تويت
الحمد لله مرسل الأنبياء، والصلاة والسلام على إمام الحنفاء، وعلى آله وصحبه البررة الأتقياء.
أما بعد:
فالرسائل السلبية التي تأتي لبعضنا قد تصل للعشرات في اليوم الواحد، ما هي إلا قطع لطريق النجاح ووصول إلى أعظم المراتب وتبوء أعلى الدرجات والرقي سلم العلم والعليا.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((الفوائد)): ((قاعدة جليلة مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار، فإنها توجب التصورات، والتصورات تدعو إلى الإيرادات، والإيرادات تقتضي وقوع الفعل، وكثرة تكراره تعطي العدة، فصلح هذه المراتب، بصلاح الخواطر والأفكار، وفسادها بفسادها)) اهـ.
هذه الرسائل المثبطة المحبطة يختلف قائلوها ويتنوع مرسلوها، قد يتبادر للذهن من أول وهلة أن الرسائل السلبية لا تأتينا إلا من ممن بيننا وبينهم عداوة أو خصومة أو من أناس لا يريدون لنا الخير، وهذا تصور باطل وفهم خاطئ.
المرسلون لهذه الرسائل السلبية أقسام:
منهم: الشياطين؛ ومن أنجع الحلول لها دعاء الله عز وجل والاستعانة به والتعوذ بالله منه، قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200، فصلت: 36].
منهم: شياطين الإنس؛ ومن أهم الحلول بعد الالتجاء لله عز وجل أن يكفينا شرهم أن نبتعد عنهم وغلق الباب عليهم وحجب حساباتهم والهرب منهم كالهروب من الأجرب وأن تتسلح وبسلاح العلم.
ومنهم: كما أن من الرسائل السلبية التي نستقبلها قد تكون من معلم المدرسة بما يرسله من أقوال نابيه ومن تحقير وغير ذلك.
منهم: كذلك نستقبل هذه الرسائل من أقرب الأقارب لنا، منها التسمية باسم قبيح أو النبز بلقب أو غير ذلك، بل هذه الرسائل قد تأتينا من أنفسنا: الفشل متحقق وصعوبة الهدف واستحالة النجاح.
قال الله تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء:53]، وهذا الأمر بالقول الحسن يشمل من حولنا بالدرجة الأخص ومن تربطنا بهم علاقة وغيرهم حتى أهل الكفر الذين ليس بيننا وبينهم عداوة، قال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46]، وأيضا يشمل القول الحسن لأنفسنا التي بين جنبينا، وبمفهوم المخالفة للآية النهي عن القول القبيح ومنه الرسائل السلبية وحديث النفس السيئ.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((لطرق الحكمية)): ((قول التي هي أحسن.
وأصل هذا الباب قوله تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء:53] فالشيطان ينزغ بينهم إذا كلم بعضهم بعضا بغير التي هي أحسن فرب حرب وقودها جثث وهام أهاجها القبيح من الكلام)) اهـ.
وما الحرب التي تنشب بين الإخوة الذين هم يسيرون على الطريق المستقيم والمنهج القويم في مواقع التواصل الالكترونية والمنتديات كثير من هذه الحرب بسب القول القبيح والكلام السيئ، وكثير من الفشل الذي نجنيه نتيجة الرسائل السلبية التي نرسلها لأنفسنا.
وقد جاء النهي عن هذا في الحديث المتفق عليه عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : ((لا يقولن أحدكم: خبثت نفسي ، ولكن ليقل: لقست نفسي)).
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((زاد المعاد في هدي خير العباد)): ((مِن ذلك: نهيُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقولَ الرجل: ((خَبُثَتْ نَفْسِى، ولَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِى)) ومعناهما واحد: أى: غَثَتْ نفسى، وساء خُلُقُها، فكره لهم لفظَ الخُبث لما فيه من القُبح والشنَاعة، وأرشدهم إلى استعمال الحسن، وهجران القبيح، وإبدالِ اللفظ المكروه بأحسن منه)) اهـ.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((تحفة المودود بأحكام المولود)): ((وهذا باب عجيب من أبواب الدين وهو العدول عن الاسم الذي تستقبحه العقول وتنفر منه النفوس إلى الاسم الذي هو أحسن منه والنفوس إليه أميل وكان النبي شديد الاعتناء بذلك حتى قال لا يقل أحدكم خبثت نفسي ولكن ليقل لقست نفسي فلما كان اسم العقيقة بينه وبين العقوق تناسب وتشابه كرهه وقال إن الله لا يحب العقوق ثم قال من ولد له مولود فأحب إن ينسك عنه فليفعل)) اهـ.
