الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على نبينا الصادق الأمين وعلى آله وصحبهِ الطبيين ومن سار على نهجه واقتفى سنته إلى يوم الدين.
أما بعدُ:
فمن أسباب استجابة الدعاء رفع اليدين، لأن فيه معنى الافتقار، وفيه زيادة تذلل، ورفع اليدين في الدعاء جاء في السنة المطهرة على أربع مراتب كما بينها أهل العلم ولم أجد لها خامس، أحببت أن أجمع هذه المراتب في هذا الموضع مع ذكر الدليل لكل نوع، تذكيرًا لنفسي وإخواني، وتحذيرًا مما يخالف هذا الصفات الأربع.
الصفة الأول: حال دعاء المسألة، ويكون رفع اليدين قبل الوجه، وبطونهما نحو السماء وظهورهما نحو الأرض.
أما مسألة ضم اليدين بعضهما إلى بعض أو التفريج بينهما فلم أجد ما يدل عليه.
الصفة الثانية: حال الابتهال، وهو في حال المبالغة في المسألة، ويكون رفع الدين إلى السماء حتى يرى فيها بياض الإبطين.
الصفة الثالثة: حال دعاء الاستغفار والتمجيد والثناء على الله، ويكون برفع أصبع السبابة من اليد اليمنى.
هذه الصفات الثلاثة جاءت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما والاستغفار أن تشير بأصبع واحدة والابتهال أن تمد يديك جميعا).
وهذا الأثر أخرجه أبو داود في ((السنن)) ومن طريقه البيهقي في ((الدعوات الكبير)) والضياء المقدسي في ((الأحاديث المختارة)) وصححه الإمام الألباني رحمه الله في ((صحيح سنن أبي داود)).
وجاء مرفوعًا أخرجه الحاكم رحمه الله في ((المستدرك على الصحيحين)) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((هكذا الإخلاص يشير بإصبعه التي تلي الإبهام وهذا الدعاء فرفع يديه حذو منكبيه وهذا الابتهال فرفع يديه مدًا)).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه.
وقال الذهبي: ذا منكر بمرة.
ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي في ((الكبرى)) و((الدعوات الكبير)) وأخرجه الضياء المقدسي في ((الأحاديث المختارة)) وصحح إسناده الإمام الألباني رحمه الله في ((صحيح سنن أبي داود الأم)).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((فجعل المراتبَ ثلاثة: الإشارة بإصبعٍ واحدة، كما كان يفعل يوم الجمعة على المنبَر، والثانية: المسألة، وهو أن يجعل يديه حذو منكبيه، كما في أكثر الأحاديث، والثالث: الابتهال)).
الصفة الرابعة: رفع اليدين وجعل ظهورهما مما يلي الوجه، وهذا خاص بالاستسقاء.
الأدلة على هذه الصفات
أدلة الصفة الأولى:
عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال: قالت عائشة رضي الله عنها: ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قلنا بلى، قال: قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها عندي انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت فأخذ رداءه رويدا وانتعل رويدا وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويدا فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات ثم انحرف فانحرفت فأسرع فأسرعت فهرول فهرولت فأحضر فأحضرت فسبقته فدخلت فليس إلا أن اضطجعت ... الحديث؛ أخرجه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة، فأرسلت بريرة في أثره ، لتنظر أين ذهب، قالت: فسلك نحو بقيع الغرقد، فوقف في أدنى البقيع، ثم رفع يديه، ثم انصرف ... الحديث؛ أخرجه أحمد بهذا اللفظ وغيره وقد أودعه الإمام الألباني رحمه الله في ((الصحيحة)) رقم (1774).
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا )). رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وابن حبان وغيرهم، والحديث صححه الإمام الألباني رحمه الله.
عن عُمير مولى آبي اللحم رضي الله عنه: أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستسقي عند أحجار الزَّيت قريبا من الزَّوْراء، قائما يدعو يستسقي، رافعا يديه قِبل وجهه، لا يُجاوز بهما رأْسه، أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود واللفظ له، وصححه الإمام الألباني رحمه الله.
وعن مالك بن يسار السكوني ثم العوفي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها))، أخرجه أبو داود وأبو نعيم الأصبهاني في ((معرفة الصحابة))، وصححه الإمام الألباني رحمه الله.
