فـوائدُ ولطـائفُ وتقريـراتٌ مستفادةٌ مِن
شرح الوصية الصغرى للشيخ سليمان الرحيلي -حفظه الله-
[ تحميل الفوائد منسقة في ملف Pdf ]
1. كان السلف يتعلَّمون لإصلاح أنفسهم ويَعلَمون أنهم المقصودون أَصَالةً بما يَتعلَّمون؛ يقول الإمام أحمد -رحمه الله-: "ما تَعلَّمتُ حرفًا واحدًا للناس"، فكان الواحدُ مِن السلف يَتعلَّمُ ليُصلِحَ نفسَه، ثم يُفيض الخيرَ على غيره مِن الناس.
2. ينبغي الاهتمام برسالة "الوصية الصغرى" وبغيرها من وصايا العلماء، بخاصةٍ في هٰذا الزمن الذي كَثُرَ فيه التعالم وازدادت قسوة القلوب وكَثُرَت الفتن؛ فإنّ العقلاء يحرصون على استماع الوصايا رجاء الانتفاع بها، لأنّ العادة جَرَت بأنه لا يوصي إلا مَن كان كبير الشأن واسع الحكمة وأنه يودِع فيها جوامعَ الكَلِم ومهمَّات الحِكَم؛ فكيف إذا جاءت الوصية مِن عالِمٍ ربانيٍّ أثريٍّ؟!
3. رسالة "الوصية الصغرى" معروفةٌ عند أهل العلم: "بالوصية الصغرى" -وهو أشهر أسمائها وإن كان متأخرًا-، وبسؤال أبي القاسم المغربي، وبوصية شيخ الإسلام لأبي القاسم السبتي، وأقدم هٰذه الأسماء الثالث منها.
ووصِفتْ بالصغرى تمييزًا لها عن الوصية الكبرى مِن حيث الحجم، حيث تقع الوصية الصغرى في مجموع الفتاوى في ثلاث عشرة صفحة في المجلد العاشر وتقع الوصية الكبرى في المجلد العاشر في سبعين صفحة.
4. رسالة "الوصية الصغرى" هي إجابة على أسئلة أربعة، سألها العالمُ الرحَّالة أبو القاسم السَّبْتي المقدسي شيخَ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله -:
الأوّل: أن يوصيَه بما ينفعه في دينه ودنياه.
الثاني: أن يَدلَّه على كتابٍ جامعٍ يُغني عن غيره في علم الحديث خاصةً وعلوم الشريعة عامةً.
الثالث: أن يَدلَّه على أفضل الأعمال الصالحة بعد الواجبات.
الرابع: أن يَدلَّه على أَرجَح المكاسِب.
فتأمل يا طالب العلم إلى هٰذا السؤال المبارك كيف كان سببًا للأجر الكبير الكثير الذي يُرجى أن يفوز به أبو القاسم -رحمه الله - كلّما قُرِئت هذه الوصية أو شُرِحت أو عُمِل بها إلى يوم القيامة!
5. احرص -وفقك الله- على أن يكون لقاؤك بالعلم سببًا للخير واحذر مِن أن تكون سببًا في صدور كلامٍ مِن العالِم بناءً على قولك يكون فيه شرٌّ وفتنةٌ؛ لا مِن جهة العالِم وإنما مِن جهة صَنيعِك.
6. وصية ابن تيمية -رحمه الله - فيما يُصلِح الدِّين والدنيا كانت في أمرَين؛ عامٌّ وخاصٌّ.
فأمّا العامُّ: التمسَّك بما في الكتاب والسنة.
وأمّا الخاصُّ: وصيةُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ، هذه الوصية مَن تمسّك بها أَصلَح دِينَه ودنياه؛ حيث قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لمعاذٍ لَمَّا بعثه إلى اليمن: «يا معاذ! اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأَتْبِع السيئةَ الحسنةَ تَمحها، وخالِقِ الناسَ بخلُقٍ حَسَنٍ» .
