الحمدلله وبعد،
قال زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: ٧٩٥هـ)
في المحجّة في سير الدلجة :
[ بيان ما يصير هباء منثورًا من الأعمال ]
النوع الأول:
ويشتمل عَلَى ما هو أعم من ذلك وهو أن يكون له أعمالٌ يرجو بها الخير فتصير هباءً منثورًا وتبدل سيئات.
وقد قَالَ تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} [النور: ٣٩].
وقال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: ٢٣].
قَالَ الفضيل في هذه الآية: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: ٤٧]
قَالَ: عملوا أعمالاً وحسبوا أنها حسنات فإذا هي سيئات.
النوع الثاني:
وقريب من هذا أن يعملَ الإنسانُ ذنبًا يحتقره، ويستهون به فيكون هو سبب هلاكه، كما قَالَ تعالى:
{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: ١٥].
وقال بعض الصحابة: إنكم تعلمون أعمالاً هي أدقُّ في أعينكم من الشعر، كنا نعدها عَلَى عهد رسول الله ﷺ من المُوبقات (أخرجه البخاري (٦٤٩٢) عن أنس)
النوع الثالث:
وأصعب من هذا من زُيّن له سوء عمله فرآه حسنًا قَالَ تعالى:
{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}
[الكهف: ١٠٣-١٠٤].
قَالَ ابن عُيَيْنَة: لما حضرت محمدَ بنَ المُنكَدر الوفاةُ جزع فَدَعوا له أبا حازم فجاء، فَقَالَ له ابن المنكدر:
إنَّ الله يقول: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: ٤٧]،
فأخافُ أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب. فجعلا يبكيان جميعًا. خرَّجه ابن أبي الدُّنْيَا وابن أبي حاتم.
وزاد ابن أبي الدُّنْيَا: فَقَالَ له أهله: دعوناكَ لتخفِّف عليه فزدته فأخبرهم بما قَالَ.
وقال الفُضَيْل بن عِيَاض: أُخْبِرتُ عن سليمان التيمي أنّه قِيلَ لَهُ: أنتَ أنتَ ومن مُثلك؟
فَقَالَ: مه، لا تقوّلوا هذا، لا أدري ما يبدو لي من الله، سمعت الله يقول:
{وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: ٤٧].
النوع الرابع:
وكان سفيان الثوري يقول عند هذه الآية: ويلٌ لأهل الرياء من هذه الآية.
وهذا كما في حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار، العالم، والمتصدِّق والمجاهد (أخرجه مسلم (١٩٠٥) عن أبي هريرة مرفوعًا).
النوع الخامس
وكذلك من عمل أعمالاً صالحةً وكانت عليه مظالم فهو يظنُّ أنَّ أعماله تنجيه فيبدو له من الله ما لم يكن يحتسب، فيقتسم الغرماء أعماله كلها ثم يفضل لهم فضل فيطرح من سيئاتهم عليه ثم يطرح في النار.
النوع السادس
وقد يُنَاقَشُ الحساب فيُطلب منه شكر النعم، فأصغرها تستوعب أعماله كلها، وتبقى بقية النعم، فيُطالَب شكرها فيعذَّب، ولهذا قَالَ ﷺ:
"من نوقش الحساب عُذِّب أو هَلَك".
النوع السابع
وقد يكون له سيئات تحبط بعض أعماله وأعمال جوارحه سوى التوحيد فيدخل النار.
وفي "سنن ابن ماجه" (برقم (٤٢٤٥) قَالَ في الزوائد هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، وأبو عامر الألهاني اسمه عبد الله بن غابر) من رواية ثوبان مرفوعًا:
"إنَّ مِنْ أمتي من يجيء بأعمال أمثال الجبال فيجعلها الله هباءً منثورًا".
وفيه: "هم قومٌ من جلدتكم (ويتكلمون بألسنتكم) (ليست هذه العبارة في ابن ماجه) ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها".
وخرَّج يعقوب بن شيبة وابن أبي الدُّنْيَا من حديث سالم مولى أبي حذيفة مرفوعًا:
"لَيجيء يوم القيامة أقوامٌ معهم من الحسنات مثل جبال تِهامَةَ، حتى إذا جيء بهم جعل الله أعمالهم هباءً ثم أكبَّهم في النار".
قَالَ سالم: خشيت أن أكون منهم.
قَالَ: "أما إنَّهم كانوا يصومون ويصلون ويأخذون هنيهة من الليل، لعلهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه، فأدحض الله أعمالهم" (أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (١٨٧/١).
وقد يحبط العمل بآفة من رياء خفيٍّ وعُجْب به ونحو ذلك ولا يشعر به صاحبه. انتهى كلامه رحمه الله.