بعض أهل العلم قيد رفع اليدين في دعاء المسألة فقالوا: مع ضمهما.
وقال بعضهم: يرفع يديه ويجعل ظهورهما إلى القبلة، وبطونهما مما يلي وجهه.
والبعض الآخر قال: يقنع بهما وجهه.
وهذا لم أجد عليه دليل، فالأحاديث التي جاءت وذكرت لك بعضها أطلقت رفع اليدين، والقيد جاء في مستوى الرفع ويكون قبل الوجه، وبطونهما نحو السماء وظهورهما نحو الأرض.
أدلة الصفة الثانية:
أخرج البخاري رحمه الله في ((صحيحه)) عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْمَاشِيَةُ هَلَكَ الْعِيَالُ هَلَكَ النَّاسُ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ يَدَيْهِ يَدْعُو وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَهُ يَدْعُونَ، قَالَ: فَمَا خَرَجْنَا مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى مُطِرْنَا فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ حَتَّى كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْأُخْرَى فَأَتَى الرَّجُلُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَشِقَ الْمُسَافِرُ وَمُنِعَ الطَّرِيقُ.
وَقَالَ الْأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَشَرِيكٍ سَمِعَا أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ.
وعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ، قَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا عَمِّ مَنْ رَمَاكَ فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ أَلَا تَسْتَحْيِي أَلَا تَثْبُتُ فَكَفَّ فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ لِأَبِي عَامِرٍ: قَتَلَ اللَّهُ صَاحِبَكَ، قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَقْرِئْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ فَمَكُثَ يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ، فَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ وَقَالَ: قُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنْ النَّاسِ فَقُلْتُ وَلِي فَاسْتَغْفِرْ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا، رواه البخاري.
وعن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا: فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا، رواه البخاري.
وأخرج مسلم رحمه الله في ((صحيحه)) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاث مائة وتسعة عشر رجلا فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل ) إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين (.
قال الوليد بن مسلم في ((كتاب الدعاء)) كما ذكره الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في ((فتح الباري)): نا عبد الله بن العلاء، قال: سمعت الزهري ومكحولا يقولان: لم نحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه رفع يديه كل الرفع إلا في ثلاث مواطن: عشية عرفة، وفي الاستسقاء، والانتصار.
أدلة الصفة الثالثة:
أخرج مسلم رحمه الله في ((صحيحه)) عن عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه قال: رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه فقال: (قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه المسبحة).
وأخرج مسلم رحمه الله في ((صحيحه)) عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه).
وعن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله سلم إذا سافر فركب راحلته قال: بإصبعه ومد شعبة إصبعه قال: ((اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم اصحبنا بنصحك واقلبنا بذمة اللهم ازو لنا الأرض وهون علينا السفر اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب)).
أخرجه الترمذي والنسائي وغيرهما والحديث صححه الإمام الألباني رحمه الله.
وفي حجة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي روها جابر بن عبد الله رضي الله عنهما جاء في الحديث ... حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فركب حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس فقال: ((إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا وإن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين ودماء الجاهلية موضوعة وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وقد تركت فيكم ما لم تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله وأنتم مسئولون عني فما أنتم قائلون)).
قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت.
فقال: ((بإصبعه السبابة إلى السماء وينكبها إلى الناس اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات)).
وبهذا اللفظ أخرجه ابن ماجه وصححه الإمام الألباني كما في كتابه حجة النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما رواها جابر والإرواء وصحيح ابن ماجه وصحيح أبي داود.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في ((جامع العلوم والحكم)): ((وذهب جماعة من العلماء إلى أنَّ دعاء القنوت في الصلاة يُشير فيه بإصبعه، منهم: الأوزاعي، وسعيدُ بن عبد العزيز، وإسحاق بن راهويه.
وقال ابن عباس وغيره: هذا هو الإخلاص في الدعاء، وعن ابن سيرين: إذا أثنيت على الله، فأَشِرْ بإصبعٍ واحدة)) اهـ.
