أين قلبك من خطبة الجمعة ؟! |
عناصر الخطبة :
قصّة تأثّر الصّحابي ضماد ـ رضي الله عنه ـ بخطبة الحاجة وإسلامه بسببها / الواقع المرير للأمّة تجاه خطبة الجمعة / دعوةٌ لمراجعة النّفس تجاه خطبة الجمعة / وسائل مفيدة للتّأثر بخطبة الجمعة / نماذج من تأثّر السّلف بالمواعظ ودعوة لتمثّل سبيلهم .
الخطبة الأولى :
إنّ الحمد لله نحمده ، و نستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأ شهد أ ن محمداً عبدُه و رسولُه .
(( يَاأَيها الذين آ مَنُوا اتقُوا اللهَ حَق تُقَا ته ولاتموتن إلا وأنتم مُسلمُون ))
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ))
(( يَا أ يها الذين آ منوا اتقوا الله وقولوا قَو لاً سَديداً يُصلح لَكُم أَ عما لكم وَ يَغفر لَكُم ذُ نُو بَكُم وَ مَن يُطع الله وَ رَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظيماً ))
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ عزّوجل ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ...(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ))
(( يَا أ يها الذين آ منوا اتقوا الله وقولوا قَو لاً سَديداً يُصلح لَكُم أَ عما لكم وَ يَغفر لَكُم ذُ نُو بَكُم وَ مَن يُطع الله وَ رَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظيماً ))
(( إنّ الحمد لله نحمده ، و نستعينه ، ونستغفره .. )) كلمات لها قصّة ، وفي القصّة عبرة ، يرويها الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ ضِمَادًا ـ رضي الله عنه ـ قَدِمَ مَكَّةَ ـ قبل إسلامه ـ وَكَانَ يَرْقِي فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ ، فَقَالَ لَوْ أَنِّى رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ ، فَلَقِيَهُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَرْقِي ، وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِى عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ ، فَهَلْ لَكَ [ يعني في أن أرقيك؟! ] ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : « إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ » فَقَالَ ضماد : أَعِدْ عَلَىَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاَءِ ، فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، فَقَالَ ضماد بعد ذلك : لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السَّحَرَةِ وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاَءِ ، ثمّ قَالَ : هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلاَمِ فَبَايَعَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ « وَعَلَى قَوْمِكَ ؟ » ، قَالَ وَعَلَى قَوْمِي !!
إنّها كلمات يسيرات ، وفي مجلس واحد ، تأثّر بها ضماد ـ رضي الله عنه ، نقلته من لجّة الكفر إلى لذة التوحيد ، وأخرجته من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام ؟ بل أخرجته وأخرجت قومه معه !
كلماتٌ لطالما ترددت على منابرنا ، لطالما تكرّرت في الجمعة على مسامعنا ، فأين أثرها وأثر ما بعدها من الموعظة علينا من أثرها على ضمادٌ ـ رضي الله عنه ؟
عباد الله : لقد منّ الله عليكم بيوم هو خير الأيام ، قال عنه نّبيكم ﷺ :«خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة »[ رواه مسلم ]، وزيّنه لكم بشرعة هي أحكم الشّرائع ، فكتب عليكم فيه صلاةً هي أفرض الصلوات صلاة الجمعة ، وقدّمها لكم بخطبة فقال تعالى :(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ )) ــ أي: الصّلاة، وقيل: الخطبة والمواعظ ــ لتخرجوا ـ عباد الله ـ بعد الذكر بقلوب غير التي دخلتم بها ، وبحال غير التي ولجتم بها ، متّعظين معتبرين ، بالإيمان مُثقلين ، وعن الذنوب والزلل تائبين .
عباد الله : لقد أضحت خطبة الجمعة ـ وللأسف ـ هي الفرصة الوحيدة لكثير من المسلمين في سماع العلم ، حين فرّطوا في دينهم فما تفقهوا فيه ، ويتلوا أوّل الأسفِ ؛ أسفٌ وألفُ أسفٍ ، حين تقلّب ناظريك في أبناء أمّة الجمعة فلا ترى لها فيهم أثرا، ولا تلحظ لها عليهم خبرا.
عباد الله : ما يزيد على خمسين خطبة في العام ، تتلقّاها القلوب كل سبعة أيّام ، أين أثرها على قلوبنا ؟؟ أين أثرها على سلوكنا وأخلاقنا عباداتنا ؟؟ أين أثرها على علاقتنا بربّنا ؟ ووالدينا وإخواننا وجيراننا ؟؟
اسأل نفسك أيّها المبارك : كم خطبة حضرت ؟.. يا ابن عشرين سنة كم خطبة سمعت ؟.. يا ابن ثلاثين؟.. يا ابن أربعين ، خمسين وستين ؟.. كم موعظة وُعظنا وكم تذكرة ذُكّرنا ؟..
