السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبيّ بعده,أمّا بعد:
خُلق الصبر
الصبر: هو ذلك الخُلُق الفاضل الذي يتّصفُ به عبادُ الله المُؤمنين ,و الذي ذَكرهُ الله عزّ و جلّ في كتابه العظيم في تسعين موضعًا تارةً بأمر نبيه صلى الله عليه و سلم به {وَ اصْبر وَ ما صَبْرُكَ إلاّ بالله} و بأمر المؤمنين {يَا أَيّهاَ الّذينَ آمَنُوا اصْبرُوا وَ صَابرُوا} و تارةً بذكر فضائله و ثواب المُتّصفين به, في الدنيا{و جَعَلنْاهُم أئمَةً يَهْدُونَ بأمْرنَا لَمَّا صَبَرُوا} و الآخرة {إنّمَا يُوَفّى الصّابرُونَ أجْرَهُمْ بغَير حسَاب}...إلى غير ذلك من ثناء الله عزّ وجلّ على عباده الصابرين في كتابه العزيز,
و يُعَرّفه أهل العلم بأنه حَبس النفس عن الجزع و اللّسان عن التّشكي و الجوارح عن لطم الخدود و شقّ الجيوب و نحوهما, و هو ثلاثة أقسام: صبر على الطاعة و صبر عن المعصية و صبر على أقدار الله المُؤلمة,
يقول ابن القيم رحمه الله:"و النّفس فيها قوتان: قوة الإقدام و قوة الإحجام, فحقيقة الصبر أن يجعل قوة الإقدام مصروفة إلى ما ينفعه و قوة الإحجام إمساكا عما يضرّه, و من الناس مَن قوة صبره على فعل ما ينتفع به و ثباته عليه أقوى من صبره على ما يضره, فيصبر على مشقة الطاعة و لا صبر له عن داعي هواه إلى إرتكاب ما نُهي عنه, و منهم من تكون قوة صبره عن المخالفات أقوى من صبره على مشقة الطاعات, و منهم من لا صبر له لا على هذا و لا على ذاك, و أفضل الناس أصبرهم على النوعين, وقيل: 'الصبر ثبات باعث العقل و الدين في مقابل باعث الهوى و الشهوة' و معنى هذا أنّ العقل يتقاضى ما يُحب و باعث العقل و الدين يمنع منه, و الحرب قائمة بينهما, و هي سجالٌ, و محرك هذه الحرب قلب العبد و الصبر و الشجاعة و الثبات" -انتهى كلامه رحمه الله- [عُدة الصابرين و ذخيرة الشاكرين].
كما أنّ لِلصّبر درجات متفاوتة, بين صَبْر و تَصّبُر و اِصْطِبَار و مُصَابَرة,
فالأول :الصّبر يُقال صبَر إذا حبس نفسه و منعها عن إجابة هواها "و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه".
و الثاني:التّصَبُر يقال تصبّر و صبّر نفسه إذا كان بتكلف و تمرُّن و تجرّع لمرارة الصبر كما في الحديث:"و من يتصبّر يصبره الله"
و الثالث:الإصطِبار و هو أبلغ من التصبّر و يتحقق هذا المقام بتكرار التصبّر و الثبات عليه "و أمُر أهلك بالصّلاة و اِصطبِر عليها"
و الرابع:المُصابرة و هي مقاومة الخصم في ميدان الصبر "يا أيها الذين آمنوا اِصبروا و صابرُوا"
و سلفنا الصالح رحمهم الله كانوا يعيشون في أكناف هذا الخلق الفاضل تتوق نفوسهم إلى نيل ثواب الله الذي وعد به عباده الصابرين,
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :"و جدنا خير عيشنا الصبر"[الحلية]
و قال علي رضي الله عنه:"ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد,فإذا قُطع الرأس باد الجسد, ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له" [موسوعة ابن ابي الدنيا]
و عن الحسن رحمه الله قال:" الصبر كنز من كنوز الخير, لا يُعطيه الله إلا لعبد كريم عليه".
