بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن القيم الجوزية - رحمه الله - :
" فاللذة التامة ، والفرح والسرور، وطيب العيش والنعيم ، إنما هو في معرفة الله وتوحيده ، والأنس به ، والشوق إلى لقائه ، واجتماع القلب والهِمة عليه.
فإن أنكد العيش عيش من قلبه مُشتت ، وهَمه مُفرق، فليس لقلبه مستقر يستقر عنده، ولا حبيب يأوي إليه.
كما أفصح القائل عن ذلك بقوله:
وما ذاق طعم العيش من لمْ يكن له ## حبيب إليه يطمئن ويسكن.
فالعيش الطيب ، والحياة النافعة، وقرة العين، في السكون والطمأنينة إلى الحبيب الأول ، ولو تنقل القلب في المحبوبات كلها لَمْ يسكن ولَمْ يطمئن ولم تقر عينه حتَّى يطمئن إلى إلهه وربه ووليه، الذي ليس له من دونه ولي ولا شفيع ، ولا غنيً له عنه طرفة عين كما قال القائل :
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ## ما الحُب إلا للحبيب الأول.
كم منزل في الأرض يــنـزلــه الــفـتى ## وحنــــيـنـــه أبــداً لأول منزل.
فاحرص على أن يكون همك واحداً ، وأن يكون هو الله وحده ، فهذا غاية سعادة العبد، وصاحب هذا الحال في جنة معجلة قبل جنة الآخرة، وفي نعيم عاجل كما قال بعض الواجدين :" إنه ليمر بالقلب أوقات أقول ، إن كان أهل الجنة في مثل هذا ؛ إنهم لفي عيش طيب ".
وقال آخر:" إنه ليمر بالقلب أوقات يرقص فيها طرباً ".
وقال آخر:" مساكين أهل الدنيا ،خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها .
قيل : وما أطيب ما فيها ؟
قال : معرفة الله ومحبته، والأنس بقربه، والشوق إلى لقائه ".
وليس في الدنيا نعيم يشبه نعيم أهل الجنة إلا هذا ، ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم:" حُبِّبَ إليَّ من دنياكم : النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة ". ( أخرجه النسائي وأحمد في المسند وصححه الألباني في صحيح الجامع(3124).
فأخبر أنه حبب إليه من الدنيا شيئان : النساء والطيب ، ثمَّ قال : وجعلت قرة عيني في الصلاة .
وقرة العين فوق المحبة، فإنه ليس كل محبوب تقر به العين، وإنَّما تقر العين على المحبوب الذي يُحب لذاته ، وليس ذلك إلا لله الذي لا إله إلا هو، وكل ما سواه فإنما يُحب تبعاً لمحبته، فيُحب لأجله ولا يُحب معه، فإن الحب معه : شرك،والحب لأجله : توحيد.
فالمشرك يتخذ من دون الله أنداداً يحبهم كحب الله ، والموحد إنَّما يُحب من يحبه الله، ويبغض من يبغضه الله، ويفعل ما يفعله لله، ويترك ما يتركه لله، ومدار الدين على هذه القواعد الأربعة، وهي : الحُب، والبغض، ويترتب عليهما : الفعل والترك، والعطاء والمنع.
فمن استكمل أن يكون هذا كله لله فقد استكمل الإيمان، وما نقص منها أن يكون لله عاد بنقص إيمان العبد.
والمقصود : أن ما تقر به العين أعلى من مجرد ما يحبه، فالصلاة قرة عيون المحبين، في هذه الدنيا، لِما فيها من مناجاة من لا تقر العيون إلا به، ولا تطمئن ولا تسكن النفس إلا إليه، والتنعم بذكره، والتلذذ بالخضوع له، والقرب منه، ولا سيما في حال السجود، وتلك الحال أقرب ما يكون العبد من ربه فيها.
ومن هذا قول النبي صلي الله عليه وسلم:" يا بلال أرحنا بالصلاة".(صححه الألباني في صحيح الجامع(7892) ).
فأعلم بذلك أن راحته صلي الله عليه وسلم في الصلاة كما أخبر أن قرة عينه فيها، فأين هذا من قول من يقول : نصلي ونستريح من الصلاة. فالمحب راحته وقرة عينه في الصلاة، والغافل المُعْرض ليس له نصيب من ذلك، بل الصلاة كبيرة شاقة عليه، إذا قام فكأنه قائم على الجَمر حتَّى يتخلص من واجب الصلاة، وعجلها وأسرعها، فهو ليس له قرة عين فيها، ولا لقلبه راحة بها.
والعبد إذا قرت عينه بشئ ، واستراح قلبه به، فأشق ما عليه مفارقته، والمُتكلف الفارغ القلب من الله والدار الآخرة، المُبتلى بحب الدنيا أشق ما عليه الصلاة، وأكره ما إليه طولُها، مع تفرغه وصحته وعدم أشغاله. "
من رسالة " رسالة إلى كل مسلم " للإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله ، طبع دار الاستقامة المصرية.
