إتحاف الإخوان
ببعض آداب الاستئذان
ببعض آداب الاستئذان
الحمد لله و كفى، و صلى الله و سلم على نبينا المصطفى، و على آله و صحبه الشرفا، هم أهل الصفا، اشتعل بهم النور و ما انطفا، و على من سار على نهجهم و أثرَهم اقتفى؛ و بعد:
فإنه من الآداب التي اهتم الإسلام : آداب الاستئذان، الذي أرشد إليه ربنا في كاتبه حيث قال تعالى {يا أيها الدين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا و تسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تعلمون} (النور 27)، و قوله تعالى {تستأنسوا} "أي : تستأذنوا، سمي الاستئذان استئناسا، لأنه به يحصل الاستئناس، و بعدمه تحصل الوحشة" (تيسير الكريم الرحمن صفحة 537)، و "الاستئذان : يعني طلب الإذن، أن تطلب الإذن من صاحب البيت أن يأذن لك في الدخول" (شرح رياض الصالحين للشيخ بن عثيمين رحمه الله [3/145]).
فإنه من الآداب التي اهتم الإسلام : آداب الاستئذان، الذي أرشد إليه ربنا في كاتبه حيث قال تعالى {يا أيها الدين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا و تسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تعلمون} (النور 27)، و قوله تعالى {تستأنسوا} "أي : تستأذنوا، سمي الاستئذان استئناسا، لأنه به يحصل الاستئناس، و بعدمه تحصل الوحشة" (تيسير الكريم الرحمن صفحة 537)، و "الاستئذان : يعني طلب الإذن، أن تطلب الإذن من صاحب البيت أن يأذن لك في الدخول" (شرح رياض الصالحين للشيخ بن عثيمين رحمه الله [3/145]).
و لا يجوز الدخول من غير استئذان، قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان (5/2311) : "اعلم أن هذه الآية الكريمة دلت بظاهرها على أن دخول الإنسان بيت غيره بدون الاستئذان لا يجوز، لأن قوله {لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم}... الآية. نهي صريح، و النهي المتجرد عن القرائن يفيد التحريم على الأصح، كما تقرر في الأصول".
و قد وردت جملة كبيرة من آداب الاستئذان في سنة النبي صلى الله عليه و سلم، و هذه الآداب ينبغي للمسلم التحلي بها، و العمل بها، فبها تنتظم المعاملات و العلاقات بين الناس، أفرادا و مجتمعات، فجمعتُ بعضها، قصد التعلم و الانتفاع بها، و العمل بها، وفقني الله و إياكم للتحلي بها و بالأخلاق الحسنة.
1 _ جُعل الاستئذان من أجل البصر :
_ روى البخاري و مسلم –و اللفظ له-، عن سهل بن سعد الساعدي، أن رجلا اطلع في جحر في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرى يحك به رأسه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لو أعلم أنك تنتظرني لطعنت به في عينك" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنما جعل الإذن من أجل البصر".
_ "المدرى" : ما يعمل من حديد أو خشب على شكل سن من أسنان المشط و أطول منه ليسرح به الشعر المتلبد. (النهاية).
_ قال الحافظ ابن حجر في الفتح (11/26) : "أي شرع من أجله [أي : شرع الاستئذان من أجل البصر] لأن المستأذن لو دخل بغير إذن لرأى بعض ما يكره من يدخل إليه أن يطلع عليه".
_ قال النووي في شرح مسلم (14/ 154) : "معناه أن الاستئذان مشروع و مأمور به، و إنما جعل لئلا يقع البصر على الحرام، فلا يحل لأحد أن ينظر في جحر باب و لا غيره، مما هو معترض فيه لوقوع بصره على امرأة أجنبية".
_ و لهما عن أنس بن مالك –و اللفظ للبخاري-، أن رجلا اطلع من حجر في بعض حجر النبي صلى الله عليه وسلم، "فقام إليه بمشقص، أو بمشاقص، وجعل يختله ليطعنه".
_ "المشقص" : نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض. (النهاية).
_ قال الحافظ في الفتح (11/ 27) : "(يختل) : بفتح أوله و سكون المعجمة و كسر المثناة، أي : يطعنه و هو غافل".