و قال سليمان بن القاسم رحمه الله:"كل عمل يُعرف ثوابه إلا الصبر,قال الله عز و جل:"إنما يُوفّى الصابِرون أجرهم بغير حساب"
و عن سفيان رحمه الله قال:"يحتاج المؤمن إلى الصبر كما يحتاج إلى الطعام و الشراب"
و مما حُفظ من خُطب الحجاج:" اقدعوا هذه النفوس فإنها ظلعة إلى كل سوء, فرَحِم الله امرءًا جعل لنفسه خِطامًا و زمامًا فقادها بخطامها إلى طاعة الله و صرفها بزمامها عن معاصي الله فإن الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذابه".
فحريٌّ بالمؤمن المُوَحّد أن يجاهد نفسه على تحقيق هذا الخلق العظيم بأقسامه و درجاته ليكون ممن وعدهم الله عز وجل بحسن الجزاء و جزيل الثواب, فإن المُشركين على ما هم عليه من الباطل يصبرون على باطلهم كما أخبرنا ربنا جل و علا فقال:"و انطلق الملأ منهم أن اِمشوا و اِصبروا على آلهتكم" فالمؤمن أولى و أحرى بهذا الخلق من غيره , كيف لا, و قد علم ما أعده الله لعباده الصابرين المتقين.
, قال الله عز و جل :"و الّذينَ صَبَرُوا اِبْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ و أَقامُوا الصّلَاَةَ و أَنفَقُوا مِمّا رَزقْنَاهُم سِرًّا و عَلانِيَةً و يَدرَءُونَ بالحَسَنةِ السّيِئَةَ أُولئك لَهُم عُقبَى الدَّار جَنّاتُ عَدْن يَدْخُلونَها و مَنْ صَلَحَ مِن آبَائِهِم و أَزْواجِهِمْ و ذُرِّيَاتِهِم و المَلائكَة يَدخُلونَ عَليهِم مِن كُلّ بَاب سَلامٌ عَليكُم بِمَا صَبرْتُم فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار" [الرعد 22-24]
يقول العلامة السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآيات:{و الذين صبَروا}على المأمورات بالامتثال و على المنهيات بالإنكفاف عنها و البعد منها , و على أقدار الله المؤلمة بعدم تسخطها, و لكن بشرط أن يكون ذلك الصبر{اِبتِغَاء وَجه ربّهم} لا لغير ذلك من المقاصد و الأغراض الفاسدة فإنّ هذا هو الصبر النافع الذي يَحبس به العبد نفسه, طلبا لمرضاة ربه و رجاءً للقرب منه و الحظوة بثوابه و هو الصبر الذي من خصائص أهل الايمان, و أمّا الصبر المشترك الذي غايته التجلُّد و مُنتهاه الفخر فهذا يصدر من البرّ و الفاجر و المؤمن و الكافر فليس هو الممدوح على الحقيقة...{سلام عليكم بما صبرتم} أي صبركم هو الذي أوصلكم إلى هذه المنازل العالية و الجنان الغالية{فنِعمَ عُقبى الدَّار}, ثم قال: فحقيق بمن نصح نفسه وكان لها عنده قيمة أن يُجاهدها لعلّها تأخذ من أوصاف أولي الألباب بنصيب, لعلها تحظى بهذه الدار,التي هي منية النّفوس, و سرور الأرواح الجامعة لجميع اللذّات و الأفراح, فلمثلها فليعمل العاملون و فيها فليتنافس المتنافسون.
و لله درُّ القائل: سأصبر حتىّ يعجزَ الصّبر عن صبري
سأصبرُ حتى ينظُر الرّحمن في أمري
سأصبر حتى يعلم الصبر أني صبرت على شئ أمرُّ من الصّبرِ
هذا, و العلم عند الله تعالى, و سبحانك اللّهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.
