لو عَرف العالَم الدّين الإسلامي على حقيقته لدَخلُوا فيه أفواجاً
لفضيلة الشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله-
[من شرح القواعد الحسان / ش7]
[التحميل]
وفي هذا الباب لا أنسى قَسَمًا بالله -عز وجل- قرأتُه للإمام الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى- في أحد كتبه؛ يقول فيه -رحمه الله تعالى- ما نصُّه: "المُسْلِمون اليَوْم بَلْ العَالَم كُلّه في أَشدِّ الحَاجَة إلى بيَانِ دِين الله وإظْهَار مَحَاسِنه وبيَان حَقيقَته، وَاللهِ لَوْ عَرَفهُ النَّاس اليَوْم وَلوْ عَرَفه العَالَم عَلى حَقيقَته لَدَخَلوا فِيهِ أفْواجاً".
لكنّ تقصير الدُّعاة في بيان هذا الأمر، وقصورهم وضعفهم في إيضاحه وتجليته، وربما اشتغال بعضهم بأمورٍ أخرى لا تنهض بقيام الدعوة وتحقّقها على أتم حالٍ وأكمل وجه.
ولهذا؛ كان من آكد ما ينبغي أن يُعنى به الداعي إلى الله -سبحانه وتعالى- أن يُبرز محاسن الدّين قبل أن يدخل مع أصحاب النِّحل الباطلة والعقائد الزّائفة والمِلل المنحرفة، قبل أن يدخل معهم في نقاشٍ في أديانهم وما هُم عليه من ضلالٍ وباطل يُبرِز لهم حُسْن هذا الدّين وجماله عقيدةً وعبادةً وخُلقًا، وهذا بحدِّ ذاته كافٍ في الإقناع.
ولهذا؛ يقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -هنا-: "فإنّ محاسن دين الإسلام ومحاسن النبي عليه الصلاة والسلام وآياته وبراهينه فيها كفاية تامّة للدعوة بقطع النظر عن إبطال شبههم وما يحتجُّون به"، هي بحد ذاتها كافية؛ أن تُبرَز للناس واحدًا تلو الآخر، ميزةً تلو ميزة، وحسنةً تلو حسنة، تُبرَز وتُبيَّن للناس، هذه بحد ذاتها كافية.
وأعرف رجلا في زماننا هذا هدى الله -سبحانه وتعالى- على يديه خلقٌ كثير من الكفار. يقول لي كل هؤلاء -وعددهم يقارب الألْف- يقول: كل هؤلاء دَعَوْتهم فُرَادى، لا أذكر أنني دعوت اثنين أو ثلاثة أو أربعة، يقول: دَعْوتي لهؤلاء فردية. وطريقته في الدعوة هي هذه الطريقة: يحفظ الرَّجل شيئًا كبيرًا من محاسن الدين الإسلامي في العقيدة والعبادة والأخلاق، يقول: فإذا رأيتُ أحد هؤلاء جالسا، وفي الغالب أتخيَّر منهم من يكون مهموما مغموما، عنده مشكلة، فأجلس إلى جنبه وأسأله عن أولاده، عن صحته، عن أخباره؛ حتى يرتاح لي قليلا، ثم أقول له: هل تعرف شيئا عن الإسلام؟ يقول لي: لا.. أقول له: هل تحب أن أَذْكر لك شيئا عن هذا الدين؟! يقول: غالبا يقول نعم، لأنني جاملته ولاطفته وآنسته وسألتُ عنه، يقول: جلستي المُسْبَقة معه أدبًا تمنعه أن يرفض، يقول: غالبا يقول نعم أحب أن أسمع، يقول: فأبدأ أُعدِّد له محاسن الدين الإسلامي وأحاول أن أتلمَّس من محاسن الدين ما يتعلق بمشكلته التي استشفَّيتُها من جلستي معه، يقول: غالبا ربع ساعة، ثلث ساعة، نصف ساعة؛ ويُعلن إسلامه.
فهذا شاهد حال في أنّ إبراز محاسن الدين الإسلامي للناس كما ينبغي، وإظهارها جليَّةً للناس كما ينبغي؛ تكون بإذن الله -كما أَقسم على ذلك الإمام ابن باز رحمه الله- سببًا لدخولهم في دين الله أفواجا.
والشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله- له رسالةٌ مطبوعة، أنصح -خاصّة- من له عناية بالدعوة إلى الله -عز وجل- ولا سيما دعوة الكفار أن يعتني بها، وهي رسالة مختصرة لكنها كبيرة في حجهما وبابها ومحتوياتها، عنوانها: «الدُّرَّة المختصرة في بيان محاسن الدين الإسلامي».
