تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
الكتاب : الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات
المؤلف : عبد الرحمن بن ناصر السعدي
الطبعة : الأولى
الناشر : الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
تاريخ النشر : 1412هـ - 1991م
عدد الصفحات : 287
عدد الأجزاء : 1
مصدر الكتاب : موقع الإسلام
http://www.al-islam.com
[ ضمن مجموعة كتب من موقع الإسلام ، ترقيمها غير مطابق للمطبوع ، وغالبها مذيلة بالحواشي ]
أولا :
الفواكه الشهية في الخطب المنبرية
تأليف علامة القصيم
المحقق الشيخ
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
من أفاضل علماء عنيزة
رحمه الله
**** بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعمه ، وأشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو ، وأن محمدا عبده ورسوله . وبعد :
فهذه خطب استجدت بعد ما جمعنا الخطب السابقة ونشرناها ، أحببنا جمعها ونشرها؛ لتعم الفائدة ، ولو كانت في موضوع واحد أو مواضيع متقاربة اكتفينا بالخُطب الأُوَل ؛ لما فيها - ولله الحمد - من حصول المقصود ، ولكن هذه الخطب كالأُوَل ، جمعت بين الوعظ والتعليم ، والتوجيهات للمنافع ودفع المضار الدينية والدنيوية ، بأساليب متنوعة ، والتفصيلات المضطر إليها كما ستراه .
ونسأله تعالى أن يجعل عملنا خالصا لوجهه ، موافقا لما يحبه ويرضاه ، نافعا لنا ولغيرنا . إنه جواد كريم .
1- خطبة
في الحث على التقوى وبيان حدها وفوائدها
الحمد لله المتفرد بعظمته وكبريائه ومجده ، المدبر للأمور بمشيئته وحكمته وحمده ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وفضله ورفده ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، خير داع إلى هداه ورشده ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وجنده . أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، فإن تقوى الله خير لباس وزاد ، وأفضل وسيلة إلى رضى رب العباد ، قال تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا }{ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } فوعد المتقي بالفرج والخروج من كل هم وضيق ، وبالرزق الواسع المتيسر من كل طريق ، وقال تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } ، { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا } فوعد من اتقاه أن ييسره لليسرى في كل الأمور ، وأن يكفر عنه السيئات ويعظم له الأجور ، وقال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } فبشر
المؤمنين إذا اتقوه بالفرقان ؛ وهو العلم النافع ، المفرق بين الحلال والحرام ، وبتكفير السيئات ومغفرة الآثام ، وبالفضل العظيم من الملك العلام . فإن سألتم عن تفسير التقوى التي هذه آثارها ، وهذه ثمراتها وفوائدها ، فإن أساسها التوبة النصوح من جميع الذنوب ، ثم الإنابة منكم كل وقت إلى علام الغيوب ، وذلك بالقصد الجازم إلى أداء الفرائض والواجبات ، وترك جميع المناهي والمحرمات ، وهو القيام بحقوق الله ، وحقوق المخلوقين . والتقرب بذلك إلى رب العالمين .
علامة المتقي أن يكون قائما بأصول الإيمان ، متمِّمًا لشرائع الإسلام وحقائق الإحسان ، محافظا على الصلوات في أوقاتها ، مؤديا الزكاة لمستحقيها وجهاتها ، قائما بالحج والصيام ، بارا بوالديه واصلا للأرحام ، محسنا إلى الجيران والمساكين ، صادقا في معاملته مع جميع المعامَلين ، سليم القلب من الكبر والغل والحقد والحسد ، مملوءا من النصيحة ومحبة الخير لكل أحد ، لا يسأل إلا الله ، ولا يستعين إلا بالله ، ولا يرجو ولا يخشى أحدا سواه . وقد وصف الله المتقي وبين ثوابه ، في قوله تعالى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ } إلى قوله : { وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } .
من الله علي وعليكم بتحقيق التقوى ، وجعلنا وإياكم ممن استمسك بالعروة الوثقى ، وبارك لي ولكم في القرآن العظيم .
2- خطبة
في الحث علي الإحسان
بمناسبة الجدب الذي ضر البوادي وتلفت به أموالهم
الحمد لله الذي وعد المنفقين أجرا عظيما وخلفا ، وأوعد الممسكين لأموالهم عن الخير عطبا وتلفا . وأشهد أن لا إله إلا هو الملك الجواد ، الرءوف بالعباد . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أفضل الرسل وخلاصة العباد ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد ، وعلى آله وأصحابه ، أولي الفضل والعلم والانقياد .
