::: الحَيْدَةُ مَرَضٌ خَطيرٌ؛ وصاحبُهُ على خَطرٍ كَبِيرٍ :::
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أمَّا بعد؛....فالحَيْدَةُ مَرَضٌ خَطيرٌ؛ وصاحبُهُ على خَطرٍ كَبِيرٍ!!
والحيدة في اللغة هي: الميل عن المراد، والحيود عن الشيء: العدول عنه إلى غيره.
قال ابن منظور في لسان العرب: وحاد عن الشيءِ يَحِيد حَيْداً وحَيَداناً ومَحِيداً وحَيْدُودة مال عنه وعدل الأَخيرة عن اللحياني قال يَحِيدُ حذارَ الموت من كل رَوْعة ولا بُدَّ من موت إِذا كان أَو قَتْلِ وفي الحديث أَنه ركب فرساً فمرَّ بشجرة فطار منها طائر فحادت فَنَدَرَ عنها حاد عن الطريق والشيء يَحِيدُ إِذا عدل أَراد أَنها نفرت وتركت الجادَّة وفي كلام علي كرّم الله وجهه يذم الدنيا هي الجَحُود الكَنود الحَيود المَيُود وهذا البناء من أَبنية المبالغة الأَزهري والرجل يحيد عن الشيء إِذا صدَّ عنه خوفاً وأَنفة ومصدره حُيودة وحَيَدانٌ وحَيْدٌ. [لسان العرب:3/158]
والحيدة في الشرع هي: البعد عن محل النزاع وموطن الخصومة الشرعية، والميل عنه إلى غيره؛ ليُجعل محل النزاع محل خداع!.
كأن ترد على رجل قبوريٍ في شركه وكفره بالله -عز وجل-، وأنت ركيك اللسان حال الرد -ولكنك تتكلم بالحق-، وهذا الرجل -أعني: القبوري- مستقيم اللسان، لغويًأ ونحويًا وأدبيًا، فلما لم يجد بُدًا في الرد عليك، وأيقن أنه خاطيء -ولا أقول مخطيء؛ فالخاطيء أشد جرمًا من المخطيء-، ويتوجب عليه الرجوع والانقياد للدليل؛ ماذا يفعل؟
يحيــــــد عن موطن النزاع! إلى محل الخداع!
=============
فيقول مثلًا: أعرب الجملة الآتية ثم تكلم معي، ويعطيك جملة كــ ((لا حول ولا قوة إلا بالله))، ثم يقول لك: أعرب، ويقول لك: الجملة لها خمسة أوجه مثلًا من الإعراب بيِّنهم لي؛ وهكذا ............ ليقلب محل النزاع إلى محل خداع.=============
وهذه خيانة لله ورسوله.
=======
والحق أن هؤلاء -الحداة -جمع حائد- عن الحق- فيهم من الكِبْر بقدر حيودهم عن موطن الخصومة، لم؟=======
لأن الذي حملهم على الحيدة وعدم الانقياد للدليل هو: الكِبْر.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ" والحديث أخرجه ((مسلم في الصحيح عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-)).
ولا يحيد الحائدون عن موطن النزاع إلى موطن الخداع؛ إلا لأن الحق عليهم، وهو لا يوافق أهواءهم، فيردَّه! -أي: الحق-، وردُّ الحق؛ هو الكبر كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الذي مر.
وقد ذم الله -تبارك وتعالى- في القرآن الكريم هذه الطائفة فقال: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110]، وقال في قصة الأنصاري مع الزبير: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (65) وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذاً لآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} [النساء:65-68]، وأمثال هذ في القرآن كثير.
والشاهد: أن الحائدَ عن الحق وعن موطن الخصومة فيه مرض كبير خطير وهو: (الكبــــر)و
وسؤال: من هو إمام الحداة عن موطن النزاع
لقلبه محل خداع؟!
==
لقلبه محل خداع؟!
==
ومصداق ذلك في كتاب الله، وهي قصة موسى -عليه السلام- مع فرعون -عليه اللعائن المتتابعات-، قال تعالى -وتأمل كلمات الحوار والحيدة-:{وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ * قَالَ كَلاَّ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ * فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ * فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ * وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ * قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ لِلْمَلإٍ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [القصص:10-35].
فلو تأملت الآيات وتدبرتها، وقفت على ما أردت أن أُوقفك عليه وأدلك عليه، وهو: أن الحائد عن موطن النزاع إمامُه في حيدته (فرعون!!) فمن يرضى ويقنع ويطمئن بتلك الإمامة لنفسه؟!!
أيها الحائد الخائن المائل عن الموطن المحددة الخصومة فيه: لا تكن كـــ (فرعون!!)، ولا تكن متكبرًا!!
=======================
هذا والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خاتم النبيين؛ محمدٍ صلى اله عليه وسلم-.
وكتبه: أبو معاذ محمود الصعيدي -غفر الله له ولوالديه-، من بورسعيد - مصر- في يوم الاثنين، الثالث من شهر رجب، سنة 1434 هــ .
هذا والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خاتم النبيين؛ محمدٍ صلى اله عليه وسلم-.
وكتبه: أبو معاذ محمود الصعيدي -غفر الله له ولوالديه-، من بورسعيد - مصر- في يوم الاثنين، الثالث من شهر رجب، سنة 1434 هــ .
تعليق