بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف يستطيع الإنسان أن يحوّل العلم الذي تعلّمه إلى عمل؟
الشيخ: محمد بن هادي المدخلي
السؤال : هذا يسأل يقول: كيف يستطيع الإنسان أو طالب العلم أن يحوِّل العلم الذي تَعَلَّمه إلى عمل؟
الجواب : كيف؟ هذا السؤال ما يحتاج إلى كيف، الله – سبحانه وتعالى- إذا أمرك بأمر فلا يخلو؛ إمَّا أن يكون أمر إيجاب، أو أمر ندبٍ واستحباب، فأمر الوجوب يجب عليك المبادرة إليه، ولا يجوز لك التخلف عنه، فإذا أمرك الله – سبحانه وتعالى- بأن تَصْدُق في الحديث؛ هل يجوز لك أن تتخلف عن هذا؟ لا يجوز ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾، والنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: ((عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا))، وهكذا الندب يستحب لك أن تسارع إليه، فإنه يُكَمَّل به ما حصل من النقص في الفرائض، فمثلًا: ((مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ))، وقد جاء بيان هذه الثنتي عشرة ركعة بأنها ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، فينبغي لك ألَّا تُفَرِّط في هذا؛ لأن الله – جلَّ وعلا –يوم القيامة يقول: ((انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّع؟)) هذا في الصلاة، فإذا حصل له نقص في الفرائض يُكْمَل من التطوع، فينبغي للعبد أن يسارع إلى مثل هذا - هذا الندب-.
وفي قصة الرجل الذي جاء إلى النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم- فسأله ماذا افترض الله عليه، فذكر له الفرائض – عليه الصلاة والسلام- وكان من ضمنها الصلاة، قال: فهل علي شيء؟ - لمَّا ذَكَرَ خمس صلوات في اليوم والليلة- قال: ((لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ))، فالتطوع يُكَمِّل الله – سبحانه وتعالى – منه لعبده النقص الحاصل في الفرائض، فعليك أن تبادر إلى هذا، وهكذا صيام الست من شوال ثلاث أيام من كل شهر، لك في ذلك الأجر، لكن ليس بواجبٍ عليك، والإنسان لا يُفَرِّط في مثل هذه الفُرَص، وفي مثل هذه الجوائز العظيمة، والأعمال فيها يسيرة، فأنتَ إذا عَمِلت بهذا فقد عَمِلت بالعلم.
وهكذا في النَّهي، إمَّا أن يكون مُحرَّمًا نهي تحريم، وإمَّا أن يكون للكراهة، فأمّا التحريم فلا يجوز لك أن تدنوَ منه، فضلًا عن أن تقع فيه، فابعد عن ذلك كلّه، فالواجب على العبد أن يبتعد ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴿٣٠﴾ حُنَفَاءَ لِلَّـهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾، فنهاكَ الله - جلَّ وعلا- عن الشرك، ونهاك عن قول الزُّور؛ هذا نهي تحريم، فلا يجوز لك أن تقول زورًا، ولا يجوز لك أن تقع في الشرك ولا أن تغشى فجورًا، لكن إذا كان النهي للكراهة فالأحسن أن تبتعد، وإن فعلت فلا شيء عليك، فإنَّ المكروه هو الذي في تركه الثواب، ولم يَرِد في فعله عقاب، هذا هو المكروه، مثل أن يُأتى إليك بالثُّوم والكرّاث والبصل، فالأحسن ألا تأكل. لم؟ لأنّ الملائكة تتأذَّى مما يتأذى منه بنو آدم، لكن إن أكلت فلا شيء عليك، أحرامٌ هو؟ قال لا. قال عليه الصلاة والسّلام: ((كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي))، يعني يناجي جبريل عليه الصلاة والسلام، فهذا مكروه فإن فعلت جاز، مباح، حلال، لكن الأَوْلَى تركه، لأنَّه يحصل منه هذا الذي ذكرنا، وقد يَتَطَرَّق إلى الإنسان وقت الأكل يكون قريب من الصلاة، فيكون حينئذٍ يقع في المحظور وهو الإيذاء لعباد الله إذا جاء إلى المسجد؛ فأنتَ إذا فعلت ذلك تكون قد عَمِلت بالعلم، وهكذا في جميع الأبواب؛ وقد كان سلفنا الصالح - رحمهم الله تعالى- يتأوَّلون النصوص – يعني يعملون بها- اقتداءً برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم- فإنّه أوَّل من تأوَّل القرآن، وأوَّل من امتثل أمره - كما