أما بعد : أيها الناس اتقوا الله حق تقواه ، وارحموا عباده تفوزوا بثوابه ورضاه ، قال تعالى : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }{ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا } . وقال صلى الله عليه وسلم : « ينزل كل صباح يوم ملكان يقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا » .
أيها الغني الذي عنده فضل من رزقه وماله : عد على أخيك المعدم وترفق لحاله ، فالراحمون يرحمهم الرحمن . « ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء » ارحموا إخوانكم الذين تلفت مواشيهم وقلت أموالهم ، ارحموا عبادا اختلت أمورهم وتضعضعت أحوالهم ، ارحموا أناسا كانوا بالأمس أغنياء واجدين ، فأصبحوا من كل ما يملكونه معدمين ، ارحموا أناسا أصابهم الجهد والفقر والضراء يرحمكم الرحمن في حالة السراء والضراء . أيها المؤمنون : ألا تثقون بوعد من لا يخلف الميعاد ، ومن ليس لخيره وفضله نقص ولا نفاد ، فإن الله وعد على الإنفاق الأجر ومضاعفة الثواب ، ومدافعة البلايا والنقم والعذاب والخلف العاجل في المال والبركة في الأعمال ، ووعد بفتح أبواب الرزق وصلاح الأحوال ، فكونوا بوعده واثقين ، وببره ومعروفه طامعين ، فالقليل من الإنفاق مع النية الصالحة يكون كثيرا ، وينيل الله لصاحبه مغفرة وأجرا كبيرا ، قال صلى الله عليه وسلم : « من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لأحدكم ، كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل العظيم ، واتقوا النار ولو بشق تمرة » . ليتصدق أحدكم من درهمه
من ديناره من صاع بره من صاع شعيره . كيف يشبع أحدنا وأخوه المسلم جائع ؟! كيف يتقلب أحدنا في نعيم الدنيا وأخوه معدم فاقد ؟! أين أهل الرحمة والشفقة ؟ وأين من يقتحم العقبة ؟ { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ }{ فَكُّ رَقَبَةٍ }{ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ }{ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ }{ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ } لقد قست قلوبنا فما ينفع فيها وعظ ولا تذكير ، ولقد قلت رغبتنا في الخير فما يؤثر فيها تشويق ولا تحذير ، أين نحن من أهل الصدقة والإحسان ؟! الذين حنوا بما في قلوبهم من الرحمة على نوع الإنسان ! يسارعون إلى الخيرات وإخراج المخبوءات ! ويفرحون بالمال الذي يدفعون به الحاجات والضرورات ، ويتقربون بذلك إلى رب السماوات ، أولئك الذين يظلهم الله في ظله الظليل ، وأولئك الذين حازوا الأجر والثواب الجزيل ، وسلموا من العقاب والعذاب الوبيل ، فليبشروا بالخلف العاجل من المولى الجليل ، وبالبركة في أعمالهم ، وأعمارهم وأرزاقهم ، والخير الجميل ، { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً
لَنْ تَبُورَ }{ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
3- خطبة
في بيان لطفه بالعباد عند المكاره
الحمد لله الرؤوف الرحيم ، البر الجواد الكريم ، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك العظيم ، له الأسماء الحسنى ، والصفات العليا ، والإحسان العميم ، وله الرحمة الواسعة ، والحكمة الشاملة ، وهو العليم الحكيم ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، الذي قال الله فيه : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه ، الذين هُدُوا إلى الحق وإلى طريق مستقيم .