_ قال النووي في شرح مسلم (14/154) : "(يختله) : فبفتح أوله و كسر التاء، أي : يراوغه و يستغفله".
2 _ الاستئذان يكون ثلاثا :
_ روى البخاري –و اللفظ له- و مسلم، عن عبيد بن عمير، أن أبا موسى الأشعري : استأذن على عمر بن الخطاب رضي الله عنه [عند مسلم : ثلاثا]، فلم يؤذن له، وكأنه كان مشغولا، فرجع أبو موسى، ففرغ عمر، فقال : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ائذنوا له، قيل : قد رجع، فدعاه [عند مسلم : فقال : ما حملك على ما صنعت] فقال : "كنا نؤمر بذلك"، فقال : تأتيني على ذلك بالبينة، فانطلق إلى مجلس الأنصار، فسألهم، فقالوا : لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا أبو سعيد الخدري، فذهب بأبي سعيد الخدري [عند مسلم : فقام أبو سعيد فقال : "كنا نؤمر بهذا"]، فقال عمر : أخفي هذا علي من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألهاني الصِّفْقُ بالأسواق يعني الخروج إلى تجارة.
_ "الصِّفق" : التبايع. (النهاية).
_ روى أحمد في المسند، عن أنس ، أو غيره ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة ، فقال : " السلام عليكم ورحمة الله " ، فقال سعد : وعليك السلام ورحمة الله ، ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثا ، ورد عليه سعد ثلاثا ، ولم يسمعه فرجع النبي صلى الله عليه وسلم واتبعه سعد ، فقال : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني ، ولقد رددت عليك ولم أسمعك ، أحببت أن أستكثر من سلامك ، ومن البركة ، ثم أدخله البيت فقرب له زبيبا ، فأكل نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغ قال : " أكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم الملائكة ، وأفطر عندكم الصائمون " صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (1226).
_ روى أحمد في المسند، عن أنس ، أو غيره ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة ، فقال : " السلام عليكم ورحمة الله " ، فقال سعد : وعليك السلام ورحمة الله ، ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثا ، ورد عليه سعد ثلاثا ، ولم يسمعه فرجع النبي صلى الله عليه وسلم واتبعه سعد ، فقال : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني ، ولقد رددت عليك ولم أسمعك ، أحببت أن أستكثر من سلامك ، ومن البركة ، ثم أدخله البيت فقرب له زبيبا ، فأكل نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغ قال : " أكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم الملائكة ، وأفطر عندكم الصائمون " صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (1226).
_ قال النووي في شرح مسلم (14/147) : "أجمع العلماء أن الاستئذان مشروع، و تظاهرت به دلائل القرآن و السنة و إجماع الأمة، و السنة أن يسلم و يستأذن ثلاثا".
_ قال محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان (5/2310) : "اعلم أن الاستئذان ثلاث مرات، بقول المستأذن في كل واحدة منها : السلام عليكم، أأدخل؟ فإن لم يؤذن له عند الثالثة، فليرجع، و لا يزد على الثلاث".
3 _ يسلِّم من دخل بيتا غير مسكون :
_ روى البخاري في الأدب المفرد، عن عبد الله بن عمر قال : إذا دخل البيت غير المسكون فليقل : "السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين". قال الألباني رحمه الله : حسن الإسناد.
4 _ المستأذِن يقرع الباب :
_ روى البخاري في الأدب المفرد، عن أنس بن مالك : إن أبواب النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقرع بالأظافير. قال الألباني رحمه الله : صحيح، و انظر الصحيحة رقم : 2092.
_ قال الجيلاني في فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد (2/515) : "(تقرع) : و هذا محمول منهم على المبالغة في الأدب، و إنما كانوا يفعلون ذلك توقيرا و إجلالا، و هو حَسَنٌ لمن قرب محله من بابه، أما من بعد عن الباب بحيث لا يبلغه صوت القرع بالظفر فيستحب أن يقرع بما فوق ذلك بحسبه".
5 _ لا يستقبل المستأذِن الباب بعد قرعه :
_ روى أبو داود في سننه، عن عبد الله بن بسر، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن، أو الأيسر، ويقول السلام عليكم، السلام عليكم" وذلك أن الدُّور لم يكن عليها يومئذ ستور. صححه الألباني رحمه الله.