أدلة الصفة الرابعة:
أخرج الإمام أحمد رحمه الله في ((مسند)) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان إذا دعا جعل ظاهر كفيه مما يلي وجهه، وباطنهما، مما يلي الأرض، والحديث جاء من طريق ثابت البناني أخرجه أبو يعلى وبدون جملة (وباطنهما، مما يلي الأرض)، وكذلك أخرجه الضياء المقدسي في ((الأحاديث المختارة)) وجاء (وسوى حماد كفيه وفرق أصابعه)، وصححه الإمام الألباني رحمه الله في ((الصحيحة)) رقم (2491).
وقال الإمام الألباني رحمه الله في ((الضعيفة)): ((أخرجه الضياء المقدسي في ((المختارة)) (ق 27/ 1) من طريق المحاملي: حدثنا أحمد بن علي الجواربي: حدثنا يزيد بن هارون: أنبأ حماد - يعني ابن سلمة - به.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير الجواربي انقلب اسمه على أحد الرواة الذين دون المحاملي ؛ فإن نسخة ((المختارة)) جيدة بخط المؤلف نفسه)) اهـ.
وجاءت رواية عند مسلم في ((صحيحه)) تخصص هذه الصفة في الاستسقاء، عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء.
ولهذا قال الإمام الألباني رحمه الله: كان إذا دعا ( يعني: في الاستسقاء ).
ثم قال: قد ذهب إلى العمل بالحديث وأفتى به الإمام مالك رحمه الله تعالى كما جاء في ((المدونة)) لابن القاسم ( 2 / 15.
وجاء بلفظ عند أبي داود في ((السنن)) من طريق قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو هكذا بباطن كفيه، وظاهرهما.
وقال الإمام الألباني رحمه الله في ((الضعيفة)): ((وقد قالوا - كما في ((المرقاة)) (2/ 284) -: ((فعل هذا تفاؤلاً بتقلب الحال ظهراً لبطن ، وذلك نحو صنيعه في تحويل الرداء)).
وقال النووي في ((شرحه)):
((قال جماعة من أصحابنا وغيرهم: السنة في كل دعاء لرفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء، وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء ، احتجوا بهذا الحديث)) اهـ.
وقال ابن رجب رحمه الله في ((فتح الباري)): ((وقد تأول بعض المتأخرين حديث أنس على أن النَّبيّ لم يقصد قلب كفيه، إنما حصل لهُ من شدة رفع يديه انحاء بطونهما إلى الأرض.
وليس الأمر كما ظنه، بل هوَ صفة مقصود لنفسه في رفع اليدين في الدعاء)) اهـ.
وقال العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله في ((شرح سنن أبي داود)): ((قال الألباني: إنه صحيح بظهور كفيه. يعني: في الاستسقاء.
والمراد أنه جعل ظاهر كفيه مما يلي وجهه، وباطنهما مما يلي الأرض، لكن هذا خاص بالاستسقاء)) اهـ.
أما ما أخرجه الإمام أحمد رحمه الله في ((المسند)) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم واقفا بعرفة يدعو هكذا، ورفع يديه حيال ثندوتيه، وجعل بطون كفيه مما يلي الأرض.
فهذا الحديث مداره على حماد بن سلمة، عن بشر بن حرب، به، وقد أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) وابن الجعد في ((الجعديات)) وفي إسناده ضعف لأن فيه بشر صدوق فيه لين كما في ((التقريب)) وضعف إسناده محقق المسند.
ثم وقفت على كلام للإمام الألباني رحمه الله في ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) يقول: ((فهذا ضعيف الإسناد؛ لأن بشراً هذا قال الهيثمي: ضعيف. وقال الحافظ: صدوق فيه لين)) اهـ.
إشكالات والجواب عليها
أخرج البخاري رحمه الله في ((صحيحه)) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وإنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه.
ذكر أهل العلم أن النفي في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه خاص بالخطيب يوم الجمعة على المنبر في غير الاستسقاء والاستصحاء.
وبعضهم قال: نفي المبالغة في الرفع حتى يري بياض الإبطين إلا في الاستسقاء والاستصحاء.
أما ما جاء عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهرا يديه قط يدعو على منبر ولا غيره، ما كان يدعو إلا يضع يده حذو منكبيه، ويشير بإصبعه إشارة) أخرجه أحمد واللفظ له وأبو داود في ((السنن)) ومن طريقه البيهقي في ((الكبرى)) وفي ((الدعوات)) وأخرجه ابن خزيمة في ((صحيحه)) وابن حبان في ((صحيحه)) والحاكم في ((المستدرك)) وابن أبي شيبة في ((المصنف)) ومن طريقه الطبراني في ((الكبير)) وأخرجه أبو يعلي في ((المسند)) والروياني في ((المسند)) ومدار الحديث على عبد الرحمن بن معاوية وهو ابن الحويرث الأنصاري الزرقي أبو الحويرث المدني حليف بني نوفل بن عبد مناف صدوق سيئ الحفظ رمى بالإرجاء كما في ((التقريب)).
قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)): ((رواه أحمد، وفيه عبد الرحمن بن إسحاق الزرقي المدني، وثقه ابن حبان، وضعفه مالك وجمهور الأئمة، وبقية رجاله ثقات)) اهـ.
فهذا الحديث ضعفه الإمام الألباني رحمه الله في ((ضعيف سنن أبي داود)) وغيره.
وكذلك جاء عن ابن عمر يقول: (إن رفعكم أيديكم بدعة ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا، يعني: إلى الصدر).
أخرجه أحمد في ((المسند)) وأبو بكر بن أبي شيبة في ((المسند)) من الطريق التي أخرجها أحمد كما في ((المطالب العالية)) وفيه بشر بن حرب وهو: الأزدي أبو عمرو الندبي البصري، صدوق فيه لين كما في ((التقريب)).
قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)): ((رواه أحمد، وفيه بشر بن حرب، وهو ضعيف)) اهـ.
هذا وإن صح فيحمل على دعاء المسألة.
الصفات المخالفة للسنة
ومن ذلك أنَّ بعض الداعين ينزل في رفعه يديه مفرّقتين أو مجموعتين إلى ما تحت السرّة أو إلى السرَّة.
ومنهم من يضع يديه على فخذيه.
ومنهم من يضع مرفقيه على فخذيه رافعًا يديه.
ومنهم من يجعل يديه عندما يرفعهما مفرّقتين، رؤوسُ الأصابع إلى القبلة والإبهامان إلى السماء.
ومنهم من يقبض أصبعه.
ومنهم من يقلّب يديه إذا رفعهما في الدعاء إلى جهات عديدة.
ومنهم من يقوم بهزّهما أو يحركهما حركات متنوّعة.
ومنهم من إذا دعا أو قبل أن يدعو يمسح إحدى اليدين بالأخرى أو ينفض يديه ونحو ذلك.
ومنهم من يُقبِّلُ يديه بعد رفعهما للدعاء.
ومنهم من إذا دعا مسح وجهه بيديه بعد الدعاء، وهذا جاء فيه أحاديث لا تصح.
ومنهم من يقبل الإبهامين ويضعُهما على العينين عند ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم في الأذان أو غيره، وقد جاء حديثٌ باطلٌ لا يصح.
ومنهم من يجمع أصابع يده اليمنى ويجعلها على عينه اليمنى وأصابع يديه اليسرى على عينه اليسرى.
ومنهم من يجعل يده اليمنى على رأسه عقب السلام من الصلاة ومسح جبهته.
ومِن المصلِّين من يشير بالسبَّابتين في التشهد.
ومنهم من يرفع يديه بعد إقامة الصلاة وقبل تكبيرة الإحرام.
ومِن ذلك رفع الأيدي في الدعاء بين السجدتين.
وكذلك لا ترفع اليدان في دعاء التشهد.
ومنهم من يرفع اليدين في الصلاة عند جلسة التشهد قبل السلام كأنها أذناب خيل شمس.
ومنهم من يرفع يديه عقب السلام من الصلاة المفروضة.
رفع اليدين غير مشروع والإمام يخطب يوم الجمعة ولا في خطبة العيد لا للإمام ولا للمأمومين، إلا في الاستسقاء وكذلك الاستصحاء إذا دعا الله عز وجل بالصحو: ((اللهم حوالينا ولا علينا)).
ومِن ذلك رفع الأيدي بالدعاء بعد سجود التلاوة.
ومِن ذلك رفعهما عند رؤية الهلال.
ومنهم من يرفع يديه بالدعاء بعد الطعام لصاحب الطعام.
وكذلك رفع الأيدي بالدعاء عند القبور.