أما بعد : أيها الناس : اتقوا الله تعالى ، فإن روح التقوى شكر المولى على نعمائه ، والصبر والرضى بمر قضائه ، شكره على المحاب والمسار ، والتضرع إليه عند المكاره والمضار ، قال صلى الله عليه وسلم : « عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن » . واعلموا أن في تقديره للضراء والمكاره حكما لا تخفى ، وألطافا وتخفيفات لا تحد ولا تُستقصى ، والمؤمن حين تصيبه المكاره يغنم على ربه فيكون من الرابحين ، يغنم القيام بوظيفة الصبر ، فيتم له أجر الصابرين ، ويرجو الأجر والثواب فيحظى بثواب المحتسبين ، وينتظر الفرج من الله فيحوز أجر الراجين لفضله الطامعين ، فإن أفضل العبادة انتظار الفرج العاجل ، ورجاء الثواب الآجل ، والله تعالى يبتلي عباده ، فإذا ابتلى لطف وأعان ، وإذا تصعبت الأمور من جانب تسهلت من نواح أخرى ، فيها الرأفة والامتنان ، أما ترون حين قدر الله بحكمته انحباس الغيث ، ووقوع الجدب في النبات ، كيف لطف بكم في حشو هذا البلاء بنعم متتابعات ؟! ، وأياد وآلاء سابغات ، أنعم عليكم بالآلات الحديثة التي قامت بها الزروع
والحروث ، واستخرجت بها المياه ، وتتابعت بها النقليات لجميع المؤن من الضروريات والكماليات ، ومرافق الحياة ، فلو أن هذا الجدب صادف الناس بغير هذه الحالة ، لهلكت الحروث وتعطلت النقليات ، لقلة المواشي وعجزها ، ولوقع بالعباد مجاعات وأضرار ، وقاهم الله شرها ، كما أن من ألطافه ما يسره للعباد من كثرة الأعمال المعينة على الرزق والمعاش ، فقامت بها أمور الأغنياء والفقراء ، وتم بها الانتعاش ، فكم لله علينا من فضل عظيم ، وكم أسبغ علينا من إحسان عميم ، فعلينا أن نشكر الله بالاعتراف بنعمه وأياديه ، وأن نتحدث بها في كل ما يُسره أحدنا ويُبديه ، وأن نستعين بها على طاعته ونتبع مراضيه ، وعلينا أن نصبر ونرضى فيما يدبره مولانا ويقضيه ، وأن يكون الفرج نصب أعيننا وقبلة قلوبنا ، والطمع في فضله غاية قصدنا ، ونهاية مطلوبنا ، فإننا لم نرج مخلوقا ولا ممسكا ولا عديما ، وإنما نرجو ربا غنيا جوادا كريما ، لا يتبرم بإلحاح الملحين ، ولا يبالي بكثرة العطايا وإجابة السائلين ، عم البرايا كلها بفضله وخيره وعطائه ، ووسع الخليقة كلها بنعمه وآلائه ، أمرنا بالدعاء والسؤال ، ووعدنا عليه الإجابة وكثرة النوال : { اللَّهُ لَطِيفٌ
بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
4- خطبة
في تذكير الناس بنعم الدين
الحمد لله الذي منَّ بظاهر النعم وباطنها ، وفروعها وأصولها ، فأعطى النفوس من سوابغ نعمائه ، غاية منيتها ومنتهى سولها ، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي تفرد بإيصال الخيرات والمسار ، ودفع العقوبات والمكروهات والمضار ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار ، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه الأخيار ، وعلى التابعين لهم بإحسان ، بالأقوال والأفعال والإقرار ، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، واشكروا مولاكم على ما خصكم به من النعم والآلاء ، واعلموا أنكم لا تقدرون على العد لها والإحصاء ، فاشتغلوا بالتفكر بأصول النعم وقواعدها ، وما ترتب على ذلك من ثمراتها ونتائجها وفوائدها ، فإنكم إذا ألقيتم نظرة على حالة الأمم وانحرافهم عن دين الإسلام القويم امتلأت قلوبكم من شكر الرب الرحيم ، الذي منَّ عليكم بدين الإسلام ، وبالسنة والصراط المستقيم ، ثم إذا نظرتم في المنتسبين إلى دين الإسلام ، وتفرقها على ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا أهل السنة التي منَّ الله عليكم بها ، فيالها أكبر منحة وأسبغ منة . ونقى لكم دينكم من البدع والإشراك ، وسلمكم من وسائل الشرك وطرق الغي والهلاك ، بوسائل وأسباب يسرها الرب الكريم ، حيث أقام لكم كل إمام قد استقام على الصراط المستقيم . فكان إمامكم الإمام أحمد بن حنبل ، أكبر إمام نصر السنة والكتاب ، وبه وبأصحابه وأتباعه ونظرائه يعرف السني من البدعي من سائر الطوائف والأحزاب ، حتى أقام الله شيخ الإسلام والمسلمين ، أحمد بن تيمية تقي الدين ، فجاهد الكفار والمنافقين ، وسائر الملحدين ، وفرق المبتدعين . وأظهر من صريح السنة وأعلامها