جمعاتٍ وجمعاتٍ تمرّ علينا مرور الكرام، دون أن نعيرها أدنى اهتمام ، قد جفّ حلق الخطيب فيها وعظا وتّذكيرا ، وفرغت جعبته من المواضيع إنذارا وتبشيرا ، فتراه تارة عن شرّ الشرك والظلم ، والربا والزنا ، والخمر والغنا يحذر، وتارة بفضل التوّحيد والعدل ، والبرّ والصلة يبشِّر، وأخرى بعذاب النّار يعظ، وبنعيم الجنّة يذكّر، يستلين الناس بالرغبة إذا عصوا ، ويستميل أفئدتهم بالرهبة إذا تفلّتوا ، ولكن :
ونحن إذا نهينـا أو أمرنـا == كأهل الكهف أيقاظ نيام
ولا عجب ، لا عجب ـ عباد الله ـ إن كان حالنا مع خطبة الجمعة والتأثر بها على هذا المستوى الدنيء ـ ذلك : أنّك ترى أفواجا وأفواجا من النّاس يتأخرون عنها ،
وترى هذا حين الخطبة لسقف المسجد مبحلق ،
وذاك عينه في ساعته محدق ،
وآخر في نوم عميق مستغرق ،
وترى هذا حين الخطبة لسقف المسجد مبحلق ،
وذاك عينه في ساعته محدق ،
وآخر في نوم عميق مستغرق ،
ولو سألت بعض المصلين بعد الصلاة عن موضوع الخطبة لما عرف ولا للإجابة أدرك ، الإمام في واد وهو في وادٍ غيرِ الذي سلك ، إلا من رحم الله ، فإنّا لله ، ما أشبه حالهم بحال من قال فيهم الباري جلّ جلاله : (( ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم )) .
يا أمّة الجمعة : عظموا هذا اليوم حقّ تعظيمه ، واقدروه حقّ قدره ، فإنّ تعظيمه من تعظيم الله، ومن أعظم مظاهر تعظيم هذا اليوم تعظيم الخطبة التي اختصّت به .
يا أمّة الجمعة : لا بدّ أن نعيد النظر في نياتنا ومقاصدنا ونصحح تصوراتنا ومفاهيمنا لخطبة الجمعة ، لا ينبغي أن يكون حضورنا لأجل إبراء الذّمة بأداء الفرض فحسب ؛ لا ينبغي أن يكون حضورنا للجمعة حضور عادة ورثت عن الآباء والأجداد ، لا ينبغي أن يكون حضورنا مجاملة للنّاس وتسليما لأعراضنا من قدحهم فينا إذا تخلفنا عنها ، كلا ، بل لابد أن يكون الحضور حضور عبادة لله وحده ، مخلصين له الدين ، منتفعين بالموعظة ومستفيدين .
اسمع إلى وصيّة ابن حزم ـ رحمه تعالى ـ لي ولك حين يقول : ( إذا حضرت مجلس علم فلا يكن حضورك إلّا حضور مستزيد علما وأجرا لا حضور مستغن بما عندك ، طالبا عثرة تشِيعها، أو غريبة تشنّعها فهذه أفعال الأرذال الذين لا يفلحون في العلم أبدا فإذا حضرتها على هذه النية فقد حصلت خيرا على كل حال ) ا.هـ ، أمّا توطين النّفس على عدم الانقياد للحقّ فلا ينفع معه تذكير ولا وعظ .
ألا وإنّ خيرَ ما يستعين به العبد على الانتفاع من الذكرى : حسن الاستماع والإنصات ، قال الله تعالى : (( إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد )) أي : وجه سمعه وأصغى به إلى ما يقال له وهذا شرط التأثر بالكلام ، قال الله عز وجل : (( إنّما يستجيب الذين يسمعون )) ، وممّن لا يسمعون ؛ من للجمعة يتركون ، أو عن خطبتها يتأخّرون ولا يبكّرون .
هذا وقد جاء التّحذير مما يضاد هذا المعنى من الانشغال بغير الجمعة ، ولو كان أمرا بمعروف أو نهي عن منكر؛ قال ﷺ : « من مسّ الحصى فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له » ، وقال: « إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغوت ».
أيّها المباركون : احرصوا على الانتفاع من خطبة الجمعة وأحضروا قلوبكم ولا تكونوا من الغافلين
- لا تكونوا من الذين لا يطيب لهم مراجعة حساباتهم الماليّة إلا حين يرتقي المنبرَ الإمام .
