السَّلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه
حيَّاكمْ اللهُ جميعًا
صوتية للشيخ : محمد بن هادي المدخلي - حفظه الله -
بعنوان : صاحبٍ وجليسٍ صالحٍ وصاحبٍ وجليسِ سوء...
مـــدتــه:16:21
تفريغ
فيا معشر الأحبة ثَبَتَ عن رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصحيح من حديث أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وعند َأَبي دَاوُدَ وابن حبّان وغيرهما
من حديث أَنَسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -عن رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أنَّه قَال: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، ومثل وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كنافِخُ الْكِيرِ-
أو كصاحب الكير-إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ منه رِيحًا خَبِيثَة».
هذان الحديثان رواهما هذان الصحابيان ومتْنُهُما واحد، وإذا تعدَّد الرُّواة عن رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فالعلماء يعدّون هذا كما سَمِعْتُم بحديثيْن، وهو عند َأَبي دَاوُدَ وابن حبّان في آخر حديث، إِذْ في رواية أنسٍ زيادة «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ» إلى آخره، فهُما حديثان.
هذان الحديثان كما سمعتم يبيِّنُ فيهما رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حالَ الصَّاحَبِ المُجالَس، فقَسَمَ النَّاس إلى قسمين:
- صاحبٍ وجليسٍ صالحٍ.
- وصاحبٍ وجليسِ سوء.
والمُراد مفهومٌ من هذا، إذ المراد بهذين الحديثين وَإِنْ كانا وردا بصيغة الإخبار وضرب المثل لكنَّ المراد فيهما واضحٌ، ألا وهو الأمر بمصاحبة ومجالسة الصالحين ومن يُنْتَفع بمجالستهم، والتحذير من مجالسة جلساء السوء، والذين يُتَضرَّر بمجالستهم ومصاحبتهم.
فالقسم الأول: قال فيه النَّبِي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما سمعتموه مُشَبِّهًا له بحامل المسك، ولفظة (الحَامِل) أعمّ من أن يكون (بائعا)، فإنَّ البائع هو صاحب الشيء، والحامل قد يكون صاحب الشيء وقد يكون غلامُهُ، كصاحب الدكان صاحب المتجر هذا صاحب المسك، فقد يرسل به إليك غلامه، عاملهُ، صَبِيَّه، أجيره، وقد يكون الحامل أعمّ من أن يكون بائعا، صاحب طيبٍ فيعطيك منه، يُحْذِيَكَ؛ والمراد به يعطيك من غير ما ثمن، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد ريحًا طيبةً.
فهكذا صاحب الدين والاستقامة والسُّنَّة، إما أن يُعطيَكَ العلمَ ابتداءً، فيدلك على ما ينفعك في دينك ودُنياك، فهذا مثلُهُ مَثَلُ من يعطيك الطيبَ، المِسْك بالمجان، وإما أن تبتاع منه، فإن كان عالمًا سألته، وإن كان صالحًا اقتديت به، وإما أن تجد منه ريحًا طيِّبةً، فالريح الطيِّبة هي آخر المراتب، لا تعدم من أن تجلِس بجوار صاحب رائحةٍ طيبةٍ فتأنس بهذا الطيب، وتبتهج نفسُكَ ويُسرُّ قلبك، وتفرح بهذه الرائحة الطيِّبة.
هكذا صُحبة الصالحين، فإنَّك تُنْسَب إليهم فيقال فلانٌ صاحبُ ذلك العالِم، أو فلانٌ جليس ذلك العالِم، أو فلانٌ تلميذ ذلك العالم، أو فلانٌ صاحب ذلك الصالح العابد، وهكذا، ذاك صاحب ذلك السُّنِّي الأثري السَّلفي، فتُنسب إليه، فيحصل لك طيب السمعة، كما حصل لك طيب الرائحة، والعكسُ بالعكسِ.
جليس السوء تتأذى بمجالسته في دينكَ ودنياك، وذلك لأنَّ الصَاحِب سَاحِب، والطِّبَاعَ سَرَّاقَةٌ ، وَالصُّحْبَةُ مُؤَثِّرَةٌ، كما يقول السلف،
(الصَاحِب سَاحِب، وَالصُّحْبَةُ سَرَّاقَةٌ ، والطِّبَاعَ مُؤَثِّرَةٌ)
عن المرءِ لا تسأل وسَلْ عن قرينهِ *** فكلُّ قرينٍ بالمُقارَنِ يقْتَدِ
[إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم] *** فلا تَصْحَبِ الأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي
والواجب عليك أيُّها المسلم أن لا تصحب إلا من ترضى دينَهُ وأمانته، وتعود عليك صحبته بالنفعِ في دنياك وأُخراك.