وعلومها ما عجزت عنه مدارك الأولين والآخرين ، وسلك طريقته تلامذته وأتباعه من فحول العلماء المحققين ، حتى جاءت النوبة لشيخ الجزيرة ، وإمامها الأواب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ، فقام بهذا الأمر أتم القيام ولم يزل في جهاد مع الأعداء وجلاد . حتى نشر التوحيد الخالص والسنة المحضة بين العباد . وقمع الشرك ووسائله ، والبدع والفساد ، فخلصت الجزيرة ولله الحمد ، وانصبغت بالسنة والتوحيد ، وسلمت بمساعيه المشكورة ومساعي تلاميذه وأحفاده وأنصاره من الشرك والتنديد ، فلم تجد فيها - ولله الحمد - قبة على قبر ولا مشهدا ، ولا توسلا بالمخلوقين ، ولا مولدا ولا معبدا . أو ليس من أكبر منن الله عليكم وأجل إحسانه الواصل إليكم أن قيض لكم هؤلاء السادة الغرر ؟! الذين حفظ الله بهم الدين الصحيح ، وتحقق وانتشر حتى نشأتم أنتم وآباؤكم وأولادكم ، تشربون من معين الشريعة أصفى شراب . وتغترفون من زلالها أحسن اغتراف ، لم تدركوا هذا بوسيلة منكم ، ولا قوة علم ولا ذكاء ، وإنما ذلك فضل الله الذي ليس له غاية ولا انتهاء ، بينما ترون الأقطار الأخرى محشوة بالشرك والكفر والإلحاد الصراح ، مملوءة من البدع وبناء المشاهد على القبور .
والأخلاق القباح ، فاحمدوا ربكم على هذه النعم ، التي لا تستطيعون لها عدا ولا شكورا ، واستغفروه من تقصيركم ، وتوبوا إليه إنه كان عفوا قديرا ، وسلوه أن يحفظ عليكم أديانكم ، وأن يثبتكم على الحق إلى الممات ، وأن يحييكم في عافية مما أحاط بكم من الشرور والأمور المهلكات ، إنه قريب مجيب الدعوات . فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
5- خطبة
في أن الجزاء من جنس العمل وأسباب شرح الصدر
الحمد لله الذي شرح صدور الموفقين بألطاف بره وآلائه ، ونور بصائرهم بمشاهدة حكم شرعه وبديع صنعه ومحكم آياته ، وألهمهم كلمة التقوى ، وكانوا أحق بها وأهلها ، فسبحانه من إله عظيم ، وتبارك من رب واسع كريم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، في أسمائه ، وصفاته ، وأفعاله ، وخيراته ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أشرف رسله وخير برياته ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه في غدوات الدهر وروحاته .
أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، واعلموا أن سعادة الدنيا والآخرة بصلاح القلوب وانشراحها ، وزوال همومها وغمومها وأتراحها ، فألزموا طاعة الله ، وطاعة رسوله ، تدركوا هذا المطلوب ، واذكروا الله كثيرا ، ألا بذكر الله تطمئن القلوب . أما علمتم أن الإقبال على الله - رغبة ورهبة وإنابة - في جميع النوائب والحالات أعظم الأسباب لانشراح الصدور وطمأنينة النفوس وإدراك الغايات ؟ وأن الإعراض عن الله والانكباب على الشهوات نار تلظى في القلوب ، وخسران وحسرات ؟ وأن السعي في طلب العلم النافع مع النية الصادقة من أكبر الطاعات ، وبه تزول التبعات والجهالات ، والأمور المعضلات ؟ وأن تنوع العبد في السعي في نفع المخلوقين في قوله وفعله وماله وجاهه يصلح الله به أموره في الدنيا والدين ؟ ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ، ومن تواضع لله رفعه ، ومن تكبر عليه أو على الخلق وضعه ، ومن عفى وسامح
سامحه الله ، ومن استقضى استقضى الله عليه ، ومن تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته وفضحه ، ومن تورع عن عيوب الخلق كف الله عن عرضه ، ومن تقرب إلى الله ، تقرب الله منه ، ومن أعرض عن الله ، أعرض الله عنه ، والجزاء من جنس العمل ، وما ربك بظلام للعبيد . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } إلى قوله : { الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .
