الصّوتيّة في المُرفقات
التّفريغ
التّفريغ
▪ نعم هذا الأخ يقول يعني: إنّ المصلحةَ قد تستدعي بعض الأمور الّتي قد تكن ممنوعة؛ فيقول ما ضابطُ هذه المصلحة؟ وهل المصلحة تتجدّد؟
▪ ضابطُ المصلحةِ أنْ يكون فيها حِفظٌ للدِّين، فإذا كان في الأمرِ حِفظٌ للدِّين فإنّه يجوز أنْ يُفعل هذا الأمر، كما فعل السّلفُ الصّالح رِضوان ُ اللهِ عليهم في الحديث عن المُبتدِعة وفي الحديث في الرِّجال، فإنّهم تحدّثوا في ذلك حِفظًا للدِّين؛ ولذلك ذَكَرَ الذّهبيُّ في السِّيَر في معرِضِ كلامِه قولَه -ونقل عن غيرِه-: "إنّا لنتحدّثُ في رجالٍ قد يكونون قد حطُّوا رِحالَهم في الجنّةِ ولكنّه الدِّين"[أثر يحي بن معين رحمه اللهُ (الكفاية للخطيب البغداديّ ص38 ، مُقدِّمة ابن الصّلاح ص654)]، فإذا قامتْ المصلحةٌُ الشّرعيّة في حِفظِ أُمورِ الدِّين فإنّه يجوز أنْ يتحدّث الإنسانُ في الشّخصِ المُعيَّن.
على سبيلِ المثالِ لو علِمتَ أنّ شخصًا اغترّ بشابٍ فيه فسادٌ، وأنت تعلمُ الفسادَ، ورأيتَ طالِبَ العلم هذا -مثلاً- يسيرُ معه، ويُماشِيه حتّى خَشِيتَ على دينِه؛ فإنّه يجوز لك أنْ تُحدِّثَهُ -بل قد يتعيَّنُ عليك- إذا لم يُوجدْ غيرُك في هذا الشأنِ أنْ تُحدِّثَهُ في أمرِ هذا الشّخصِ المُعيَّن وفي فسادِه لِتحفظ دينَه؛ لأنّ هذا مِن الأمرِ بالمعروفِ والنّهيِ عن المُنكرِ، وهذا مِثالٌ أضرِبُهُ في الحياة العادية، فما بالُك في غيرِ ذلك فإنّه أولى وأحرى.
وأمّا هل المصلحة تتجدّدُ؟ فنعم. المصلحةُ تدور مع هذا الأمرِ، وقد تتحدّثُ مع إنسانٍ في إنسانٍ وتتحدّثُ مع غيرِه وتتحدّثُ مع غيرِه؛ لأنّ المصلحةَ قامتْ عند ذاك، لكن يجبُ على الإنسانِ أنْ يُراقب قلبَهُ، وأنْ يعرِف لأيِّ شيءٍ يتكلّم، فإذا وجد أنّ كلامَهُ لخيرٍ علِمه مِن قلبِه اطّلع اللهُ عزّ وجلّ عليه، ولمصلحةٍ شرعيّة اجتهد فيها فلْيَتَكلَّمْ، فإذا رأى أنّ للشّيطانِ مدخلاً في قلبِه فلْيَصْمُتْ؛ لأنّ الأمرَ سينقلِبُ مِن خيرٍ إلى شرٍّ عليه، والمُؤمنُ يتقيّد بقولِ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّم: "مَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلْيَقُلْ خيرًا أو لِيصْمُتْ"[مُتّفقٌ عليه: ب(6017) ، م(47)]، هذه نُقطةٌ مُهِمّةٌ يا إخوة، يُراقِبُ الإنسانُ قلبَهُ، فإنْ وجد أنّه يتكلّم لِمصلحةٍ شرعيّةٍ اجتهد فيها وأنّه يُريدٌُ الخيرَ؛ فلْيَتَكلَّمْ، فإنْ وجد أنّ الشّيطانَ قد دخل إلى قلبِه؛ فلْيُمْسِكْ ولْيَصْمُتْ ولْيُحِلْ الأمرَ إلى غيرِه، واللهُ أعلم.
▪ يقول الأخ: تختلِفُ وُجهات نظرِ النّاس في تقديرِ المصلحةِ، فكيف يكون تقديرُها؟
▪ نقول الأصلُ في المصلحةِ -كما قُلْنا في الكلامِ في الأشخاص عند السُؤالِ- هو الحِفاظ على الدِّينِ.