هذا ما تم جمعه بتوفيق من الله عز وجل وحده، فإن كان صوابًا فمن الله تعالى وإن كان خطأ فهو مي، واستغفر الله، والله أعلم وبالله التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأحد 16 جمادى الآخرة 1436 هـ
الموافق لـ: 5 أبريل سنة 2015 ف
أما بعدُ:
فمن أسباب استجابة الدعاء رفع اليدين، لأن فيه معنى الافتقار، وفيه زيادة تذلل، ورفع اليدين في الدعاء جاء في السنة المطهرة على أربع مراتب كما بينها أهل العلم ولم أجد لها خامس، أحببت أن أجمع هذه المراتب في هذا الموضع مع ذكر الدليل لكل نوع، تذكيرًا لنفسي وإخواني، وتحذيرًا مما يخالف هذا الصفات الأربع.
الصفة الأول: حال دعاء المسألة، ويكون رفع اليدين قبل الوجه، وبطونهما نحو السماء وظهورهما نحو الأرض.
أما مسألة ضم اليدين بعضهما إلى بعض أو التفريج بينهما فلم أجد ما يدل عليه.
الصفة الثانية: حال الابتهال، وهو في حال المبالغة في المسألة، ويكون رفع الدين إلى السماء حتى يرى فيها بياض الإبطين.
الصفة الثالثة: حال دعاء الاستغفار والتمجيد والثناء على الله، ويكون برفع أصبع السبابة من اليد اليمنى.
هذه الصفات الثلاثة جاءت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما والاستغفار أن تشير بأصبع واحدة والابتهال أن تمد يديك جميعا).
وهذا الأثر أخرجه أبو داود في ((السنن)) ومن طريقه البيهقي في ((الدعوات الكبير)) والضياء المقدسي في ((الأحاديث المختارة)) وصححه الإمام الألباني رحمه الله في ((صحيح سنن أبي داود)).
وجاء مرفوعًا أخرجه الحاكم رحمه الله في ((المستدرك على الصحيحين)) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((هكذا الإخلاص يشير بإصبعه التي تلي الإبهام وهذا الدعاء فرفع يديه حذو منكبيه وهذا الابتهال فرفع يديه مدًا)).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه.
وقال الذهبي: ذا منكر بمرة.
ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي في ((الكبرى)) و((الدعوات الكبير)) وأخرجه الضياء المقدسي في ((الأحاديث المختارة)) وصحح إسناده الإمام الألباني رحمه الله في ((صحيح سنن أبي داود الأم)).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((فجعل المراتبَ ثلاثة: الإشارة بإصبعٍ واحدة، كما كان يفعل يوم الجمعة على المنبَر، والثانية: المسألة، وهو أن يجعل يديه حذو منكبيه، كما في أكثر الأحاديث، والثالث: الابتهال)).
الصفة الرابعة: رفع اليدين وجعل ظهورهما مما يلي الوجه، وهذا خاص بالاستسقاء.
الأدلة على هذه الصفات
أدلة الصفة الأولى:
عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال: قالت عائشة رضي الله عنها: ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قلنا بلى، قال: قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها عندي انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت فأخذ رداءه رويدا وانتعل رويدا وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويدا فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات ثم انحرف فانحرفت فأسرع فأسرعت فهرول فهرولت فأحضر فأحضرت فسبقته فدخلت فليس إلا أن اضطجعت ... الحديث؛ أخرجه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة، فأرسلت بريرة في أثره ، لتنظر أين ذهب، قالت: فسلك نحو بقيع الغرقد، فوقف في أدنى البقيع، ثم رفع يديه، ثم انصرف ... الحديث؛ أخرجه أحمد بهذا اللفظ وغيره وقد أودعه الإمام الألباني رحمه الله في ((الصحيحة)) رقم (1774).
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا )). رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وابن حبان وغيرهم، والحديث صححه الإمام الألباني رحمه الله.
عن عُمير مولى آبي اللحم رضي الله عنه: أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستسقي عند أحجار الزَّيت قريبا من الزَّوْراء، قائما يدعو يستسقي، رافعا يديه قِبل وجهه، لا يُجاوز بهما رأْسه، أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود واللفظ له، وصححه الإمام الألباني رحمه الله.
وعن مالك بن يسار السكوني ثم العوفي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها))، أخرجه أبو داود وأبو نعيم الأصبهاني في ((معرفة الصحابة))، وصححه الإمام الألباني رحمه الله.
بعض أهل العلم قيد رفع اليدين في دعاء المسألة فقالوا: مع ضمهما.