الكتاب : الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات
المؤلف : عبد الرحمن بن ناصر السعدي
الطبعة : الأولى
الناشر : الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
تاريخ النشر : 1412هـ - 1991م
عدد الصفحات : 287
عدد الأجزاء : 1
مصدر الكتاب : موقع الإسلام
http://www.al-islam.com
[ ضمن مجموعة كتب من موقع الإسلام ، ترقيمها غير مطابق للمطبوع ، وغالبها مذيلة بالحواشي ]
أولا :
الفواكه الشهية في الخطب المنبرية
تأليف علامة القصيم
المحقق الشيخ
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
من أفاضل علماء عنيزة
رحمه الله
**** بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعمه ، وأشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو ، وأن محمدا عبده ورسوله . وبعد :
فهذه خطب استجدت بعد ما جمعنا الخطب السابقة ونشرناها ، أحببنا جمعها ونشرها؛ لتعم الفائدة ، ولو كانت في موضوع واحد أو مواضيع متقاربة اكتفينا بالخُطب الأُوَل ؛ لما فيها - ولله الحمد - من حصول المقصود ، ولكن هذه الخطب كالأُوَل ، جمعت بين الوعظ والتعليم ، والتوجيهات للمنافع ودفع المضار الدينية والدنيوية ، بأساليب متنوعة ، والتفصيلات المضطر إليها كما ستراه .
ونسأله تعالى أن يجعل عملنا خالصا لوجهه ، موافقا لما يحبه ويرضاه ، نافعا لنا ولغيرنا . إنه جواد كريم .
1- خطبة
في الحث على التقوى وبيان حدها وفوائدها
(1/1)
الحمد لله المتفرد بعظمته وكبريائه ومجده ، المدبر للأمور بمشيئته وحكمته وحمده ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وفضله ورفده ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، خير داع إلى هداه ورشده ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وجنده . أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، فإن تقوى الله خير لباس وزاد ، وأفضل وسيلة إلى رضى رب العباد ، قال تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا }{ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } فوعد المتقي بالفرج والخروج من كل هم وضيق ، وبالرزق الواسع المتيسر من كل طريق ، وقال تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } ، { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا } فوعد من اتقاه أن ييسره لليسرى في كل الأمور ، وأن يكفر عنه السيئات ويعظم له الأجور ، وقال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } فبشر
(1/2)
المؤمنين إذا اتقوه بالفرقان ؛ وهو العلم النافع ، المفرق بين الحلال والحرام ، وبتكفير السيئات ومغفرة الآثام ، وبالفضل العظيم من الملك العلام . فإن سألتم عن تفسير التقوى التي هذه آثارها ، وهذه ثمراتها وفوائدها ، فإن أساسها التوبة النصوح من جميع الذنوب ، ثم الإنابة منكم كل وقت إلى علام الغيوب ، وذلك بالقصد الجازم إلى أداء الفرائض والواجبات ، وترك جميع المناهي والمحرمات ، وهو القيام بحقوق الله ، وحقوق المخلوقين . والتقرب بذلك إلى رب العالمين .
(1/3)
علامة المتقي أن يكون قائما بأصول الإيمان ، متمِّمًا لشرائع الإسلام وحقائق الإحسان ، محافظا على الصلوات في أوقاتها ، مؤديا الزكاة لمستحقيها وجهاتها ، قائما بالحج والصيام ، بارا بوالديه واصلا للأرحام ، محسنا إلى الجيران والمساكين ، صادقا في معاملته مع جميع المعامَلين ، سليم القلب من الكبر والغل والحقد والحسد ، مملوءا من النصيحة ومحبة الخير لكل أحد ، لا يسأل إلا الله ، ولا يستعين إلا بالله ، ولا يرجو ولا يخشى أحدا سواه . وقد وصف الله المتقي وبين ثوابه ، في قوله تعالى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ } إلى قوله : { وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } .
من الله علي وعليكم بتحقيق التقوى ، وجعلنا وإياكم ممن استمسك بالعروة الوثقى ، وبارك لي ولكم في القرآن العظيم .
(1/4)
2- خطبة
في الحث علي الإحسان
بمناسبة الجدب الذي ضر البوادي وتلفت به أموالهم
الحمد لله الذي وعد المنفقين أجرا عظيما وخلفا ، وأوعد الممسكين لأموالهم عن الخير عطبا وتلفا . وأشهد أن لا إله إلا هو الملك الجواد ، الرءوف بالعباد . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أفضل الرسل وخلاصة العباد ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد ، وعلى آله وأصحابه ، أولي الفضل والعلم والانقياد .