فإذا شكَكْتَ في المصلحةِ فارجِعْ إلى أولي الأمر الّذين هم أهل العلم، فارجِعْ إلى مَن تثِقُ في عِلمِهِ، وفي دينِهِ، وفي ورَعِهِ، وفي منهجِهِ مِن أهلِ العلم، واعرِضْ عليه الأمر، وسِرْ حيث أفتاك، فإنْ أفتاك بأنّ الخيرَ أنْ تتكلّم فتكلّمْ، وإنْ أفتاك أنّ الخيرَ أنْ تصْمُتَ فلْتَصْمُتْ، ويجب أنْ يعرِفَ كُلُّ إنسانٍ قدرَه، فيسِيرُ في هذا المجالِ بقدرِه ويقف عند قدرِه، وعند الاختِلافِ فإنّه ينبغي إعادة الأمر إلى أهلِه، وهكذا ينبغي أنْ يكون عند الشّباب دائِمًا، إذا اختَلَفْنا في أمرٍ فإنّا نُعِيدُ الأمرَ إلى أهلِه مِن أولي الأمر حتّى نستطيع أنْ نصِلَ إلى خيرٍ، وأنْ لا يستغلَّ الشّيطانُ هذا الأمرَ فيُوقِعَنا في أُمورٍ نحن نُريد أنْ نهرُبَ مِنها فنقع فيها.
▪ وهذا أيضا أخ يقول الكلام في أهلِ البِدعِ في هذا الزّمان كَثُرَ بسبب كثرة أهل البدع، فيَجِدُ الشّابُ نفسَه مُضطّرًا للكلامِ فيهم، فكيف يفعل؟ نعم، وهل الشّابُ المُلتزِم جديدًا بالسّلفيّةِ يُحذَّرُ مِن أهلِ البِدعِ مِن أوّل مرّة أم يُكتفى ببيانِ العقيدة السّلفيّة له؟
▪ يا إخوة ينبغي أنْ يُعلمَ أنّ هذا الأمرَ مِثل الأدْوِية، ما وُجِد إلاّ عند وُجود المرض، فيُوجد عند وُجود المرض، ويُتْرك عند اندِفاع المرض، وأنْ يعرِفَ الإنسانُ أنّ الكلامَ في هذا مِن بابِ إنكار المُنكرِ، وإنكار المُنكرِ يجبُ فيه أنْ يَعْلَمَ المُنكِرُ أنّ هذا مُنكرٌ، وأنْ يُنكِرَهُ بغيرِ مُنكرٍ. فإذا كان الإنسانُ عالِمًا بالأمرِ فإنّه يُنكِرُهُ ويُبيِّنُهُ، وإذا كان غير عالِم به فإنّه ينْقُلُهُ إلى مَن يعلمُه حتّى لا يتسبّبَ في وُقوع أمرٍ أشدّ ممّا يُريد أنْ يَنْهَى عنه.
والشّابُ المُلتزِم جديدًا بالسّلفيّة وغيرُه.. المُسلِمُ إذا خُشِيَ عليه مِن أهلِ البدعِ فإنّه يُحذَّر مِنه، وإذا لم يُخش عليه، لا يُوجدُ شيءٌ مُثارٌ حوله فإنّه ينبغي أنْ يُعلَّمَ الأصول، ولا بأس مِن شيءٍ مِن الزّادِ في بيانِ بعضِ الأُمور لكن بحذرٍ وبمِقدارٍ، وأنْ تعرِفَ عقلَ مَن تُحدِّثُهُ.
جاءني شابٌ مُلتزِمٌ قال: يا شيخ فُلانُ يقول: "فُلان أشدّ مِن اليهود! هذا مُسلِمٌ، كيف يُقال أشدّ مِن اليهود؟!"، فهِمَ هذا المِسكين أنّ قولَ أشدّ مِن اليهودِ أنّه يعني أنّه أكثر مِنهم كُفْرًا! وما كان ينبغي أنْ تُقال هذه الكلِمةُ مِن شابٍ لشابٍ مِثلِه؛ فيعرِفُ الإنسانُ قدرَ عقلِ مَن يُحدِّثُهُ، وقد تستطيع أنْ تُوصِل المعلومةَ لكُلِّ شخصٍ بطريقةٍ وكُلُّها تصِلُ، فتعرِف قدرَ مَن تُحدِّثُهُ؛ ولذلك الشّابُ المُلتزِمُ حديثًا ينبغي أنْ يُتعامل معه بحذرٍ، لا يُترك ولا يُحدَّثُ كما تُحدِّث الشّاب الّذي قد قامتْ أُصُولُه وعرَف الأمورَ معرفةً جيِّدةً، نعم.
