المرضَى جمع مَرِيض وَ المرَض اعْتِلَال الصِّحة وَينقسِم إلى قسمين ، مَرضٌ بَدنِي وَمرَضُ القَلب..
فالمرَضُ البدنِ: مَا يُصيبُ البَدن مِن الأعرَاض التي تُخرجه عَن الاِعتِدال الطَبيعي ، وَ هذَا أَمرٌ سَهل بِالنِّسبة لِقسمِ الثَاني وَهو المَرض القَلبي وَهو مَا يحصُل بِه انحِرافُ القَلب وَالعيَاذَ بِالله.
وسَببُه أمْرَان : إِمَّا شُبهَة وَ إمَّا شَهوَة ، إِمَّا شُبهة تَعترِي القَلبِ .. بحيث يَلتبسُ عَليهِ الحَق بِالبَاطل ، فَلَا يُميِّز ..فَربما يَرى الحقَّ بَاطِلا وَالبَاطِل حَقًا والعياذَ بِالله ، وَإمَّا شَهوَة أي سُوءُ قَصدٍ يُريدُ الانسَان خِلافَ مَا يُرِيدُهُ الله مِنهُ ، والله تعالى يريد منَّا ان نعبده فيكون في هذا الانسان في قلبه ارادة منحرفة مخالفة لما يريد الله منه ، وهذا المرض هُو المرض الخطير الذي به تَفسُد الدنيا والآخرة .
قال الله تعالى: {ظهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ......}
وقال تعالى: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاحِهَا}
قَال العُلمَاء أَي بِالمعَاصِي ، لأَنَّ المعَاصِي سَبب الفَسادِ
والمعَاصِي وَإنَّما تَأتِي مِن أَمرَاضِ القلوب ..والشَيء الذِي يَهُمُّ المُؤمِن هُو هَذا ، أَعنِي مَرض القَلب فما دواءه..دواءه يكون حسب سببه ، فَما سَببُ الشُبهة دَواءُه العِلم المتَلقَى مِن كِتابِ الله وَسنَّة رَسولِ الله صَلَّى الله عَليهِ وَسلَّم ، وَ كُلمَا ازْدَاد الإِنسَانُ عِلمًا زَالت عَنهُ الشُبهَات وَاستَنَارَ قَلبُه وَصارَ يميِّز بَينَ الحقِّ وَالبَاطِل إمَّا بِدراسَة العِلم وتَلقِّيه ، وَ إمَّا بِنُورٍ يقذِفه الله سُبحانَه وَ تعَالى في قَلبِ الإِنسَان .
أَحيَانا يُوفق الانسان للصواب وان لم يكن دَرَسَ علمًا ...ومنه ما جرى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في موافقته للصواب في عدة مسائل ، ومنه ما يجعل الله وتعالى في قلب الانسان أحيانا من الفراسة التي يميِّز بها بين النافع والضار فهذا هو دواء الشبهة العِلم وَ التعلُّم وَنشرَ العِلم وَالدَّعوَة إِلى الله .
وأمَّاالسَبب الثَاني وَ هُو الشَهوة أَن يُريد الإِنسَان مَا لَا يُريدُه الله مِنه ، فَدواءُه الإبتهَال إِلى الله تَعالى وَ الإِنابَة إِليه وَإلحَاق إِليهِ بِالدعَاء سُبحَانه وَ تعَالى أَن يَصرِّف قَلبك إلى طَاعتِه .
كَما قَال النَّبي عَليه الصَلاة والسَّلام " ما من قلب من قلوب بني ادام إلا و هو بين اصبعين من أصابع الرحمن فإن شاء ازاغه وان شاء هداه عزَّ وجل "
ثم قال عليه الصلاة والسلام: " اللَّهم مُصرِّف القُلوب صرِّف قُلوبنا إلَى طَاعَتِك "
هذا الثاني دواءه الابتهال إلى الله والرُّجوع إليه وحُسن القصد فبهذا يُشفى القلب من المرض وأمَّا اذا بقيت الذنوب تتراكم عليه ذنب بعد ذنب فإنه ربما يختم عليه والعياذ بالله ، فلا يرى الحق واستمع إلى قوله تعالى : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ }
كيف يشتبه عليه هذا الحق العظيم بهذا المرض ..
الآيات البينات الواضحة العَظيمَة إذَا تُتلَى عَليه يَقولُ في اسَاطير الأوَّلين مَا يُميِّز النَّافعَ مِن الخير ، و الصِّدق وَ العَدل بَل يَقول اسَاطير الأَوَّلين..يَقول عزَّ وَجل كلَّا يَعني لَيسَت الاسَاطير الأوَّلين ، وَ لِكن بَل رَانَ عَلى قُلوبهِم مَا كَانوا يَكسبُون فَلم يَروا الحقَّ .
أكثر النَّاس اليوم يُعْنَونَ بالمرض في القسم الاول وهو مرض الأبدان يُعنَوْنَ به دفعا ورفعا ، فتجد من يتخذون الوقايات كثيرة منه ويحذرون الناس من أسبابه ، وإذا وقع حرِصوا غاية الحرص على رفعه ـ وهم لا يُلامون على هذا بل هم مُؤمَرون بهذا الأمور ، لكن كونها تُفضل على أدوية القلوب واذا في أمراضها هذا هو البلاء ، فتجد الانسان مثلا قلبُه مريض لا يعرف الحق ، ولا يَستنِير بِه وَلا يُحاولُ طَلب الشِّفاءَ مِن هَذا المرَض ، وَ إِذا أُصيبَ بِزكَام مُعتاد يَعرِف أنَّه يَعرِض وَ يَزول، ذَهب يَطرُق بَابَ كلّ طَبيب لعلَّه يَشفَى مِنْ هَذا المرَض .
و هَذه مُصيبة أُصبَت المسلِمين اليَومَ حتَّى صَاروا كَالكفَّار فِي كونِهم يُؤثِرونَ الحيَاة الدنيا ، وَ يغفِلونَ عَن الآخِرة إِلا مَن عَصِمَ الله عز وجل