بسم الله الرحمن الرحيم
" الخوف والرجاء عند نزول الأمطار والسيول "
خطبة لفضيلة الشيخ علي بن يحيى الحدادي
-حفظه الله وسدَّده-
للإستماع في المرفقات
" الخوف والرجاء عند نزول الأمطار والسيول "
خطبة لفضيلة الشيخ علي بن يحيى الحدادي
-حفظه الله وسدَّده-
للإستماع في المرفقات
أما بعد:
فإن من آيات الله الباهرة الدالة على وحدانيته في ألوهيته وربوبيته وصفاته إنزاله المطر متى شاء أين شاء بالمقدار الذي يشاء كما قال تعالى في الخمس التي لا يعلمها الا هو (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث..) وقال تعالى (وهو الذي ينزل الغيث من بعدما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد) وقال تعالى (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) ثم ذكر بعض أدلة ألوهيته فقال سبحانه (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)
عباد الله :
إن الله عزو وجل كما يجري الرياح نعمة فقد يجريها نقمة وكما ينزل الغيث رحمة فقد ينزله عذاباً ونقمة فالرياح والمياه جنود من جنود الله يرسلها بما يشاء يرسلها مبشرات ورحمة فتلقح السحاب وتلقح الأشجار فينشأ عنها خير كثير من ماء نمير وثمر نافع لذيذ وأقوات وحبوب وزروع به قوام حياة الناس ودوابهم.. ويرسلها سخطا وعذاباً فتنشر عنها الأعاصير المدمرة والسيول الجارفة والأمطار الغزيرة فيحصل بها من تدمير البيوت والمزارع وإزهاق الأنفس ما لا يعلمه إلا هو سبحانه.
لذا كان على أهل الإيمان أولي العقول والألباب أن يكونوا عند مقدمات هذه الحوادث أن يكونوا بين الحوف والرجاء يسألون الله خيرها ويستعيذون بالله من شرها ذلك هو هدي محمد صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بالله وأتقاهم لله وأخوفهم من الله وأعظمهم شكراً لله تقول عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح، قال: «اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به»،قالت: وإذا تخيلت السماء _أي صار فيها الغيم والسحاب والرعد والبرق_ تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت، سري عنه، فعرفت ذلك في وجهه، قالت عائشة: فسألته، فقال: " لعله، يا عائشة كما قال قوم عاد: (فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا) " متفق عليه واللفظ لمسلم.
نعم أيها الإخوة هذا نبيكم صلى الله عليه وسلم إذا رأى أمارات المطر خاف من ربه أن تكون عقوبة نازلة فيغتم ويهتم ويتغير وجهه حتى يجليها الله عن غيث رحمة.. لم يأمن مكر الله ولا سخط الله لكمال علمه بربه جل وعلا ..
واليوم أيها الإخوة كثير منا لا يرى في هذه الأيات إلا أنها حوادث طبيعية لا يربطها من قريب ولا بعيد برحمة ربه ولا سخط ربه ولا ينظر اليها أنها تدور بين النعمة والنقمة..لذا لا تزيده شكراً لله إذا صارت نعمة ولا تزيده خشية ولا تقوى إذا تبين فيها شيء من آثار نقمة الله وجبروته..
إن كثيراً من الناس اليوم لا هم لهم من جراء هذه السيول إلا إشغال الناس بقضية المشاريع والفساد وكأن هذه الآيات ما نزلت في نظرهم إلا لتكشف هذه الأمور ..فما أقسى قلوبهم وما أغلظ حجابها عن آيات ربها وما أبعد الفرق بين هديها وهدي محمد صلى الله عليه وسلم..إن قدرة الله لا يردها شيء وهذه أمامكم البلاد المتقدمة والدول الصناعية الكبرى تأتيها الأعاصير والرياح والزلازل والأمطار فتغادرها دمارا في المنشأت وخسائر بالمليارات مع بالغ احتياطهم وشدة حذرهم..
وليس معنى ذلك عدم وجود التقصير البشري ولكن المقصود هنا التنبيه على غلط هذا المنهج المتبع في السنوات الأخيرة الذي حجب القلوب عن الضراعة الى ربها والإبتهال إليه بسؤاله العفو واللطف والرحمة وصرف المصائب انشغالا منهم بالتصوير الفوري والتعليق الساخر والتهييج والإثارة وإفساد ذات البين..
نسأل الله أن يعاملنا بلطفه ورحمته ورأفته وأن يجعل الأمطار التي نزلت أمطار خير وبركة وان ينفع بها البلاد والعباد .. ونعوذ به من سخطه وعقوبته ونقمته إنه رؤوف رحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فإن الله تعالى برحمته يسر لعباده الدين ووضع عنهم الحرج والآصار التي كانت على من قبلهم ومن ذلك أنه أذن لهم في الجمع بين الصلاتين عند نزول المطر بين المغرب والعشاء وبين الظهر والعصر عند بعض أهل العلم.
فمتى صلى الناس وكان المطر نازلا أو الوحل والطين في طرقاتهم جمعوا إليها الصلاة التي بعدها تخفيفاً وتيسيراً ولما كان المطر يصدق على القليل والكثير والمقصود من الجمع رفع الحرج علم أن المطر الذي يجمع فيه ما كان فيه حرج وأقل ذلك أن يبل الثياب..
وبعض الناس يحصل منهم تساهل كبير في هذا الباب فيجمعون لمجرد وجود رش خفيف لا يكاد يذكر ويبالغ بعضهم في التساهل فيجمع لوجود بعض الماء على الطرق المسفلته التي لا تعوق المشي ولا الوصول الى المسجد ويبالغ بعضهم أكثر وأكثر في تساهله فيجمع لوجود الغيم وأمارات المطر دون وجود مطر أصلاً وهذا غلط كبير وتساهل مبين في هذه الفريضة العظيمة فالمقصود بالجمع رفع الحرج عن الأمة وإلا فالأصل المحكم هو أن للصلاة مواقيتها التي لا يجوز أن تقدم عليها ولا تؤخر عنها من غير حجة تبرأ بها الذمة..
فعلى جماعة المصلين أن ينتهبوا لهذا لأن بعضهم يكثرون على الأئمة ويطلبون منهم الجمع فيحرج بعضهم لقلة بصيرته أو ضعفه أو صغر سنه فيجمع بهم مجاملة لهم وانسياقاً لطلبهم دون مسوغ شرعي.. وتقديم الصلاة عن وقتها بغير عذر مفسد لها كما لو صام رمضان في شعبان أو حج في ذي القعدة..
فاتقوا الله عباد الله وعظموا شعائر الله وتوبوا إلى ربكم وأنيبوا إليه..