نقلا عن كتاب من
اخبار السلف الصالح
لابي يحيى زكريا غلام قادر
طبعة مكتبة الرشد
*بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نستعينه و نحمده و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، و أشهد أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمد عبده و رسوله –صلى الله عليه و سلم – و على آله و صحبه و إخوانه .
أما بعد : فإن قراءة أخبار السلف قراءة من نوع آخر ، فهي تحرِّك القلوب و تشحذ الهمم ،و تصلح النفوس ، كيف لا وهي أخبار قوم عرفوا مل لهم و ما عليهم ، عرفوا كيف يسيرون إلى الله ، عرفوا كيف يعاملون الناس ، عرفوا كيف ينصرون
دين الله ، عرفوا المعنى الحقيقي للحياة ...... إنها أخبار خير أمة و أفضلها ،بل هم خير الناس بعد الأنبياء – صلوات ربي و سلامه عليهم أجمعين – قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله - في لطائف المعارف (112) :
من أين في الأمم مثل أبي بكر الصديق ؟ أو عمر الذي ما سلك طريقا إلا هرب الشيطان من ذلك الطريق ؟! أو عثمان الصابر على مرِّ الضيق ؟ أو عليٍّ بحر العلم العميق ؟ أو حمزة والعباس ؟ أفيهم مثل طلحة والزبير القرنين ؟ أو مثل سعد وسعيد هيهات من أين ؟ أو مثل ابن عوف وأبي عبيدة ؟ ومن مثل الإثنين ؟ إن شبَّهتم بهم أبعدتم القياس! من أين في زهَّاد الأمم مثل أويس ؟ أو في عبَّادهم مثل عامر بن عبد قيس ؟ أو في خائفهم مثل عمر بن عبد العزيز ؟! أفيهم أعلى من الحسن البصري وأنبل ؟ أو ابن سيرين الذي بالورع تقبَّل ؟ أو سفيان الثوري الذي بالخوف والعلم تسربل ؟ أو مثل أحمد الذي بذل نفسه لله وسبَّل ؟ّ!اهـ.
وقال ابن الجوزي في (صيد الخاطر/71) : رأيت الاشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب إلا أن يمزج بالرقائق والنظر في سير السلف الصالحين، لأنهم تناولوا مقصود النقل وخرجوا عن صور الأفعال المأمور بها إلى ذوق معانيها والمراد بها؛ وما أخبرتك بهذا إلا بعد معالجة وذوق لأني وجدت جمهور المحدثين وطلاب الحديث همة أحدهم في الحديث العالي وتكثير الأجزاء، وجمهور الفقهاء في علوم الجدل وما يغالب به الخصم، وكيف يرق القلب مع هذه الأشياء ؟! وقد كان جماعة من السلف يقصدون البعد الصالح للنظر إلى سمته وهديه، لا لاقتباس علمه وذلك أن ثمرة علمه هديه ؛ سمته . فافهم هذا وامزج طلب الفقه والحديث بمطالعة سير السلف والزهاد في الدنيا ليكون سبباً لرقة قلبك.انتهى.
و لقد وفقَّني الله تعالى فجمعت في هذا الكتاب مجموعة من الفوائد البَهِيَّة و الفرائد السَّلفية في أخبار مَن ذهب من سلفنا الصالح – رحمهم الله – و أحبُّ أن أنبِّه هنا إلى أمرين :
◾الأمر الأول : أن الآثار الواردة عن السلف لا تجري عليها القواعد الحديثية كما تجري على الأحاديث المرفوعة ، فإنَّ الأئمة يتجوَّزون في مثل هذا ، إذا كان في الأثر ما يُستنكر كما تجده في الوسط لأبن المنذر ، أو سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي – رحمه الله – (انظر مثلا 4/422، 5/85 ، 471 ، 9/575، 10/263) .
◾قال الحافظ الألباني – رحمه الله – في (مختصر العلو /20):
و تسامحت في أيراد بعض الآثار و الأقوال التي في السند إلى أصحابها ضعف أو جهالة ، لأنها ليست كالأحاديث المرفوعة التي يجب الاحتجاج بها واتخاذها ديناً ، و إنما ذُكِرَت للاستئناس بها و الاستشهاد فقط . اهـ
قلت :إلا آثار الصحابة فإنها حجة على الصحيح من أقوال العلماء كما بينته في كتاب (توضيح أصول الفقه على منهج أهل الحديث /8.