جاء حديث جابر- في حَجَّته، قال: ((والقرآن ينزل، والنّاس ينظرون إلى النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فما عمل به عملوا)) يتأول القرآن. وحديث عائشة لمَّا جاء فتح مكَّة وحصل فتح مكَّة؛ أنزل الله - جلَّ وعلا- عليه ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾، وفيه ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾، فكان - عليه الصَّلاة والسَّلام- يقول في سجوده بعد ذلك ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي))، تقول عائشة: ((يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ))، يتأوَّل: يعني يعمل، قال: ((فَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ))، كما في حديث جابر في حجَّة النبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم-، فالواجب على العبد أن يبادر إلى ذلك، فيعمل بِكُلِّ ما جاء من الأوامر بقدر استطاعته، على القاعدة النبويّة التي قال أهل العلم فيها: الأمر يأتي الإنسان فيه بما يستطيع، والمُراد بـ (بما يستطيع) ما هو ينام ويُفرِّط؛ لا، المراد يخرج بذلك العاجز الذي لا قدرة له، لقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ))، فأحمد - رحمه الله تعالى- وطائفةُ السَّلف كانوا على ذلك، حتَّى إنَّه - رضي الله عنه- لما روى حديث الحجامة احتجم، وأعطى الحجَّام دينارًا؛ كما فعل النبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم-، فهذا هو التأوَّل للعلم والعمل به.
والعمل بالعلم يورث العبد حفظ ذلك العلم لأنَّ العلم يُثَبَّت بالعمل، لأنّه يهتف به، فإن أُجيب وإلا ارتحل، فينبغي للإنسان أن يبادر إلى هذا، مثل صيام سِتَّة أيام من شوّال أيضًا، كما جاء في حديث ثوبان (( إنّ الله قال: ((الْحَسَنَةُ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا))، ثلاثون يومًا بعشرة أشهر وسِتَّة أيام بشهرين؛ كما جاء ذلك في حديث ثوبان في النسائي بإسنادٍ صحيح, وحديث أبي أيوب في صحيح مسلم: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعُهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ)), وأنت ترى نفسك وترى عامة المسلمين يصومون هذه الست، وعلى هذا جماهير أهل العلم، خلافًا لمالك – رحمه الله تعالى – وإلا جماهير أهل العلم كلهم على استحباب صيام أيام الست من شوال، وحديثها في صحيح مسلم، وإن كان بعضهم تكلم فيه ولكن كلام الذي تكلم فيه لا يضر، لا يضره لأن هذا الحديث وإن كان فيه سعد بن سعيد الأنصاري – رحمه الله تعالى – وهو أخو يحيى بن سعيد، وأخو عمر بن سعيد، فهؤلاء ثلاثة، الأول إمام، والثاني لا بأس به، وسعد بن سعيد فيه ضعف، لكن ضعفه لم يصل إلى درجة الترك, فلذلك خرجه مسلم –رحمه الله تعالى – في صحيحه، ومسلم له نظر، ويشهد له حديث ثوبان السابق، وأمَّا من قال بوقف، كالإمام أحمد – رحمه الله تعالى – رجَّح الوقف؛ فإذا كان هذي الطريقة الراجح عندك الوقف فيها، فإنَّ الأئمة – رحمهم الله تعالى – نظروا إلى الطرق الأخرى فإذا بها تشهد للرفع، تشهد الرفع، فمثل هذا الآن الناس تعمل به، وهو في الصحيح, فإذا عَمِلوا به فقد عَمِلوا بالعلم, وأنت منهم أيها الأخ السائل.
فالشاهد: عليك أن تأخذ نفسك بالجد, وأن تبتعد عن الكسل فإن صلاح العلم إصلاح العمل, فالذي ينبغي لطالب العلم خاصة, ولأهل العلم خاصة, يتميَّزون بذلك عن غيرهم أنهم يعملون بما صحَّ عندهم من السنن عن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ولو مرة، كما قال ذلك النووي نقلا له عن أهل العلم – رحمهم الله تعالى – فبذلك يحصل لك العمل بما تَعَلَّمت، والأصل في هذا كما قلت يعود إلى أخذك نفسك بالجد وعدم ترك الحبل لها على الغارب, تركها وما تهوى, وما تشتهي, وما تتمنى, فإنك إن تركتها هَلَكَت, نسأل الله الإعانة لنا ولكم جميعًا.