اختر قرينك واصطفيه تفاخُرًا *** إنَّ القَرينَ إلى المُقارن يُنسبُ
واحذرْ مُصاحبةَ اللئيم فـإنّهُا تُعدي *** كما يُعدي السليم الأجـربُ
الشّاة الصحيحة والنّاقة الصحيحة، إذا ماشَت الشاةَ الجرباء والنّاقة الجرباء تَجْرَب، لكن الجرباء لا تَصِح، ولهذا قيل ما سمعتم:
واحـذرْ مُصاحبـةَ اللئيـم فـإنَّـهُا تُعدي *** كما يُعدي السليمَ الأجـربُ
ويُقاسُ الْمَرْءُ بالمرءِ الصاحبِ له والمجالِسِ له:
عَـنِ الْمَـرْءِ لا تَسْـأَلْ وأبْصِرْ قَرِينَهُ *** فَكُــلُّ قَــرِينٍ بِالْمُقَــارن يَقْتَـدِ
فإذا رأيت صاحب السوء ورأيت من بجانبه من النَّاس فإنك لا تنسبهُ إلا إليهِ، ولا يمكن أن تظُن بهِ خيرًا، ما يُظنُّ بهِ إلا السوء، لأن مُصاحبةِ أهل السوء مظنة التُّهم، يقول أمير المؤمنين عُمرُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: (مَنْ أوْقَعَ نفسهُ في مواقع التُّهَمَ فَلاَ يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ الظَّنَّ بِه) فإذا ماشيت المُبتدع، ماذا تُريد من الناس؟ أن يظنوا بك أنك ناصر السُّنة؟ لا والله. ما يُظن بك إلا أنك مثلهُ
شبيهُ الشيء منجذبٌ إليهِ *** وبضدها تتميزُ الأشياء
ولهذا يقول رسولنا رَسُولُنا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ»،
فإذا صَحِبْ السَّيءُ شخصًا استدللنا بهِ على أن الآخر سيءٌ أيضا، وإذا صحب من لا نعرفُهُ سيئًا استدللنا بمُصاحبتهِ للسَيِّئٍ
على أنهُ سَيِّئ لأنهُ القرينُ بالمُقارَن (عَنْ المَرِء لا تَسأَل وَأبصِر قَرينهُ)،ما يمكن أن يأوي إليه إلا وقد وافقه، فإن القلوب إذا تلاقت في النسبة تقاربت الأبدان بالصحبة،
فالسيء إما أن تَجِدَ منهُ إحراق الثياب، شَبه النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إحراق الدين بإحراق الثوب، وذلك لأنَّ الدين خيرُ لباس، يُتجمَّلُ به المرء في هذه الدنيا
﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ﴾ [الأعراف 26]،
فالدين لباس يتزيَّن به صاحبهُ في الدُّنيا، ويوم يقوم الناس لرب العالمين، اليوم السرائر مخفية
وغدًا منشورةٌ مبثوثة- نسأل الله العفو والستر والمُسامحة- فإحراقُ الثياب المُرادُ بهِ إحراق الدِّين،
ولهذا قال ربُّنا - جَلَّ وَعَلا- ضاربًا هذا المثل: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾
[الأعراف 175-176]، فهذه الآيات تُجَمِّلُك يا ابن آدم، والدينُ جمالٌ لابن آدم، فإذا قارب صاحِبهُ أهل السوءِ والشّر، أحرقوه، وإذا لم يُحرِقوه جاءتهُ الريحُ الخبيثة، فصاحبُ الكير،إما أن يُحرق الثياب وإما أن تأتي الريحُ الخبيثةِ، والريحُ الخبيثةِ أن يُقال فلانٌ صاحبُ فلان،
فتُصبح سُمعتهُ خبيثة، فيُقال بئس الرجُل هو، لو كان فيه خير ما صحِب ذلك السَّيء، ولهذا قيل:
فلا تصحب أخا الجهل *** وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى *** حليمًا حين آخاه
يُقاسُ المَرْءُ بالمَرْءِ *** إذ ما هُوَ ماشاهُ
إذا رأوك تُماشي الصالحين حُسبتَ عليهم، (أُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلَسْت مِنْهُمْ وَأَرْجو أَنْ أَنَالَ بِهِمْ شَفَاعَهْ) أهل الصلاح يشفعون في أخلائهم يوم القيامة ﴿لْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِين،َ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [الزخرف-68-67]، فمُصاحبةُ السَّيئ سيئة، يسحبك إلى ما هو فيه من السوء، من بدعةٍ أو أخلاقٍ خبيثةٍ ذميمة، فالله الله معشر الأحبة، في إختيار الصاحب، فلا تختر من الناسِ إلا من يُعينك على أمور دينك ودُنياك، تُذكرك بالله رؤيتهُ، أو تدلك على الله كلمتهُ،