قال ابن القيم الجوزية - رحمه الله - :
" فاللذة التامة ، والفرح والسرور، وطيب العيش والنعيم ، إنما هو في معرفة الله وتوحيده ، والأنس به ، والشوق إلى لقائه ، واجتماع القلب والهِمة عليه.
فإن أنكد العيش عيش من قلبه مُشتت ، وهَمه مُفرق، فليس لقلبه مستقر يستقر عنده، ولا حبيب يأوي إليه.
كما أفصح القائل عن ذلك بقوله:
وما ذاق طعم العيش من لمْ يكن له ## حبيب إليه يطمئن ويسكن.
فالعيش الطيب ، والحياة النافعة، وقرة العين، في السكون والطمأنينة إلى الحبيب الأول ، ولو تنقل القلب في المحبوبات كلها لَمْ يسكن ولَمْ يطمئن ولم تقر عينه حتَّى يطمئن إلى إلهه وربه ووليه، الذي ليس له من دونه ولي ولا شفيع ، ولا غنيً له عنه طرفة عين كما قال القائل :
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ## ما الحُب إلا للحبيب الأول.
كم منزل في الأرض يــنـزلــه الــفـتى ## وحنــــيـنـــه أبــداً لأول منزل.
فاحرص على أن يكون همك واحداً ، وأن يكون هو الله وحده ، فهذا غاية سعادة العبد، وصاحب هذا الحال في جنة معجلة قبل جنة الآخرة، وفي نعيم عاجل كما قال بعض الواجدين :" إنه ليمر بالقلب أوقات أقول ، إن كان أهل الجنة في مثل هذا ؛ إنهم لفي عيش طيب ".
وقال آخر:" إنه ليمر بالقلب أوقات يرقص فيها طرباً ".
وقال آخر:" مساكين أهل الدنيا ،خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها .
قيل : وما أطيب ما فيها ؟
قال : معرفة الله ومحبته، والأنس بقربه، والشوق إلى لقائه ".
وليس في الدنيا نعيم يشبه نعيم أهل الجنة إلا هذا ، ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم:" حُبِّبَ إليَّ من دنياكم : النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة ". ( أخرجه النسائي وأحمد في المسند وصححه الألباني في صحيح الجامع(3124).
فأخبر أنه حبب إليه من الدنيا شيئان : النساء والطيب ، ثمَّ قال : وجعلت قرة عيني في الصلاة .
وقرة العين فوق المحبة، فإنه ليس كل محبوب تقر به العين، وإنَّما تقر العين على المحبوب الذي يُحب لذاته ، وليس ذلك إلا لله الذي لا إله إلا هو، وكل ما سواه فإنما يُحب تبعاً لمحبته، فيُحب لأجله ولا يُحب معه، فإن الحب معه : شرك،والحب لأجله : توحيد.
فالمشرك يتخذ من دون الله أنداداً يحبهم كحب الله ، والموحد إنَّما يُحب من يحبه الله، ويبغض من يبغضه الله، ويفعل ما يفعله لله، ويترك ما يتركه لله، ومدار الدين على هذه القواعد الأربعة، وهي : الحُب، والبغض، ويترتب عليهما : الفعل والترك، والعطاء والمنع.
فمن استكمل أن يكون هذا كله لله فقد استكمل الإيمان، وما نقص منها أن يكون لله عاد بنقص إيمان العبد.
والمقصود : أن ما تقر به العين أعلى من مجرد ما يحبه، فالصلاة قرة عيون المحبين، في هذه الدنيا، لِما فيها من مناجاة من لا تقر العيون إلا به، ولا تطمئن ولا تسكن النفس إلا إليه، والتنعم بذكره، والتلذذ بالخضوع له، والقرب منه، ولا سيما في حال السجود، وتلك الحال أقرب ما يكون العبد من ربه فيها.
ومن هذا قول النبي صلي الله عليه وسلم:" يا بلال أرحنا بالصلاة".(صححه الألباني في صحيح الجامع(7892) ).
فأعلم بذلك أن راحته صلي الله عليه وسلم في الصلاة كما أخبر أن قرة عينه فيها، فأين هذا من قول من يقول : نصلي ونستريح من الصلاة. فالمحب راحته وقرة عينه في الصلاة، والغافل المُعْرض ليس له نصيب من ذلك، بل الصلاة كبيرة شاقة عليه، إذا قام فكأنه قائم على الجَمر حتَّى يتخلص من واجب الصلاة، وعجلها وأسرعها، فهو ليس له قرة عين فيها، ولا لقلبه راحة بها.
والعبد إذا قرت عينه بشئ ، واستراح قلبه به، فأشق ما عليه مفارقته، والمُتكلف الفارغ القلب من الله والدار الآخرة، المُبتلى بحب الدنيا أشق ما عليه الصلاة، وأكره ما إليه طولُها، مع تفرغه وصحته وعدم أشغاله. "
من رسالة " رسالة إلى كل مسلم " للإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله ، طبع دار الاستقامة المصرية.