- لا تكونوا أحلاس بطونٍ لا يحلو لهم الفكر حينها إلاّ فيما سيتناولونه بعد الصلاة من الشراب و الطعام .
- لا تكونوا من الذين لا يلتذ لهم نعاس ولا يهنأ لهم نوم إلا حين يُلقى على مسامعهم ميراث النبوة من الحلال والحرام .
ولو كان الواحد منهم في مجلس لغو أو غيبة أو لهو أو ريبة ، إذا هو من أنشط النّاس ، فهذه رزية وأي رزية وبلية ما بعدها بلية ، روي أن رجلاً قال لخالدِ بن صفوانَ : مالي إذا رأيتكم تذاكرون الأخبار وتدارسون الآثار وتناشدون الأشعار وقع عليَّ النوم ؟ فقال : ( لأنّك حمارفي مسلاخ إنسان ) .
لقد شرع لكم نبيكم من الآداب ما يتحقق به حضور القلب في خطبة الجمعة ؛ من الاغتسال قبلها والتّطيب لها ولبس نظيف الثياب عند السّعي إليها والقرب من الإمام ، ويجد العبد بذلك من راحة القلب وخفّة النفس وانشراح الصدر ما يتهيّؤ معه تمامَ التهيئِ لسماع موعظة الجمعة والانتفاع بها ، ألا فاحرصوا على سنّة نبيكم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا تزهدوا فيها .
أيها المباركون : احرصوا على الانتفاع من خطبة الجمعة وليستشعر كل واحد منكم أنّه المقصود بموعظة الجمعة ، استشعر ـ أيّها المبارك ـ أنّك المخاطب بالتّذكرة ، قال ابن القيم رحمه الله : (إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه وألق سمعك واحضر حضور من يخاطِبُه به من تكلّم به سبحانه منه إليه فإنّه خاطب منه لك على لسان رسوله) ا.هـ
ألا وإنّ من أعظم الخذلان ـ عباد الله ـ أن يسمع العبد النّصح والإرشاد فيجول في خاطره، أن يا ليت فلانا هنا فيسمع ، أو يقول في نفسه ، الخطيب يقصد زيدا أو عمرا فلعله ينتفع ويرتدع ، ألا فلا يكن حالك كحاله .
أيها المباركون : احرصوا على الانتفاع من خطبة الجمعة ، واستعينوا على ذلك بغرس الخشية من الله في قلوبكم ، وزرع الخوف من الله على أفئدتكم ، فلا ينتفع بالموعظة أحد كأهل خشية الله ، مصداق ذلك قوله تعالى : (( فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى )) وقال : (( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد )) ، أمَا ومن ضعفت خشية الله في قلبه ، وهزل خوف الله في فؤاده فما أحراه أن يقع في الذنب والمعصية ، وما أجدره بعدُ أن لا ينتفع بالموعظة ، فإنّ الذّنوب تغطي على القلوب ، وإذا أظلمت مرآة القلب لم يبن فيها وجه الهدى ، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ : « إنّ المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صُقِل قلبه، فإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، وذاك الران الذي ذكر الله في القرآن : (( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )) » وقال الحسن البصري : ( هو الذنب على الذنب، حتى يعمى القلب، فيموت ) ا.هـ ، ومن مات ـ أيها النّاس ـ من مات قلبه فأنّى يكونللموعظة مدخل إلى قلبه ، فربّكم جل وعلا قال: (( إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب )) أي : قلب حي يعقل عن الله ...
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ،
فيا أمّة محمد ﷺ ، إليكم هذه التّأملات ، وانظروا في هذه الصفحات ؛ من الرّعيل الأوّل ؛ من السّلف الصّالح ؛ من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ وأتباعهم وحالهم في الاستجابة للتّذكرة والتّأثر بالموعظة :
- تأمّلوا عباد الله ما رواه البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ الرَّجُلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا فَأَقُصَّهَا عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فرأى رؤيا فقصّها عَلَى حَفْصَةَ ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ ». كلمة واحدةٌ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتدرون كيف تعامل معها ابن عمر ؟؟ قَالَ سَالِمٌ : ( فَكَانَ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً) !! وأنت .. كم سمعت من موعظة ـ لا أقول عن قيام الليل ـ وإنما عن المحافظة على الصّلاة في وقتها أو في جماعة المسلمين ؟ لكن .. الحال هي الحال والتّأخير هو التأخير والغفلة هي الغلفة! ومنّا من لا يصلي الفجر إلا بعد شروق الشمس ، وإنا لله .
