النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يعدُّ التسبيح بيده
لفضيلة الشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله -
[من شرح الأدب المفرد / ش153]
«فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُدُّهُنَّ بِيَدِهِ» (1) يعدها بماذا؟ بيده.
كان في زمانه -عليه الصلاة والسلام- خرز، وفيه حبال، وممكن يَنْظمون سِبَح. ما عدّ بسبحةٍ -عليه الصلاة والسلام-..! عدّها بيده، وخير الهدي: هديه -عليه الصلاة والسلام-، وأكمل الهدي: هديه، الخرز موجود، والخيوط موجودة، واستطاعة النَّظم للخرز موجودة، ومع ذلك كان يعدُّ بماذا؟ بيده!
ولهذا؛ علينا أن نفعل مثلما فعل، هديه أكمل الهدي.
إيش الحاجة أنّ الواحد يأتي لَهْ بسبحة فيها ألف خرزة، وْيَلاَّ تعالْ اِسحب، سبحة فيها ألف خرزة! وبعضهم يجعلها من الوزن الثقيل، حجم الخرزة ثقيلة، وبعضهم ما يستطيع أن يحملها، إذا أراد أن يمشي يعلقها في عنقه.
من قـال لك اُعْبُـدِ الله بهـذه الطريقـة؟!
النبي -عليه الصلاة والسلام- يعدُّ التسبيح بيده، مثل ما جاء في هذا الحديث وأحاديث عديدة؛ يعدّ التسبيح بيده -عليه الصلاة والسلام-.
وكلنا نعتقد أنّ خير الهدي هدْيُ من؟! هدْيُ محمد -عليه الصلاة والسلام-، خير الهدي: هديه -عليه الصلاة والسلام-.
ولهذا؛ لا يُعرف في حديثٍ عنه -عليه الصلاة والسلام-؛ لا ضعيف ولا صحيح، ولو كان يوجد ضعيف لا يُحتج به، لكن لا يوجد لا ضعيف ولا صحيح أنه سبَّح بسبحة.
وكلنا نعتقد أنّ خير الهدي: هديه -عليه الصلاة والسلام-.
فعلينا جميعا أن نكون في تسبيحنا مُقتَدين بنبيِّنا -صلوات الله وسلامه وبركاته عليه-.
قال: «يَعُدُّهُنَّ بِيَدِهِ»، ما قال يعدَُّهنّ بحصى ولا بخرز ولا بـ ..
الآن فيهْ آلة جديدة، أشغلوا الناس بها في المساجد، آلة جديدة للعدِّ، ويكون بجنبك وأنت جالس.. طق، طق..طق..يُسبِّح! إزعاجٌ وإيذاءٌ للمصلين، وإشغالٌ لهم.
مَـن أَمَــرَك بهــذا؟!
فرقٌ بين التسبيح بهذه الآلات وبين من يُسبح بيده ما أحد يشعر به، إذا كانت يدك بهذه الطريقة تُسبح ما شاء الله ولا أحد يدري عنك؛ بينك وبين الله -سبحانه وتعالى-، أَبْعَد عن الرياء، في تسبيحك وعبادتك أَبْعَد عن الرياء.
فهديُ نبيِّنا -عليه الصلاة والسلام- أكْمل الهدي وأفضل الهدي.
نسأل الله أن يرزقنا حسن اتِّباعه والاقتداء بهديه -صلوات الله وسلامه عليه-.
__________________
(1) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خَلَّتَانِ لا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَهُمَا يَسِيرٌ، وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ"، قِيلَ: وَمَا هُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «يُكَبِّرُ أَحَدُكُمْ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ عَشْرًا، وَيَحْمَدُ عَشْرًا، وَيُسَبِّحُ عَشْرًا، فَذَلِكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ عَلَى اللِّسَانِ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ»، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُدُّهُنَّ بِيَدِهِ (2)..".
(2) قال الإمام الألباني -رحمه الله- في صحيح الأدب المفرد: "..يعني: اليمنى، كما في روايةٍ لأبي داود (1502)، ومن زعم من المعاصرين الأحداث في هذا العلم أنها زيادةٌ مدرجة من شيخ أبي داود محمد بن قدامة فمن جهله أتي ثم هي زيادة مفسرة لرواية "بيده" مناسبة لجلالة ذكر الله وتسبيحه كما يدل على ذلك قول عائشة -رضي الله عنها-: "كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى" رواه أبو داود بسند صحيح صحيح أبي داود (26). ولا يشك ذو لبّ أنّ اليمنى أحقُّ بالتسبيح من الطعام وأنه لا يجوز أن يلحق بـ"ما كان من أذى" وهذا بيِّنٌ لا يخفى -إن شاء الله-.
وبالجملة فمن سبَّح باليسرى فقد عصى، ومن سبّح باليدين معًا كما يفعل كثيرون فقد: ((خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَر سَيِّئًا عَسَى اللَّه أَنْ يَتُوب عَلَيْهِمْ))، ومن خصَّه باليمنى فقد اهْتدى وأصاب سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم..".