وَصِيَّةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِكُمَيْل بْنِ زِيَاد
تَعْلِيقُ الشَيْخِِ زَيْد المَدْخَلِي
الشَيْخ زَيْد: مَا شَاءَ اللهُ مَا شَاءَ اللهُ، وَصِيّةٌ عَظِيمَةٌ يُسْتَفَادُ مِنْهَا الجِدُّ والاِجْتِهَادُ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ الشَرْعِيِّ، أُصُولًا وَفُرُوعًا وَمَسَائِلَ وَالْعِنَايَةَ بِذَلِكَ إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا إْلَّا بَعْدَ أَنْ يَبْذُلَ جُهْدَهُ فِي الطَلَبِ وَمَنْ سَارَ عَلَى الدَرْبِ وَصَلَ، مَنْ وَاصَلَ الطَلَبَ طِيلَةَ حَيَاتِهِ نَفَعَ نَفْسَهُ وَانْتَفَعَ النَّاسُ بِعِلْمِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ وَمَنَحَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَجْرَ الْوَفِيرَ وَالذِكْرَ الحَسَنَ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَمَا خَلَّفَهُ مِنْ تُرَاثٍ يَنْفَعُ اللهُ بِهِ النَاسَ فَأَجْرُهُ كَائِنٌ وَبَاقِي، وَكَمْ آيَةً كَرِيمَةً جَاءَتْ فِي الثَّنَاءِ عَلَى العُلَمَاءِ الذِينَ بَذَلُوا جُهُودَهُمْ حَتَّى حَصَّلُوا الْعِلْمَ، حَصَّلُوا نَصِيبًا وَافِرًا مِنَ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ الثَّنَاءُ عَلَى الْعِلْمِ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) فاطر: ٢٨ فَحَصَرَ الخَشْيَةَ فِيهُم عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ وَذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ لَهُمْ مِيزَةً عَلَى الآخَرِينَ {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}الزمر: ٩وَالجَوَابُ لَا يَسْتَوِيَانِ (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) الرعد: ١٩فَذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الْعَالِمَ مُبْصِرٌ يُبْصِرُ الطَّرِيقَ إِلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى نَيْلِ كَرَامَتِهِ وَأَنَّ الجَاهِِلَ لَا يُبْصِرُ، يَتَخَبَّطُ وَقَدْ يَقَعُ فِي الشِرْكِ وَفِي الْبِدَعِ المُضِلَّةِ وَيَقَعُ فِيمَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ بِسَبَبِ جَهْلِهِ وَقَدْ ذَمَّ اللهُ الجَهْلَ وَالجَاهِلِينَ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ( فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) الأنعام: ٣٥ إِرْشَادٌ إِلَى الْعِلْمِ وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الجَهْلِ وَالسَعْيِ فِي رَفْعِهِ عَنِ الإِنْسَانِ وَالتَحَلِّي بِحِلْيَةِ الْعِلْمِ الذِي هُوَ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلْعَبْدِ فِي دُنْيَاهُ وَبَرْزَخِهِ وَأُخْرَاهُ.
[1]كُمَيْلُ بْنُ زِيَادِ بْنِ نَهِيكِ النَّخَعِيُّ، تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، مِنْ أَصْحَابِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، شَهِدَ صِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ، وَقَتَلَهُ الْحَجَّاجُ سَنَةَ 82 هـ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: كَانَ ثِقَةً قَلِيلَ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 8/447 - 448، الْأَعْلَامِ 6/93
[2] الجبان في الأصل الصحراء، وأهل الكوفة يسمون المقابر جبانة، كما يسميها أهل البصرة المقبرة. معجم البلدان (2/99-100) ، ومراصد الاطلاع (1/310) .
[3] قال شيخ الإسلام ابن تيمية الحفيد كما في منهاج السنة 5/512: عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ يَقُولُ هَذَا بِالْمَدِينَةِ، لَا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ، وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُ هَذَا فِي خِلَافَتِهِ فِي الْكُوفَةِ ; لِيُعَلِّمَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ مَا يَنْبَغِي لَهُمْ عِلْمُهُ، وَكَانَ هَذَا لِتَقْصِيرِهِمْ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَأْمُرُهُمْ بِطَلَبِ الْعِلْمِ وَالسُّؤَالِ.
[4] الأثر أخرجه أبو بكر الأبهري في "فوائده" (ص32-34/رقم16) ، وابن الشجري في "الأمالي" (1/66). وأخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/79-80) ، والمزي في "تهذيب الكمال" (24/220-222) ، والذهبي في "تذكرة الحفاظ" (1/11). قال الخطيب بعد إيراده لهذا الأثر في "الفقيه والمتفقه" (1/184) : "هذا الحديث من أحسن الأحاديث معنى، وأشرفها لفظاً، وتقسيم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الناس في أوله تقسيم في غاية الصحة، ونهاية السداد، لأن الإنسان لا يخلو من أحد الأقسام الثلاثة التي ذكرها مع كمال العقل، وإزاحة العلل، إما أن يكون عالماً، أو متعلِّماً، أو مُغفَّلاً للعلم وطلبه، ليس بعالم، ولا طالب له".
تعليق