بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الحنان المنان، والصلاة والسلام على من أرسل رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فما أعظم هذا الدين الذي شرعه لنا رب العالمين، وجاء به رسوله الصادق الأمين، القائل: ((إنما بعثت لأتمم مكارم ( و في رواية صالح ) الأخلاق)) الحديث أخرجه أحمد والبخاري في ((الأدب)) وغيرهما وصححه الألباني.
ومن هذه الأخلاق التي يجب أن نتحلى بها مراعاة شعور أهلنا وإخواننا ومن حولنا، وليست الحقوق مقتصرة فقط على الأمور الظاهرة، بل راعت شريعتنا الغراء على ما خفي من أحاسيس ومشاعر – وهذا ما أصطلح عليه الحقوق الاستشعارية -، وهذا من العدل الذي أمرنا به.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الآخر، حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن ذلك يحزنه)). متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وفي هذا الحديث تنبيه على مراعاة شعور من حولنا والتحذير ممن يحزنهم، والحديث يفيد النهي للتحريم.
قال النووي رحمه الله في ((شرح على مسلم)): ((وفى هذه الأحاديث النهى عن تناجى اثنين بحضرة ثالث وكذا ثلاثة وأكثر بحضرة واحد وهو نهي تحريم فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم إلا أن يأذن)) اهـ.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما)) أخرجه أبو داود والترمذي أحمد والبخاري في ((الأدب)) وحسنه الألباني.
وفي هذا مراعاة لمشاعرهما.
قال العظيم آبادي رحمه الله في ((عون المعبود)): ((لأنه قد يكون بينهما محبة ومودة وجريان سر وأمانة فيشق عليهما التفريق بجلوسه بينهما)) اهـ.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه)) أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري.
وفي هذا مراعاة لمشاعر الأمهات اتجاه أبنائهن.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((لا تديموا النظر إلى المجذومين)). أخرجه ابن ماجة وأحمد وابن أبي شيبة وصححه الإمام الألباني.
قال ابن الأثير رحمه الله في ((النهاية في غريب الأثر)): ((لأنه إذا أدام النظر إليه حقره ورأى لنفسه فضلا وتأذى به المنظور إليه)) اهـ.
وقال المناوي رحمه الله في ((فيض القدير شرح الجامع الصغير)): ((لأنكم إذا أدمتم النظر إليهم حقرتموهم ورأيتم لأنفسكم عليهم فضلا فيتأذى به المنظور أو لأن من به الداء يكره أن يطلع عليه)) اهـ.
وكل هذا مراعاة شعور من أصيب بالأدواء وضعف جسمه وتمكنت منه الأسقام من أن ينكسر قلبه ويركبه الهم ويخيم عليه الحزن.
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء)) أخرجه الترمذي وصححه الإمام الألباني.
قال العلامة فيصل آل مبارك رحمه الله في ((تطريز رياض الصالحين)): ((والحديث دليل على تحريم سبِّ الأموات. قال ابن رشد: إن سبّ الكافر محرم، إذا تأذى به الحيُّ المسلم، ويحل إذا لم يحصل به أذية. وأما المسلم فيحرم، إلا إذا دعت إليه الضرورة)) اهـ.
الله أكبر على هذه الأخلاق الرفيعة، وعلى هذه الآداب العالية، بل هذه الآداب أمر بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع الحيوانات العجماوات.
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش فجاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ((من فجع هذه بولدها ؟، ردوا ولدها إليها)). أخرجه أبو داود وصححه الإمام الألباني.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها قال : ((أفلا قبل هذا ؟ أو تريد أن تميتها موتات ؟)).
قال المنذري رحمه الله في ((الترغيب والترهيب)): ((رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح.
ورواه الحاكم إلا أنه قال: ((أتريد أن تميتها موتات ؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها)).
وقال: صحيح على شرط البخاري)) اهـ.
والحديث صححه الإمام الألباني.
وعليه فقد أمرنا بمراعاة ما تستشعره البهائم وهذا ما يمكن أن نصطلح عليه بـ (الحقوق الحيوان الاستشعارية) ولا مشاحة في الاصطلاح.
فإلى من يتشدق بالأنظمة الغربية والشرقية وإلى دعاة الرفق بالحيوان، أما لكم في هذا الأحاديث دروس وعبر؟
ومن رام البحث في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حول الحقوق الاستشعارية لجمع منها مجلدًا، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق واللبيب تكفيه الإشارة عن كثير من العبارة.
فعليك يا مسلم يا عبد الله أن تفخر بهذا الدين العظيم - دين الرحمة والرأفة والرفق - وأنك أحد أبنائه.
