عنوان المادة
عَاقِبَةُ الـمُخَاطَرَةِ بِالدِّيْنِ والْخَوْفُ مِنَ الزَّيْغِ
من شرح كتاب كشف الشبهات
الشريط الثالث
مقطع صوتي / للشَّيْخِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ البَدر -حَفِظهُ الله-
من شرح كتاب كشف الشبهات
الشريط الثالث
مقطع صوتي / للشَّيْخِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ البَدر -حَفِظهُ الله-
تفريغ المادة :
في الحديث المروي عن نبينا -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن غير واحد من الصحابة منهم عائشة وأم سلمة وأنس وغيرهم أن أكثر دعائه -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- : « يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلِْبي عَلَى دِينِكَ » حتى أن أنس -رَضِيَ الله عَنْهُ- قال : قلت يا رسول الله آمنا بك آمنا بالله وبما جئت به أو تخاف علينا وقد حصل لنا هذا الإيمان ؟ قال : نعم هكذا قال -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ- نعم إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء وجاء في الحديث نفسه إن أم سلمة قالت للنبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: أو أن القلوب لتتقلب ؟ قال : « مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا هُوَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنْ يُقَلِّبُهُ كَيْفَ يَشَاءُ فَإِنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ » فإذا أكرم الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ- عبده ومن عليه بمعرفة التوحيد ومعرفة براهينه ودلائله ومعرفة حال النّاس وأكثر النّاس وﭐنصرافهم عنه يفيد هذا الفرح ، ويفيده أيضاً الخوف العظيم ؛ أي على توحيده وعلى إيمانه أن يذهب أن يتغير أن يتبدّل أن يبتلى –وَالْعِيَاذُ بِاللهِ- بشبهات توحيده وهي كثيرةٌ جداً في الحياة الدّنيا شبهات كثيرةٌ صارمةٌ على التوحيد والصادَّةِ عنه وخاصّةً في زماننا مع وسائل الانفتاح الكثيرة التي حصلت وسائل الاتصال ، كثرة الشبهات عند النّاس مع قلّة علمهم بالتوحيد وقلة فهمهم له قلّة بصيرتهم في دلائله وبراهينه وجاءتهم شبهٌ ، شبهٌ جارحةٌ ؛ فهنا يقال بشكل أكبر ما قيل قديماً : ( لَيْسَ الْعَجَبُ مِمَّنْ هَلَكَ كَيْفَ هَلَكَ وَلَكِنَّ الْعَجَبَ مِمَّنْ نَجَا كَيْفَ نَجَا ) الصوارف كثيرةٌ ولا عاصم منها إلَّا الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ولا منجّي منها إلَّا الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾الذاريات:50-51 فيكون الإنسان خائفاً على توحيده وعلى إيمانه وإذا وجد عنده هذا الخوف على توحيده فإنّه لا يصنع صنيعاً ؛ كثيراً من النّاس الذي عنده من أسهل ما يكون أن يخاطر بدينه وهذا واقع كثير من النّاس من السهولة بمكان عنده أن يخاطر بدينه ، وأن يجعل دينه على خطر وذلك من خلال عدم مبالاته والسماع لكل أحد ، ومشاهدة كل شيء والتنقل في الموقع والقنوات ولا يبالي وهذه مخاطرة بالدين ! قد قيل قديماً إن كنت مخاطراً بشيء فلا تخاطر بدينك دينك أغلى شيء عندك وأثمن شيء عندك ومن كان خائفاً على دينه من التغير والتبدل لا يخاطر به ، كيف يخاطر بدينه من عرف دينه وعرف مكانته وذاق طعمه وحلاوته وفرح به ؟ عبدالله ابن مبارك دخل عليه رجل من أهل الاهواء وقال أقرأ عليك آية من كتاب الله ؟ قال أخرجوه عني وهو الفقيه العالم قال أخرجوه عني فقيل له إنّه أراد أن يقرأ عليك آيةً من كتاب الله ، قال خشيت أن يطرح عليّ شبهة تجلجل بقلبي حتى أموت ؛ تبقى تتردد بنفسي حتى أموت شبهة واحدة ! وهو الإمام الجليل ثم ترى الأحداث وقليل العلم والجهّال بدين الله يخاطرون بدينهم ويسمعون لكل احد ويسمعون لكل نافق ويبتلى كثير من القلوب بركام من الشبهات وركام من الوساوس والشكوك ؛ والسبب أن صاحبها خاطر بنفسه وفتح قلبه لكل أحد يلقى فيه من الشبهات بما يشاء .
الشاهد أن من عرف قيمة الدين والتوحيد وفضل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- به وهدايته له وﭐنصراف أكثر النّاس عنه وجهلهم به يفرح به فرحاً عظيماً ، وفي الوقت نفسه يخاف عليه ومن كان عنده كنز ثمين يخاف عليه فانه يكون في حياته في مجاهدة ببقاء هذا الكنز وعدم ذهابه ولا ينبغي للإنسان أن يلتفت إلى الأسباب بل يلتفت قلبه ويعتمد ويتوكل على الله -جَلَّ وَعَلَا- لأن التثبيت بيد الله والتوفيق بيد الله وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الله فيلجأ الى الله صادقاً أن يثبت قلبه وأن لا يزيغه ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾آل عمران:8 يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك كان هذا أكثر دعاء نبينا -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وجاء في الصحيحين أن من دعائه -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- : « اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَْتَ أَنْ تُضِلَّنِي فَأَنْتَ الْحَيُّ الذِي لَا يَمُوت وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ » فيلجأ إلى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ- ويجاهد نفسه على معرفة الأسباب الصحيحة وبذل الأسباب الصحيحة كما قال -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- « ﭐحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَﭐسْتَعِنْ بِاللهِ » وكما قال -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- « ﭐعْمَلُوا فَكُلُّ مُيَسِّرٍ لِمَا خُلِقَ لَهُ » كما أن قال -جَلَّ وَعَلَا- : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾الفاتحة:5 وكما قال -جَلَّ وَعَلَا- : ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾هود:123