الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم .
أمـــا بــعـــد :
فهذه مقطع صوتي ومفرغ لفضيلة الشيخ سليمان بن سليم الله الرحيلي-حفظه الله-
[بعنوان]
شروط قبول التوبة
(للاستماع والتحميل)
من هنا
التفريغ
وهي: أنّ التوبة لا تنفع صاحبها إلا إذا استَجمعتْ شروطها.
وشروط التوبة إذا كان الذنب فِيْ حق الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالى- خمسة:
الشرط الأول: الإخلاص لله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالى-، بأن يَكون الدافع للعبد لكي يقلع عن الذنب: خوف الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالى-.
فالعبد إذا تاب إما أن يتوب خوفًا من الله، وإما أن يتوب خوفًا من عباد الله. فإن تاب خوفًا من الله فهٰذه التوبة النافعة الَّتِي تزيل أثر الذنب. وإن تاب خوفًا من عباد الله فإنّ هٰذا يزيل عنه الذنب فِيْ الحاضر ولكنه لا يزيل أثر الذنب الماضي.
أعطيكم مثالًا؛ إنسان –والعياذ بالله والعياذ بالله- يزني، زنى مرة مرتين ثلاثة، ثم عَظُمَ خوف الله فِيْ قلبه فتاب؛ يُمحى عنه الماضي كأنه لَمْ يُذنب، ويَسلَم من الحاضر.
آخر –والعياذ بالله- كان يزني، زنى مرة مرتين ثلاثًا، ثم خاف من الفضيحة، خاف على مقامه ومكانه بين الناس، فترك الذنب، هٰذا يَسلم الآن من الذنب لأنه لَمْ يزنِ، ولكنّ الذنب الماضي يبقى عَلَيه أثره. فانتبهوا يا إخوة لمسألة الإخلاص.
والشرط الثاني: أن يقلع عن الذنب، فليس صادقًا فِيْ توبته من يبقى على الذنب ويقول إنه تائبٌ منه، والبقاء على الذنب يَمنع التوبة؛ من حيث أثرها.
والشرط الثالث: أن يندم على ما مضى. فيندم على الذنب الَّذِي وقع منه، ومن علامة الندم: أن يكره أن يعود إلا الذنب -بعد أن نجاه الله منه- كما يَكره أن يُقذف فِيْ النار. فليس تائبًا مَن إذا تذكَّر الذنب قال: تلك أيامٌ جميلة! فإنّ هٰذا ليس نادمًا على الَّذِي وقع منه.
والشرط الرابع: أن يعزم على عدم العَود إليه، وانتبهوا! لَمْ يقل العلماء «ألا يعود إليه»؛ وإنما: «أن يعزم على عدم العَود إليه»، فإذا عزم صادقًا فإنه تائب، فإن عاد بَعْدُ فذاك ذنب جديد لا يَنقُض التوبة السابقة.
والشرط الخامس: أن تقع التوبة فِيْ وقتها. ووقت التوبة عامٌّ وخاصٌّ.
- أمَّا العامُّ: فهو أن تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت الشمس من مغربها فإنّ باب التوبة يُغلَق.
-وأمّا الخاصُّ: فهو ما لَمْ يغرغِر الإنسان، يعني ما لَمْ تبلغ الروح الحلقوم، فإنّ الله يقبل التوبة.
وهنا مسألة دقيقة اختلف فيها أهل العلم: هل المقصود بالغرغرة الثابتة فِيْ الحديث: ذات الغرغرة؟ أو المقصود اليأس من الحياة؟
ويترتب على هٰذا مسألة مهمة: وهي توبة من أُصيب بمرضٍ قاتل يَعلَم الناس أنّ صاحبه يموت فِيْ غالب الحال، كمن أصيب –والعياذ بالله- بالسرطان لا سيما فِيْ بعض أنواعه، أو أصيب بما يسمّى بالإيدز، أو غير ذٰلك، وعَلِمَ به، هل تُقبل توبته؟
إنسان ظلم إخوانه ثم عَلِمَ أنه مصاب بالسرطان القاتل، وتاب، هل تقبل توبته؟
هٰذه المسألة مبنيَّة على ما قدّمناه؛ وهي هل المقصود بالغرغرة: ذات الغرغرة؟ أو المقصود اليأس من الحياة؟
فمن قال: إنّ المقصود هُوَ ذات الغرغرة؛ قال: نعم تُقبل توبته؛ لأنه لَمْ يغرغر.
ومن قال: المقصود هُوَ اليأس من الحياة؛ قال: لا تُقبل توبته.
والذي يظهر –والله أعلم-: أنّ المقصود الغرغرة بذاتها، يعني ما لَمْ يغرغر فيَعلَم أنه ميت الآن، لأنّ الغرغرة دليلٌ على الموت الحاضر، وهٰذا المقصود، فما دام أنّ الإنسان لَمْ يَقطَع بموته فإنّ توبته مقبولة، فإذا غرغر بحيث يعلم الناس أنّ الروح لا تعود بعد هٰذا فإنه لا تقبل توبته إذا غرغر. هٰذا إذا كان الذنب لله.
وإذا كان الذنب لعباد الله، فإنه تُشتَرط ستة شروط:
هٰذه الشروط الخمسة؛ ويُزاد عليها سادس؛ وهو: أن يُعيد الحق إلى أهله إن كان عينًا، أو يتحلَّل منه إن كان عينًا أو معنى.
أن يعيد الحق إلى أهله إن كان عينا، غصب أرضًا؛ التوبة أن يعيد الأرض، سرق مالًا؛ التوبة أن يعيد المال.
«أو يتحلَّل منه إن كان عينًا» مثلًا سرق عينًا وتلِفَتْ، أو باقية، فقال لأصحابها: سامحوني، فقالوا: سامحناك، فهٰذا يكفي.
أو كان معنويًا؛ سبَّ مسلمًا، اغتاب مسلمًا، كذب على مسلم، فلابد أن يتحلَّله.
لكن هنا مسألة دقيقة فِيْ المعنويات, قال العلماء: الذنوب المعنوية المتعلِّقة بحقوق العباد لا تخلو من حالَين:
الحال الأولى: أن يعلم صاحب الحق بالذنب الَّذِي وقع عَلَيه، يعني يعلم صاحب الحق أنّ فلانًا سبّه أو أنّ فلانًا اغتابه أو أنّ فلانًا كَذَبَ عَلَيه، وهنا لابد أن يَستحلّه ويَبذُل ما يستطيع لعله أن يُحلِّه.
والحال الثانية: ألا يَكون صاحب الحق قد عَلِمَ بذلك الذنب، لَمْ يعلم أنّ فلانًا كذب عَلَيه أو اغتابه أو سبّه، هنا قال العلماء: إن كان فاعلُ الذنب يأمَن صاحب الحق ويَعلَم أنه لا يترتَّب على ذٰلك فتنة؛ فإنه يستحلّه.
أما إذا كان لا يأمنه ويَخشى لو استحلَّه أن يترتَّب على ذٰلك فتن أو مقاطعة أو مهاجرة أو نَحْوَ ذٰلك؛ فإنه هنا لا يُخبِره ولا يَستحله؛ ولكن يجتهد فِيْ الدعاء له، ويجتهد فِيْ أن يذكره بخير كما ذكره بسوء، وهٰذا يكفي إن شاء الله عَزَّ وَجَلَّ[1]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
(1) من شرح العلاّمة سليمان بن سليم الله الرحيلي