كتبه الفقير إلى ربّه "أبو أويس يحي الجزائري"
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبيّ بعده,أمّا بعد:
خُلق الصبر
الصبر: هو ذلك الخُلُق الفاضل الذي يتّصفُ به عبادُ الله المُؤمنين ,و الذي ذَكرهُ الله عزّ و جلّ في كتابه العظيم في تسعين موضعًا تارةً بأمر نبيه صلى الله عليه و سلم به {وَ اصْبر وَ ما صَبْرُكَ إلاّ بالله} و بأمر المؤمنين {يَا أَيّهاَ الّذينَ آمَنُوا اصْبرُوا وَ صَابرُوا} و تارةً بذكر فضائله و ثواب المُتّصفين به, في الدنيا{و جَعَلنْاهُم أئمَةً يَهْدُونَ بأمْرنَا لَمَّا صَبَرُوا} و الآخرة {إنّمَا يُوَفّى الصّابرُونَ أجْرَهُمْ بغَير حسَاب}...إلى غير ذلك من ثناء الله عزّ وجلّ على عباده الصابرين في كتابه العزيز,
و يُعَرّفه أهل العلم بأنه حَبس النفس عن الجزع و اللّسان عن التّشكي و الجوارح عن لطم الخدود و شقّ الجيوب و نحوهما, و هو ثلاثة أقسام: صبر على الطاعة و صبر عن المعصية و صبر على أقدار الله المُؤلمة,
يقول ابن القيم رحمه الله:"و النّفس فيها قوتان: قوة الإقدام و قوة الإحجام, فحقيقة الصبر أن يجعل قوة الإقدام مصروفة إلى ما ينفعه و قوة الإحجام إمساكا عما يضرّه, و من الناس مَن قوة صبره على فعل ما ينتفع به و ثباته عليه أقوى من صبره على ما يضره, فيصبر على مشقة الطاعة و لا صبر له عن داعي هواه إلى إرتكاب ما نُهي عنه, و منهم من تكون قوة صبره عن المخالفات أقوى من صبره على مشقة الطاعات, و منهم من لا صبر له لا على هذا و لا على ذاك, و أفضل الناس أصبرهم على النوعين, وقيل: 'الصبر ثبات باعث العقل و الدين في مقابل باعث الهوى و الشهوة' و معنى هذا أنّ العقل يتقاضى ما يُحب و باعث العقل و الدين يمنع منه, و الحرب قائمة بينهما, و هي سجالٌ, و محرك هذه الحرب قلب العبد و الصبر و الشجاعة و الثبات" -انتهى كلامه رحمه الله- [عُدة الصابرين و ذخيرة الشاكرين].
كما أنّ لِلصّبر درجات متفاوتة, بين صَبْر و تَصّبُر و اِصْطِبَار و مُصَابَرة,
فالأول :الصّبر يُقال صبَر إذا حبس نفسه و منعها عن إجابة هواها "و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه".
و الثاني:التّصَبُر يقال تصبّر و صبّر نفسه إذا كان بتكلف و تمرُّن و تجرّع لمرارة الصبر كما في الحديث:"و من يتصبّر يصبره الله"
و الثالث:الإصطِبار و هو أبلغ من التصبّر و يتحقق هذا المقام بتكرار التصبّر و الثبات عليه "و أمُر أهلك بالصّلاة و اِصطبِر عليها"
و الرابع:المُصابرة و هي مقاومة الخصم في ميدان الصبر "يا أيها الذين آمنوا اِصبروا و صابرُوا"
و سلفنا الصالح رحمهم الله كانوا يعيشون في أكناف هذا الخلق الفاضل تتوق نفوسهم إلى نيل ثواب الله الذي وعد به عباده الصابرين,
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :"و جدنا خير عيشنا الصبر"[الحلية]
و قال علي رضي الله عنه:"ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد,فإذا قُطع الرأس باد الجسد, ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له" [موسوعة ابن ابي الدنيا]
و عن الحسن رحمه الله قال:" الصبر كنز من كنوز الخير, لا يُعطيه الله إلا لعبد كريم عليه".
