بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
... لأنَّ الشَّريعةَ عدلٌ في أحكامِها، فلا تُفرِّق بين المُتماثلات، ولا تجمع بين المُختلفات؛ الشَّريعةُ تجمع بين المُتماثلات ولا تُفرِّق بينها، وتُفرِّق بين المُختلفات؛ لأنَّها عدلٌ كلُّها في جميع الأحكام.فإذا وجدنا الشَّريعةُ حرَّمتْ شيئًا، ثُمَّ وجدنا غيرَه مِثلَهُ؛ فإنَّه يأخذ حُكمه؛ لأنَّ شرعَ الله مُعلَّلٌ، فاللهُ أمرنا بالأوامر ونهانا عن المنهيات ليس لِمُجرَّد الإرادة كما تقُول الأشاعرةُ، وإنَّما أمرنا بالأوامر لأنَّهُ يُحبُّها، ولأنَّ فيها مصالحنا.
فأنتَ يا عبدالله إذا وجدتَ ربَّك قد أمرك بأمرٍ ـ في أيِّ شيءٍ ـ:
فأوَّلا: اعلم أنَّ اللهَ يُحبُّهُ، وإذا علِمتَ أنَّ اللهَ يُحبُّهُ؛ كيف لا تُحبُّهُ!؟
أنتَ أيُّها الرَّجل أمرك اللهُ بإعفاء اللِّحية على لسان رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: "اعفُوا اللِّحى" "ارخُوا اللِّحى" "وفِّرُوا اللِّحى" "أكرِمُوا اللِّحى"؛ فعلِمنا مِن هذا الأمر أنَّ اللهَ يُحبُّ إعفاء اللِّحية، وإذا علِمنا أنَّ اللهَ يُحبُّ إعفاء اللِّحية؛ كيف لا نُحبُّها!؟ وكيف نُقدِّم حبَّ غير الله على حبِّ الله!؟
بعضُ النَّاس إذا قُلتَ له: يا أخي ـ ما شاء الله ـ فيك خير، لِمَ لا تُعفي لِحيتَك؟ قال: والله أنا أريد هذا، لكن الزَّوجة لا تُحبُّ اللِّحية، وأنا أُحبُّها! أو يقُول : والله أُمِّي لا تُحبُّ اللِّحية، وأنا أُحبُّ أُمِّي!
اللهُ عزَّ وجلَّ يُحبُّ إعفاء اللِّحية؛ فكيف تُقدِّم حُبَّ مخلوقٍ على حُبِّ الله سُبحانه وتعالى!؟ فهذه حكمةٌ عظيمةٌ انفرد بها أهلُ السُّنَّة والجماعة.
وأيضًا: نعلم أنَّ اللهَ أمرنا بها لأنَّ فيها مصلحتنا، والله الَّذي لا إله إلا هو في إعفاء اللِّحية مصلحتُنا في العاجل والآجل، علمنا أين المصلحة أو لم نعلمها! لكنَّا نجزم بقُلُوب مُطمئنَّة أنَّ كُلَّ ما أمرنا اللهُ به ففيه مصلحتُنا، وأنَّ اللهَ إنَّما نهانا عن المنهيات لأنَّه يُبغضها ويكرهُها، ولأنَّ في فعلها شرًّا لنا، وفي تركها خيرًا لنا.