مواعظ لتدارك بعض ما فات من شهر الخيرات
موارد الظمآن لدروس الزمان(1/461)
عبد العزيز السلمان -رحمه الله-
موارد الظمآن لدروس الزمان(1/461)
عبد العزيز السلمان -رحمه الله-
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير - صلى الله عليه وسلم - أولي الجد في العبادة والتشمير.
عباد الله إن شهر رمضان قد عزم على الرحيل فمن كان منكم أحسن فعليه بالتمام، ومن كان منكم فرط فيه فليختمه بالحسنى، فالعمل بالختام، وبادروا رحمكم الله أوقات شهركم الباقية واستدركوا ما مضى منه بالحسرة والندم واختموه بالتوبة النصوح والرجوع إلى صالح العمل.
عباد الله كم أناس صلوا في هذا الشهر صلاة التراويح وأوقدوا في المساجد طلبا للأجر المصابيح ونسخوا بإحسانهم كل فعل قبيح، وقبل التمام سكنوا الضريح، ولم ينفعهم المال والآمال لما نقلوا، رحلوا عن الدنيا قدما قدما ونقض ما بنوه هدما هدما أدارت عليهم المنون رحاها وأحلت وجوههم في الثرى فمحاها.
وهذا حالك عن قريب فتيقظ يا قليل الزاد، وحادي رحيله قد حدى تأهب للتلف وتهيأ للردى ذهب عنك شهر الصيام وودعك وسارت فيه قوافل الصالحين وجهلك منعك والتوبيخ متوفر فما أرجعك ولا أزعجك وأنت تؤمل منازل العاملين بأفعال الغافلين فما أطعمك.
يا من أصبح ساعيا إلى ما يضره ستعلم من يأتي غدا حزينا متندما كم من صائم يفضحه الحساب والعرض، وكم من عاص في هذا الشهر تستغيث منه الأرض فياليت شعري من المقبول منا فنهنيه على توفيق الله له بحسن عمله، ويا ليت شعري من المطرود فنعزيه بسوء عمله، فيا أيها المقبول هنيئا لك بثواب الله عز وجل ورضوانه ورحمته وغفرانه وقبوله وإحسانه وعفوه وامتنانه.
ويا أيها المطرود بإصراره، وطغيانه وظلمه وغفلته وخسرانه وتماديه في عصيانه لقد عظمت مصيبتك وخسرت تجارتك وطالت ندامتك فيا لها من خسارة لا تشبهها خسارة لله در أقوام حرسوا بالتقى أوقاتهم وتدرعوا دروع المراقبة في صبرهم وجمعوا بين الصدق والإخلاص في ذكرهم صبروا باليقين على ظمأ الهواجر وبسطوا أقدامهم على بساط الدياجر وعملوا ليوم فيه القلوب لدى الحناجر.
أقبلوا على خدمة ربهم إقبال عالم وما سلكوا إلا الطريق السالم تذكروا ذنوبهم القدائم فجددوا التوبة بصدق العزائم وعدوا التقصير من العظائم وبدلوا المهج الكرائم فإذا أجن الليل فساجد وقائم، ولا يخافون في الله لومة لائم، أين أنت وهم؟ فهل ترى الساهر كالنائم؟ كلا ولا المفطر كالصائم.
قال ابن القيم رحمه الله: من أراد الله به خيرا فتح له باب الذل والانكسار ودوام اللجوء إلى الله تعالى والافتقار إليه ورؤية عيوب نفسه وجهلها وعدوانها ومشاهدة فضل ربه وإحسانه ورحمته وجوده وبره وغناه وحمده. فالعارف: سائر إلى الله تعالى بين هذين الجناحين لا يمكنه أن يسير إلا بهما فمتى فاته واحد منهما فهو كالطير الذي فقد أحد جناحيه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: العارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح من حديث بريدة رضي الله عنه: «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» . فجمع في قوله صلى الله عليه وسلم: «أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي» . بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل.
فمشاهدة المنة توجب المحبة والحمد والشكر لولي النعم والإحسان ومطالعة عيب النفس والعمل توجب له الذل والانكسار والافتقار والتوبة في كل وقت وأن لا يرى نفسه إلا مفلسا وأقرب باب يدخل منه العبد على الله تعالى هو باب الإفلاس فلا يرى لنفسه حالا ولا مقاما ولا سببا يتعلق به ولا وسيلة منه يمن بها.
بل يدخل على الله من باب الافتقار الصرف والإفلاس المحض دخول من كسر الفقر والمسكنة قلبه حتى وصلت تلك الكسرة إلى سويدائه فانصدع وشملته الكسرة من كل جهاته وشهد ضرورته إلى ربه عز وجل وكمال فاقته وفقره إليه وأن في كل ذرة من ذراته الظاهرة فاقة تامة وضرورة إلى ربه تبارك وتعالى وأنه إن تخلى عنه طرفة عين هلك وخسر خسارة لا تجبر إلا أن يعود إلى الله تعالى ويتداركه برحمته. انتهى
قصيدة في توديع رمضان..
دع البكاء على الأطلال والدار |
واذكر لمن بان من خل ومن جار |
وأذر الدموع نحيبا وابك من أسف | على فراق ليال ذات أنوار |
على ليال لشهر الصوم ما جعلت |
إلا لتمحيص آثام وأوزار |
يا لائمي في البكاء زدني به كلفا |
واسمع غريب أحاديثي وأخباري |
ما كان أحسننا والشمل مجتمع |
منا المصلي ومنا القانت القاري |
وفي التراويح للراحات جامعة |
فيها المصابيح تزهو مثل أزهاري |
في ليله ليلة القدر التي شرفت |
حقا على كل شهر ذات أسرار |
تتنزل الروح والأملاك قاطبة |
بإذن رب غفور خالق باري |
شهر به يعتق الله العصاة وقد |
أشفوا على جرف من خطة النار |
نرجوا الإله محب العفو يعتقنا |
ويحفظ الكل من شر وأكدار |
ويشمل العفو والرضوان أجمعنا |
بفضلك الجم لا تهتك لأستار |
فابكوا على ما مضى في الشهر واغتنموا |
ما قد بقي فهو حق عنكم جاري |