تكفيرُ أركانِ الإسلامِ للذنوبِ وَ الآثامِ
إن الله تعالى ختم رسالاته برسالة محمد عليه الصلاة و السلام، و جعله خير الأنبياء و الأنام، بعثه بدين الإسلام، ليهدي بني إلى الإنسان إلى عبادة الرحمن، و اعتناق شريعة الإسلام، لدخول الجنة بسلام.
و إن الله تعالى جعل للإسلام فضلا كبيرا، و فضله يكون في أمور ثلاثة :
قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في شرح فضل الإسلام (ص 12) : "فضل الإسلام يريد به أمورا :
الأمر الأول : فضل الإسلام في نفسه على غيره من الملل، و الإسلام يشمل الدين كله بمراتبه المختلفة : الإسلام و الإيمان و الإحسان، و يشمل أيضا الدين من جهة العقيدة، و الشريعة، و السلوك، و الجزاء، و نحو ذلك.
الأمر الثاني : أن فضل الإسلام على أهله الذين اعتنقوه و دخلوا فيه، و استقاموا عليه ظاهرٌ في الدنيا و الآخرة في النصوص، فيبين المؤلف بعضا من النصوص التي تدل على فضل الإسلام على أهل الإسلام، و آثار الإسلام المباركة على عباد الله المؤمنين.
الأمر الثالث : أن الإسلام تحمله أمة، و هذه الأمة لأجل حملها للإسلام صارت مفضلة على غيرها، وصارت خيرا من غيرها، كما قال تعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران 110]".
و إن فضل الإسلام عظيم من جهة الجزاء، كيف لا و الله تعالى جعل الإسلام سببا للمغفرة هادما لما قبله من الشرك و المعاصي و الآثام.
فالإسلام يجُبُّ ما قبله :
روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إذا أسلم العبد فحسن إسلامه، يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها، وكان بعد ذلك القصاص : الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها".
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمرو بن العاص لما جاء للمبايعة فيما رواه مسلم عنه : "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟".
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (1/155) : " (الإسلام يهدم ما كان قبله) أي : يسقطه و يمحو آثاره".
ثم قال (1/155) : "أما أحكامه ففيه : عظم موقع الإسلام و الهجرة و الحج، و أن كل واحد منها يهدم ما كان قبله من المعاصي".
و ينبغي لمن علم هذا الفضل أن يعلم : ما هو الإسلام؟ و تعلم أركانه التي بني عليها.
ما هي أركان الإسلام؟ :
روى مسلم في صحيحه عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا".
و روى الشيخان و غيرهما عن ابن عمر، رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان".
قال ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم و الحكم (1/145) : "و المراد من هذا الحديث أن الإسلام مبني على هذه الخمس، فهي كالأركان و الدعائم لبنيانه، و قد خرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة، و لفظه : "بني الإسلام على خمس دعائم" فذكره".
تعريف الإسلام :
قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في ثلاثة الأصول : "هو الاستسلام لله بالتوحيد و الانقياد له بالطاعة و البراءة من الشرك و أهله.
و هو ثلاث مراتب : الإيمان و الإسلام و الإحسان".
قال الشيخ زيد بن هادي رحمه الله في طريق الوصول إلى إيضاح الثلاثة الأصول (ص 134) : "و هذا تعريف شامل للإسلام".
و لكل من هذه الأركان الخمسة الفضل العظيم، من تكفير السيئات و محو الذنوب، و سيأتي ذكر كل ركن -مع جزئياته و أنواعه- ما ثبت فيه من أثر في تكفير الذنوب و محوها.
مسألة : ما هي الذنوب التي تكفرها الأعمال الصالحة؟
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح (2/343) :"(غفر له ما تقدم من ذنبه) ظاهره غفران جميع الذنوب الماضية، و هو محمول عند العلماء على الصغائر".
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (3/121) : "و المراد بالغفران : الصغائر دون الكبائر".
فالأعمال الصالحة تكفر الصغائر من الذنوب، أما الكبائر فتحتاج إلى التوبة منها وفق ما تقدم من الشروط.
شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله :
1 _ روى الترمذي في السنن عن عبد الله بن عمرو، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما على الأرض أحد يقول : لا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا كفرت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر" حسنه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (3460).
قال المباركفوري رحمه الله في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي (9/40 : "قوله (إلا كفرت) من التكفير أي : محيت ز أزيلت".
2 _ روى ابن حبان و ابن ماجه و الترمذي و غيرهم عبد الله بن عمرو بن العاص، يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول : أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول : لا يا رب، فيقول : أفلك عذر؟ فيقول : لا يا رب، فيقول : بلى إن لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فيقول : احضر وزنك، فيقول : يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات، فقال : إنك لا تظلم"، قال : "فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله شيء" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (1776).
قال المباركفوري رحمه الله في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي (7/439) : "(و لا يثقل) أي : و لا يرجح و لا يغلب (مع اسم الله شيء) و المعنى : لا يقاومه شيء من المعاصي، بل يترجح ذكر الله تعالى على جميع المعاصي".
3 _ روى الحاكم في المستدرك و الترمذي و عن علي رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا علي [–ليست عند الترمذي-]، ألا أعلمك كلمات، إن قلتهن غفر الله لك على أنه مغفور لك : لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (2621).
4 _ روى مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا، وبالإسلام دينا، غفر له ذنبه".
5 _ روى الشيخان و غيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : "من قال : لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر من ذلك".
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (17/21) : "و ظاهر إطلاق الحديث أنه يحصل هذا الأجر المذكور في هذا الحديث لمن قال هذا التهليل مئة مرة في يومه، سواء قالها متوالية أو متفرقة في مجالس أو بعضها أول النهار، و بعضها آخره، لكن الأفضل أن تأتي متوالية في أول النهار، لتكون حرزا له في جميع نهاره".
6 _ روى أحمد و أبو داود عن أبي عياش زيد بن الصامت الزرقي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : "من قال إذا أصبح : لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، كان له عدل رقبة من ولد إسماعيل، وكتب له عشر حسنات، وحط عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان في حرز من الشيطان حتى يمسي، وإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتى يصبح" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (641.
7 _ روى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من قال حين يأوي إلى فراشه : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، غفر الله ذنوبه أو خطاياه -شك مسعر- وإن كان مثل زبد البحر" صححه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (607).
8 _ روى ابن ماجه في السنن عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما من نفس تموت تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرجع ذلك إلى قلب موقن إلا غفر الله لها" حسنه الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجه (3864) و في الصحيحة (227.
قال السندي رحمه الله في شرح سنن ابن ماجه (ص 1377) : "(يرجع ذلك إلى قلب موقن) أي يكون ناشئا عن قلب موقن، و يكون أصله ذلك كأنه تفرع عن أصل رجع إليه".
فهذه بعض الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، فيها بيان فضل لا إله إلا الله و أنها سبب لتكفير الذنوب و المعاصي.
يوسف صفصاف
تعليق