قال الإمام الشنقيطي: وعلى المسلمِ أن يُحاسِبَ في دارِ الدنيا وينظرَ فيما يقولُ وفيما يعملُ، ولاَ يُقَدِّمَ لصحيفتِه إِلاَّ شيئًا يعلمُ أنه يَسُرُّهُ يومَ القيامةِ إذا رَآهُ. هذا على العاقلِ أن يعملَ به ويجتهدَ فيه، مَا دَامَتِ الفرصةُ مُمْكِنَةً، وعلى كُلِّ إنسانٍ أَنْ يعلمَ أنه ليسَ مَتْرُوكًا سُدًى، فَكُلُّ إنسانٍ حركاتُه وسكناتُه في الدنيا بجميعِ جوارحِه وقلبِه، كُلُّ هذه الحركاتِ والسكناتِ مُحْصَاةٌ عليه، وَكُلُّهَا بناءُ مسكنِه الذي إليه مصيرُه النهائيُّ، فَإِنْ كانت حركاتُه وسكناتُه فيما يُرْضِي اللَّهَ وَجَدَ تلك الحركاتِ والسكناتِ، بَنَى بها قُصُورًا في غرفِ الجنةِ مع الحورِ والِولدانِ، ومجاورةِ رَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، في نعيمٍ لا ينفدُ، وَمُلْكٍ لاَ يَنْفَدُ: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)} [الإنسان: آية 20].
وإذا كانت حركاتُه على غيرِ الصراطِ المستقيمِ، فإن تلك الحركاتِ والسكناتِ التي يَسْتَعْمِلُهَا في معصيةِ اللَّهِ، هو يَبْنِي بها مصيرَه النهائيَّ، وهو سجنٌ من سجونِ جهنمَ - والعياذُ بالله -، وقد قَالَ بعضُ العلماءِ: إن الكفرةَ يَدْخُلُونَ منازلَهم في جهنمَ لِضِيقِهَا كما يُدْخَلُ الوتدُ في الحائطِ بالقوةِ. وكما سَيَأْتِي في قولِه: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13)} [الفرقان: آية 13] فقولُه: {ضَيِّقًا} أي: شديدَ الضيقِ، وكما هو أحدُ التفسيرين في قولِه: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ ( فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ (9)} [الهمزة الآيتان 8، 9] لأَنَّ بعضَ العلماءِ يقولونَ: «يدخلونَ في أماكنَ منها ضيقةً كما يُدْخَلُ الإنسانُ في العمودِ المنقورِ، فيُدخل في وسطِه والعياذُ بالله وهذا معنَى قولِه: {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (10} [الأنعام: آية 108].
العَذْبُ النَّمِيرُ مِنْ مَجَالِسِ الشَّنْقِيطِيِّ فِي التَّفْسِيرِ (2\116)