7. خلاصةُ وصيةُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذٍ -رضي الله عنه- : «اتّق الله حيثما كنتَ»: أنْ تَعملَ -أيها المسلم- بما أمرك اللهُ به، وأنْ تَجتنبَ ما نهاك اللهُ عنه؛ وهٰذا معنى «اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ»، وأنْ تَحرِصَ إذا زلَّتِ القَدم على أنْ تُزيلَ أثر الذنب؛ وهٰذا معنى «وأتْبِع السيئةَ الحسنةَ تَمحها»، وأنْ تتعاملَ مع الناسِ بكريمِ الأخلاق؛ وهٰذا معنى «وخالِق الناسَ بخُلقٍ حَسن».
ولا شك أنّ مَن عاش حياته على هٰذا؛ عاش سعيدَ القلب، مطمئن النفس، مرتاح البال، على صراطٍ مستقيم.
8. بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أَوجه كونِ وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذٍ -رضي الله عنه - مِن أنفع ما يكونُ للمسلم في دِينه ودنياه:
الوجه الأول: أنها مِن آخر وصايا النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وصّى بها معاذًا لمّا بعثه إلى اليمن، وكان ذلك قبل وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيسير.
الوجه الثاني: أنها وصيةٌ يحتاجها كلُّ إنسانٍ مهما عَلتْ منزلتُه، ولا يَستغني عنها أحدٌ، ولو كان يَستغني عنها أحدٌ لِعلوِّ منزلته لاستغنى عنها معاذٌ -رضي الله عنه -.
بل كلَّما علا شأن المسلم كلَّما كان أحوج إلى هذه الوصية؛ لأنه كلَّما علا شأن المسلم كلَّما كان أثره في الأمَّة أعظم، وكلَّما كان الشيطانُ على إغوائه أحرص.
الوجه الثالث: أنها جامعةٌ لجوامع الخير؛ لأنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وصّى بها معاذًا الَّذي له منزلةٌ عليَّةٌ عنده، والمعلومُ أنّ مَن يوصي مَن يحبّ يَختصُّه بجوامع الخير.
الوجه الرابع: أنها جمعتْ بين كونها تفسيرًا لوصيةِ الله ﻷ وكونها وصية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فجَمعتِ الحُسنيَين.
9. بيِّن شيخ الإسلام -رحمه الله - علوَّ شأن معاذٍ -رضي الله عنه - بأمور:
الأول: أنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يحبّه ويؤكِّد ذلك ويقول: «يا معاذ! والله إني لأحبُّك».
الثاني: أنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يُردِفه وراءه؛ كما ثبت في الصحيحين: أنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أردفه وراءه على حمار؛ وهذا يدل على منزلته عند النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- .
الثالث: أنه فَقِيه الأمَّة، فهو أعلمُها بالحلال والحرام؛ فقد رُويَ عن أنس بن مالك، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أرحم أمَّتي بأمَّتي أبو بكر، وأشدُّهم في دِين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقضاهم عليّ بن أبي طالب، وأقرؤهم لكتاب الله أُبيّ بن كعب، وأعلمُهم بالحلال والحرام معاذُ بن جبل، وأفرضُهم زيد بن ثابت، ألا وإنّ لكلِّ أمَّة أمينًا وأمينُ هٰذه الأمَّة أبو عبيدة بن الجراح» .
الرابع: أنه يُحشَر أمام العلماء برِتوَة، ومعنى "رِتوة" قيل: خطوة، وقيل: أكثر مِن خطوة، وقيل: منزلة، وقيل: درجة، وقيل: رمية سهم، وقيل: مدُّ البصر، وهي تدلُّ على أنّ معاذًا -رضي الله عنه - يتقدَّم العلماء.
الخامس: أنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بعثه إلى اليمن معلِّمًا وحاكمًا؛ كما ثبت في الصحيحين.
السادس: أنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يشبِّههُ بإبراهيم الخليل -عليه السلام-، هكذا في بعض نسخ الوصية؛ وفيها إشكال؛ لأنه لم يرد أنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يُشبِّه معاذًا بإبراهيم -عليه السلام- لا بإسناد صحيح ولا ضعيف، فلعلَّ الكلمة -والله أعلم-: "كان يُشَبَّه بإبراهيم -عليه السلام-"، ويدل عليه ما جاء في بعض النسخ: "وكانوا يشبهونه" وكذا يدل عليه ما بعده؛ أي قوله: "وكان ابنُ مسعود " يقول: "إنّ معاذًا كان أمَّة قانتًا لله حنيفًا ولم يَكُ مِن المشركين؛ تشبيهًا له بإبراهيم".