فإلى من اتخذ التثبيط شعارا والقول السيئ دثارا أن يجعل قول الله عز وجل: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [ البقرة : 83 ] شعارا، وقول الله تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء:53] دثارا.
وهذه رسالة لمن أبتلي بشيء من تلك الرسائل، أن يجعل هذا الحديث نصب عينيه وقاعدة يعالج بها هذا الداء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير. احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز)) رواه مسلم .
قال العلامة عبد المحسن العباد البدر حفظه الله في ((شرح سنن ابن ماجه)): ((ولا تعجز أي لا تعتذر عن ترك أعمال البر قائلا بأنه لو كانت مقدرة لي لفعلت تلك فإن هذا من الشيطان ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لعلي حين أيقظه لصلاة الليل فاعتذر وقال أنفسنا بيد الله لو شاء لبعثنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً})) اهـ.
وأختم بما ذكره حبر اﻷمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كيف تعامل مع رسالة سلبية مثبطة.
أخرج الدارمي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت لرجل من الأنصار: يا فلان هلم فلنسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم اليوم كثير.
فقال: واعجبا لك يا ابن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من ترى؟
فترك ذلك، وأقبلت على المسألة، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه، وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه، فتسفي الريح على وجهي التراب، فيخرج، فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ ألا أرسلت إلي فآتيك؟
فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك. فأسأله عن الحديث.
قال: فبقي الرجل حتى رآني، وقد اجتمع الناس علي.
فقال: كان هذا الفتى أعقل مني.
قال محقق مسند الدارمي : إسناده صحيح.
وقال محقق سير أعلام النبلاء: ((إسناده صحيح، وهو عند ابن سعد 2 / 367، 368، والفسوي 1 / 542، وصححه الحاكم 3 / 538، ووافقه الذهبي، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 277، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح)) اهـ.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأحد يوم عيد الفطر سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 26 يونيو سنة 2017 ف
أما بعد:
فالرسائل السلبية التي تأتي لبعضنا قد تصل للعشرات في اليوم الواحد، ما هي إلا قطع لطريق النجاح ووصول إلى أعظم المراتب وتبوء أعلى الدرجات والرقي سلم العلم والعليا.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((الفوائد)): ((قاعدة جليلة مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار، فإنها توجب التصورات، والتصورات تدعو إلى الإيرادات، والإيرادات تقتضي وقوع الفعل، وكثرة تكراره تعطي العدة، فصلح هذه المراتب، بصلاح الخواطر والأفكار، وفسادها بفسادها)) اهـ.
هذه الرسائل المثبطة المحبطة يختلف قائلوها ويتنوع مرسلوها، قد يتبادر للذهن من أول وهلة أن الرسائل السلبية لا تأتينا إلا من ممن بيننا وبينهم عداوة أو خصومة أو من أناس لا يريدون لنا الخير، وهذا تصور باطل وفهم خاطئ.
المرسلون لهذه الرسائل السلبية أقسام:
منهم: الشياطين؛ ومن أنجع الحلول لها دعاء الله عز وجل والاستعانة به والتعوذ بالله منه، قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200، فصلت: 36].
منهم: شياطين الإنس؛ ومن أهم الحلول بعد الالتجاء لله عز وجل أن يكفينا شرهم أن نبتعد عنهم وغلق الباب عليهم وحجب حساباتهم والهرب منهم كالهروب من الأجرب وأن تتسلح وبسلاح العلم.
ومنهم: كما أن من الرسائل السلبية التي نستقبلها قد تكون من معلم المدرسة بما يرسله من أقوال نابيه ومن تحقير وغير ذلك.
منهم: كذلك نستقبل هذه الرسائل من أقرب الأقارب لنا، منها التسمية باسم قبيح أو النبز بلقب أو غير ذلك، بل هذه الرسائل قد تأتينا من أنفسنا: الفشل متحقق وصعوبة الهدف واستحالة النجاح.
