعن محمد بن سيرين قال: (كل قمار ميسر، حتى اللعب بالنَّرد على القيام والصِّياح والريشة يجعلها الرجل في رأسه).
أخرجه الطبري في ((تفسيره)).
وعن ابن سيرين ، قال : (ما كان من لعب فيه قمار أو قيام أو صياح أو شر فهو من الميسر).
أخرجه ابن أبي الدنيا في ((ذم الملاهي)).
وعن ابن سيرين ، قال : (كل شيء فيه خطر ، فهو من الميسر).
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)).
وعن سيرين قال: (كل لعب فيه قمار من شُرب أو صياح أو قيام، فهو من الميسر).
أخرجه الطبري في ((تفسيره)) وابن أبي الدنيا في ((ذم الملاهي)).
وعن محمد بن سيرين قال: (كل شيء له خَطَرٌ (أو: في خَطَر ، أبو عامر شك)، فهو من الميسر.
أخرجه الطبري في ((تفسيره)) وابن أبي الدنيا في ((ذم الملاهي)).
وعن إبراهيم : (أنه كان يكره قمار الصبيان).
أخرجه سعيد بن منصور في ((التفسير من سنن)).
وعن حماد بن نجيح ، قال : رأيت ابن سيرين مر على غلمان يوم العيد بالمربد وهم يتقامرون بالجوز.
فقال : (يا غلمان ، لا تقامروا ، فإن القمار من الميسر).
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) وابن أبي الدنيا في ((ذم الملاهي)).
وعن حماد بن يحيى الضبعي ، قال : رأيت محمد بن سيرين ورأى صبيانا يلعبون بالكعاب.
فقال : (يا صبيان لا تقامروا فإن القمار من الميسر).
أخرجه الآجري في ((تحريم النرد والشطرنج)).
قال محمد بن الحسين الآجري رحمه الله معلقا: ((إعلامهم الصبيان أن هذا حرام وأن هذا من الميسر وهو القمار حتى إذا بلغ الصبيان ؛ علموا أنه قد أنكر عليهم الشيوخ ، وقد أعلموهم أنه حرام ؛ حتى ينتهوا عنه ، وإلا قال الصبيان قد لعبنا به فما أنكر علينا أحد ولو كان منكرا لأنكروه ، هكذا ينبغي للرجل إذا رأى صبيا يعمل شيئا من المنكر أو يتكلم بشيء مما لا يحل أن يعلمه أن هذا حرام لا يحل العمل به ولا القول به)) اهـ.
ومن أقوال أهل العلم في هذا الباب:
سئل الإمام أحمد بن حنبل كما في ((مسائل ابن هاني)) قال: وسألته عن الجوز الذي يقامر به الصبيان؟
قال: لا يجوز. لأنه أخذ بغير حق.
وقال العلامة ابن قدامة رحمه الله في ((المغني)): ((ولا يجوز أن يشتري الجوز الذي يتقامر به الصبيان ، ولا البيض الذي يتقامرون به يوم العيد ؛ لأنهم يأخذونه بغير حق)) اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((إقامة الدليل على إبطال التحليل)): ((فإن الله تعالى حرم الميسر في كتابه ، واتفق المسلمون على تحريم الميسر ، واتفقوا على أن المغالبات المشتملة على القمار من الميسر ، سواء كان بالشطرنج ، أو بالنرد ، أو بالجوز ، أو بالكعاب ، أو البيض ، قاله غير واحد من التابعين كعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وإبراهيم النخعي ، كل شيء من القمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز)) اهـ.
تنبيه:
أما ما جاء عن إسحاق بن نجيح عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن اللهو كله حتى لعب الصبيان بالكعاب).
قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله في ((الموضوعات)): ((هذا حديث موضوع والمتهم به إسحاق.
قال أحمد بن حنبل: هو أكذب الناس.
وقال يحيى: هو معروف بوضع الحديث)) اهـ.
وجاء عن معان أبو صالح عن أبى حمزة عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل ما نهى الله عنه كبيرة حتى لعب الصبيان بالقمار)).
قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله في ((الموضوعات)): ((هذا حديث موضوع، وكان معان يحدث عن الثقات بالمنكرات.
قال ابن حبان: لا يشبه حديثه حديث الاثبات فاستحق الترك)) اهـ.
وجاء عن أبي موسى الاشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا هذه الكعاب الموسومة التي يزجر بها زجراً فإنها من الميسر)).
قال السيوطي رحمه الله في ((الدر المنثور)): ((وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ... ثم ساقه)).
وأخرجه الآجري في ((تحريم النرد والشطرنج)).
قال ابن أبي حاتم في ((علل الحديث)): ((قال أبي: هذا حديثٌ باطل، وهو من عليِّ بن يزيد، وعثمان لا بأسَ به)) اهـ.
وذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)) وساق سند ابن أبي حاتم ثم حكم عليه بقوله: ((حديث غريب)).
وقال الهيثمي رحمه الله في ((مجمع الزوائد)): ((رواه الطبراني وفيه علي بن يزيد وهو متروك)) اهـ.
وجاء عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إياكم وهاتان الكعبتان الموسومتان اللتان تزجران زجرا فإنهما ميسر العجم)).
أخرجه أحمد بن حنبل في ((المسند)) وابن أبي الدنيا في ((ذم الملاهي)) ومن طريقه البيهقي في ((الكبرى)) و((شعب الإيمان))؛ وابن منيع في ((المسند)) كما في ((إتحاف الخيرة المهرة)).
قال البيهقي: ((كذلك رواه زياد البكالي عن إبراهيم مرفوعا)) اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((إتحاف الخيرة المهرة)): ((هذا إسناد ضعيف ، لضعف إبراهيم الهجري لم يتفرد به إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، فقد تابعه عليه عبد الملك بن عمير)) اهـ.
وقال محققوا المسند: ((وإسناده ضعيف، وصحح الدارقطني وقفه)) اهـ.
وفي رواية عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إياكم وهذه الكعاب الموسومة التي تزجر زجرا فإنهن من الميسر)).
أخرجها الآجري في ((تحريم النرد والشطرنج)).
وجاء عن قتادة ، قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : ((الكعبتان من ميسر العجم)).
أخرجه ابن أبي الدنيا في ((ذم الملاهي)) وهو مرسل.
ولمزيد بيان حول هذه الروايات انظر ((تبييض الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة)).
هذا والله أعلم وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأربعاء 29 شعبان سنة 1439 هـ
الموافق لـ: 17 مايو سنة 2018 ف
[1] الكِعاب : فُصُوص النَّرْدِ.