الحمد لله رب العالمين وبه نستعين
فهذه مجموعة فوائد ودرر استخرجتها من كتاب :
كلمة الإخلاص وتحقيق معناها
للإمام الحافظ الواعظ شيخ الإسلام أبو الفرج عبد الرحمن ابن أحمد ابن رجب الحنبلي رحمه الله رحمة واسعة وغفر له
فأنصح الأخوة بقراءتها وتدبرها
ففيها مواعظ وفرائد طيبة في الإخلاص وتحقيقه ونبْذ الهوى والشهوات .
-------------------------------------------------------
-------------------------------------------------------
فيا هَذَا كُنْ عَبد الله لَا عَبد الهَوى , فَإِنَ الهَوى يَهْوِي بِصَاحِبِهِ فِي النَّار : (أَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) !
تَعِسَ عَبدُ الدِرْهَم !
تَعِسَ عَبدُ الدِينَار !
والله لَا يَنْجُو غَدَاً مِنْ عَذَابِ الله إِلا مَن حَقَّق عُبُودِيّة الله وَحده , ولم يَلْتفِت إلى شَيء مِن الأغْيَار , مَن عَلِم أنّ مَعبُودَه الله فَرد ,
فَلْيُفْرِده بِالعُبُودِيّة , (وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) .
المصدر: كلمة الإخلاص وتحقيق معناها – ص28-
هَذِه حَال السَحَرة لمّا سَكنَت المَحَبّة قُلُوبَهُم سَمَحُوا بِبَذْل النُّفُوس وقَالُوا لِفِرْعَون : اقْضِ مَا أنْت قَاضِ ! .
وَمَتَى تَمَكنت المَحَبة فِي القلْب لَم تَنْبَعِث الجَوارِح إلا إلى طَاعَة الرَّب , وهَذَا هُو مَعْنَى الحديث الآلهي الذي خرَّجه البخاري في " صحيحه " وفيه : " وَلا يَزَال عَبدي يَتَقرب إلي بالنوافل حتى أُحبه , فإذا أحببته كُنت سَمعَه الذي يَسْمَع بِه , وَبَصَرَه الذي يُبصِر بِه , وَيَده التي يَبطش بِها ورجله التي يَمشي بها ".
وقَد قِيل : إن في بعض الروايات: "فَبي يَسمع، وبِي يُبصر، وبي يبطش، وبي يَمشي "
والمعنى : أنَّ مَحَبَّة الله إذا اسْتَغْرق بِها القَلب واسْتَولَت عَلَيه لَم تَنبَعِث الجَوَارِح إلا إلى مَرَاضي الرب، وصَارَت النفس حينئذٍ مُطمئنَّة بإرَادة مُولاهَا عَن مُرَادِها وهَوَاها .
المصدر: كلمة الإخلاص وتحقيق معناها – ص (34-35)-
يَا هَذا اعبد الله لمُرَادِه مِنك لا لِمُرادِك مِنه ,
فَمن عَبَده لِمُرادِه مِنه فهو ممن يعبد الله على حَرف ,
إن أصَابَه خير اطمأن بِه , وإن أصَابتْه فِتْنَة انقَلب على وَجهه خَسِر الدُّنيا والآخرة ,
ومتى قَويت المعرفة والمحبة لم يُرد صاحبُها إلا ما يريد مَولاه .
المصدر: كلمة الإخلاص وتحقيق معناها -ص35-
روى ابن أبي الدنيا بإسناده عن الحسن قال : ما نَظرت بِبَصَري ولا نَطَقْت بِلساني ,
ولا بَطَشْت بيدي , ولا نَهَضْت على قَدمي , حتى أنظر عَلى طَاعة الله أو على معصِيَته ,
فإن كانت طاعة تَقدمتُ , وإن كانت معصية تأخرت .
هذا حَال خَوَاصِّ المُحبّين الصَادِقِين , فَافْهموا رَحمكم الله هذا , فَإنه : مِن دَقائق أسْرَار التوحيد الغَامِضَة .
المصدر: كلمة الإخلاص وتحقيق معناها – ص36-
فمتى كان القلب فيه غير الله فالله أغنى الأغنياء عن الشرك , وهو لا يرضى بمزاحمة أصنام الهوى ...
الحق غيور يغار على عبده المؤمن أن يسكن في قلبه سواه , أو يكنَّ فيه شيء ما يرضاه .
المصدر: كلمة الإخلاص وتحقيق معناها – ص38 -
لا ينجو غداً إلا من لقي الله بقلب سليم ليس فيه سواه ,
قال الله تعالى : (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) ]الشعراء 88-89[ .
القلب السليم : هو الطاهر من أدناس المخالفات ,
فأما المتلطخ بشيء من المكروهات فلا يصلح لمجاورة حضرة القدوس إلا بعد أن يطهر في كير العذاب ,
فإذا زال عنه الخبث صلح حينئذٍ للمجاورة .
المصدر: كلمة الإخلاص وتحقيق معناها – ص38-
" إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً " (مسلم) .
فأما القلوب الطيبة فتصلح للمجاورة من أول الأمر :
(سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) ]الرعد 24[ ,
(سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) ]الزمر 73[
(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) ]النحل 32 [.
المصدر: كلمة الإخلاص وتحقيق معناها – ص39-
من لم يُحْرِقْ قلبَه بنار الأسف على ما سلف , أو بنار الشوق إلى لقاء الحبيب , فنار جهنم له أشد حرَّاً .
ما يحتاج إلى التطهر بنار جهنم إلا من لم يُكْمل تحقيق التوحيد والقيام بحقوقه .