وقال بعضهم: يرفع يديه ويجعل ظهورهما إلى القبلة، وبطونهما مما يلي وجهه.
والبعض الآخر قال: يقنع بهما وجهه.
وهذا لم أجد عليه دليل، فالأحاديث التي جاءت وذكرت لك بعضها أطلقت رفع اليدين، والقيد جاء في مستوى الرفع ويكون قبل الوجه، وبطونهما نحو السماء وظهورهما نحو الأرض.
أدلة الصفة الثانية:
أخرج البخاري رحمه الله في ((صحيحه)) عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْمَاشِيَةُ هَلَكَ الْعِيَالُ هَلَكَ النَّاسُ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ يَدَيْهِ يَدْعُو وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَهُ يَدْعُونَ، قَالَ: فَمَا خَرَجْنَا مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى مُطِرْنَا فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ حَتَّى كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْأُخْرَى فَأَتَى الرَّجُلُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَشِقَ الْمُسَافِرُ وَمُنِعَ الطَّرِيقُ.
وَقَالَ الْأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَشَرِيكٍ سَمِعَا أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ.
وعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ، قَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا عَمِّ مَنْ رَمَاكَ فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ أَلَا تَسْتَحْيِي أَلَا تَثْبُتُ فَكَفَّ فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ لِأَبِي عَامِرٍ: قَتَلَ اللَّهُ صَاحِبَكَ، قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَقْرِئْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ فَمَكُثَ يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ، فَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ وَقَالَ: قُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنْ النَّاسِ فَقُلْتُ وَلِي فَاسْتَغْفِرْ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا، رواه البخاري.
وعن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا: فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا، رواه البخاري.
وأخرج مسلم رحمه الله في ((صحيحه)) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاث مائة وتسعة عشر رجلا فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل ) إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين (.
قال الوليد بن مسلم في ((كتاب الدعاء)) كما ذكره الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في ((فتح الباري)): نا عبد الله بن العلاء، قال: سمعت الزهري ومكحولا يقولان: لم نحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه رفع يديه كل الرفع إلا في ثلاث مواطن: عشية عرفة، وفي الاستسقاء، والانتصار.
أدلة الصفة الثالثة:
أخرج مسلم رحمه الله في ((صحيحه)) عن عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه قال: رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه فقال: (قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه المسبحة).
وأخرج مسلم رحمه الله في ((صحيحه)) عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه).
وعن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله سلم إذا سافر فركب راحلته قال: بإصبعه ومد شعبة إصبعه قال: ((اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم اصحبنا بنصحك واقلبنا بذمة اللهم ازو لنا الأرض وهون علينا السفر اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب)).
أخرجه الترمذي والنسائي وغيرهما والحديث صححه الإمام الألباني رحمه الله.
وفي حجة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي روها جابر بن عبد الله رضي الله عنهما جاء في الحديث ... حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فركب حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس فقال: ((إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا وإن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين ودماء الجاهلية موضوعة وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وقد تركت فيكم ما لم تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله وأنتم مسئولون عني فما أنتم قائلون)).
قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت.
فقال: ((بإصبعه السبابة إلى السماء وينكبها إلى الناس اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات)).
وبهذا اللفظ أخرجه ابن ماجه وصححه الإمام الألباني كما في كتابه حجة النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما رواها جابر والإرواء وصحيح ابن ماجه وصحيح أبي داود.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في ((جامع العلوم والحكم)): ((وذهب جماعة من العلماء إلى أنَّ دعاء القنوت في الصلاة يُشير فيه بإصبعه، منهم: الأوزاعي، وسعيدُ بن عبد العزيز، وإسحاق بن راهويه.
وقال ابن عباس وغيره: هذا هو الإخلاص في الدعاء، وعن ابن سيرين: إذا أثنيت على الله، فأَشِرْ بإصبعٍ واحدة)) اهـ.
أدلة الصفة الرابعة:
أخرج الإمام أحمد رحمه الله في ((مسند)) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان إذا دعا جعل ظاهر كفيه مما يلي وجهه، وباطنهما، مما يلي الأرض، والحديث جاء من طريق ثابت البناني أخرجه أبو يعلى وبدون جملة (وباطنهما، مما يلي الأرض)، وكذلك أخرجه الضياء المقدسي في ((الأحاديث المختارة)) وجاء (وسوى حماد كفيه وفرق أصابعه)، وصححه الإمام الألباني رحمه الله في ((الصحيحة)) رقم (2491).