▪ يقول: ما رأيُكُم فيمن يقول إنّه لنْ يُسألَ الشّخص يومَ القِيامة: هل فُلانٌ مُبتدِعٌ أو هل حذّرتَ مِنه؟
▪ هذا خللٌ يا إخوة في الفهمِ، يجبُ أنْ يُعلمَ أنّا لا نتحدّثُ في فُلانًا -مثلاً- لكونِه فُلانًا؛ وإنّما لأنّ البدعة حَدَثٌ في الدّينِ والسُّكوت عن فاعلِها ينْشُرُها، وتنْتشِر، ويغترُّ النّاسُ بها. ولذلك لو اسْتَتَرَ المُبتدِعُ ببِدعتِه ، ولم نعلمْ عنه، ولم يُظهِرْها بين النّاس لم نبحثْ نتقصّى عنه، هل هو يفعل بدع أو لا يفعل بدعة؟
ولهذا مِثلُ هذا السُّؤال لا يُقال إلاّ مِن شخصٍ ما فَقِهَ لِما نتحدَّثُ، فأنتَ ستُسأل يوم القيامة عن المُنكرِ الّذي قدِرْتَ على تغيِيرِه فلم تُغيِّرْهُ، ومِن ذلك انتِشارُ البِدع بأصحابِها أو بفِعلِها مِن بعضِ النّاس، نعم.
▪ يقول بعضُ النّاس ينعى على أتباعِ السّلفِ بأنّهم في عُزلةٍ، والعصر الحديث يقتضي الخُلطة ومُسايرة العصر الحديث، فهل منهج السّلف يدعو إلى العُزلةِ؟ نرجوا التّفصيل في هذه المسألة.
▪ أوّلاً ينبغي على المٌسلِمِ أنْ يعلم أنّ مُخالطتَهِ للنّاسِ والصّبرَ على أذاهم أفضلُ مِن اعتِزالِهم، وينبغي أيضًا على المُسلِمِ أنْ يعلمَ أنّ التِقاءَ النّاسَ بوجهٍ طلقٍ مِن الصّدقةِ، ما لم يقتض الدِّينُ خِلافَ ذلك.
ونحْنُ لا نقول إنّ أتباع السّلف في عُزلةٍ، لكن قد أقول إنّ بعضَ الشّباب قد يتصرّفُ بعض التّصرّف الّذي لا ينبغي أنْ يكون مِن مِثلِه، وأمّا مسألة ...ممُازحتهم والحديثُ معهم كالحديثِ مع سائِرِ النّاس فالمعروف أنّ هجرَ المُبتدِع عند السّلف نوعٌ مِن الدّواء، ويُعْمَلُ حيث اقتضى المقام ذلك، ويُتْرَكُ حيث اقتضى المقام ذلك، فإذا رأيتَ أنّ ذهابَك إلى هذا الرّجلِ، ودعوتَك له، وحديثَك معه، سببٌ لعودتِه إلى الحقِّ فإنّك هاهُنا تفعلْ، وإذا علِمتَ أنّ هجرَك لهذا الرّجل، وعدم مُخالطتِك له سببٌ لِعودتِه عن بِدعتِه فإنّك ها هُنا تفعلْ، وهكذا كان السّلفُ الصّالِحُ رِضوان الله عليهم يفعلون، وهكذا إلى اليومِ لا زال مشايُخُنا مِن أتباعِ السّلفِ الصّالِحِ الّذين هم -وللهِ الحمد والمِنّةِ- على فقهٍ وبصيرةٍ يفعلون ذلك بالمِقدارِ الشّرعيِّ.
▪ هُنا مسألةٌ.. الحقيقة الكلامُ فيها كثيرٌ والخلطُ فيها عظيمٌ، وهي مسألة وسائلُ الدّعوة، يقول: يُقال أنّ وسائِلَ الدّعوة توقيفيّة، فكيف يتحقّق هذا، وإنّا نجدُ وسائِلَ لم يضعْها السّلفُ، نضعها كالجريدةِ والمجلّةِ والمدارسِ ونحو ذلك؟
▪ هذه المسألة يا إخوة نسمعها كثيرًا ويُطنطن بها بعضُ النّاس جهلاً وعدمَ معرفة.
أوّلاً ينبغي أنْ يُعلم أنّ هُناك وسيلة وهُناك آلةٌ تنقُلُ الوسيلة، الوسيلة مِثل المُحاضرة، مِثل الكلمة، مِثل الخُطْبة، هذه وسيلةٌ تُوصِلُ إلى المقْصُودِ. ثُمّ هُناك آلاتٌ تنْقُلُ هذه الوسائلَ كالشّريط، والمُكبِّر مُكبِّر الصّوت، والجريدة، والمجلّة، ونحوُ هذا.