يُذَكِّرك بالله مقالهُ، أو يدُّلك على الله حاله، فاحذروا مُصاحبة الأشرارِ من أهل الأهواءِ والبدعِ ومن أهل الفجورِ والفسوقِ، واحذر يا عبد الله أن تُرى مع هؤلاء، فإن رُئيت معهم
فلا تلومن من أساء الظن بك لأنك أنت الذي أوقعت نفسك في مواقع التُّهم.وأسأل الله - سُبحانهُ وتعالى- بأسمائه الحسنى وصفاتهِ العُلا
أن يرزقنا وإياكم جميعًا العلم النافع، والعمل الصالح، والبصيرة في الدِّين، والفقه فيه، والثبات على الحقِّ والهُدى حتى نلقاهُ، كما أسألهُ - جلَّ وعلا-
أن يُصلح أحوالنا جميعًا وأحوال المسلمين، وأن يهدِيَ ضال المُسلمين وأن يوفق ولاة أمور المسلمين، للعمل بكتابهِ وإتباعِ سُنَّة نبيهِ محمد- صلى الله عليه وسلم-
وأن يرفع عن المُسلمين وبلاد المسلمين ما نزل بها من الفتن، ما ظهر منها وما بطن،
إنهُ جوادٌ كريمٌ.وصلَّى الله وسلمَّ وبارك على عبدِهِ ورسولهِ نبينا محمد وعلى آلهِ وأصحابهِ وأتباعهِ بإحسان.
صوتية للشيخ : محمد بن هادي المدخلي - حفظه الله -
بعنوان : صاحبٍ وجليسٍ صالحٍ وصاحبٍ وجليسِ سوء...
مـــدتــه:16:21
تفريغ
فيا معشر الأحبة ثَبَتَ عن رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصحيح من حديث أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وعند َأَبي دَاوُدَ وابن حبّان وغيرهما
من حديث أَنَسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -عن رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أنَّه قَال: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، ومثل وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كنافِخُ الْكِيرِ-
أو كصاحب الكير-إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ منه رِيحًا خَبِيثَة».
هذان الحديثان رواهما هذان الصحابيان ومتْنُهُما واحد، وإذا تعدَّد الرُّواة عن رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فالعلماء يعدّون هذا كما سَمِعْتُم بحديثيْن، وهو عند َأَبي دَاوُدَ وابن حبّان في آخر حديث، إِذْ في رواية أنسٍ زيادة «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ» إلى آخره، فهُما حديثان.
هذان الحديثان كما سمعتم يبيِّنُ فيهما رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حالَ الصَّاحَبِ المُجالَس، فقَسَمَ النَّاس إلى قسمين:
- صاحبٍ وجليسٍ صالحٍ.
- وصاحبٍ وجليسِ سوء.
والمُراد مفهومٌ من هذا، إذ المراد بهذين الحديثين وَإِنْ كانا وردا بصيغة الإخبار وضرب المثل لكنَّ المراد فيهما واضحٌ، ألا وهو الأمر بمصاحبة ومجالسة الصالحين ومن يُنْتَفع بمجالستهم، والتحذير من مجالسة جلساء السوء، والذين يُتَضرَّر بمجالستهم ومصاحبتهم.
فالقسم الأول: قال فيه النَّبِي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما سمعتموه مُشَبِّهًا له بحامل المسك، ولفظة (الحَامِل) أعمّ من أن يكون (بائعا)، فإنَّ البائع هو صاحب الشيء، والحامل قد يكون صاحب الشيء وقد يكون غلامُهُ، كصاحب الدكان صاحب المتجر هذا صاحب المسك، فقد يرسل به إليك غلامه، عاملهُ، صَبِيَّه، أجيره، وقد يكون الحامل أعمّ من أن يكون بائعا، صاحب طيبٍ فيعطيك منه، يُحْذِيَكَ؛ والمراد به يعطيك من غير ما ثمن، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد ريحًا طيبةً.
