الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعدُ:
فالاستغفار سبب من الأسباب التي يمنع الله عز وجل بها العذاب، قال الله تعالى: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال:33].
وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ((العبد آمن من عذاب الله، ما استغفر الله)) رواه أحمد وقال محقق المسند: ((حسن بمجموع طريقيه وشاهده، وهذا إسناد ضعيف لضعف رشدين -وهو ابن سعد- ولإبهام الراوي عن فضالة)).
قال شيخ اﻹسلام ابن تيمية رحمه الله في ((مجموع الفتاوى)) (٨/١٦٣): ((أخبر الله سبحانه أنه لا يعذب مستغفراً، لأن الاستغفار يمحو الذنب الذي هو سبب العذاب، فيندفع العذاب)) اهـ.
وأما شروط الاستغفار:
قال ابن أبي جمرة كما في ((فتح الباري)) لابن حجر: ((من شروط الاستغفار:
صحة النية.
والتوجه والأدب)).
وقال السفاريني رحمه الله في ((غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)): ((قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ: الِاسْتِغْفَارُ الَّذِي يَمْنَعُ الْعَذَابَ هُوَ الِاسْتِغْفَارُ بِالْإِقْلَاعِ عَنْ كُلِّ ذَنْبٍ، وَأَمَّا مَنْ أَصَرَّ عَلَى الذَّنْبِ وَطَلَبَ مِنْ اللَّهِ الْمَغْفِرَةَ فَاسْتِغْفَارُهُ لَا يَمْنَعُ الْعَذَابَ لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ هِيَ مَحْوُ الذَّنْبِ وَإِزَالَةُ أَثَرِهِ وَوِقَايَةُ شَرِّهِ، لَا كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهَا السِّتْرُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْتُرُ عَلَى مَنْ يَغْفِرُ لَهُ وَمَنْ لَا يَغْفِرُ لَهُ، فَحَقِيقَتُهَا وِقَايَةُ شَرِّ الذَّنْبِ، وَمِنْهُ الْمِغْفَرُ لِمَا يَقِي)) اهـ.
أما ما روي عن سبب نزول الآية {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} جاء عن أبي بردة ابن أبي موسى، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أنزل الله علي أمانين لأمتي: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة)).
فهذا الحديث ضعفه الإمام الألباني رحمه الله في ((الأحاديث الضعيفة)) رقم (1690) وفي ((ضعيف الترمذي)) رقم (597) وفي ((ضعيف الجامع)) رقم (1343).
قال شيخ الإسلام رحمه الله في ((مجموع الفتاوى)): ((في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، والكلام عليها من وجهين:
أحدهما: في الاستغفار الدافع للعذاب.
والثاني: في العذاب المدفوع بالاستغفار.
أما الأول، فإن العذاب إنما يكون على الذنوب، والاستغفار يوجب مغفرة الذنوب التي هي سبب العذاب، فيندفع العذاب، كما قال تعالى: {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: 1ـ3]، فبين ـ سبحانه أنهم إذا فعلوا ذلك متعوا متاعًا حسنًا إلى أجل مسمى، ثم إن كان لهم فضل أُوتوا الفضل ...
ثم قال رحمه الله:
وأما العذاب المدفوع فهو يعم العذاب السماوي ويعم ما يكون من العباد وذلك أن الجميع قد سماه الله عذابا كما قال تعالى في النوع الثاني: {وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم} وقال تعالى : {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم} وكذلك : {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا} إذ التقدير بعذاب من عنده أو بعذاب بأيدينا كما قال تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم}.
فالذي يحدث في بعض الدول الإسلامية من قتل وقتتال وفتن التي تموج موج البحار، يحتاج منا وقفة صادقة مع الله سبحانه وتعالى، وذلك بتوحيد الله عز وجل ونبد الشرك وأهله ومجانبة البدع وأهلها والتوبة الصادقة ودعاء الله الذي هو سلاح المؤمن وكثرة الاستغفار.
فأسأل الله أن يغفر لنا ذنوبنا دقها وجلها ما علمنا منها وما لم نعلم، ويجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحقن دماء المسلمين، هذا والله أعلم وبالله التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم السبت 23 شوال 1436هـ
الموافق لـ: 8 أغسطس سنة 2015 ف
أما بعدُ:
فالاستغفار سبب من الأسباب التي يمنع الله عز وجل بها العذاب، قال الله تعالى: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال:33].
وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ((العبد آمن من عذاب الله، ما استغفر الله)) رواه أحمد وقال محقق المسند: ((حسن بمجموع طريقيه وشاهده، وهذا إسناد ضعيف لضعف رشدين -وهو ابن سعد- ولإبهام الراوي عن فضالة)).
قال شيخ اﻹسلام ابن تيمية رحمه الله في ((مجموع الفتاوى)) (٨/١٦٣): ((أخبر الله سبحانه أنه لا يعذب مستغفراً، لأن الاستغفار يمحو الذنب الذي هو سبب العذاب، فيندفع العذاب)) اهـ.
وأما شروط الاستغفار:
قال ابن أبي جمرة كما في ((فتح الباري)) لابن حجر: ((من شروط الاستغفار:
صحة النية.
والتوجه والأدب)).
وقال السفاريني رحمه الله في ((غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)): ((قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ: الِاسْتِغْفَارُ الَّذِي يَمْنَعُ الْعَذَابَ هُوَ الِاسْتِغْفَارُ بِالْإِقْلَاعِ عَنْ كُلِّ ذَنْبٍ، وَأَمَّا مَنْ أَصَرَّ عَلَى الذَّنْبِ وَطَلَبَ مِنْ اللَّهِ الْمَغْفِرَةَ فَاسْتِغْفَارُهُ لَا يَمْنَعُ الْعَذَابَ لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ هِيَ مَحْوُ الذَّنْبِ وَإِزَالَةُ أَثَرِهِ وَوِقَايَةُ شَرِّهِ، لَا كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهَا السِّتْرُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْتُرُ عَلَى مَنْ يَغْفِرُ لَهُ وَمَنْ لَا يَغْفِرُ لَهُ، فَحَقِيقَتُهَا وِقَايَةُ شَرِّ الذَّنْبِ، وَمِنْهُ الْمِغْفَرُ لِمَا يَقِي)) اهـ.
أما ما روي عن سبب نزول الآية {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} جاء عن أبي بردة ابن أبي موسى، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أنزل الله علي أمانين لأمتي: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة)).
فهذا الحديث ضعفه الإمام الألباني رحمه الله في ((الأحاديث الضعيفة)) رقم (1690) وفي ((ضعيف الترمذي)) رقم (597) وفي ((ضعيف الجامع)) رقم (1343).
قال شيخ الإسلام رحمه الله في ((مجموع الفتاوى)): ((في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، والكلام عليها من وجهين:
أحدهما: في الاستغفار الدافع للعذاب.
والثاني: في العذاب المدفوع بالاستغفار.
أما الأول، فإن العذاب إنما يكون على الذنوب، والاستغفار يوجب مغفرة الذنوب التي هي سبب العذاب، فيندفع العذاب، كما قال تعالى: {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: 1ـ3]، فبين ـ سبحانه أنهم إذا فعلوا ذلك متعوا متاعًا حسنًا إلى أجل مسمى، ثم إن كان لهم فضل أُوتوا الفضل ...
ثم قال رحمه الله:
وأما العذاب المدفوع فهو يعم العذاب السماوي ويعم ما يكون من العباد وذلك أن الجميع قد سماه الله عذابا كما قال تعالى في النوع الثاني: {وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم} وقال تعالى : {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم} وكذلك : {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا} إذ التقدير بعذاب من عنده أو بعذاب بأيدينا كما قال تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم}.
فالذي يحدث في بعض الدول الإسلامية من قتل وقتتال وفتن التي تموج موج البحار، يحتاج منا وقفة صادقة مع الله سبحانه وتعالى، وذلك بتوحيد الله عز وجل ونبد الشرك وأهله ومجانبة البدع وأهلها والتوبة الصادقة ودعاء الله الذي هو سلاح المؤمن وكثرة الاستغفار.
فأسأل الله أن يغفر لنا ذنوبنا دقها وجلها ما علمنا منها وما لم نعلم، ويجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحقن دماء المسلمين، هذا والله أعلم وبالله التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم السبت 23 شوال 1436هـ
الموافق لـ: 8 أغسطس سنة 2015 ف