قال زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: ٧٩٥هـ)
في المحجّة في سير الدلجة :
[ بيان ما يصير هباء منثورًا من الأعمال ]
النوع الأول:
ويشتمل عَلَى ما هو أعم من ذلك وهو أن يكون له أعمالٌ يرجو بها الخير فتصير هباءً منثورًا وتبدل سيئات.
وقد قَالَ تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} [النور: ٣٩].
وقال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: ٢٣].
قَالَ الفضيل في هذه الآية: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: ٤٧]
قَالَ: عملوا أعمالاً وحسبوا أنها حسنات فإذا هي سيئات.
النوع الثاني:
وقريب من هذا أن يعملَ الإنسانُ ذنبًا يحتقره، ويستهون به فيكون هو سبب هلاكه، كما قَالَ تعالى:
{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: ١٥].
وقال بعض الصحابة: إنكم تعلمون أعمالاً هي أدقُّ في أعينكم من الشعر، كنا نعدها عَلَى عهد رسول الله ﷺ من المُوبقات (أخرجه البخاري (٦٤٩٢) عن أنس)
النوع الثالث:
وأصعب من هذا من زُيّن له سوء عمله فرآه حسنًا قَالَ تعالى:
{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}
[الكهف: ١٠٣-١٠٤].
قَالَ ابن عُيَيْنَة: لما حضرت محمدَ بنَ المُنكَدر الوفاةُ جزع فَدَعوا له أبا حازم فجاء، فَقَالَ له ابن المنكدر:
إنَّ الله يقول: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: ٤٧]،
فأخافُ أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب. فجعلا يبكيان جميعًا. خرَّجه ابن أبي الدُّنْيَا وابن أبي حاتم.
وزاد ابن أبي الدُّنْيَا: فَقَالَ له أهله: دعوناكَ لتخفِّف عليه فزدته فأخبرهم بما قَالَ.
وقال الفُضَيْل بن عِيَاض: أُخْبِرتُ عن سليمان التيمي أنّه قِيلَ لَهُ: أنتَ أنتَ ومن مُثلك؟
فَقَالَ: مه، لا تقوّلوا هذا، لا أدري ما يبدو لي من الله، سمعت الله يقول:
{وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: ٤٧].
النوع الرابع:
وكان سفيان الثوري يقول عند هذه الآية: ويلٌ لأهل الرياء من هذه الآية.
وهذا كما في حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار، العالم، والمتصدِّق والمجاهد (أخرجه مسلم (١٩٠٥) عن أبي هريرة مرفوعًا).
النوع الخامس
وكذلك من عمل أعمالاً صالحةً وكانت عليه مظالم فهو يظنُّ أنَّ أعماله تنجيه فيبدو له من الله ما لم يكن يحتسب، فيقتسم الغرماء أعماله كلها ثم يفضل لهم فضل فيطرح من سيئاتهم عليه ثم يطرح في النار.
النوع السادس
وقد يُنَاقَشُ الحساب فيُطلب منه شكر النعم، فأصغرها تستوعب أعماله كلها، وتبقى بقية النعم، فيُطالَب شكرها فيعذَّب، ولهذا قَالَ ﷺ:
"من نوقش الحساب عُذِّب أو هَلَك".
النوع السابع
وقد يكون له سيئات تحبط بعض أعماله وأعمال جوارحه سوى التوحيد فيدخل النار.
وفي "سنن ابن ماجه" (برقم (٤٢٤٥) قَالَ في الزوائد هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، وأبو عامر الألهاني اسمه عبد الله بن غابر) من رواية ثوبان مرفوعًا:
"إنَّ مِنْ أمتي من يجيء بأعمال أمثال الجبال فيجعلها الله هباءً منثورًا".
وفيه: "هم قومٌ من جلدتكم (ويتكلمون بألسنتكم) (ليست هذه العبارة في ابن ماجه) ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها".
وخرَّج يعقوب بن شيبة وابن أبي الدُّنْيَا من حديث سالم مولى أبي حذيفة مرفوعًا:
"لَيجيء يوم القيامة أقوامٌ معهم من الحسنات مثل جبال تِهامَةَ، حتى إذا جيء بهم جعل الله أعمالهم هباءً ثم أكبَّهم في النار".
قَالَ سالم: خشيت أن أكون منهم.
قَالَ: "أما إنَّهم كانوا يصومون ويصلون ويأخذون هنيهة من الليل، لعلهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه، فأدحض الله أعمالهم" (أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (١٨٧/١).
وقد يحبط العمل بآفة من رياء خفيٍّ وعُجْب به ونحو ذلك ولا يشعر به صاحبه. انتهى كلامه رحمه الله.