وقال الإمام الألباني رحمه الله في ((الضعيفة)): ((أخرجه الضياء المقدسي في ((المختارة)) (ق 27/ 1) من طريق المحاملي: حدثنا أحمد بن علي الجواربي: حدثنا يزيد بن هارون: أنبأ حماد - يعني ابن سلمة - به.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير الجواربي انقلب اسمه على أحد الرواة الذين دون المحاملي ؛ فإن نسخة ((المختارة)) جيدة بخط المؤلف نفسه)) اهـ.
وجاءت رواية عند مسلم في ((صحيحه)) تخصص هذه الصفة في الاستسقاء، عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء.
ولهذا قال الإمام الألباني رحمه الله: كان إذا دعا ( يعني: في الاستسقاء ).
ثم قال: قد ذهب إلى العمل بالحديث وأفتى به الإمام مالك رحمه الله تعالى كما جاء في ((المدونة)) لابن القاسم ( 2 / 15.
وجاء بلفظ عند أبي داود في ((السنن)) من طريق قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو هكذا بباطن كفيه، وظاهرهما.
وقال الإمام الألباني رحمه الله في ((الضعيفة)): ((وقد قالوا - كما في ((المرقاة)) (2/ 284) -: ((فعل هذا تفاؤلاً بتقلب الحال ظهراً لبطن ، وذلك نحو صنيعه في تحويل الرداء)).
وقال النووي في ((شرحه)):
((قال جماعة من أصحابنا وغيرهم: السنة في كل دعاء لرفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء، وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء ، احتجوا بهذا الحديث)) اهـ.
وقال ابن رجب رحمه الله في ((فتح الباري)): ((وقد تأول بعض المتأخرين حديث أنس على أن النَّبيّ لم يقصد قلب كفيه، إنما حصل لهُ من شدة رفع يديه انحاء بطونهما إلى الأرض.
وليس الأمر كما ظنه، بل هوَ صفة مقصود لنفسه في رفع اليدين في الدعاء)) اهـ.
وقال العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله في ((شرح سنن أبي داود)): ((قال الألباني: إنه صحيح بظهور كفيه. يعني: في الاستسقاء.
والمراد أنه جعل ظاهر كفيه مما يلي وجهه، وباطنهما مما يلي الأرض، لكن هذا خاص بالاستسقاء)) اهـ.
أما ما أخرجه الإمام أحمد رحمه الله في ((المسند)) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم واقفا بعرفة يدعو هكذا، ورفع يديه حيال ثندوتيه، وجعل بطون كفيه مما يلي الأرض.
فهذا الحديث مداره على حماد بن سلمة، عن بشر بن حرب، به، وقد أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) وابن الجعد في ((الجعديات)) وفي إسناده ضعف لأن فيه بشر صدوق فيه لين كما في ((التقريب)) وضعف إسناده محقق المسند.
ثم وقفت على كلام للإمام الألباني رحمه الله في ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) يقول: ((فهذا ضعيف الإسناد؛ لأن بشراً هذا قال الهيثمي: ضعيف. وقال الحافظ: صدوق فيه لين)) اهـ.
إشكالات والجواب عليها
أخرج البخاري رحمه الله في ((صحيحه)) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وإنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه.
ذكر أهل العلم أن النفي في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه خاص بالخطيب يوم الجمعة على المنبر في غير الاستسقاء والاستصحاء.
وبعضهم قال: نفي المبالغة في الرفع حتى يري بياض الإبطين إلا في الاستسقاء والاستصحاء.
أما ما جاء عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهرا يديه قط يدعو على منبر ولا غيره، ما كان يدعو إلا يضع يده حذو منكبيه، ويشير بإصبعه إشارة) أخرجه أحمد واللفظ له وأبو داود في ((السنن)) ومن طريقه البيهقي في ((الكبرى)) وفي ((الدعوات)) وأخرجه ابن خزيمة في ((صحيحه)) وابن حبان في ((صحيحه)) والحاكم في ((المستدرك)) وابن أبي شيبة في ((المصنف)) ومن طريقه الطبراني في ((الكبير)) وأخرجه أبو يعلي في ((المسند)) والروياني في ((المسند)) ومدار الحديث على عبد الرحمن بن معاوية وهو ابن الحويرث الأنصاري الزرقي أبو الحويرث المدني حليف بني نوفل بن عبد مناف صدوق سيئ الحفظ رمى بالإرجاء كما في ((التقريب)).
قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)): ((رواه أحمد، وفيه عبد الرحمن بن إسحاق الزرقي المدني، وثقه ابن حبان، وضعفه مالك وجمهور الأئمة، وبقية رجاله ثقات)) اهـ.
فهذا الحديث ضعفه الإمام الألباني رحمه الله في ((ضعيف سنن أبي داود)) وغيره.
وكذلك جاء عن ابن عمر يقول: (إن رفعكم أيديكم بدعة ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا، يعني: إلى الصدر).
أخرجه أحمد في ((المسند)) وأبو بكر بن أبي شيبة في ((المسند)) من الطريق التي أخرجها أحمد كما في ((المطالب العالية)) وفيه بشر بن حرب وهو: الأزدي أبو عمرو الندبي البصري، صدوق فيه لين كما في ((التقريب)).
قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)): ((رواه أحمد، وفيه بشر بن حرب، وهو ضعيف)) اهـ.
هذا وإن صح فيحمل على دعاء المسألة.
الصفات المخالفة للسنة
ومن ذلك أنَّ بعض الداعين ينزل في رفعه يديه مفرّقتين أو مجموعتين إلى ما تحت السرّة أو إلى السرَّة.
ومنهم من يضع يديه على فخذيه.
ومنهم من يضع مرفقيه على فخذيه رافعًا يديه.
ومنهم من يجعل يديه عندما يرفعهما مفرّقتين، رؤوسُ الأصابع إلى القبلة والإبهامان إلى السماء.
ومنهم من يقبض أصبعه.
ومنهم من يقلّب يديه إذا رفعهما في الدعاء إلى جهات عديدة.
ومنهم من يقوم بهزّهما أو يحركهما حركات متنوّعة.
ومنهم من إذا دعا أو قبل أن يدعو يمسح إحدى اليدين بالأخرى أو ينفض يديه ونحو ذلك.
ومنهم من يُقبِّلُ يديه بعد رفعهما للدعاء.
ومنهم من إذا دعا مسح وجهه بيديه بعد الدعاء، وهذا جاء فيه أحاديث لا تصح.
ومنهم من يقبل الإبهامين ويضعُهما على العينين عند ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم في الأذان أو غيره، وقد جاء حديثٌ باطلٌ لا يصح.
ومنهم من يجمع أصابع يده اليمنى ويجعلها على عينه اليمنى وأصابع يديه اليسرى على عينه اليسرى.
ومنهم من يجعل يده اليمنى على رأسه عقب السلام من الصلاة ومسح جبهته.
ومِن المصلِّين من يشير بالسبَّابتين في التشهد.
ومنهم من يرفع يديه بعد إقامة الصلاة وقبل تكبيرة الإحرام.
ومِن ذلك رفع الأيدي في الدعاء بين السجدتين.
وكذلك لا ترفع اليدان في دعاء التشهد.
ومنهم من يرفع اليدين في الصلاة عند جلسة التشهد قبل السلام كأنها أذناب خيل شمس.
ومنهم من يرفع يديه عقب السلام من الصلاة المفروضة.
رفع اليدين غير مشروع والإمام يخطب يوم الجمعة ولا في خطبة العيد لا للإمام ولا للمأمومين، إلا في الاستسقاء وكذلك الاستصحاء إذا دعا الله عز وجل بالصحو: ((اللهم حوالينا ولا علينا)).
ومِن ذلك رفع الأيدي بالدعاء بعد سجود التلاوة.
ومِن ذلك رفعهما عند رؤية الهلال.
ومنهم من يرفع يديه بالدعاء بعد الطعام لصاحب الطعام.
وكذلك رفع الأيدي بالدعاء عند القبور.
هذا ما تم جمعه بتوفيق من الله عز وجل وحده، فإن كان صوابًا فمن الله تعالى وإن كان خطأ فهو مي، واستغفر الله، والله أعلم وبالله التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الأحد 16 جمادى الآخرة 1436 هـ
الموافق لـ: 5 أبريل سنة 2015 ف