بســـم الله الرَّحمــن الرَّحيـــم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذه فائدة جليلة ذكرها فضيلة الشيخ حامد بن خميس الجنيبي حفظه الله في سياق ذكره للآية الكريمة: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ضمن شرحه للأصول الثلاثة الدرس الثالث، قال -حفظه الله تعالى-:
وهنا أذكر شيئا من خصائص هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، لعلَّ في ذلك يكون سبباً في الإقتداء بهذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه، وقد قال الله -سبحانه وتعالى-: ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾.
هذا النبي الكريم يُسَمَّى بـأبي الأنبياء، لأن الأنبياء الذين كانوا من بعده كانوا من ذريته عليه الصلاة والسلام وعليهم الصلاة والسلام، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام اصطفاه ربه –سبحانه-، واختاره للخُلَّة، وابتلاه -سبحانه وتعالى- بأشدِّ أنواع البلاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ أَشَدَّ الْنَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاء ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَل "، فقد ابتلي عليه الصلاة والسلام، وهو بعد نبينا صلى الله عليه وسلم في المرتبة بين الأنبياء ، وهو عليه الصلاة والسلام أحد الرسل أُولي العزم الخمسة، وهم: نوح عليه الصلاة والسلام، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام، وموسى عليه الصلاة والسلام، وعيسى عليه الصلاة والسلام، ومحمد صلى الله عليه وسلم.
فهؤلاء الخمسة هم أولو العزم من الرسل، ومن شاهد ونظر إلى سَردِ القرآن للبلاء الذي ابتُلِيَ به هذا النبي الكريم –أعني إبراهيم عليه الصلاة والسلام- فإنه يرى من صبره وثباته على التوحيد ما استحق به تلك الخُلَّة عند ربه -عز وجل-، وقد قال سبحانه على لسان إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ يعني من الذرية الصالحة، قال سبحانه: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ ﴾ يعني بلغ هذا الغلام أن يسعى، ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾، وهذا أيضاً من التوحيد الذي قام في قلب إسماعيل عليه الصلاة والسلام، فقال -سبحانه وتعالى- بعد ذلك: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ كلنا يعرف قصة إبراهيم مع إسماعيل عليه الصلاة والسلام، ولكن أنا أسرد هذه الآيات من أجل أن أذكر آخر هذه الآيات ونهاية هذه الآيات وخاتمة هذه الآيات، ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾، ثم قال سبحانه وهنا الشاهد الذي أريد أن أذكره: ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ ﴾ .
فهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يدعو ربه، يتأخر عليه الولد فيدعو ربه -عز وجل-، فيهبه ربه -سبحانه وتعالى- هذا الولد، فلما يبلغ هذا الولد، ويكبر، ويحتاج إليه والده، يأمره ربه -سبحانه وتعالى- أن يذبح ولده، ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ ﴾.
وكذلك ابتلاه ربُّه -عز وجل- في أهله وزوجته، فأمره -سبحانه وتعالى- أن يسافر بزوجته هاجر أم إسماعيل عليهما الصلاة والسلام، أن يسافر بها إلى مكة، وذلك لأن الله -عز وجل- أراد أن يخلِّص قلب إبراهيم عليه الصلاة والسلام من الدنيا، لكي يكون قلبه خالصاً لله -عز وجل-، فإن قلب الموحِّد الخالص الصافي النقي إذا امتلأ من حُبِّ الله -عز وجل- خرج من قلبه كل محبوب.
فلذلك أراد ربه -سبحانه وتعالى- أن يخلِّص قلبه من الدنيا، فيكون قلبه خالصاً لله -عز وجل-، وإن كانت هذه المحبة من المحبة الجائزة، وهي من محبة الدنيا الجائزة، ولكن هو كمال التوحيد الذي لا يكون إلا لأمثال هؤلاء عليهم الصلاة والسلام.
وكذلك من نظر في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم رأى من ذلك ما لا يصلح أن يذكر الآن، لطول المقام، وعدم مناسبة المقام، وإنما ذكرنا ذلك لأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قد ذُكر عليه الصلاة والسلام في سياق هذه الرسالة.