أما بعد : أيها الناس اتقوا الله حق تقواه ، وارحموا عباده تفوزوا بثوابه ورضاه ، قال تعالى : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }{ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا } . وقال صلى الله عليه وسلم : « ينزل كل صباح يوم ملكان يقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا » .
(1/5)
أيها الغني الذي عنده فضل من رزقه وماله : عد على أخيك المعدم وترفق لحاله ، فالراحمون يرحمهم الرحمن . « ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء » ارحموا إخوانكم الذين تلفت مواشيهم وقلت أموالهم ، ارحموا عبادا اختلت أمورهم وتضعضعت أحوالهم ، ارحموا أناسا كانوا بالأمس أغنياء واجدين ، فأصبحوا من كل ما يملكونه معدمين ، ارحموا أناسا أصابهم الجهد والفقر والضراء يرحمكم الرحمن في حالة السراء والضراء . أيها المؤمنون : ألا تثقون بوعد من لا يخلف الميعاد ، ومن ليس لخيره وفضله نقص ولا نفاد ، فإن الله وعد على الإنفاق الأجر ومضاعفة الثواب ، ومدافعة البلايا والنقم والعذاب والخلف العاجل في المال والبركة في الأعمال ، ووعد بفتح أبواب الرزق وصلاح الأحوال ، فكونوا بوعده واثقين ، وببره ومعروفه طامعين ، فالقليل من الإنفاق مع النية الصالحة يكون كثيرا ، وينيل الله لصاحبه مغفرة وأجرا كبيرا ، قال صلى الله عليه وسلم : « من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لأحدكم ، كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل العظيم ، واتقوا النار ولو بشق تمرة » . ليتصدق أحدكم من درهمه
(1/6)
من ديناره من صاع بره من صاع شعيره . كيف يشبع أحدنا وأخوه المسلم جائع ؟! كيف يتقلب أحدنا في نعيم الدنيا وأخوه معدم فاقد ؟! أين أهل الرحمة والشفقة ؟ وأين من يقتحم العقبة ؟ { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ }{ فَكُّ رَقَبَةٍ }{ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ }{ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ }{ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ } لقد قست قلوبنا فما ينفع فيها وعظ ولا تذكير ، ولقد قلت رغبتنا في الخير فما يؤثر فيها تشويق ولا تحذير ، أين نحن من أهل الصدقة والإحسان ؟! الذين حنوا بما في قلوبهم من الرحمة على نوع الإنسان ! يسارعون إلى الخيرات وإخراج المخبوءات ! ويفرحون بالمال الذي يدفعون به الحاجات والضرورات ، ويتقربون بذلك إلى رب السماوات ، أولئك الذين يظلهم الله في ظله الظليل ، وأولئك الذين حازوا الأجر والثواب الجزيل ، وسلموا من العقاب والعذاب الوبيل ، فليبشروا بالخلف العاجل من المولى الجليل ، وبالبركة في أعمالهم ، وأعمارهم وأرزاقهم ، والخير الجميل ، { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً
(1/7)
لَنْ تَبُورَ }{ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
(1/
3- خطبة
في بيان لطفه بالعباد عند المكاره
الحمد لله الرؤوف الرحيم ، البر الجواد الكريم ، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك العظيم ، له الأسماء الحسنى ، والصفات العليا ، والإحسان العميم ، وله الرحمة الواسعة ، والحكمة الشاملة ، وهو العليم الحكيم ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، الذي قال الله فيه : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه ، الذين هُدُوا إلى الحق وإلى طريق مستقيم .