_ قال شرف الحق أبادي في عون المعبود (14/71) : "(لم يستقبل الباب تلقاء وجهه) أي : مقابل وجهه و حذائه لئلا يقع بصره على أهل البيت، (ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر) أي : لكن يستقبل مع الانحراف و الميل من ركنه الأيمن أو الأيسر، أي : من أحد جانبيه الأنسب بالوقوف".
_ و رواه البخاري في الأدب المفرد عنه كذلك بلفظ : "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى بابا يريد أن يستأذن لم يستقبله، جاء يمينا وشمالا، فإن أذن له وإلا انصرف". قال الألباني رحمه الله : حسن صحيح.
_ روى الطبراني في الكبير، عن عبد الله بن بسر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : "لا تأتوا البيوت من أبوابها، و لكن ائتوها من جوانبها فاستأذنوا، فإن أذن لكم فادخلوا، و إلا فارجعوا". حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب و الترهيب (2731).
6 _ من استأدن فقيل له : حتى أخرج، يقعد قريبا من البيت :
_ روى البخاري في الأدب المفرد، عن معاوية بن خديج قال : قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاستأذنت عليه، فقالوا لي : مكانك حتى يخرج إليك، فقعدت قريبا من بابه، قال : فخرج إلي فدعا بماء فتوضأ، ثم مسح على خفيه، فقال : يا أمير المؤمنين، أمن البول هذا؟ قال : من البول، أو من غيره. قال الألباني رحمه الله في صحيح الأدب المفرد : حسن الأسناد.
_ و روى أيضا عن أبي العلانية قال : أتيت أبا سعيد الخدري فسلمت فلم يؤذن لي، ثم سلمت فلم يؤذن لي، ثم سلمت الثالثة فرفعت صوتي وقلت : السلام عليكم يا أهل الدار، فلم يؤذن لي، فتنحيت ناحية فقعدت، فخرج إليَّ غلام فقال : ادخل، فدخلت، فقال لي أبو سعيد : أما إنك لو زدت لم يؤذن لك، فسألته عن الأوعية، فلم أسأله عن شيء إلا قال : حرام ، حتى سألته عن الجَفِّ ، فقال : حرام . فقال محمد : يُتَّخذ على رأسه إِدْمٌ ، فَيُوكَأُ. صححه الألباني رحمه الله في صحيح الأدب المفرد، و انظر الصحيحة رقم : 2951.
7 _ من دخل ولم يستأذِن يرجع و يستأذن :
_ روى الترمذي في سننه، عن كلدة بن حنبل، أن صفوان بن أمية بعثه بلبن ولبأ و ضغابيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي، قال : فدخلت عليه ولم أسلم ولم أستأذن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ارجع فقل : السلام عليكم أأدخل". ؟ وذلك بعد ما أسلم صفوان. صححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي و انظر الصحيحة برقم 818.
_ "اللبأ" : أول ما يحلب عند الولادة. (النهاية).
_ "ضغابيس" : صغار القثاء، واحدها ضغبوس، و قيل هو نبت ينبت في أصول الثمام يشبه الهِليون يسلق بالخل و الزيت و يؤكل. (النهاية).
_ قال الجيلاني في فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد (2/517) :"(ارجع) : لما كان دخول كلدة دخولا مكروها فكان جلوسه على ذلك مكروها، أمره النبي صلى الله عليه و آله و سلم أن يقطع أسباب الدخول المكروه، و هو أن يرجع فيسلم و يستأذن حتى يكون دخوله دخولا محمودا و يكون جلوسه محمودا. مشكل الآثار".
8 _ إذا قيل للمستأذِن : من؟، لا يقول : أنا :
_ روى البخاري –و اللفظ له-، و مسلم، و ابن حبان، و أبو داود، و ابن ماجة، و الترمذي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دَيْنٍ كان على أبي، فدققت الباب، فقال : "من ذا؟ " فقلت : أنا، فقال : "أنا أنا" كأنه كرهها.
_ قال النووي في شرح مسلم (14/152) : "قال العلماء : إذا استأذن فقيل له : من أنت؟ أو من هذا؟ كره أن يقول : أنا، لهذا الحديث، و لأنه لم يحصل بقوله : أنا، فائدة و لا زيادة، بل الإبهام باق".