المصدر: كلمة الإخلاص وتحقيق معناها – ص39-
أول من تسعر به النار من الموحدين العباد المراؤون بأعمالهم ,
وأولهم العالم والمجاهد والمتصدق للرياء , لأن يسير الرياء شرك .
ما نظر المرائي إلى الخلق بعمله إلا لجهله بعظمة الخالق .
المرائي يزوّر التوقيع على اسم الملك ليأخذ البراطيل (الرشوة) لنفسه ,
ويوهم أنه من خاصة الملك وهو ما يعرف الملك بالكلية .
نقش المرائي على الدرهم الزائف اسم الملك ليروج ,
والبهرج ( الباطل) لا يجوز إلا على غير الناقد .
المصدر: كلمة الإخلاص وتحقيق معناها – ص40-
وبعد أهل الرياء يدخل النار أصحاب الشهوة , وعبيد الهوى الذين أطاعوا هواهم , وعصوا مولاهم ,
فأما عبيد الله حقاً فيقال لهم : (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ) .
المصدر: كلمة الإخلاص وتحقيق معناها – ص40-
جهنم تنطفئ بنور إيمان الموحدين .
المصدر: كلمة الإخلاص وتحقيق معناها – ص40-
وكان داود الطائي يقول : همك عطّلَ عليَّ الهموم , وحالف بيني وبين السهاد ,
وشوقي إلى النظر إليك أوبق مني اللذات , وحال بيني وبين الشهوات , فأنا في سجنك أيها الكريم مطلوب ..
المصدر: كلمة الإخلاص وتحقيق معناها – ص44-
إخواني : إذا فهمتم هذا المعنى فهمتم معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " من شهد أن لا إله إلا الله صادقاً من قلبه حرَّمه الله على النار " (مسلم) .
فأما من دخل النار من أهل هذه الكلمة فلقلة صدقه في قولها ,
فإن هذه الكلمة إذا صدقت طهَّرت القلب من كل ما سوى الله ,
ومتى بقي في القلب أثر سوى الله , فمن قلة الصدق في قولها .
من صدق في قول : لا إله إلا الله , لم يحبّ سواه , ولم يرج سواه ,
ولم يخشَ أحداً إلا الله , ولم يتوكل إلا على الله , ولم يُبق له بقية من آثار نفسه وهواه ,
ومع هذا فلا تظنوا أن المحب مطالب بالعصمة ,
وإنما هو مطالب كلما زَلَّ أن يتلافى تلك الوصمة .
المصدر: كلمة الإخلاص وتحقيق معناها – ص(44-45)-
قال زيد بن أسلم : إن الله ليحبُ العبدَ حتى يبلغ من حبه له أن يقول : اذهب فاعمل ما شئت فقد غفرت لك .
وقال الشعبي : إذا أحب الله عبداً لم يضره ذنب .
وتفسير هذا الكلام أن الله عز وجل له عناية بمن يحبه ,
فكلما زلق ذلك العبد في هوة الهوى أخذ بيده إلى نجوة النجاة , ييسر له التوبة ,
وينبهه على قبح الزلة , فيفزع إلى الاعتذار , ويبتليه بمصائب مكفّرة لما جنى .
المصدر: كلمة الإخلاص وتحقيق معناها – ص(45-46)-
عن عبد الله بن مغفل ان رجلاً لقي امرأة كانت بغياً في الجاهلية , فجعل يلاعبها حتى بسط يده إليها ,
فقالت : مه.. فإن الله قد أذهب الشرك وجاء بالإسلام ,
فتركها ووَّلى , فجعل يلتفت خلفه ينظر إليها حتى أصاب الحائط وجهه ,
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر فقال : " أنت عبد أراد الله بك خيراً " .
ثم قال : " إن الله إذا أراد بعبده شراً أمسك ذنبه حتى يوافى به يوم القيامة " . **
يا قوم !
قلوبكم على أصل الطهارة , وإنما أصابها رشاش من نجاسة الذنوب , فَرُشّوا عليها قليلاً من دموع العيون وقد طهرت .
اعزموا على فِطام النفوس عن رَضاع الهوى , فالحمية رأس الدواء ,
متى طالَبتْكم بمألوفاتها فقولوا مقالة تلك المرأة لذلك الرجل الذي دمي وجهه : أذهب الله الشرك وجاء بالإسلام , والإسلام يقتضي الاستسلام والانقياد للطاعة .
ذكِّروها مدحةَ (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) تحِنُّ إلى الاستقامة .
عرِّفوها اطلاعَ من هو أقرب إليها من حبل الوريد , لعلها تستحي من قربه ونظره : (أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) , (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) .
** تعليق العلامة الألباني رحمه الله على الحديث :
المسند (ج4/87) ورجاله ثقات , لكن فيه عنعنة الحسن البصري , ومن طريقه ابن حبان (2455).
المصدر: كلمة الإخلاص وتحقيق معناها – ص(47-48-49)-
سئل الجنيد : بم يستعان على غضِّ البصر ؟ قال : بعلمك أنَّ نَظَرَ الله إليك أسبقُ من نظرك إليه .
قال المحاسبي : المراقبة : علم القلب بقرب الرب ...
كلما قويت المعرفة بالله قوي الحياء من قربه ونظره .
كان بعضهم يقول لي : منذ أربعين سنة ما خطوت لغير الله , ولا نظرت إلى شيء أَستحسنه حياءً من الله عز وجل .
المصدر: كلمة الإخلاص وتحقيق معناها – ص(49-50)-
***
قــام بـتجمــيعهــا وتــنسيـــقــها
الفقيــر إلــى عــفـو ذي الجـــلال والإكـــرام
أخيـــكـم
أبـو محــمـد الســوري
عـفـا الـلـه عـنـه
تعليق