هل ينفع الإستغفار بلا توبة ؟
**يرى بعض العلماء أنّ الاستغفار طريق التوبة وأنه لا ينفع مع الإصرار على الذنب؛ فلا ينفع إلا بتوبة، لأنّ الطريق إذا لَمْ يوصِل إلى المقصود فإنه غير نافع؛ فبعض أهل العلم يقول: الاستغفار طريق التوبة، فلابد أن تكون معه توبة حتى ينفع.
**ويرى بعض أهل العلم أنّ الاستغفار ينفع بلا توبة؛ بدليل وروده مفردًا فِيْ النصوص، وإفراده يدلّ على نفعه بذاته.
أين تظهر فائدة المسألة؟
تظهر فائد المسألة فيمن فعل ذنبًا وأصرّ عَلَيه واستغفر.إنسان يشرب الدخان، وشرب الدخان ذنب،ويكاد يَكون عَلَيه اليوم اتفاق اهل العلم الَّذِينَ يؤخَذ برأيهم فِيْ الفتوى أنه حرام. طيب؛ يشرب الدخان وبعدما ينتهي من السيجارة يقول: أستغفر الله، لكن هُوَ عازم أنه سيشرب بعد ساعة أوساعتين. فهو مصرّ؛ هنا وُجد الاستغفار ولم توجَد التوبة.إن قلنا: إنّ الاستغفار لا ينفع إلا مع توبة؛ فهٰذا الاستغفار ضائعٌ لا ينفعه.وإن قلنا إنّ الاستغفار ينفع من غير توبة؛فهٰذا الاستغفار ينفعه.والتحقيق من أقوال أهل العلم فِيْ المسألة: أنّ الاستغفار لا يخلو من حالَين:
الحالة الأولى: أن يَكون من باب استغفار الغير للمذنب.مثل استغفار الملائكة لمن قعد فِيْ المصلى ما لَمْ يُحدِث؛ «اللهم اغفر له، اللهم ارحمه». ومثل استغفار الولد لأبيه؛ وهٰذا ينفع بلا توبة؛ والدليل على ذٰلك أنه مطلوب للميت، والمعلوم انّ الميت لا يتوب. النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمّا مات النجاشي نعاه لأصحابه فِيْ اليوم الَّذِي مات فيه وقال: «استغفروا لأخيكم» وقَدْ مات! وكان يقف على القبر ويقول: «استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يُسأل» وقَدْ مات، لا يُتصوّر منه أن يتوب. ومن وجه آخر: أنه طُلِب شرعًا، ومَا دام أنه طُلِبَ شرعًا فلابد أن يَكون نافعًا.
قاعدة: ما طلب الله منّا شيئًا إلا وهو نافع.فإنّ الله لَمْ يأمرنا تشديدًا علينا، وإنّما أمرنا بما فيه المصلحة العاجلة و الآجلة.
الحالة الثانية: استغفار المذنِب بنفسه. والصحيح أنه ينفع صاحبه بشرط أن يَكون نابعًا من خوف الله، فيكون صادرًا من خشية الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى- حقًا وصدقًا.
فيكون حال العبد بين حالين: حال الخوف من الله وحال الضعف مع الشهوة، فإذا تذكَّر الخوف من الله استغفر، وإذا غلبته الشهوة فَعَلَ، فهٰذا ينفعه.أما الاستغفار باللسان من غير أن يَكون نابعًا من خشية الله؛ فهٰذا استغفار الكذابِين، الَّذِي يقول بلسانه استغفر الله وليس فِيْ قلبه استشعار للذنب الَّذِي يفعل ولخوف المعاقبة؛ فهٰذا يكذب فِيْ استغفاره ولا ينفعه.
إذن نقول: إنّ القول الوسط فمن أقوال اهل العلم فِيْ استغفار المذنب من غير توبة: أنّ ذٰلك ينفعه إذا كان ذٰلك نابعًا من خشية الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالى-. أما إذا كان باللسان فقط دون استشعارالقلب فإنه لا ينفع صاحبه.
ولذلك قال الشيخ –رحمه الله- : «فإنّ الله تعالى قد يغفر له إجابة لدعائه؛ وإن لَمْ يتب» قال: « فإذا اجتمعت التوبة والاستغفار فهو الكمال»فجمع الإنسان بين التوبة والاستغفار كما قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَافَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَافَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران : 135]. فجمع هنا بين الاستغفار والتوبة،فالاستغفار: أنهم ذكروا الله فاستغفروا، والتوبة: أنهم لَمْ يصروا، فجمعوا بين التوبة والاستغفار. وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إني لأستغفر الله وأتوب إليه فِيْ اليوم أكثر من سبعين مرة» رواه البخاري فِيْ الصحيح. فدلّ ذٰلك على أنّ الجمع بين التوبة والاستغفار كمالٌ للعبد إذا وقع فِيْ الذنب.