_ قال الشنقيطي في أضواء البيان (5/2316) : "اعلم أن المستأذن إذا قال له رب المنزل : من أنت؟، فلا يجوز له أن يقول : أنا، بل يفصح باسمه و كنيته إن كان مشهورا به".
9 _ إذا قيل للمستأذِن أُدخل له أن لا يدخل :
_ روى البخاري في الأدب المفرد، عن عبد الرحمن بن جدعان قال : كنت مع عبد الله بن عمر، فاستأذن على أهل بيت، فقيل : ادخل بسلام، فأبى أن يدخل عليهم. قال الألباني رحمه الله صحيح الإسناد.
_ قال الجيلاني في فضل الله الصمد (2/ 523) :"(فأبى أن يدخل عليهم) لعل الإباء كان لمصلحة دينية".
10 _ المستأذِن يسلم ثم يستأذِن :
_ روى البخاري في الأدب المفرد، عن رجل من بني عامر جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم، فقال : أألجُ؟، فقال النبي ضلى الله عليه و سلم للجارية : "اخرجي فقولي له : قل : السلام عليكم، أأدخل؟؛ فإنه لم يحسن الاستئذان"، قال : فسمعتها قبل أن تخرج إليَّ الجارية، فقلت : السلام عليكم أأدخل؟، فقال : "و عليك أدخل"، قال : فدخلت،...الحديث. صححه الألباني رحمه الله في صحيح الأدب المفرد، و في الصحيحة (81.
11 _ دعاء الرجل إذنه :
_ روى البخاري في الأدب المفرد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "رسول الرجل إلى الرجل إذنه". صححه الألباني رحمه الله.
_ و له عنه أيضا، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول، فهو إذنه". صححه الألباني رحمه الله.
_ و روى في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد لبنا في قدح، فقال : "أبا هرّ، الحق أهل الصفة فادعهم إليَّ" قال : فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا فاستأذنوا، فأذن لهم فدخلوا.
_ "أهل الصُفَّة" : هم فقراء المهاجرين، و من لم يكن لهم منزل يسكنه، فكانوا يأوون إلى موضع مظَلل في مسجد المدينة يسكنونه. (النهاية).
_ قال الجيلاني في فضل الله الصمد (2/510) : "(دعاء الرجل إذنه) إذا لم يطل الدعوة، و إلا فيستأنف، أو كان في مكان يحتاج معه إلى الإذن في العادة".
_ و قال أيضا (2/510 - 511) :"و لا يخالفه حديث أبي هريرة أنه دعا أهل الصفة للنبي صلى الله عليه و سلم فجاؤوا فاستأذنوا فأذن لهم، للفرق بين أن يجيء مع الرسول و آخر بغير رسول. فالذي يجيء مع الرسول يدخل، و الذي يجيء قبل الرسول لابد عليه أن يستأذن. (ملتقطا من مشكل الآثار ج 2 ص 4)".
_ قال بن حجر في الفتح (11/34) : "و جمع المهلب و غيره بنتزيل ذلك على اختلاف الحالين : إن طال العهد بين الطلب و المجيء احتاج إلى استأناف الاستئذان، و كذا إذا لم يطل و لكن كان المستدعى في مكان يحتاج معه إلى إذن في العادة، و إلا لم يحتج استئناف إذن، و قال ابن التين : لعل الأول فيمن علم أنه ليس عنده من يستأذن لأجله، و الثاني بخلافه".
_ قال البيهقي في سننه : "هذا عندي –و الله أعلم- إذا لم يكن في البيت حرمة، فإن كان في البيت حرمة، فلابد من الاستئذان بعد نزول آية الحجاب". (نقلا من عون المعبود [14/74]).
_ قال بن عثيمين في شرح رياض الصالحين (3/145) : "إذا وعدك الإنسان قال لك مثلا : ائتني بعد صلاة الظهر، فإذا وجدت الباب مفتوحا فهو إذن، فأنت إذا أتيت فلا حاجة لأن تستأذن، لأن صاحب البيت قال لك : ائتني في الموعد المحدد، فإذا وجدت الباب مفتوحا فهو إذن".