فهكذا صاحب الدين والاستقامة والسُّنَّة، إما أن يُعطيَكَ العلمَ ابتداءً، فيدلك على ما ينفعك في دينك ودُنياك، فهذا مثلُهُ مَثَلُ من يعطيك الطيبَ، المِسْك بالمجان، وإما أن تبتاع منه، فإن كان عالمًا سألته، وإن كان صالحًا اقتديت به، وإما أن تجد منه ريحًا طيِّبةً، فالريح الطيِّبة هي آخر المراتب، لا تعدم من أن تجلِس بجوار صاحب رائحةٍ طيبةٍ فتأنس بهذا الطيب، وتبتهج نفسُكَ ويُسرُّ قلبك، وتفرح بهذه الرائحة الطيِّبة.
هكذا صُحبة الصالحين، فإنَّك تُنْسَب إليهم فيقال فلانٌ صاحبُ ذلك العالِم، أو فلانٌ جليس ذلك العالِم، أو فلانٌ تلميذ ذلك العالم، أو فلانٌ صاحب ذلك الصالح العابد، وهكذا، ذاك صاحب ذلك السُّنِّي الأثري السَّلفي، فتُنسب إليه، فيحصل لك طيب السمعة، كما حصل لك طيب الرائحة، والعكسُ بالعكسِ.
جليس السوء تتأذى بمجالسته في دينكَ ودنياك، وذلك لأنَّ الصَاحِب سَاحِب، والطِّبَاعَ سَرَّاقَةٌ ، وَالصُّحْبَةُ مُؤَثِّرَةٌ، كما يقول السلف،
(الصَاحِب سَاحِب، وَالصُّحْبَةُ سَرَّاقَةٌ ، والطِّبَاعَ مُؤَثِّرَةٌ)
عن المرءِ لا تسأل وسَلْ عن قرينهِ *** فكلُّ قرينٍ بالمُقارَنِ يقْتَدِ
[إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم] *** فلا تَصْحَبِ الأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي
والواجب عليك أيُّها المسلم أن لا تصحب إلا من ترضى دينَهُ وأمانته، وتعود عليك صحبته بالنفعِ في دنياك وأُخراك.
اختر قرينك واصطفيه تفاخُرًا *** إنَّ القَرينَ إلى المُقارن يُنسبُ
واحذرْ مُصاحبةَ اللئيم فـإنّهُا تُعدي *** كما يُعدي السليم الأجـربُ
الشّاة الصحيحة والنّاقة الصحيحة، إذا ماشَت الشاةَ الجرباء والنّاقة الجرباء تَجْرَب، لكن الجرباء لا تَصِح، ولهذا قيل ما سمعتم:
واحـذرْ مُصاحبـةَ اللئيـم فـإنَّـهُا تُعدي *** كما يُعدي السليمَ الأجـربُ
ويُقاسُ الْمَرْءُ بالمرءِ الصاحبِ له والمجالِسِ له:
عَـنِ الْمَـرْءِ لا تَسْـأَلْ وأبْصِرْ قَرِينَهُ *** فَكُــلُّ قَــرِينٍ بِالْمُقَــارن يَقْتَـدِ
فإذا رأيت صاحب السوء ورأيت من بجانبه من النَّاس فإنك لا تنسبهُ إلا إليهِ، ولا يمكن أن تظُن بهِ خيرًا، ما يُظنُّ بهِ إلا السوء، لأن مُصاحبةِ أهل السوء مظنة التُّهم، يقول أمير المؤمنين عُمرُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: (مَنْ أوْقَعَ نفسهُ في مواقع التُّهَمَ فَلاَ يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ الظَّنَّ بِه) فإذا ماشيت المُبتدع، ماذا تُريد من الناس؟ أن يظنوا بك أنك ناصر السُّنة؟ لا والله. ما يُظن بك إلا أنك مثلهُ
شبيهُ الشيء منجذبٌ إليهِ *** وبضدها تتميزُ الأشياء
ولهذا يقول رسولنا رَسُولُنا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ»،
فإذا صَحِبْ السَّيءُ شخصًا استدللنا بهِ على أن الآخر سيءٌ أيضا، وإذا صحب من لا نعرفُهُ سيئًا استدللنا بمُصاحبتهِ للسَيِّئٍ
