لا تنخدع بمَن يُظهر لك الود !!
الحمد لله وبعد :
من بديع ما قرأت للحافظ الواعظ أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله في كتابه البديع صيد الخاطر :
يقول رحمه الله تعالى :
"كان لنا أصدقاء وإخوان أعتد بهم ، فرأيت منهم من الجفاء ، وترك الشروط الصداقة والأخوة عجائب ، فأخذت أعتب
ثمَّ إنتبهت لنفسي فقلت : وما ينفع العتاب ، فإنهم إن صلحوا فللعتاب لا للصفاء
فهممت بمقاطعتهم ، ثم تفكرت فرأيت الناس بين معارف وأصدقاء في الظاهر وإخوة مباطنين ، فقلت : لا تصلح مقاطعتهم
إنما ينبغي أن تنقلهم من ديوان الأخوة ، إلى ديوان الصداقة الظاهرة
فإن لم يصلحوا لها نقلتهم إلى جملة المعارف ، وعاملتهم معاملة المعارف ، ومن الغلط أن تعاتبهم
فقد قال يحيي بن معاذ : بئس الأخ أخ تحتاج أن تقول له أذكرني في دعائك
وجمهور الناس اليوم معارف ، ويندر فيهم صديق في الظاهر ، فأما الأخوة والمصافاة فذاك شيء نسخ ، فلا يطمع فيه .
وإيَّاك أن تنخدع بمَن يظهر لك الود ، فإنه مع الزمان يبين لك الحال فيما أظهره ، وربما أظهر لك ذلك لسبب يناله منك
وقد قال الفضيل بن عياض : إذا أردت أن تصادق صديقًا فأغضبه ، فإن رأيته كما ينبغي فصادقة
وهذا اليوم مخاطرة ، لأنك إذا أغضبت أحدًا صار عدوًا في الحال
والسبب في نسخ حكم الصفا ، أن السلف كان همتهم الآخرة وحدها ، فصفت نياتهم في الأخوة والمخالطة ، فكانت دينًا لا دنيا
والآن فقد استولى حب الدنيا على القلوب ، فإن رأيت متملقًا في باب الدين فأخبره تَقلهِ
ويقول رحمه الله تعالى في موضع آخر :
" ... ...إذا اصطفيت صديقًا وخبرته ، فلا تخبره بكل ما عندك ، بل تعاهده بالإحسان كما تتعاهد الشجرة ، فإنها إذا كانت جيدة الأصل حسنت ثمرتها بالتعاهد ، ثم كن منه على حذر فقد تتغير الأحوال ، وقد قيل :
إحذر عدوٌّك مَرَّة وَاحذَرْ /// صَديقَكَ ألفَ مَرَّة
فَلربما إنقلَبَ الصَّديقُ /// فَكانَ أدْرَى بالمضَرَّة
وأما إذا أبغضت شخصًا لأنه يسوؤك فلا تظهرن ذلك ، فإنك تنبهه على أخذ الحذر منك ، وتدعوه إلى المبارزة ، فيبالغ في حربك والإحتيال عليك ، بل ينبغي أن تظهر له الجميل إن قدرت ، وتبرٌّه ما إستطعت حتى تنكسر معاداته بالحياء من بغضك ، فإن لم تطق فهجر جميل ، لا تبيِّن فيه ما يؤذي " فَلربما إنقلَبَ الصَّديقُ /// فَكانَ أدْرَى بالمضَرَّة
قلت: وفي هذه الأزمنة المتأخرة قلَّ ما تجد من يكتم سرك ، ويصون عرضك
تعليق