12 _ الاستئذان وقت العورات الثلاث :
_ روى البخاري في الأدب المفرد، عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي، أنه ركب إلى عبد الله بن سويد -أخي بني حارثة بن الحارث- يسأله عن العورات الثلاث، وكان يعمل بهن، فقال : ما تريد؟ فقلت : أريد أن أعمل بهن، فقال : إذا وضعت ثيابي من الظهيرة لم يدخل علي أحد من أهلي بلغ الحلم إلا بإذني، إلا أن أدعوه، فذلك إذنه. ولا إذا طلع الفجر وتحرك الناس حتى تصلى الصلاة. ولا إذا صليت العشاء ووضعت ثيابي حتى أنام. قال الألباني رحمه الله : صحيح الإسناد.
_ قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ} (النور 5.
_ قال ابن السعدي في التيسير (545) : "قد ذكر الله حكمته و أنه ثلاث عورات للمستأذن عليهم، وقت نومهم بالليل بعد العشاء، و عند انتباههم قبل صلاة الفجر، فهذا –في الغالب- أن النائم يستعمل للنوم في الليل ثوبا غير ثوبه المعتاد، ة أما نوم النهار، فلما كنا الغالب فيه قليلا، قد ينام فيه العبد بثيابه المعتادة، قيده بقوله {و حين تضعون ثيابكم من الظهيرة} أي : للقائلة وسط النهار".
_ قال شرف الحق أبادي في عون المعبود (14/77) : "و إنما خص هذه الأوقات؛ لأنها ساعات الخلوة و وضع الثياب، فربما يبدوا من الإنسان ما لا يحب أن يراه أحد من العبيد و الصبيان، فأمروا بالاستئذان في هذه الأوقات، و أما غيرهم، فيستأذنوا في جميع الأوقات".
13 _ الرجل يستأذن على أمه :
_ قال الجيلاني في فضل الله الصمد (2/500) :"أي أن الاستئذان لا يختص بغير المحارم، بل يشرع على من يحتمل أن يكون منكشفا و لو كان أما أو أختا".
_ روى البخاري في الأدب المفرد، عن مسلم بن نذير قال : سأل رجل حذيفة فقال : أستأذن على أمي؟ فقال : إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره. قال الألباني رحمه الله : حسن الإسناد.
_ و له عن علقمة قال : جاء رجل إلى عبد الله (هو بن مسعود) قال : أستأذن على أمي؟ فقال : ما على كل أحيانها تحب أن تراها. قال الألباني رحمه الله : صحيح الإسناد.
_ قال الجيلاني في فضل الله الصمد (2/501) : " (أستأذن على أمي؟) : و إن كانا في بيت واحد، و إن كان الولد يخدمها و يكثر تردده عليها كما رواه مالك مرسلا".
_ أخرج الطبراني في مسند الشاميين، من طريق هزيل بن شرحبيل قال : سمعت ابن مسعود يقول : عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم. قال الألباني رحمه الله : إسناده جيد، رجاله كلهم ثقات. انظر تعليق الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الأدب المفرد صحيفة (294).
_ قال الجيلاني في فضل الله الصمد (2/500) :"و عن زينب قالت : كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح و بزق كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه، قال ابن كثير : إسناده صحيح".
14 _ يستأذن الرجل على أخته :
_ روى البخاري في الأدب المفرد، عن عطاء قال : سألت ابن عباس فقلت : أستأذن على أختي؟ فقال : نعم، فأعدت فقلت : أختان في حجري، وأنا أُمَوِّنُهُمَا وأنفق عليهما، أستأذن عليهما؟ قال : نعم، أتحب أن تراهما عريانتين؟ ثم قرأ : {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} إلى {ثلاث عورات لكم}، قال : فلم يؤمر هؤلاء بالإذن إلا في هذه العورات الثلاث، قال : {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم}، قال ابن عباس : فالإذن واجب. زاد ابن جريج : على الناس كلهم. قال الألباني رحمه الله : صحيح الإسناد.
15 _ من اطلع في بيت ففقؤوا عينه فلا جناح عليهم :
_روى الشيخان، عن أبي هريرة، قال : قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : "لو أن امرأ (عند مسلم : رجلا) اطلع عليك بغير إذن فخذفته بعصاة ففقأت عينه، لم يكن عليك جناح".
