قمع الخاطفين المجرمين المتشبهين بالشياطين
الحمد لله ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على من أرسل للإنس والجن أجمعين، وعلى أهله وصحبه المجاهدين، ومن تبعهم واقتفي أثرهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فما أن يختل الأمن في مكان حتى يكثر الهرج والخطف والسلب والنهب، وما نشاهد اليوم من اختطاف الأطفال أو غيرهم بقوة السلاح لطلب الفدية أو تصفية حسابات، لهو منكر عظيم، وخطر جسيم، ويزداد الأمر سوء وقبحا بقتل الأبرياء أو اغتصابهم وتعذيبهم.
وما يفعل هؤلاء المجرمون المتشبهون بالشياطين لا يتقبله عقل، فضلا عن دين.
فقد جاء عن قتادة عن أبي نضرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : أن رجلا من قومه من الأنصار خرج يصلي مع قومه العشاء فسبته الجن [أخذته أسيرا] ففقد فانطلقت امرأته إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقصت عليه القصة.
فسأل عنه عمر قومه، فقالوا: نعم خرج يصلي العشاء ففقد.
فأمرها أن تربص أربع سنين، فلما مضت الأربع سنين أتته فأخبرته.
فسأل قومها، فقالوا: نعم.
فأمرها أن تتزوج فتزوجت.
فجاء زوجها يخاصم في ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يغيب أحدكم الزمان الطويل لا يعلم أهله حياته. فقال له: إن لي عذرا يا أمير المؤمنين.
قال: وما عذرك؟
قال: خرجت أصلي العشاء فسبتني الجن فلبثت فيهم زمانا طويلا، فغزاهم جن مؤمنون (أو قال مسلمون شك سعيد)، فقاتلوهم فظهروا عليهم فسبوا منهم سبايا فسبوني فيما سبوا منهم.
فقالوا: نراك رجلا مسلما، ولا يحل لنا سبيك، فخيروني بين المقام وبين القفول إلى أهلي، فاخترت القفول إلى أهلي، فأقبلوا معي، أما بالليل فليس يحدثوني وأما بالنهار فعصار ريح أتبعها.
فقال له عمر رضي الله عنه: فما كان طعامك فيهم.
قال: الفول، وما لم يذكر اسم الله عليه.
قال: فما كان شرابك فيهم.
قال: الجدف، (قال قتادة: والجدف ما لا يخمر من الشراب).
قال: فخيره عمر رضي الله عنه بين الصداق وبين امرأته.
قال سعيد: وحدثني مطر عن أبي نضرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر رضي الله عنه مثل حديث قتادة إلا أن مطرا زاد فيه، قال: أمرها أن تعتد أربع سنين وأربعة أشهر وعشرا.
أخرجه البيهقي في ((السنن الكبرى)) وابن أبي الدنيا في ((هواتف الجنان)).
قال ابن عبد البر رحمه الله في ((التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد)): ((هذا خبر صحيح من رواية العراقيين والمكيين مشهور وقد روى معناه المدنيون في المفقود إلا أنهم لم يذكروا معنى اختطاف الجن للرجل ولا ذكروا تخيير المفقود بين المرأة والصداق وإنما ذكرناه ههنا من أجل تخمير أواني الشراب والطعام وهي لفظة لم أرها في هذا الحديث في غير هذا الإسناد وقد ذكرنا هذا الخبر بإسناده من غير رواية قتادة)) اهـ.
وقال الإمام الألباني رحمه الله في ((إرواء الغليل)): ((وإسناده من طريق قتادة والجريري صحيح وأما طريق مطر وهو الوراق فإنه ضعيف)) اهـ.
وفي رواية مختصرة أخرجها عبد الرزاق في ((المصنف)) عن مجاهد عن الفقيد الذي فقد قال: دخلت الشعب فاستهوتني الجن فمكث امرأتي أربع سنين ثم أتت عمر فأمرها أن تتربص أربع سنين من حين رفعت أمرها إليه ثم دعي وليه فطلق وأمرها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا.
قال: ثم جئت بعد ما تزوجت فخيرني عمر بينها وبين الصداق الذي أصدقت.
فحال هؤلاء الخاطفين حال الشياطين.
هذا والله أعلم وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الثلاثاء 1 شعبان سنة 1439 هـ
الموافق لـ: 17 ابريل سنة 2018 ف