عَنْ تَمِيمٍ الدَّاريِّ رَضِيَ اللهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « الدِّين النَّصيحة، ــ ثلاثًا ــ.
قُلنا: لِمَنْ ؟. قَالَ: للهِ ولكتابهِ ولرسُولهِ، ولأئِمَّة المُسلمين وعَامَّتهِم ». ( رواه مسلم (1) وأبو داود (2) وأحمد (3) والنسائي (4) ).
• صَحابيُّ الحديث:
تميم بْن أوس بْن خارجة الدَّاريِّ، أبُـو رقية، صَحابيٌّ مشهورٌ، ماتَ سَنة: (40هـ).
• المُفــردات:
˝ الـدِّين: الإسلام كلُّه، إذ مدار الإسلام على هـٰذا الحديث.
˝ النَّصيحة: كلمة جامعة. معناها: حيازة الحظِّ للمَنصُوح له، مأخوذة مِنْ نصح الرَّجل ثوبه إذا خاطه، فشبَّهوا فعل النَّاصح فيما يتحرَّاه مِنْ صَلاح المنصوح لهُ بما يسدّه مِنْ خلل الثَّوب.
˝ أئمَّة المسلمين: زعماؤهم، كالخُلفاء، والأُمراء، والعُلماء.
˝ عـامَّتهـم: سائر المسلمين ممَّن عدا الأئمَّة.
• المَعْنى الإجْمالِي:هـٰذا الحديث عظيم الشَّأن، ومِنْ جوامع كلم الرَّسول الكريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعليه مدار الإسْلام، لو عمل أفراد المسلمين وجماعتهم بما تضمَّنه مِنْ معاني النَّصيحة لنالوا سعادة الدُّنيا والآخرة، ولعاشوا أُخْوة متحابِّين، تجمعهم عقيدةً واحدةً، ورايةً واحدةً، ومنهجٍ واحدٍ لحياتهم.
° فالنَّصيحة لله: معناها: الإيمانُ به سُبْحاَنَهُ وتَعَالَىٰ، وبكلِّ ما ورد فِي الكتاب والسُّنَّة مِنْ أسمائه الحُسنىٰ، وصفاته العُليا إيمانًا حقًّا صادقًا، مِنْ غير تشبيهٍ ولا تعطيلٍ، ولا تحريفٍ ولا تمثيلٍ علىٰ أسَاس ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ « الشُّورىٰ: 11».
وإفْرادهُ وحدهُ سُبْحَانَهُ بالعبادة، ونفي الشَّريك عنهُ، والقيام بطاعته، واجْتناب معصيته، والحبُّ فيه، والبُغض فيه، وموالات مَنْ أطاعه، ومُنابذة مَنْ عصاهُ، وجهاد مَنْ كفر به، والاِعْتراف بنعمته، وشُكره عليها، والإخلاص في جميع الأُمور له.
° وأمَّا النَّصيحة لكتابه: فالإيمان بأنَّهُ كلام الله مُنـزَّل منه، غير مخلوق، وأنَّهُ لا يأتيهِ البَاطل مِنْ بين يديهِ ولا مِنْ خلفه، لَوْ اِجْتمعت الجنَّ والإنس لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، ولا بعشر سُورٍ مِنْ مثله، بل ولا بسورة مِنْ مثله.
ثُمَّ تعظيمه، وتلاوته حقَّ تلاوته، وتحسينها والخُشوع عندها، وإقامة حُروفه عند التَّلاوة، والذَّب عنه؛ بردِّ تأويل المحرِّفين، وتحريف الغَالين، وانْتحال المُبطلين، والتَّصديق بما فيه، والوقُوف معَ أحكامه، وتَفَّهم عُلومه وأحْكامه وأمْثاله وحُدوده، والاِعْتبار بمواعظه والتَّفكُّر فِي عجائبه، والعمل بمُحكمه، والتَّسليم لمتشابهه، والبحث فِي ناسخه ومنسوخه، ونشر علومه، والدُّعاء إليه.
° وأمَّا النَّصيحة لرسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فتصديقه على الرَّسالة، والإيمان بجميع ما جاء بهِ، وطاعتهِ فِي أمرهِ، ونهيهِ، ونُصرتهِ حيًّا وميِّتًا، ومُعاداة مَنْ عاداه ومُوالاة مَنْ والاه، وإعظام حقِّه، وتوقيره وإحْياء طريقه وسُنَّته، وبثِّ دعوتهِ ونشرها، ونفي التُّهمة عنها، وخدمة عُلومها والتَّفقُّه في معانيها، والدُّعاء إليها، وإعظامها، والتَّأدُّب عند قراءتها، والإمساك عَنِ الكلام فيها بغير علم، والتَّخلُّق بأخلاق هـٰذا الرَّسول الكريم، والتَّأدُّب بآدابه، ومحبَّة أهل بيته وأصحابه، ومجانبة مَنْ اِبْتدع في سُننه أو تعرضَ لأحدٍ مِنْ أصْحابه.
° وأمَّا النَّصيحة لأئمَّة المسلمين: فقد ذكرناها في شرح الحديث السَّابق.
° وأمَّا النَّصيحة لعامَّة المسلمين: ــ وهُم مِنْ عدا ولاة الأمر ــ فإرشادهم لمصالحهم فِي آخرتهم ودُنياهم وكفِّ الأذىٰ عنهم، فيُعلِّمهم ما يجهلونه مِنْ دينهم، ويُعينهم عليه بالقول والفعل، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عَنِ المنكر برفقٍ وإخلاصٍ، وستر عوراتهم، وسدِّ خلاتهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع لهم، والشَّفقة عليهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، وتخوّلهم بالموعظة الحسنة، وترك غشِّهم وحسدهم، وأنْ يحبَّ لهم ما يحبَّ لنفسه مِنْ الخير، ويكرهُ لهم ما يكرهُ لنفسه مِنَ الشَّر، والذَّبِّ عَنْ أموالهم وأعراضهم، وحثِّهم على التَّخلُّق بجميع ما ذُكِرَ مِنَ النَّصيحة، وتنشيط هِمَمِهم إلى الطَّاعة. [انظر شرح النَّوويِّ « لصحيح مسلم » (2 / 38، 39)].
• ما يُستفاد مِنَ الحديث:
1) أنَّ النَّصيحة تسمَّى دينًا وإسلامًا.
2) أنَّ الدِّين يقع على العمل كما يقع على القول.
3) وأنَّهُ لا دينَ لمنْ لا ينصحُ لله، وكتابه، ورسوله، وأئمَّة المسلمين، وعامَّتهم، ومَنْ غشَّهم فِي شَيءٍ مِنْ ذٰلكَ فليسَ منهم.
4) وجُوب النَّصيحة فِي جميع ما ذُكر مِنْ أنواعها، وعلىٰ جميع المسلمين كلٍّ علىٰ حسب طاقته، وعلمه، ومكانته فِي المجتمع.اهـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
(1) كتاب الإيمان، 33- «باب بيان أن الدِّين النَّصيحة». حديث (55)، (1/74).
(2) 35 - أدب، حديث: (4944) ، (5/233).
(3) (4/102-103).
(4) (7/40) «باب النَّصيحة للإمام».
([ « مجموع كتُب ورسائل وفتاوىٰ » فضيلة الشَّيخ العلاَّمة / ربيع بن هادي المدخلي ــ حفظهُ الله تعالىٰ ــ/ (1 / 210، 212) /
طبعة: دار الإمام أحمد / الطَّبعة الأولىٰ: 1431هـ ])