فمما زادني شرفا وتيها *** وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيرت أحمد لي نبيا
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الثلاثاء 7 ربيع الأول سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 6 ديسمبر سنة 2016 م
الحمد لله الحنان المنان، والصلاة والسلام على من أرسل رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فما أعظم هذا الدين الذي شرعه لنا رب العالمين، وجاء به رسوله الصادق الأمين، القائل: ((إنما بعثت لأتمم مكارم ( و في رواية صالح ) الأخلاق)) الحديث أخرجه أحمد والبخاري في ((الأدب)) وغيرهما وصححه الألباني.
ومن هذه الأخلاق التي يجب أن نتحلى بها مراعاة شعور أهلنا وإخواننا ومن حولنا، وليست الحقوق مقتصرة فقط على الأمور الظاهرة، بل راعت شريعتنا الغراء على ما خفي من أحاسيس ومشاعر – وهذا ما أصطلح عليه الحقوق الاستشعارية -، وهذا من العدل الذي أمرنا به.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الآخر، حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن ذلك يحزنه)). متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وفي هذا الحديث تنبيه على مراعاة شعور من حولنا والتحذير ممن يحزنهم، والحديث يفيد النهي للتحريم.
قال النووي رحمه الله في ((شرح على مسلم)): ((وفى هذه الأحاديث النهى عن تناجى اثنين بحضرة ثالث وكذا ثلاثة وأكثر بحضرة واحد وهو نهي تحريم فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم إلا أن يأذن)) اهـ.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما)) أخرجه أبو داود والترمذي أحمد والبخاري في ((الأدب)) وحسنه الألباني.
وفي هذا مراعاة لمشاعرهما.
قال العظيم آبادي رحمه الله في ((عون المعبود)): ((لأنه قد يكون بينهما محبة ومودة وجريان سر وأمانة فيشق عليهما التفريق بجلوسه بينهما)) اهـ.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه)) أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري.
وفي هذا مراعاة لمشاعر الأمهات اتجاه أبنائهن.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((لا تديموا النظر إلى المجذومين)). أخرجه ابن ماجة وأحمد وابن أبي شيبة وصححه الإمام الألباني.
قال ابن الأثير رحمه الله في ((النهاية في غريب الأثر)): ((لأنه إذا أدام النظر إليه حقره ورأى لنفسه فضلا وتأذى به المنظور إليه)) اهـ.
وقال المناوي رحمه الله في ((فيض القدير شرح الجامع الصغير)): ((لأنكم إذا أدمتم النظر إليهم حقرتموهم ورأيتم لأنفسكم عليهم فضلا فيتأذى به المنظور أو لأن من به الداء يكره أن يطلع عليه)) اهـ.
وكل هذا مراعاة شعور من أصيب بالأدواء وضعف جسمه وتمكنت منه الأسقام من أن ينكسر قلبه ويركبه الهم ويخيم عليه الحزن.
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء)) أخرجه الترمذي وصححه الإمام الألباني.
قال العلامة فيصل آل مبارك رحمه الله في ((تطريز رياض الصالحين)): ((والحديث دليل على تحريم سبِّ الأموات. قال ابن رشد: إن سبّ الكافر محرم، إذا تأذى به الحيُّ المسلم، ويحل إذا لم يحصل به أذية. وأما المسلم فيحرم، إلا إذا دعت إليه الضرورة)) اهـ.
الله أكبر على هذه الأخلاق الرفيعة، وعلى هذه الآداب العالية، بل هذه الآداب أمر بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع الحيوانات العجماوات.
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش فجاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ((من فجع هذه بولدها ؟، ردوا ولدها إليها)). أخرجه أبو داود وصححه الإمام الألباني.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها قال : ((أفلا قبل هذا ؟ أو تريد أن تميتها موتات ؟)).
قال المنذري رحمه الله في ((الترغيب والترهيب)): ((رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح.
ورواه الحاكم إلا أنه قال: ((أتريد أن تميتها موتات ؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها)).
وقال: صحيح على شرط البخاري)) اهـ.
والحديث صححه الإمام الألباني.
وعليه فقد أمرنا بمراعاة ما تستشعره البهائم وهذا ما يمكن أن نصطلح عليه بـ (الحقوق الحيوان الاستشعارية) ولا مشاحة في الاصطلاح.
فإلى من يتشدق بالأنظمة الغربية والشرقية وإلى دعاة الرفق بالحيوان، أما لكم في هذا الأحاديث دروس وعبر؟
ومن رام البحث في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حول الحقوق الاستشعارية لجمع منها مجلدًا، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق واللبيب تكفيه الإشارة عن كثير من العبارة.
فعليك يا مسلم يا عبد الله أن تفخر بهذا الدين العظيم - دين الرحمة والرأفة والرفق - وأنك أحد أبنائه.
فمما زادني شرفا وتيها *** وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيرت أحمد لي نبيا
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الثلاثاء 7 ربيع الأول سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 6 ديسمبر سنة 2016 م