(1/9)
أما بعد : أيها الناس : اتقوا الله تعالى ، فإن روح التقوى شكر المولى على نعمائه ، والصبر والرضى بمر قضائه ، شكره على المحاب والمسار ، والتضرع إليه عند المكاره والمضار ، قال صلى الله عليه وسلم : « عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن » . واعلموا أن في تقديره للضراء والمكاره حكما لا تخفى ، وألطافا وتخفيفات لا تحد ولا تُستقصى ، والمؤمن حين تصيبه المكاره يغنم على ربه فيكون من الرابحين ، يغنم القيام بوظيفة الصبر ، فيتم له أجر الصابرين ، ويرجو الأجر والثواب فيحظى بثواب المحتسبين ، وينتظر الفرج من الله فيحوز أجر الراجين لفضله الطامعين ، فإن أفضل العبادة انتظار الفرج العاجل ، ورجاء الثواب الآجل ، والله تعالى يبتلي عباده ، فإذا ابتلى لطف وأعان ، وإذا تصعبت الأمور من جانب تسهلت من نواح أخرى ، فيها الرأفة والامتنان ، أما ترون حين قدر الله بحكمته انحباس الغيث ، ووقوع الجدب في النبات ، كيف لطف بكم في حشو هذا البلاء بنعم متتابعات ؟! ، وأياد وآلاء سابغات ، أنعم عليكم بالآلات الحديثة التي قامت بها الزروع
(1/10)
والحروث ، واستخرجت بها المياه ، وتتابعت بها النقليات لجميع المؤن من الضروريات والكماليات ، ومرافق الحياة ، فلو أن هذا الجدب صادف الناس بغير هذه الحالة ، لهلكت الحروث وتعطلت النقليات ، لقلة المواشي وعجزها ، ولوقع بالعباد مجاعات وأضرار ، وقاهم الله شرها ، كما أن من ألطافه ما يسره للعباد من كثرة الأعمال المعينة على الرزق والمعاش ، فقامت بها أمور الأغنياء والفقراء ، وتم بها الانتعاش ، فكم لله علينا من فضل عظيم ، وكم أسبغ علينا من إحسان عميم ، فعلينا أن نشكر الله بالاعتراف بنعمه وأياديه ، وأن نتحدث بها في كل ما يُسره أحدنا ويُبديه ، وأن نستعين بها على طاعته ونتبع مراضيه ، وعلينا أن نصبر ونرضى فيما يدبره مولانا ويقضيه ، وأن يكون الفرج نصب أعيننا وقبلة قلوبنا ، والطمع في فضله غاية قصدنا ، ونهاية مطلوبنا ، فإننا لم نرج مخلوقا ولا ممسكا ولا عديما ، وإنما نرجو ربا غنيا جوادا كريما ، لا يتبرم بإلحاح الملحين ، ولا يبالي بكثرة العطايا وإجابة السائلين ، عم البرايا كلها بفضله وخيره وعطائه ، ووسع الخليقة كلها بنعمه وآلائه ، أمرنا بالدعاء والسؤال ، ووعدنا عليه الإجابة وكثرة النوال : { اللَّهُ لَطِيفٌ
(1/11)
بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
(1/12)
4- خطبة
في تذكير الناس بنعم الدين
الحمد لله الذي منَّ بظاهر النعم وباطنها ، وفروعها وأصولها ، فأعطى النفوس من سوابغ نعمائه ، غاية منيتها ومنتهى سولها ، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي تفرد بإيصال الخيرات والمسار ، ودفع العقوبات والمكروهات والمضار ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار ، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه الأخيار ، وعلى التابعين لهم بإحسان ، بالأقوال والأفعال والإقرار ، وسلم تسليما كثيرا.
(1/13)
أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، واشكروا مولاكم على ما خصكم به من النعم والآلاء ، واعلموا أنكم لا تقدرون على العد لها والإحصاء ، فاشتغلوا بالتفكر بأصول النعم وقواعدها ، وما ترتب على ذلك من ثمراتها ونتائجها وفوائدها ، فإنكم إذا ألقيتم نظرة على حالة الأمم وانحرافهم عن دين الإسلام القويم امتلأت قلوبكم من شكر الرب الرحيم ، الذي منَّ عليكم بدين الإسلام ، وبالسنة والصراط المستقيم ، ثم إذا نظرتم في المنتسبين إلى دين الإسلام ، وتفرقها على ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا أهل السنة التي منَّ الله عليكم بها ، فيالها أكبر منحة وأسبغ منة . ونقى لكم دينكم من البدع والإشراك ، وسلمكم من وسائل الشرك وطرق الغي والهلاك ، بوسائل وأسباب يسرها الرب الكريم ، حيث أقام لكم كل إمام قد استقام على الصراط المستقيم . فكان إمامكم الإمام أحمد بن حنبل ، أكبر إمام نصر السنة والكتاب ، وبه وبأصحابه وأتباعه ونظرائه يعرف السني من البدعي من سائر الطوائف والأحزاب ، حتى أقام الله شيخ الإسلام والمسلمين ، أحمد بن تيمية تقي الدين ، فجاهد الكفار والمنافقين ، وسائر الملحدين ، وفرق المبتدعين . وأظهر من صريح السنة وأعلامها