قال الله تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء:53]، وهذا الأمر بالقول الحسن يشمل من حولنا بالدرجة الأخص ومن تربطنا بهم علاقة وغيرهم حتى أهل الكفر الذين ليس بيننا وبينهم عداوة، قال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46]، وأيضا يشمل القول الحسن لأنفسنا التي بين جنبينا، وبمفهوم المخالفة للآية النهي عن القول القبيح ومنه الرسائل السلبية وحديث النفس السيئ.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((لطرق الحكمية)): ((قول التي هي أحسن.
وأصل هذا الباب قوله تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء:53] فالشيطان ينزغ بينهم إذا كلم بعضهم بعضا بغير التي هي أحسن فرب حرب وقودها جثث وهام أهاجها القبيح من الكلام)) اهـ.
وما الحرب التي تنشب بين الإخوة الذين هم يسيرون على الطريق المستقيم والمنهج القويم في مواقع التواصل الالكترونية والمنتديات كثير من هذه الحرب بسب القول القبيح والكلام السيئ، وكثير من الفشل الذي نجنيه نتيجة الرسائل السلبية التي نرسلها لأنفسنا.
وقد جاء النهي عن هذا في الحديث المتفق عليه عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : ((لا يقولن أحدكم: خبثت نفسي ، ولكن ليقل: لقست نفسي)).
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((زاد المعاد في هدي خير العباد)): ((مِن ذلك: نهيُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقولَ الرجل: ((خَبُثَتْ نَفْسِى، ولَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِى)) ومعناهما واحد: أى: غَثَتْ نفسى، وساء خُلُقُها، فكره لهم لفظَ الخُبث لما فيه من القُبح والشنَاعة، وأرشدهم إلى استعمال الحسن، وهجران القبيح، وإبدالِ اللفظ المكروه بأحسن منه)) اهـ.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((تحفة المودود بأحكام المولود)): ((وهذا باب عجيب من أبواب الدين وهو العدول عن الاسم الذي تستقبحه العقول وتنفر منه النفوس إلى الاسم الذي هو أحسن منه والنفوس إليه أميل وكان النبي شديد الاعتناء بذلك حتى قال لا يقل أحدكم خبثت نفسي ولكن ليقل لقست نفسي فلما كان اسم العقيقة بينه وبين العقوق تناسب وتشابه كرهه وقال إن الله لا يحب العقوق ثم قال من ولد له مولود فأحب إن ينسك عنه فليفعل)) اهـ.
فإلى من اتخذ التثبيط شعارا والقول السيئ دثارا أن يجعل قول الله عز وجل: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [ البقرة : 83 ] شعارا، وقول الله تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء:53] دثارا.
وهذه رسالة لمن أبتلي بشيء من تلك الرسائل، أن يجعل هذا الحديث نصب عينيه وقاعدة يعالج بها هذا الداء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير. احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز)) رواه مسلم .
قال العلامة عبد المحسن العباد البدر حفظه الله في ((شرح سنن ابن ماجه)): ((ولا تعجز أي لا تعتذر عن ترك أعمال البر قائلا بأنه لو كانت مقدرة لي لفعلت تلك فإن هذا من الشيطان ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لعلي حين أيقظه لصلاة الليل فاعتذر وقال أنفسنا بيد الله لو شاء لبعثنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً})) اهـ.
وأختم بما ذكره حبر اﻷمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كيف تعامل مع رسالة سلبية مثبطة.
أخرج الدارمي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت لرجل من الأنصار: يا فلان هلم فلنسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم اليوم كثير.
فقال: واعجبا لك يا ابن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من ترى؟
فترك ذلك، وأقبلت على المسألة، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه، وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه، فتسفي الريح على وجهي التراب، فيخرج، فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ ألا أرسلت إلي فآتيك؟
فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك. فأسأله عن الحديث.
قال: فبقي الرجل حتى رآني، وقد اجتمع الناس علي.
فقال: كان هذا الفتى أعقل مني.
قال محقق مسند الدارمي : إسناده صحيح.
وقال محقق سير أعلام النبلاء: ((إسناده صحيح، وهو عند ابن سعد 2 / 367، 368، والفسوي 1 / 542، وصححه الحاكم 3 / 538، ووافقه الذهبي، وأورده الهيثمي في " المجمع " 9 / 277، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح)) اهـ.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأحد يوم عيد الفطر سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 26 يونيو سنة 2017 ف