قال الامام ابن القيم :
وأما الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلم لم يبق منه سوى اسمه، ومنهج لم تترك بنيَّات الطريق سوى رسمه، ومحجة سفَت عليها السوافي فطمست رسومها، وغارت عليها الأعادي فغّورت مناهلها وعيونها،
فسالكها غريب بين العباد، فريد بين كل حي وناد، بعيد على قرب المكان، وحيد على كثرة الجيران، مستوحش مما به يستأنسون، مستأنس مما به يستوحشون، مقيم إذا ظعنوا، ظاعن إذا قطنوا، منفرد في طريق طلبة، لا يقر قراره حتى يظفر بأربه، فهو الكائن معهم بجسده، البائن منهم بمقصده، نامت في طلب الهدى أعينهم، وما ليل مطيته بنائم، وقعدوا عن الهجرة النبوية، وهو في طلبها مشمر قائم، يعيبونه بمخالفة آرائهم، ويزرون عليه ازراءه على جهالاتهم وأهوائهم، قد رجموا فيه الظنون، وأحدقوا فيه العيون، وتربصوا به ريب المنون
{فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} ،
{قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} .
نحن وإياكم نموت، فما ... افلح عند الحساب من ندما
والمقصود: أن هذه الهجرة النبوية شانها شديد. وطريقها على غير المشتاق بعيد.
بعيد على كسلان أو ذي ملالة ... أما على المشتاق فهو قريب
ولعمر الله ما هي إلا نور يتلألأ، ولكن أنت ظلامه، وبدر أضاء مشارق الأرض ومغاربها، ولكن أنت غيمه وقتامه ومنهل عذب صاف وأنت كدره، ومبتدأ لخير عظيم ولكن ليس عندك خبره.
{زاد المهاجر الى ربه -ص 23}
تعليق