(1/14)
وعلومها ما عجزت عنه مدارك الأولين والآخرين ، وسلك طريقته تلامذته وأتباعه من فحول العلماء المحققين ، حتى جاءت النوبة لشيخ الجزيرة ، وإمامها الأواب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ، فقام بهذا الأمر أتم القيام ولم يزل في جهاد مع الأعداء وجلاد . حتى نشر التوحيد الخالص والسنة المحضة بين العباد . وقمع الشرك ووسائله ، والبدع والفساد ، فخلصت الجزيرة ولله الحمد ، وانصبغت بالسنة والتوحيد ، وسلمت بمساعيه المشكورة ومساعي تلاميذه وأحفاده وأنصاره من الشرك والتنديد ، فلم تجد فيها - ولله الحمد - قبة على قبر ولا مشهدا ، ولا توسلا بالمخلوقين ، ولا مولدا ولا معبدا . أو ليس من أكبر منن الله عليكم وأجل إحسانه الواصل إليكم أن قيض لكم هؤلاء السادة الغرر ؟! الذين حفظ الله بهم الدين الصحيح ، وتحقق وانتشر حتى نشأتم أنتم وآباؤكم وأولادكم ، تشربون من معين الشريعة أصفى شراب . وتغترفون من زلالها أحسن اغتراف ، لم تدركوا هذا بوسيلة منكم ، ولا قوة علم ولا ذكاء ، وإنما ذلك فضل الله الذي ليس له غاية ولا انتهاء ، بينما ترون الأقطار الأخرى محشوة بالشرك والكفر والإلحاد الصراح ، مملوءة من البدع وبناء المشاهد على القبور .
(1/15)
والأخلاق القباح ، فاحمدوا ربكم على هذه النعم ، التي لا تستطيعون لها عدا ولا شكورا ، واستغفروه من تقصيركم ، وتوبوا إليه إنه كان عفوا قديرا ، وسلوه أن يحفظ عليكم أديانكم ، وأن يثبتكم على الحق إلى الممات ، وأن يحييكم في عافية مما أحاط بكم من الشرور والأمور المهلكات ، إنه قريب مجيب الدعوات . فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
(1/16)
5- خطبة
في أن الجزاء من جنس العمل وأسباب شرح الصدر
الحمد لله الذي شرح صدور الموفقين بألطاف بره وآلائه ، ونور بصائرهم بمشاهدة حكم شرعه وبديع صنعه ومحكم آياته ، وألهمهم كلمة التقوى ، وكانوا أحق بها وأهلها ، فسبحانه من إله عظيم ، وتبارك من رب واسع كريم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، في أسمائه ، وصفاته ، وأفعاله ، وخيراته ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أشرف رسله وخير برياته ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه في غدوات الدهر وروحاته .
(1/17)
أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، واعلموا أن سعادة الدنيا والآخرة بصلاح القلوب وانشراحها ، وزوال همومها وغمومها وأتراحها ، فألزموا طاعة الله ، وطاعة رسوله ، تدركوا هذا المطلوب ، واذكروا الله كثيرا ، ألا بذكر الله تطمئن القلوب . أما علمتم أن الإقبال على الله - رغبة ورهبة وإنابة - في جميع النوائب والحالات أعظم الأسباب لانشراح الصدور وطمأنينة النفوس وإدراك الغايات ؟ وأن الإعراض عن الله والانكباب على الشهوات نار تلظى في القلوب ، وخسران وحسرات ؟ وأن السعي في طلب العلم النافع مع النية الصادقة من أكبر الطاعات ، وبه تزول التبعات والجهالات ، والأمور المعضلات ؟ وأن تنوع العبد في السعي في نفع المخلوقين في قوله وفعله وماله وجاهه يصلح الله به أموره في الدنيا والدين ؟ ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ، ومن تواضع لله رفعه ، ومن تكبر عليه أو على الخلق وضعه ، ومن عفى وسامح
(1/1
سامحه الله ، ومن استقضى استقضى الله عليه ، ومن تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته وفضحه ، ومن تورع عن عيوب الخلق كف الله عن عرضه ، ومن تقرب إلى الله ، تقرب الله منه ، ومن أعرض عن الله ، أعرض الله عنه ، والجزاء من جنس العمل ، وما ربك بظلام للعبيد . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } إلى قوله : { الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .
(1/19)
تعليق