______________________
المصدر: شرح الوصِيَّة الصُّغرَى لشيخ الإسلام ابن تيمية | شرح فضيلة الشيخ سُليمَان بنُ سَليمِ اللهِ الرُّحيليّ
**يرى بعض العلماء أنّ الاستغفار طريق التوبة وأنه لا ينفع مع الإصرار على الذنب؛ فلا ينفع إلا بتوبة، لأنّ الطريق إذا لَمْ يوصِل إلى المقصود فإنه غير نافع؛ فبعض أهل العلم يقول: الاستغفار طريق التوبة، فلابد أن تكون معه توبة حتى ينفع.
**ويرى بعض أهل العلم أنّ الاستغفار ينفع بلا توبة؛ بدليل وروده مفردًا فِيْ النصوص، وإفراده يدلّ على نفعه بذاته.
أين تظهر فائدة المسألة؟
تظهر فائد المسألة فيمن فعل ذنبًا وأصرّ عَلَيه واستغفر.إنسان يشرب الدخان، وشرب الدخان ذنب،ويكاد يَكون عَلَيه اليوم اتفاق اهل العلم الَّذِينَ يؤخَذ برأيهم فِيْ الفتوى أنه حرام. طيب؛ يشرب الدخان وبعدما ينتهي من السيجارة يقول: أستغفر الله، لكن هُوَ عازم أنه سيشرب بعد ساعة أوساعتين. فهو مصرّ؛ هنا وُجد الاستغفار ولم توجَد التوبة.إن قلنا: إنّ الاستغفار لا ينفع إلا مع توبة؛ فهٰذا الاستغفار ضائعٌ لا ينفعه.وإن قلنا إنّ الاستغفار ينفع من غير توبة؛فهٰذا الاستغفار ينفعه.والتحقيق من أقوال أهل العلم فِيْ المسألة: أنّ الاستغفار لا يخلو من حالَين:
الحالة الأولى: أن يَكون من باب استغفار الغير للمذنب.مثل استغفار الملائكة لمن قعد فِيْ المصلى ما لَمْ يُحدِث؛ «اللهم اغفر له، اللهم ارحمه». ومثل استغفار الولد لأبيه؛ وهٰذا ينفع بلا توبة؛ والدليل على ذٰلك أنه مطلوب للميت، والمعلوم انّ الميت لا يتوب. النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمّا مات النجاشي نعاه لأصحابه فِيْ اليوم الَّذِي مات فيه وقال: «استغفروا لأخيكم» وقَدْ مات! وكان يقف على القبر ويقول: «استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يُسأل» وقَدْ مات، لا يُتصوّر منه أن يتوب. ومن وجه آخر: أنه طُلِب شرعًا، ومَا دام أنه طُلِبَ شرعًا فلابد أن يَكون نافعًا.
قاعدة: ما طلب الله منّا شيئًا إلا وهو نافع.فإنّ الله لَمْ يأمرنا تشديدًا علينا، وإنّما أمرنا بما فيه المصلحة العاجلة و الآجلة.
الحالة الثانية: استغفار المذنِب بنفسه. والصحيح أنه ينفع صاحبه بشرط أن يَكون نابعًا من خوف الله، فيكون صادرًا من خشية الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى- حقًا وصدقًا.
فيكون حال العبد بين حالين: حال الخوف من الله وحال الضعف مع الشهوة، فإذا تذكَّر الخوف من الله استغفر، وإذا غلبته الشهوة فَعَلَ، فهٰذا ينفعه.أما الاستغفار باللسان من غير أن يَكون نابعًا من خشية الله؛ فهٰذا استغفار الكذابِين، الَّذِي يقول بلسانه استغفر الله وليس فِيْ قلبه استشعار للذنب الَّذِي يفعل ولخوف المعاقبة؛ فهٰذا يكذب فِيْ استغفاره ولا ينفعه.
إذن نقول: إنّ القول الوسط فمن أقوال اهل العلم فِيْ استغفار المذنب من غير توبة: أنّ ذٰلك ينفعه إذا كان ذٰلك نابعًا من خشية الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالى-. أما إذا كان باللسان فقط دون استشعارالقلب فإنه لا ينفع صاحبه.
ولذلك قال الشيخ –رحمه الله- : «فإنّ الله تعالى قد يغفر له إجابة لدعائه؛ وإن لَمْ يتب» قال: « فإذا اجتمعت التوبة والاستغفار فهو الكمال»فجمع الإنسان بين التوبة والاستغفار كما قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَافَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَافَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران : 135]. فجمع هنا بين الاستغفار والتوبة،فالاستغفار: أنهم ذكروا الله فاستغفروا، والتوبة: أنهم لَمْ يصروا، فجمعوا بين التوبة والاستغفار. وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إني لأستغفر الله وأتوب إليه فِيْ اليوم أكثر من سبعين مرة» رواه البخاري فِيْ الصحيح. فدلّ ذٰلك على أنّ الجمع بين التوبة والاستغفار كمالٌ للعبد إذا وقع فِيْ الذنب.
______________________
المصدر: شرح الوصِيَّة الصُّغرَى لشيخ الإسلام ابن تيمية | شرح فضيلة الشيخ سُليمَان بنُ سَليمِ اللهِ الرُّحيليّ