أمّا الآلات فمُتّفقٌ على أنّها ليستْ توقيفيّة؛ لأنّها ليستْ عبادة، قد أتكلّم بدون الميكرفون فتسمعون، وقد أتكلّم بالميكرفون فتسمعون، فهذا الأمر لا نتعبّد اللهَ عزّ وجلّ بهذا الميكرفون، لكن نتعبّد اللهَ عزّ وجلّ بالكلمةِ الّتي نُلقيها.
فالوسيلةُ وسيلة الدّعوة، نعم عبادة، فهي توقيفيّة؛ لأنّها عبادة وإلاّ كانتْ عبثًا، إذا لم تكنْ عبادة فهي عبثٌ، فالوسيلة إلى الدّعوةِ؛ وسيلة إلى عبادةٍ؛ فهي عبادة؛ فهي توقيفيّة.
أمّا الآلات فهذه أمرُها واسعٌ، وقد أتُّفِقَ على أنّها ليستْ توقيفيّة، ولذلك يُؤذِّنُ المُؤذِّنُ بمُكبِّرِ الصّوتِ أو بدون مُكبِّرِ الصّوت، لكن ما الوسيلة؟ هي الصّوت، الوسيلة الصّوت، والمُكبِّرُ والهواء آلة ناقِلةٌ للصّوتِ، والخلطُ بين الأمرَيْن أدّى إلى التّشويش حتّى على بعضِ كبار طلبة العلم مِمّن هم على منهج السّلف الصّالِح رِضوان الله عليهم؛ فنحنُ إذا فقِهْنا هذا الأمرَ انحلّ عِندنا الإشكال.
وسيلة الدّعوة توقيفيّة تكون -مثلاً- مُحاضرة، كلمة، خُطبة؛ نعم.
أمّا يأتي إنسانٌ يقول مِن وسائِلِ الدّعوة لعب الكرة؛ نقول لا. يقول مِن وسائِل الدّعوة الأناشيد الّتي تُسمّى إسلاميّة؛ نقول لا؛ هذه ليستْ وسائِل دعوة ولا يجوز أنْ تُفعل؛ لأنّ وسائِلَ الدّعوة توقيفيّة عِباديّة، والعبادة توقيفيّة.
لكن يأتينا إنسانٌ يقول: الشّريط وسيلة مِن وسائِل الدّعوة وأنا أوزِّع أشرِطةً، تمنعونني؟ - نقول لا نمنعك لكن لا نُسلِّم لك أنّها وسيلة، وإنّما هي آلةٌ لِنشْرِ الوسيلة وهي الكلمة الّتي أُلْقِيَتْ فسُجِّلتْ في هذا الشّريط، أو الخُطبة الّتي أُلْقِيَتْ فسُجِّلتْ في هذا الشّريط، تلك هي وسيلة الدّعوة إلى الله عزّ وجلّ، وأمّا هذه فهي آلةٌ لِنشْرِ تلك الوسيلة، فإذا فقِهْنا هذا الأمر وعرفنا أنّ المراحل ثلاث:
غاياتٌ وهي العبادات الّتي جاء بها الشّرعُ وأمر بها كالصّلوات وأُمور الدِّين كُلِّها.
ووسائِل لتحقيق هذه الغايات ووسائِل العبادة عبادة وهذه توقيفيّة.
ثُمّ آلات تُنْشَرُ بها هذه الوسائِل الّتي جاء بها الشّرعُ، وهذه ليستْ توقيفيّة، وهي الّتي يُسمِّها العُلماء بالمصالِحِ المُرسلةِ، وأجاب بها الشّاطبيُّ على مَن اعتَرَض عليه في مَسألةِ البّدعِ بمسألةِ تدوين الدّواوين وإنشاء المدارسِ ونحوِ ذلك، فبيّن أنّ هذا مِن المصالِحِ المُرسلةِ أيْ الأمور الّتي ليستْ عبادةً بذاتِها، بلْ قد يدرُسُ الإنسانُ بنِظامِ المدرسةِ، قد يدرُسُ في الحلقْةِ، قد يدرُسُ وقد يدرُسُ.. فهذه آلات، أمّا الوسيلة فهي طلب العلم؛ فإذا فقِهنا هذا انحلّ عندنا الإشكال الّذي انقدح في أذهان بعضِ طلبةِ العلم؛ فاضطرب عندهم الأمرُ كيف يقول بعضُ العلماء إنّ وسائِلَ الدّعوة توقيفيّة ومِثلُ ما سمِعناه موجودٌ، والله أعلم.