و كل ما أذكره عن الصحابة في هذا الكتاب فهو ثابت عنهم .
و الأمر الثاني : أنه لا يؤخذ بما ورد عن السلف في شيءٍ مخالف للكتاب و السنَّة ، و ذلك لأنَّه لا عبرة بقول أحدٍ إذا خالف الكتاب أو السنة .
مثاله ما ورد عن الإمام وكيع بن الجراح –رحمه الله – انه كان يصوم الدهر ! و يختم القرآن في ليلة!.
قال الحافظ الذهبي في السير (9/143): قد صحَّ نهيه – صلى الله عليه و سلم – عن صوم الدهر، و صحَّ أنه نهى أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث ، و الدِّين يُسرٌ ، و متابعة السنَّة أولى ، فرضي اللهَ عن وكيع ، و أين مثل وكيع ؟ّ!...و كلُّ أحدٍ يُؤخذ من قوله و يُترك، فلا قُدوة في خَطَإِ العالم ، نعم لا يُوبَّخ بما فعله باجتهاده، و نسال الله المسامحة اهـ.
أسأل الله بأسماء الحسنى و صفاته العلى أن ينفع بهذا الجمع جامعه و سامعه ، و أن يرزقنا اتباع السلف الصالح في أمورنا كلِّها ، آمين آمين.
و الحمد لله أولاً و آخراً و ظهراً و باطناً .
و كتبه: ابو يحيى زكريا بن غلام قادر
لثلاث ليالٍ بقين من شهر صفر
لعام 1424 من هجرة المصطفى – صلى الله عليه و سلم -
و فرغ المقدمة من الكتاب : أبو عبد الله أحمد التويجري
اليوم التاسع من شهر ذي الحجة
لعام 1434 من هجرة المصطفى – صلى الله عليه و سلم -
اخبار السلف الصالح
لابي يحيى زكريا غلام قادر
طبعة مكتبة الرشد
*بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نستعينه و نحمده و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، و أشهد أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمد عبده و رسوله –صلى الله عليه و سلم – و على آله و صحبه و إخوانه .
أما بعد : فإن قراءة أخبار السلف قراءة من نوع آخر ، فهي تحرِّك القلوب و تشحذ الهمم ،و تصلح النفوس ، كيف لا وهي أخبار قوم عرفوا مل لهم و ما عليهم ، عرفوا كيف يسيرون إلى الله ، عرفوا كيف يعاملون الناس ، عرفوا كيف ينصرون
دين الله ، عرفوا المعنى الحقيقي للحياة ...... إنها أخبار خير أمة و أفضلها ،بل هم خير الناس بعد الأنبياء – صلوات ربي و سلامه عليهم أجمعين – قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله - في لطائف المعارف (112) :
من أين في الأمم مثل أبي بكر الصديق ؟ أو عمر الذي ما سلك طريقا إلا هرب الشيطان من ذلك الطريق ؟! أو عثمان الصابر على مرِّ الضيق ؟ أو عليٍّ بحر العلم العميق ؟ أو حمزة والعباس ؟ أفيهم مثل طلحة والزبير القرنين ؟ أو مثل سعد وسعيد هيهات من أين ؟ أو مثل ابن عوف وأبي عبيدة ؟ ومن مثل الإثنين ؟ إن شبَّهتم بهم أبعدتم القياس! من أين في زهَّاد الأمم مثل أويس ؟ أو في عبَّادهم مثل عامر بن عبد قيس ؟ أو في خائفهم مثل عمر بن عبد العزيز ؟! أفيهم أعلى من الحسن البصري وأنبل ؟ أو ابن سيرين الذي بالورع تقبَّل ؟ أو سفيان الثوري الذي بالخوف والعلم تسربل ؟ أو مثل أحمد الذي بذل نفسه لله وسبَّل ؟ّ!اهـ.