*- ميراث الأنبياء -*
الصوتية بإذن الله
من هنا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف يستطيع الإنسان أن يحوّل العلم الذي تعلّمه إلى عمل؟
الشيخ: محمد بن هادي المدخلي
السؤال : هذا يسأل يقول: كيف يستطيع الإنسان أو طالب العلم أن يحوِّل العلم الذي تَعَلَّمه إلى عمل؟
الجواب : كيف؟ هذا السؤال ما يحتاج إلى كيف، الله – سبحانه وتعالى- إذا أمرك بأمر فلا يخلو؛ إمَّا أن يكون أمر إيجاب، أو أمر ندبٍ واستحباب، فأمر الوجوب يجب عليك المبادرة إليه، ولا يجوز لك التخلف عنه، فإذا أمرك الله – سبحانه وتعالى- بأن تَصْدُق في الحديث؛ هل يجوز لك أن تتخلف عن هذا؟ لا يجوز ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾، والنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: ((عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا))، وهكذا الندب يستحب لك أن تسارع إليه، فإنه يُكَمَّل به ما حصل من النقص في الفرائض، فمثلًا: ((مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ))، وقد جاء بيان هذه الثنتي عشرة ركعة بأنها ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، فينبغي لك ألَّا تُفَرِّط في هذا؛ لأن الله – جلَّ وعلا –يوم القيامة يقول: ((انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّع؟)) هذا في الصلاة، فإذا حصل له نقص في الفرائض يُكْمَل من التطوع، فينبغي للعبد أن يسارع إلى مثل هذا - هذا الندب-.
وفي قصة الرجل الذي جاء إلى النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم- فسأله ماذا افترض الله عليه، فذكر له الفرائض – عليه الصلاة والسلام- وكان من ضمنها الصلاة، قال: فهل علي شيء؟ - لمَّا ذَكَرَ خمس صلوات في اليوم والليلة- قال: ((لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ))، فالتطوع يُكَمِّل الله – سبحانه وتعالى – منه لعبده النقص الحاصل في الفرائض، فعليك أن تبادر إلى هذا، وهكذا صيام الست من شوال ثلاث أيام من كل شهر، لك في ذلك الأجر، لكن ليس بواجبٍ عليك، والإنسان لا يُفَرِّط في مثل هذه الفُرَص، وفي مثل هذه الجوائز العظيمة، والأعمال فيها يسيرة، فأنتَ إذا عَمِلت بهذا فقد عَمِلت بالعلم.
وهكذا في النَّهي، إمَّا أن يكون مُحرَّمًا نهي تحريم، وإمَّا أن يكون للكراهة، فأمّا التحريم فلا يجوز لك أن تدنوَ منه، فضلًا عن أن تقع فيه، فابعد عن ذلك كلّه، فالواجب على العبد أن يبتعد ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴿٣٠﴾ حُنَفَاءَ لِلَّـهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾، فنهاكَ الله - جلَّ وعلا- عن الشرك، ونهاك عن قول الزُّور؛ هذا نهي تحريم، فلا يجوز لك أن تقول زورًا، ولا يجوز لك أن تقع في الشرك ولا أن تغشى فجورًا، لكن إذا كان النهي للكراهة فالأحسن أن تبتعد، وإن فعلت فلا شيء عليك، فإنَّ المكروه هو الذي في تركه الثواب، ولم يَرِد في فعله عقاب، هذا هو المكروه، مثل أن يُأتى إليك بالثُّوم والكرّاث والبصل، فالأحسن ألا تأكل. لم؟ لأنّ الملائكة تتأذَّى مما يتأذى منه بنو آدم، لكن إن أكلت فلا شيء عليك، أحرامٌ هو؟ قال لا. قال عليه الصلاة والسّلام: ((كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي))، يعني يناجي جبريل عليه الصلاة والسلام، فهذا مكروه فإن فعلت جاز، مباح، حلال، لكن الأَوْلَى تركه، لأنَّه يحصل منه هذا الذي ذكرنا، وقد يَتَطَرَّق إلى الإنسان وقت الأكل يكون قريب من الصلاة، فيكون حينئذٍ يقع في المحظور وهو الإيذاء لعباد الله إذا جاء إلى المسجد؛ فأنتَ إذا فعلت ذلك تكون قد عَمِلت بالعلم، وهكذا في جميع الأبواب؛ وقد كان سلفنا الصالح - رحمهم الله تعالى- يتأوَّلون النصوص – يعني يعملون بها- اقتداءً برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم- فإنّه أوَّل من تأوَّل القرآن، وأوَّل من امتثل أمره - كما