خطبة قيِّمَة بِعُنْوان:
العناية بالقلوب
لفضيلة الشيخ أبي عمار علي الحذيفي
حفظه الله تعالى
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وبعد:
يجب على المؤمن أن يعتني عناية تامة بقلبه، وسبب العناية بالقلوب أمور:
وثانيا: ـ ينبغي العناية بالقلب لأن القلب ملك الجوارح، فإذا صلح القلب صلحت سائر الأعضاء والجوارح، وإذا فسد القلب فسدت سائر الأعضاء والجوارح، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب». رواه الشيخان عن النعمان بن بشير.
ثالثا: ـ ينبغي العناية بالقلب لكثرة تقلبه واضطرابه، ولاسيما مع كثرة المغريات والمؤثرات، وربما تغير القلب على ابن آدم دون أن يشعر.
رابعا: ـ ينبغي العناية بالقلب لخفاء أمراضه، فالقلب يمرض ويسقم، وأمراضه وأسقامه كثيرة وخفية لا يتفطن لها إلا القليل من الناس.
خامسا: ـ ينبغي العناية بالقلب لأن هذه القلوب هدف الشيطان وغايته، فالشيطان يسعى للوصول لهذا القلب لأنه موضع التحكم.
والقلوب في القرآن أنواع: قلب سليم، وقلب مريض، وقلب ميت.
والآفات التي سلم منها القلب السليم أشياء: وهي الشرك والبدع والمعصية، فهذه الأنواع الثلاثة من سلم منها فهو على خير عظيم، لذا يجب على العبد أن يجاهد نفسه ليقيها من شر هذه الآفات وما تفرع عنها.
فأحدها الشرك: وهو تسوية المخلوق بالخالق، في الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات. فيدخل في ذلك من دعا غير الله تعالى أو استغاث به في الشدائد أو ذبح لغير الله أو نذر لغير الله أو توكل على غير الله أو اعتقد أن غير الله تعالى ينفع أو يضر بنفسه أو نحو ذلك من الأشياء. وهذا الشرك أعظم ما عصي الله تعالى به من المعاصي، وصاحبه على خطر عظيم.
والشيء الثاني البدع: وهي التقرب إلى الله تعالى بأشياء جديدة من القرب والعبادات لم تأت في الشريعة، وإنما هي من ٱستسحان الناس وابتداعاتهم.
والشيء الثالث: وهي المعاصي وهي ارتكاب الأمور التي حرمها الله تعالى، ويكون بترك الواجبات وفعل المحرمات.
والناس يتفاوتون ويتنوعون في ذلك، فمنهم من ابتلي بالميل إلى الشرك وتعظيم الصالحين، ومنهم من ابتلي بالميل إلى البدع والضلالات، ومنهم من ابتلي بالميل إلى الزنا وشرب الخمر ونحوهما من الذنوب والمعاصي، والموفق من وفقه الله تعالى فاجتنب هذه الآفات الثلاث.
النوع الثاني: ـ القلب المريض. ذلك لأن القلوب تمرض ويحصل لها ضعف وتأتي عليها أوقات تكون بين الحياة والموت كالأجساد تماما، ولكن أمراض القلوب لا يتفطن لها أطباء الطب البشري، وإنما يتفطن لها العلماء الربانيون الذين يعرفون أعراض هذه الأمراض ونتائجها وأسبابها، وطرق علاجها. فأعراض مرض القلب غير أعراض مرض البدن، وآثار هذا المرض غير آثار مرض البدن.
وأمراض القلوب على أنواع:
أحدها: ـ مرض الشبهة وهذا أخطرها: ويعرف بالتباس الحق بالباطل في نظر هذا الإنسان، فإذا التبس عليه الحق بالباطل، عرفنا أنه مصاب بمرض الشبهات، وسمي بذلك لاشتباه الأمرين عليه. والمبتدع من هذا النوع لأنه يبتدع في دين الله تعالى ويستدرك على النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال سفيان الثوري: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، فإن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها.