- تأملوا عباد الله مارواه أبو داود عن أم سلمة قالت : لما نزلت ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من الأكسية !! ونساءنا وبناتنا ما زلن يناقشن في الجلباب ، ولم يقتنعن بعد بوجوب بالحجاب ، والمنابر تكاد تنطق مللا من كثرة ما ينهى فيها على التّبرج ، وآباءنا ساكتون ، وكأن الأمر لا يعنيهم ؟؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون .
- تاملوا ما جاء في الصَّحيحين من حديث أنس ـ وكان ـ رضي الله عنه ـ خادمًا عند أبي طَلْحة ـ وكان يومًا يسقيهم الخمر قبل التَّحريم ، وبَيْنَا هو كذلك إذ أتى آتٍ وقال: حُرِّمت الخمر، فأمروا فورًا بإراقتها ؛ مع تعلُّق النُّفوس بها واعتيادهم عليها ، وكان ذلك آخرُ عهدهم معها !! فما بال شبابنا على الخمور عاكفين ، وللمخدرات مدمنين ، ومال آخرين بالتدخين والشيشة يجاهرون ، ألا يستحون من الله أم منه لا يخافون ؟؟؟
- تأملوا ـ عباد الله ـ ما ذُكر عن بدء زهد عبد الله بن المبارك وتوبته فقال: كنت يوما مع إخواني في بستان لنا، وذلك حين حَمِلَت الثمار من ألوان الفواكه، فأكلنا وشربنا حتى الليل فنمنا، يقول : وكنت مولعا بضرب العود والطنبور، فقمت في بعض الليل فضربت بالعود وطائر فوق رأسي على الشجرة والعود بيدي لا يجيبني إلى ما أريد، وإذا به ينطق كم ينطق الإنسان ويقول: (( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )) قال : قلت : بلى والله، وكسرت العود، وصرفت من كان عندي، فكان هذا أوّل زهدي !! ونحن ـ عباد الله ـ كم سمعنا من خطبة حول الغناء ، كم ذكرنا ونصحنا في ترك المعازف ، ولكن سيارات بعضنا تخلو من كل شيئ إلا من أشرطة الغناء ، وأعراس بعضنا لاتحلو إلا برفع أصوات المعازف على الملا ، فهل أنتم منتهون ولآلات اللهو متلفون ؟؟
ألا فيا أمّة الجمعة ، يا أمّة التوحيد : احرصوا على الاستفادة مما يلقى على مسماعكم من العلم في خطبة الجمعة ، واعملوا به ... أثبتوا صدق إيمانكم بالانتفاع بها (( فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين )) ... لِتكن خطبة الجمعة حجة لكم عند الله يوم المعاد لا حجة عليكم ... واعلموا ـ بارك الله فيكم ـ أنَّ نبيكم ﷺ أخبر بأنّكم يوم القيامة تسألون عن العلم الَّذي حصَّلتموه ؛ فعن أبي بَرْزَةَ الأسْلَمي رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: « لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ - وذكر منها ﷺ : عَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ بِهِ» .
ألا فيا عباد الله : اعملوا بما تتعلمون من خطبة الجمعة ، فإنّه لا خيار لكم إلا العمل :(( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا )) أما ومن لم يقم لما يسمع من الموعظة وزنا ، فما أعظم ما ينتظره من الوعيد ؛ قال ربّكم جل جلاله : (( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا)) ، يحرمون الهداية والله المستعان .
أيا عبد الله : لتكن هذه الخطبة التي سمعتها اليوم ، مفتاح ما تتلقى من الخطب فيما يأتي ، وليكن لخطبة الجمعة شأن آخر في حياتك ، استعدادا لحضورها ، وإصغاء عند سماعها ، وعملا بما فيها من العلم بعد الفراغ منها ، ولو أنّك عكفتَ على خطبة الجمعة تُصلح بها نفسك في كل أسبوع ؛ فما أحرى أن تتغير حياتك ، ويصلح قلبك وبالك ، وتسعد في بقة أيّامك .
نسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا وأن يعلمنا ما ينفعنا وأن يزيدنا علما .
اللهم إنّا نسألك علما نافعا ، وعملا متقبلا ، ورزقا طيّبا .
اللهم آتنا في الدنا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
وصلّ اللّهم وسلّم على نبيّنا محمد .
اللهم إنّا نسألك علما نافعا ، وعملا متقبلا ، ورزقا طيّبا .
اللهم آتنا في الدنا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
وصلّ اللّهم وسلّم على نبيّنا محمد .
ملاحظة : | لا تزال الخطبةُ معرضةً للتّعديل ، معروضةً للنّقد والتّوجيه . |
تعليق