وركّز فيها جوانب هامة وعظيمة في جانب العقيدة، وجانب العبادة، وجانب الأخلاق، والآداب والمعاملات والبيوع، وأتى على مختصراتٍ جامعة في هذا الموضوع، ووافية في تقريره، وذكر فيها عشرين مثالاً من محاسن الدين الإسلامي. وإذا قرأ الداعي إلى الله -سبحانه وتعالى- تلك الأمثلة التي ذكرها استطاع أن يفرِّع عليها تفريعاتٍ واسعة، لأنه أتى بجوامع في بيان محاسن الدين الإسلامي، وأهل العلم كتبوا في هذا كتاباتٍ كثيرة.
يقول -رحمه الله تعالى- في مقدمة هذه الرسالة -الدُّرّة المختصرة-: "إنّ من أكبر الدعوة إلى دين الإسلام شرح ما احتَوى عليه من المحاسن التي يَقْبلها ويتقبَّلها كل صاحب عقلٍ وفطرةٍ سليمة؛ فلو تصدّى للدعوة إلى هذا الدين رجالٌ يشرحون حقائقه ويُبيِّنون للخلق مصالحه، لكان ذلك كافيًا كفايةً تامةً في جذب الخلق إليه، لِما يَرَوْن من موافقته للمصالح الدينية والدنيوية، ولصلاح الظاهر والباطن .." إلى آخر كلامه -رحمه الله-.
ثم ذكر -كما أشرتُ- عشرين مثالاً قال في تمامها مُلخِّصًا محتويات الكتاب تلخيصًا جميلاً: "دين الإسلام مبنيٌّ على العقائد الصحيحة النّافعة، وعلى الأخلاق الكريمة المهذِّبة للأرواح والعقول، وعلى الأعمال المُصْلحة للأحوال، وعلى البراهين في أصوله وفروعه، وعلى نَبْذ الوثنيات والتَّعلق بالمخلوقين والمخلوقات وإخلاص الدين لله ربِّ العالمين، وعلى نبذ الخُرافات والخزَعْبلات المنافية للحسِّ والعقل، وعلى الصلاح المطلق، وعلى دفع كل شرٍّ وفساد، وعلى العدل ورفع الظلم بكل طريق، وعلى الحث على الرُّقي لأنواع الكمالات".
هذه كلها من محاسن هذا الدين العظيم.
فكم يحتاج الناس إلى أنْ تُبرَز هذه المحاسن وأنْ تُجَلَّى وأنْ تُظَهر للناس حتى تكون سببًا -بإذن الله جل وعلا- لدخولهم في دين الله أفواجًا.
وإذا نظرتَ في أحوال المُهتدين والمُعْتَنقين لهذا الدّين العظيم تجد أنّ من وراء هداياتهم وقوفهم على بعض محاسن الدين إما في العقيدة أو في العبادة أو في الأخلاق، وكم مِن أُناسٍ دخلوا في دين الله -عز وجل- بمعرفتهم أخلاق الإسلام وآدابه.
إذن؛ هذا جانبٌ عظيم من جوانب الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى-؛ إبراز محاسن الدين الإسلامي.
ولهذا؛ لَيْتَ بعض المؤسسات الخيرية التي تعتني بهذا الجانب أن تعتني بترجمة بعض الكتب التي تُعْنى بهذا الأمر؛ ألا وهو إبراز محاسن الدين الإسلامي.
وأقترح: كتاب الشيخ -رحمه الله-: «الدُّرَّة المختصرة في محاسن الدين الإسلامي».
وأيضا كتابه الآخر، وهو عظيمٌ في هذا الباب، وهو كتاب بعنوان: «الدين الصحيح يحل جميع المشكلات»، وبيَّن أنّ الدين الإسلامي يحل كل المشكلات؛ المشكلات العقائدية، والمشكلات الأخلاقية، ومشكلات المعاملات والبيوع، مشكلات الفقر، مشكلات المجتمعات.. إلى غير ذلك، حلُّها الأمثل موجودٌ في الدين الإسلامي.
فترجمة هذين الكتابين ونقلهما إلى اللغات -لغات العالم- فيه -بإذن الله تبارك وتعالى- نفعٌ كبيرٌ في دخول الناس واعتناقهم لهذا الدين العظيم.
الجانب الآخر الذي نبّه عليه هو: ذكر محاسن النبي -عليه الصلاة والسلام- وبراهين رسالته -صلى الله عليه وسلم-، وهذا مرَّ معنا فيه قاعدة خاصة عند المصنف تتعلق بطريقة القرآن في تقرير نبوّة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فهذا جانبٌ -أيضًا- يُستفاد منه في الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- ببيان صدق هذا الرسول -عليه الصلاة والسلام- وأنه لا ينطق عن الهوى ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ وإبراز خصائصه ومناقبه وشمائله وفضائله، صلوات الله وسلامه عليه.