هٰذه هي أخلاق سلفنا الَّتِي ينبغي أن نتعلّم منها.
الإمام أحمد رحمه الله تعالى فِيْ فتنة القول بخلق القرآن؛ لمّا ثَبَتَ وكاد أن يَكون وحيدًا على القول بأنّ القرآن كلام الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى- ليس بمخلوق، آذاه الخلفاء، وضربوه، وجلدوه، كان يُجلَد حتى يَتقرّح جلده، ثم يُحشى جلده بالملح، ويُسحَب سحبًا من أجل أن تنفك مفاصله، ويأتيه الخليفة فِيْ الليل ويضع الكرسي ويجلس، والإمام أحمد يئن من ألمه، يقول: يا أحمد قل لي كلمة واحدة أفكّ قيدك بنفسي، فيقول: «لا؛ حتى تأتيني بآية من كتاب الله»، فإذا أصبح جاؤوا بالجلادين وقال: شُدَّ عَلَيه قطع الله يدك. حتى فرّج الله عن الإمام أحمد، فلمّا مات الخليفة أحلّه الإمام أحمد، فقالوا له فِيْ ذٰلك؛ يعني هٰذا ابتلاك فِيْ الدين وضربك وفعل بك ما فعل! يا إخوة الإمام أحمد بقي يتألم من مفاصل يديه إلى أن مات؛ بسبب ما فُعِل به، ولمّا مات الخليفة أحلَّه، فقيل له فِيْ ذٰلك، فقال كلمة عجيبة؛ قال: «ومَا ينفعك أن يعذِّب الله أخاك المسلم بسببك؟»، انظروا القلوب، هؤلاء قوم زكت قلوبهم، يقول فِيْ هٰذا الَّذِي عذَّبه وضربه وفعل به ما فعل؛ يقول: «ومَا ينفعك أن يعذِّب الله أخاك المسلم بسببك؟»!شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ابتلي فِيْ دين الله، لأنه كان يُظهِر السنة ويقول بما دلّ عَلَيه الدليل، اجتمع عَلَيه بعض العلماء، وقضى عَلَيه أحد القضاة المالكية بالسَّجن فِيْ القلعة، فسُجن فِيْ القلعة، فشاء الله أن يتغيَّر أمرُ الحاكم فأخرج شيخ الإسلام ابن تيمية واستشاره فِيْ القاضي الَّذِي حَكَمَ عَلَيه أن يَحبسَه؟ قال: «فأشرتُ بعدم حبسه ونَصحتُ بتثبيته فِيْ مقامه»، لأنه هُوَ من حيث العلم بالقضاء والمذهب الَّذِي يَحكم به هُوَ عالم ولكن الله المستعان! نسأل الله أن يثبّت القلوب، فشيخ الإسلام يُخرَج من سجنه ويُستشار فِيْ القاضي الَّذِي قضى عَلَيه بالسجن وهو يعلم أنه حكم عليه ظلمًا، فيستشيره فِيْ أن يُسجَن؟ فيُشير بعدم سجنه؛ بل ويقول: «وشفعتُ فِيْ أن يُثبَّتَ مقامه». وهٰذه أخلاق سلفنا الَّتِي ينبغي أن نتعلّم منها.
من شرح الوصية الصغرى للشيخ سليمان الرحيلي حفظه الله تعالى