بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته
المعاصي سبب المصائب
مسلولة من كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
وإذا كان الكفر والفسوق والعصيان سبب الشر والعدوان فقد يذنب الرجل أو الطائفة ويسكت آخرون عن الأمر والنهي، فيكون ذلك من ذنوبهم، وينكر عليهم آخرون إنكارا منهيا عنه فيكون ذلك من ذنوبهم، فيحصل التفرق والاختلاف والشر، وهذا من أعظم الفتن والشرور قديما وحديثا، إذ الإنسان ظلوم جهول، والظلم والجهل أنواع، فيكون ظلم الأول وجهله من نوع، وظلم كل من الثاني والثالث وجهلهما من نوع آخر.
ومن تدبر الفتن الواقعة رأى سببها ذلك، ورأى أن ما وقع بين أمراء الأمة وعلمائها ومن دخل في ذلك من ملوكها ومشايخها، ومن تبعهم من العامة من الفتن: هذا أصلها، يدخل في ذلك أسباب الضلال والغي: التي هي الأهواء الدينية والشهوانية، وهي البدع في الدين والفجور في الدنيا، وذلك أن أسباب الضلال والغي البدع في الدين، والفجور في الدنيا، وهي مشتركة: تعم بني آدم، لما فيهم من الظلم والجهل، فبذنب بعض الناس يظلم نفسه وغيره، كالزنى بلواط وغيره،أو شرب خمر، أو ظلم في المال بخيانة أو سرقة أو غصب، أو نحو ذلك.
ومعلوم أن هذه المعاصي وإن كانت مستقبحة مذمومة في العقل والدين فهي مشتهاة أيضا، ومن شأن النفوس أنها لا تحب اختصاص غيرها بها، لكن تريد أن يحصل لها ما حصل له، وهذا هو الغبطة التي هي أدنى نوعي الحسد، فهي تريد الاستعلاء على الغير والاستئثار دونه، أو تحسده وتتمنى زوال النعمة عنه وإن لم يحصل، ففيها من إرادة العلو والفساد والاستكبار والحسد ما مقتضاه أنها تختص عن غيرها بالشهوات؛ فكيف إذا رأت الغير قد استأثر عليها بذلك واختص بها دونها؟ فالمعتدل منهم في ذلك الذي يحب الاشتراك والتساوي، وأما الآخر فظلوم حسود. وهذان يقعان في الأمور المباحة والأمور المحرمة لحق الله، فما كان جنسه مباحا من أكل وشرب ونكاح ولباس وركوب وأموال: إذا وقع فيها الاختصاص حصل الظلم، والبخل والحسد، وأصلهما الشح، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إياكم والشح! فإنه أهلك من كان قبلكم: أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا»
ولهذا قال الله تعالى في وصف الأنصار الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبل المهاجرين: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} [الحشر: 9] (سورة الحشر: من الآية 9) . أي: لا يجدون الحسد مما أوتي إخوانهم من المهاجرين: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] (سورة الحشر: من الآية 9) . ثم قال: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] (سورة الحشر: من الآية 9) .
ورؤي عبد الرحمن بن عوف يطوف بالبيت ويقول: رب قني شح نفسي! رب قني شح نفسي! فقيل له في ذلك فقال: إذا وقيت شح نفسي فقد وقيت البخل والظلم والقطيعة، أو كما قال.
فهذا الشح الذي هو شدة حرص النفس يوجب البخل بمنع ما هو عليه، والظلم بأخذ مال الغير، ويوجب قطيعة الرحم، ويوجب الحسد، وهو كراهة ما اختص به الغير، والحسد فيه بخل وظلم، فإنه بخل بما أعطيه غيره، وظلمه بطلب زوال ذلك عنه.
فإذا كان هذا في جنس الشهوات المباحة، فكيف بالمحرمة، كالزنى وشرب الخمر ونحو ذلك؛ وإذا وقع فيها اختصاص فإنه يصير فيها نوعان:
أحدهما: بغضها لما في ذلك من الاختصاص والظلم، كما يقع في الأمور المباحة الجنس.
والثاني: بغضها لما في ذلك من حق الله.
من كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
(25،26،27/1)
والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته
المعاصي سبب المصائب
مسلولة من كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
وإذا كان الكفر والفسوق والعصيان سبب الشر والعدوان فقد يذنب الرجل أو الطائفة ويسكت آخرون عن الأمر والنهي، فيكون ذلك من ذنوبهم، وينكر عليهم آخرون إنكارا منهيا عنه فيكون ذلك من ذنوبهم، فيحصل التفرق والاختلاف والشر، وهذا من أعظم الفتن والشرور قديما وحديثا، إذ الإنسان ظلوم جهول، والظلم والجهل أنواع، فيكون ظلم الأول وجهله من نوع، وظلم كل من الثاني والثالث وجهلهما من نوع آخر.
ومن تدبر الفتن الواقعة رأى سببها ذلك، ورأى أن ما وقع بين أمراء الأمة وعلمائها ومن دخل في ذلك من ملوكها ومشايخها، ومن تبعهم من العامة من الفتن: هذا أصلها، يدخل في ذلك أسباب الضلال والغي: التي هي الأهواء الدينية والشهوانية، وهي البدع في الدين والفجور في الدنيا، وذلك أن أسباب الضلال والغي البدع في الدين، والفجور في الدنيا، وهي مشتركة: تعم بني آدم، لما فيهم من الظلم والجهل، فبذنب بعض الناس يظلم نفسه وغيره، كالزنى بلواط وغيره،أو شرب خمر، أو ظلم في المال بخيانة أو سرقة أو غصب، أو نحو ذلك.
ومعلوم أن هذه المعاصي وإن كانت مستقبحة مذمومة في العقل والدين فهي مشتهاة أيضا، ومن شأن النفوس أنها لا تحب اختصاص غيرها بها، لكن تريد أن يحصل لها ما حصل له، وهذا هو الغبطة التي هي أدنى نوعي الحسد، فهي تريد الاستعلاء على الغير والاستئثار دونه، أو تحسده وتتمنى زوال النعمة عنه وإن لم يحصل، ففيها من إرادة العلو والفساد والاستكبار والحسد ما مقتضاه أنها تختص عن غيرها بالشهوات؛ فكيف إذا رأت الغير قد استأثر عليها بذلك واختص بها دونها؟ فالمعتدل منهم في ذلك الذي يحب الاشتراك والتساوي، وأما الآخر فظلوم حسود. وهذان يقعان في الأمور المباحة والأمور المحرمة لحق الله، فما كان جنسه مباحا من أكل وشرب ونكاح ولباس وركوب وأموال: إذا وقع فيها الاختصاص حصل الظلم، والبخل والحسد، وأصلهما الشح، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إياكم والشح! فإنه أهلك من كان قبلكم: أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا»
ولهذا قال الله تعالى في وصف الأنصار الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبل المهاجرين: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} [الحشر: 9] (سورة الحشر: من الآية 9) . أي: لا يجدون الحسد مما أوتي إخوانهم من المهاجرين: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] (سورة الحشر: من الآية 9) . ثم قال: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] (سورة الحشر: من الآية 9) .
ورؤي عبد الرحمن بن عوف يطوف بالبيت ويقول: رب قني شح نفسي! رب قني شح نفسي! فقيل له في ذلك فقال: إذا وقيت شح نفسي فقد وقيت البخل والظلم والقطيعة، أو كما قال.
فهذا الشح الذي هو شدة حرص النفس يوجب البخل بمنع ما هو عليه، والظلم بأخذ مال الغير، ويوجب قطيعة الرحم، ويوجب الحسد، وهو كراهة ما اختص به الغير، والحسد فيه بخل وظلم، فإنه بخل بما أعطيه غيره، وظلمه بطلب زوال ذلك عنه.
فإذا كان هذا في جنس الشهوات المباحة، فكيف بالمحرمة، كالزنى وشرب الخمر ونحو ذلك؛ وإذا وقع فيها اختصاص فإنه يصير فيها نوعان:
أحدهما: بغضها لما في ذلك من الاختصاص والظلم، كما يقع في الأمور المباحة الجنس.
والثاني: بغضها لما في ذلك من حق الله.
من كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
(25،26،27/1)