_ قال ابن حجر في الفتح (12/255) : "واستدل به [قلت : أي بهذا الحديث] على جواز رمي من يتجسس ز لو لم يندفع بالشيء الخفيف جاز بالثقيل، و أنه إذا أصيبت نفسه أو بعضه فهو هدر".
_ قال النووي في شرح مسلم (14/155) : "قال العلماء : هذا محمول على ما إذا نظر في بيت الرجل فرماه بحصاة ففقأ عينه، و هل يجوز رميه قبل إنذار؟ فيه وجهان لأصحابنا، أصحهما : جوازه لظاهر هذا الحديث، و الله أعلم".
_ روى أبو داود عن أبو هريرة، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول : "من اطلع في دار قوم بغير إذنهم، ففقئوا عينه فقد هدرت عينه". صححه الألباني رحمه الله.
_ قال ابن الأثير في النهاية : "أي إن فقأوها ذهبت باطلة لا قصاص فيها و لا دية. يقال : هدر دمه يهدر هدرا أي : بطل".
_ قال شرف الحق أبادي ي عون المعبود (14/ 62) :"(ففقؤوا عينه) أي : كسروها أو قلعوها، (فقد هدرت عينه) أي : بطلت".
_روى النسائي في سننه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقؤوا عينه، فلا دية له، ولا قِصاص". صححه الألباني رحمه الله.
_ روى مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم حلّ لهم أن يفقؤوا عينه".
_ قال الشنقيطي في أضواء البيان (5/ 2319) : "و هذا الحديث الصحيح فيه التصريح منه صلى الله عليه و سلم أنهم يحل لهم أن يفقؤوا عينه. و كون ذلك حلالا لهم مستلزم أنهم ليس عليهم فيه شيء من إثم، و لا دية، و لا قصاص، لأن ما أحله الله على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم لا مؤاخذة على فعله البتة بنوع من أنواع المؤاخذة، كما لا يخفى".
16 _ من مر على باب لا ستر له فرأى عورة أهله :
_ روى أحمد عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "أيما رجل كشف سترا، فأدخل بصره قيل أن يؤذن له، فقد أتى حدا لا يحل له أن يأتيه، و لو أن رجلا فقأ عينه لهدلات، و لو أن رجلا مر على باب لا ستر له، فرأى عورة أهله فلا خطيئة عليه ‘نما الخطيئة على أهل المنزل". قال الألباني رحمه الله : صحيح. (صحيح الترغيب و الترهيب 272.
17 _ الاستئذان في حوانيت السوق :
_ روى البخاري في الأدب المفرد، عن مجاهد قال : كان ابن عمر لا يستأذن على بيوت السوق. قال الألباني رحمه الله : صحيح الإسناد.
_ و له أيضا عن عطاء قال : كان ابن عمر يستأذن في ظُلَّةِ البزَّازِ. قال الألباني رحمه الله : صحيح الإسناد.
18 _ يرجع المستأذن إذا قيل له : ارجع :
_قال الله تعالى{و إن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم}(النور 2.
_ قال الشنقيطي في أضواء البيان (5/ 2319) : "إذا قال أهل المنزل للمستأذن : ارجع، وجب عليه الرجوع لقوله تعالى{و إن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم} و كان بعض أهل العلم إذااستأذن على بعض أصحابه أن يقولوا له ارجع ليرجع، فيحصل له فضل الرجوع المذكور في قوله {هو أزكى لكم}؛ لأن ما قال الله إنه أزكى لنا لا شك أن لنا فيه خيرا و أجرا. والعلم عند الله تعالى".
_ قال السعدي في تفسيره (537) : "أي : فلا تمتنعوا من الرجوع، و لا تغضبوا منه، فإن صاحب البيت لم يمنعكم حقا واجبا لكم، و إنما هو متبرع، فإن شاء أذن أو منع، فأنتم ى يأخذ أحدكم الكبر و الاشمئزاز من هذه الحال".
فهذه بعض آداب الاستئذان، وفقني الله تعالى و إياكم للالتزام بها، و العمل بها، و التأدب بالآداب الإسلامية كلها، إنه البر الرحيم.
و صلى الله و سلم على نبينا محمد، و على آله و صحبه أجمعين، و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين و الحمد لله رب العالمين.
كتبه : يوسف صفصاف
16 ذو الحجة 1435
10 أكتوبر 2014
تعليق