وقال ابن الجوزي في (صيد الخاطر/71) : رأيت الاشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب إلا أن يمزج بالرقائق والنظر في سير السلف الصالحين، لأنهم تناولوا مقصود النقل وخرجوا عن صور الأفعال المأمور بها إلى ذوق معانيها والمراد بها؛ وما أخبرتك بهذا إلا بعد معالجة وذوق لأني وجدت جمهور المحدثين وطلاب الحديث همة أحدهم في الحديث العالي وتكثير الأجزاء، وجمهور الفقهاء في علوم الجدل وما يغالب به الخصم، وكيف يرق القلب مع هذه الأشياء ؟! وقد كان جماعة من السلف يقصدون البعد الصالح للنظر إلى سمته وهديه، لا لاقتباس علمه وذلك أن ثمرة علمه هديه ؛ سمته . فافهم هذا وامزج طلب الفقه والحديث بمطالعة سير السلف والزهاد في الدنيا ليكون سبباً لرقة قلبك.انتهى.
و لقد وفقَّني الله تعالى فجمعت في هذا الكتاب مجموعة من الفوائد البَهِيَّة و الفرائد السَّلفية في أخبار مَن ذهب من سلفنا الصالح – رحمهم الله – و أحبُّ أن أنبِّه هنا إلى أمرين :
◾الأمر الأول : أن الآثار الواردة عن السلف لا تجري عليها القواعد الحديثية كما تجري على الأحاديث المرفوعة ، فإنَّ الأئمة يتجوَّزون في مثل هذا ، إذا كان في الأثر ما يُستنكر كما تجده في الوسط لأبن المنذر ، أو سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي – رحمه الله – (انظر مثلا 4/422، 5/85 ، 471 ، 9/575، 10/263) .
◾قال الحافظ الألباني – رحمه الله – في (مختصر العلو /20):
و تسامحت في أيراد بعض الآثار و الأقوال التي في السند إلى أصحابها ضعف أو جهالة ، لأنها ليست كالأحاديث المرفوعة التي يجب الاحتجاج بها واتخاذها ديناً ، و إنما ذُكِرَت للاستئناس بها و الاستشهاد فقط . اهـ
قلت :إلا آثار الصحابة فإنها حجة على الصحيح من أقوال العلماء كما بينته في كتاب (توضيح أصول الفقه على منهج أهل الحديث /8.
و كل ما أذكره عن الصحابة في هذا الكتاب فهو ثابت عنهم .
و الأمر الثاني : أنه لا يؤخذ بما ورد عن السلف في شيءٍ مخالف للكتاب و السنَّة ، و ذلك لأنَّه لا عبرة بقول أحدٍ إذا خالف الكتاب أو السنة .
مثاله ما ورد عن الإمام وكيع بن الجراح –رحمه الله – انه كان يصوم الدهر ! و يختم القرآن في ليلة!.
قال الحافظ الذهبي في السير (9/143): قد صحَّ نهيه – صلى الله عليه و سلم – عن صوم الدهر، و صحَّ أنه نهى أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث ، و الدِّين يُسرٌ ، و متابعة السنَّة أولى ، فرضي اللهَ عن وكيع ، و أين مثل وكيع ؟ّ!...و كلُّ أحدٍ يُؤخذ من قوله و يُترك، فلا قُدوة في خَطَإِ العالم ، نعم لا يُوبَّخ بما فعله باجتهاده، و نسال الله المسامحة اهـ.
أسأل الله بأسماء الحسنى و صفاته العلى أن ينفع بهذا الجمع جامعه و سامعه ، و أن يرزقنا اتباع السلف الصالح في أمورنا كلِّها ، آمين آمين.
و الحمد لله أولاً و آخراً و ظهراً و باطناً .
و كتبه: ابو يحيى زكريا بن غلام قادر
لثلاث ليالٍ بقين من شهر صفر
لعام 1424 من هجرة المصطفى – صلى الله عليه و سلم -
و فرغ المقدمة من الكتاب : أبو عبد الله أحمد التويجري
اليوم التاسع من شهر ذي الحجة
لعام 1434 من هجرة المصطفى – صلى الله عليه و سلم -