جاء حديث جابر- في حَجَّته، قال: ((والقرآن ينزل، والنّاس ينظرون إلى النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فما عمل به عملوا)) يتأول القرآن. وحديث عائشة لمَّا جاء فتح مكَّة وحصل فتح مكَّة؛ أنزل الله - جلَّ وعلا- عليه ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾، وفيه ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾، فكان - عليه الصَّلاة والسَّلام- يقول في سجوده بعد ذلك ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي))، تقول عائشة: ((يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ))، يتأوَّل: يعني يعمل، قال: ((فَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ))، كما في حديث جابر في حجَّة النبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم-، فالواجب على العبد أن يبادر إلى ذلك، فيعمل بِكُلِّ ما جاء من الأوامر بقدر استطاعته، على القاعدة النبويّة التي قال أهل العلم فيها: الأمر يأتي الإنسان فيه بما يستطيع، والمُراد بـ (بما يستطيع) ما هو ينام ويُفرِّط؛ لا، المراد يخرج بذلك العاجز الذي لا قدرة له، لقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ))، فأحمد - رحمه الله تعالى- وطائفةُ السَّلف كانوا على ذلك، حتَّى إنَّه - رضي الله عنه- لما روى حديث الحجامة احتجم، وأعطى الحجَّام دينارًا؛ كما فعل النبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم-، فهذا هو التأوَّل للعلم والعمل به.
والعمل بالعلم يورث العبد حفظ ذلك العلم لأنَّ العلم يُثَبَّت بالعمل، لأنّه يهتف به، فإن أُجيب وإلا ارتحل، فينبغي للإنسان أن يبادر إلى هذا، مثل صيام سِتَّة أيام من شوّال أيضًا، كما جاء في حديث ثوبان (( إنّ الله قال: ((الْحَسَنَةُ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا))، ثلاثون يومًا بعشرة أشهر وسِتَّة أيام بشهرين؛ كما جاء ذلك في حديث ثوبان في النسائي بإسنادٍ صحيح, وحديث أبي أيوب في صحيح مسلم: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعُهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ)), وأنت ترى نفسك وترى عامة المسلمين يصومون هذه الست، وعلى هذا جماهير أهل العلم، خلافًا لمالك – رحمه الله تعالى – وإلا جماهير أهل العلم كلهم على استحباب صيام أيام الست من شوال، وحديثها في صحيح مسلم، وإن كان بعضهم تكلم فيه ولكن كلام الذي تكلم فيه لا يضر، لا يضره لأن هذا الحديث وإن كان فيه سعد بن سعيد الأنصاري – رحمه الله تعالى – وهو أخو يحيى بن سعيد، وأخو عمر بن سعيد، فهؤلاء ثلاثة، الأول إمام، والثاني لا بأس به، وسعد بن سعيد فيه ضعف، لكن ضعفه لم يصل إلى درجة الترك, فلذلك خرجه مسلم –رحمه الله تعالى – في صحيحه، ومسلم له نظر، ويشهد له حديث ثوبان السابق، وأمَّا من قال بوقف، كالإمام أحمد – رحمه الله تعالى – رجَّح الوقف؛ فإذا كان هذي الطريقة الراجح عندك الوقف فيها، فإنَّ الأئمة – رحمهم الله تعالى – نظروا إلى الطرق الأخرى فإذا بها تشهد للرفع، تشهد الرفع، فمثل هذا الآن الناس تعمل به، وهو في الصحيح, فإذا عَمِلوا به فقد عَمِلوا بالعلم, وأنت منهم أيها الأخ السائل.
فالشاهد: عليك أن تأخذ نفسك بالجد, وأن تبتعد عن الكسل فإن صلاح العلم إصلاح العمل, فالذي ينبغي لطالب العلم خاصة, ولأهل العلم خاصة, يتميَّزون بذلك عن غيرهم أنهم يعملون بما صحَّ عندهم من السنن عن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ولو مرة، كما قال ذلك النووي نقلا له عن أهل العلم – رحمهم الله تعالى – فبذلك يحصل لك العمل بما تَعَلَّمت، والأصل في هذا كما قلت يعود إلى أخذك نفسك بالجد وعدم ترك الحبل لها على الغارب, تركها وما تهوى, وما تشتهي, وما تتمنى, فإنك إن تركتها هَلَكَت, نسأل الله الإعانة لنا ولكم جميعًا.
*- ميراث الأنبياء -*
الصوتية بإذن الله
من هنا