والثانية: ـ مرض الشهوة: ويعرف بأن يكون في القلب ميل شديد إلى المحرمات التي تتلذذ بها النفوس، ومن هنا سميت هذه الأمراض بالشهوات، كالزنا وشرب الخمر وجمع المال من الحرام ونحو ذلك.
وهذا المرض يتفاوت من شخص إلى آخر، فمنهم من ابتلي بعشق الصور كالميل إلى النساء، وإلى محادثتهن ولقائهن والخلوة بهن ونحو ذلك، أو الميل إلى المردان والخلوة بهم، ومنهم من ابتلي بالافتتان بالمال، ومنهم من ابتلي بجمع المال من كل مكان دون مبالاة بكونه من الحرام، فإن هذا من الفتنة بالمال.
ومن أمراض القلوب طلب العلو في الأرض، والناس – في طلب العلو - على أربعة أقسام:
الأول: من يطلب العلو مع الفساد في الأرض كفرعون كما قال تعالى: ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) .
والثاني: يطلب العلو بدون فساد في الأرض كالمرائي والمعجب بنفسه ونحوهما.
والثالث: من يطلب الفساد بدون علو كقطاع الطرق واللصوص ونحوهم.
والرابع: من لا يريد العلو ولا الفساد كما قال تعالى: ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ).
ومن أمراض القلوب الحسد والبغضاء والحقد، فهذه كلها من أمراض القلوب.
النوع الثالث: ـ القلب الميت. وهو قلب الكافر، وإنما قيل له ميت لأنه لا يشعر بشيء من الألم، فهو لا يبالي بما يقول أو يفعل في الدنيا، ولا يجد في ذلك أدنى حرج.
والكفر هو سبب موت القلوب، كما أن الإيمان هو سبب عمارة القلوب بالخير
نسأل الله أن يحفظ علينا ديننا ويتوفانا مسلمين.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
وأمراض القلوب لها أسباب:
فمن أسباب أمراض القلوب قلة العناية بهذه القلوب والغفلة عنها، فإن مما ينبغي أن يعلم أن الأمراض تسعى إلى القلوب وتفسدها بصورة خفية أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
وأمراض القلوب لها أسباب:
ومن أسباب أمراض القلوب الذنوب والمعاصي، فالذنوب والمعاصي لها أثر عظيم على مرض القلوب، قال تعالى: ( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) . فالمسلم إذا عصى الله تعالى، نزلت على قلبه طبقة سوداء من الران، فإن تاب إلى الله تعالى واستغفر ذهبت هذه الطبقة، وإلا فإنها تبقى، فإن أذنب مرة أخرى نزلت طبقة أخرى، فإن تاب إلى الله تعالى واستغفر ذهبت هذه الطبقة، وإلا فإنها تضاف فوق الأولى، وهكذا إلى أن يتغلف القلب بطبقة سوداء من جميع الجهات، فلا يقدر الشر على الخروج منه، ولا الخير على الدخول فيه. نسأل الله السلامة والعافية.
ومن أسباب أمراض القلوب جليس السوء، فإن للجليس الصالح أثرا عظيما في صلاح قلبه وفساده، لأن الجليس يصاحب جليسه ويلازمه،
ألا وإن مما ينبغي أن يعلم أن هذه القلوب كما أن لها أسبابا تمرضها، فكذلك لها أسباب تحصل بها عافيتها وشفاؤها فمنها: تلاوة كتاب الله تعالى وتدبره وتعقله والعمل به والقيام بواجباته واجتناب حرامه. ومن أسباب شفاء القلوب الصحبة الخيرة والرفقة الطيبة، ومن أسباب عافية القلوب التقرب إلى بالنوافل والحرص على اغتنام الأوقات المباركة للدعاء والخلوات بالنفس ومحاسبتها.وبالجملة فهذه القلوب لا تداوى من أمراضها إلا بطلب الاستشفاء من كتاب الله تعالى الذي قال الله تعالى فيه: ( وَنُنَزِّلُ مِنَ اَلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحمْةٌَ لِلْمُؤْمِنِين ) .
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم وأقم الصلاة.