على أنهُ سَيِّئ لأنهُ القرينُ بالمُقارَن (عَنْ المَرِء لا تَسأَل وَأبصِر قَرينهُ)،ما يمكن أن يأوي إليه إلا وقد وافقه، فإن القلوب إذا تلاقت في النسبة تقاربت الأبدان بالصحبة،
فالسيء إما أن تَجِدَ منهُ إحراق الثياب، شَبه النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إحراق الدين بإحراق الثوب، وذلك لأنَّ الدين خيرُ لباس، يُتجمَّلُ به المرء في هذه الدنيا
﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ﴾ [الأعراف 26]،
فالدين لباس يتزيَّن به صاحبهُ في الدُّنيا، ويوم يقوم الناس لرب العالمين، اليوم السرائر مخفية
وغدًا منشورةٌ مبثوثة- نسأل الله العفو والستر والمُسامحة- فإحراقُ الثياب المُرادُ بهِ إحراق الدِّين،
ولهذا قال ربُّنا - جَلَّ وَعَلا- ضاربًا هذا المثل: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾
[الأعراف 175-176]، فهذه الآيات تُجَمِّلُك يا ابن آدم، والدينُ جمالٌ لابن آدم، فإذا قارب صاحِبهُ أهل السوءِ والشّر، أحرقوه، وإذا لم يُحرِقوه جاءتهُ الريحُ الخبيثة، فصاحبُ الكير،إما أن يُحرق الثياب وإما أن تأتي الريحُ الخبيثةِ، والريحُ الخبيثةِ أن يُقال فلانٌ صاحبُ فلان،
فتُصبح سُمعتهُ خبيثة، فيُقال بئس الرجُل هو، لو كان فيه خير ما صحِب ذلك السَّيء، ولهذا قيل:
فلا تصحب أخا الجهل *** وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى *** حليمًا حين آخاه
يُقاسُ المَرْءُ بالمَرْءِ *** إذ ما هُوَ ماشاهُ
إذا رأوك تُماشي الصالحين حُسبتَ عليهم، (أُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلَسْت مِنْهُمْ وَأَرْجو أَنْ أَنَالَ بِهِمْ شَفَاعَهْ) أهل الصلاح يشفعون في أخلائهم يوم القيامة ﴿لْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِين،َ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [الزخرف-68-67]، فمُصاحبةُ السَّيئ سيئة، يسحبك إلى ما هو فيه من السوء، من بدعةٍ أو أخلاقٍ خبيثةٍ ذميمة، فالله الله معشر الأحبة، في إختيار الصاحب، فلا تختر من الناسِ إلا من يُعينك على أمور دينك ودُنياك، تُذكرك بالله رؤيتهُ، أو تدلك على الله كلمتهُ،
يُذَكِّرك بالله مقالهُ، أو يدُّلك على الله حاله، فاحذروا مُصاحبة الأشرارِ من أهل الأهواءِ والبدعِ ومن أهل الفجورِ والفسوقِ، واحذر يا عبد الله أن تُرى مع هؤلاء، فإن رُئيت معهم
فلا تلومن من أساء الظن بك لأنك أنت الذي أوقعت نفسك في مواقع التُّهم.وأسأل الله - سُبحانهُ وتعالى- بأسمائه الحسنى وصفاتهِ العُلا
أن يرزقنا وإياكم جميعًا العلم النافع، والعمل الصالح، والبصيرة في الدِّين، والفقه فيه، والثبات على الحقِّ والهُدى حتى نلقاهُ، كما أسألهُ - جلَّ وعلا-
أن يُصلح أحوالنا جميعًا وأحوال المسلمين، وأن يهدِيَ ضال المُسلمين وأن يوفق ولاة أمور المسلمين، للعمل بكتابهِ وإتباعِ سُنَّة نبيهِ محمد- صلى الله عليه وسلم-
وأن يرفع عن المُسلمين وبلاد المسلمين ما نزل بها من الفتن، ما ظهر منها وما بطن،
إنهُ جوادٌ كريمٌ.وصلَّى الله وسلمَّ وبارك على عبدِهِ ورسولهِ نبينا محمد وعلى آلهِ وأصحابهِ وأتباعهِ بإحسان.