و قال سليمان بن القاسم رحمه الله:"كل عمل يُعرف ثوابه إلا الصبر,قال الله عز و جل:"إنما يُوفّى الصابِرون أجرهم بغير حساب"
و عن سفيان رحمه الله قال:"يحتاج المؤمن إلى الصبر كما يحتاج إلى الطعام و الشراب"
و مما حُفظ من خُطب الحجاج:" اقدعوا هذه النفوس فإنها ظلعة إلى كل سوء, فرَحِم الله امرءًا جعل لنفسه خِطامًا و زمامًا فقادها بخطامها إلى طاعة الله و صرفها بزمامها عن معاصي الله فإن الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذابه".
فحريٌّ بالمؤمن المُوَحّد أن يجاهد نفسه على تحقيق هذا الخلق العظيم بأقسامه و درجاته ليكون ممن وعدهم الله عز وجل بحسن الجزاء و جزيل الثواب, فإن المُشركين على ما هم عليه من الباطل يصبرون على باطلهم كما أخبرنا ربنا جل و علا فقال:"و انطلق الملأ منهم أن اِمشوا و اِصبروا على آلهتكم" فالمؤمن أولى و أحرى بهذا الخلق من غيره , كيف لا, و قد علم ما أعده الله لعباده الصابرين المتقين.
, قال الله عز و جل :"و الّذينَ صَبَرُوا اِبْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ و أَقامُوا الصّلَاَةَ و أَنفَقُوا مِمّا رَزقْنَاهُم سِرًّا و عَلانِيَةً و يَدرَءُونَ بالحَسَنةِ السّيِئَةَ أُولئك لَهُم عُقبَى الدَّار جَنّاتُ عَدْن يَدْخُلونَها و مَنْ صَلَحَ مِن آبَائِهِم و أَزْواجِهِمْ و ذُرِّيَاتِهِم و المَلائكَة يَدخُلونَ عَليهِم مِن كُلّ بَاب سَلامٌ عَليكُم بِمَا صَبرْتُم فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار" [الرعد 22-24]
يقول العلامة السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآيات:{و الذين صبَروا}على المأمورات بالامتثال و على المنهيات بالإنكفاف عنها و البعد منها , و على أقدار الله المؤلمة بعدم تسخطها, و لكن بشرط أن يكون ذلك الصبر{اِبتِغَاء وَجه ربّهم} لا لغير ذلك من المقاصد و الأغراض الفاسدة فإنّ هذا هو الصبر النافع الذي يَحبس به العبد نفسه, طلبا لمرضاة ربه و رجاءً للقرب منه و الحظوة بثوابه و هو الصبر الذي من خصائص أهل الايمان, و أمّا الصبر المشترك الذي غايته التجلُّد و مُنتهاه الفخر فهذا يصدر من البرّ و الفاجر و المؤمن و الكافر فليس هو الممدوح على الحقيقة...{سلام عليكم بما صبرتم} أي صبركم هو الذي أوصلكم إلى هذه المنازل العالية و الجنان الغالية{فنِعمَ عُقبى الدَّار}, ثم قال: فحقيق بمن نصح نفسه وكان لها عنده قيمة أن يُجاهدها لعلّها تأخذ من أوصاف أولي الألباب بنصيب, لعلها تحظى بهذه الدار,التي هي منية النّفوس, و سرور الأرواح الجامعة لجميع اللذّات و الأفراح, فلمثلها فليعمل العاملون و فيها فليتنافس المتنافسون.
و لله درُّ القائل: سأصبر حتىّ يعجزَ الصّبر عن صبري
سأصبرُ حتى ينظُر الرّحمن في أمري
سأصبر حتى يعلم الصبر أني صبرت على شئ أمرُّ من الصّبرِ
هذا, و العلم عند الله تعالى, و سبحانك اللّهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.
كتبه الفقير إلى ربّه "أبو أويس يحي الجزائري"