10. الذنوب لها آثارٌ على العباد؛ عاجلةٌ وآجلةٌ، واللهَ مِن رحمته قد جعل لعباده أمورًا تُزيل آثار الذنوب.
11. يقال للشيء إذا كان غريبًا في وقته "بدعة" وإن كان ثابتًا معمولًا به فيما مضى؛ كقول عمر -رضي الله عنه- لمَّا جمع الناس في صلاة التراويح في رمضان: "نعمت البدعة هٰذه"؛ لأنّ الناس قد تركوها وإن كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- قد صلى بالناس جماعةً في قيام رمضان ليلتين أو ثلاثًا ثم ترك ذٰلك خشية أن تُفرَض على الأمَّة، فلمَّا تولى عمر -رضي الله عنه- الخلافة جمع الناس على إمام واحد؛ فكأنه أبدعها لعدم عمل الناس بها.
12. مَن أراد الخير لنفسه وأهله ومجتمعه فعليه أن يحرص على نشر ما في الكتاب والسنة بفَهم السلف الصالح رضوان الله عليهم، وأن يربِّي الناس على ذٰلك.
13. التقوى: أن تفعل طاعة الله على نورٍ مِن الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نورٍ مِن الله خوفًا مِن عقاب الله.
«أن تعمل بطاعة الله»: أي بالأوامر،
«على نور مِن الله»: أي ليس بالبدع وليس بالمحدثات وإنما بما دلّ عَلَيه الدليل،
«ترجو ثواب الله»: أي بإخلاص العمل لله ورجاء رضاه.
«وأن تترك معصية الله»: أي تجتنب ما نهى الله عنه، «على نور مِن الله»؛ أي ليس مِن باب التنطّع ولا مِن باب التشدّد ولا مِن باب تحريم ما أحلّ الله وإنما على وِفْقِ الدليل، «تخاف عقاب الله» تتركه مخلصًا لله ترجو رضاه.
14. التقوى إذا ذُكرَت مفرَدة؛ فهي تعني الدِّين كلّه وإذا ذُكِرَ معها المنهيات أو الأَوامِر؛ فيكون المقصود بها: اتِّقاء عذاب الله.
15. إذا كنتَ تريد أن تكون متقيًا حقَّ التقوى فاترك الذنوب صغيرها وكبيرها، لماذا؟ لأنك لا تنظر إلى الذنب ولكنك تنظر إلى مَن تعصي وتَعلم أنه يراك ويسمعك.
16. مَن غَفَلَ عن التقوى لابد أن يصاب في مقتل في العلانية أو في السِّر، في العلانية: بأن يقع في مصيبة الرياء. وفي السِّر: بأن ينتهك محارم الله في الخلوات، فالإنسان بحاجة إلى تقوى الله في السِّر والعلن.
17. فِعْلَ الحسنة بعد السيئة إنما هو مِن جنس تناوُلِ المريضِ الدواءَ إذا تناوَل ما يضرّه، فالمريضَ يبادر بتناوُل المصلِح المُذهِب للضرر ولا يتوانى، فكذٰلك العبد إذا أدخل على نفسه ما يضرّها في أعظم ما تملك -وهو الدِّين- ينبغي أن يبادر إلى ما يزيل ذٰلك الضارّ بفعل حسنةٍ ماحيةٍ لتلك الزلَّةِ.
18. ينبغي للعبد ألا يَغفل عن نفسه ويقول أنا مِن الصالحين ولا أخاف على نفسي الذنب؛ بل يعلم موقنًا أنّ الذنب كأنه أمر حَتْمٌ له؛ فيظلُّ مراقبًا لنفسه دائمًا يمنعها مِن الحرام قبل وقوعه، ويُزيل أثر الحرام عن نفسه عند وقوعه.
19. قاعدةٌ شرعيةٌ شريفةٌ: السيئةُ إذا أُتبِعتْ بحسنة رُجِيَ أن تُزيل أثرها، وكلّما كانتِ الحسنة أعظم كانت أبلغ في المَحو، فإن تيسَّر أن تكون الحسنة العظيمة مِن جنس السيئة كان ذٰلك أكمل.
تعليق