يقول الله جل وعلا: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (160)} [الأنعام: آية160]. لما أمر الله الخلق بسلوك صراطه المستقيم، ونهاهم عن اتباع السبل لئلا تتفرق بهم عن سبيله، ثم بَيَّنَ أن بعضاً منهم لم يمتثلوا ذلك، بل اتبعوا السبل فتفرقت بهم عن سبيله في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً} [الأنعام: آية 159] بيّن أنه (جل وعلا) بالنسبة إلى من عصاه فاتبع تلك السبل الضالة، وبالنسبة إلى من أطاعه فاتبع ذلك الصراط المستقيم، أن معاملته للمحسنين في غاية الإكرام والتمام والكمال، وللمسيئين في غاية الإنصاف والعدالة، فقال: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ} يعني: من جاء يوم القيامة بالخصلة الحسنة التي كان يعملها في دار الدنيا، فقول بعض أهل العلم هي: «لا إله إلا الله» كالتمثيل؛ لأن المراد بالحسنة: كل خصلة تُرضي الله (جل وعلا)، سواء كانت (لا إله إلا الله) أو غيرها من العقائد وأفعال الجوارح وأعمال القلوب ، كل مَنْ جَاءَ إلى الله يوم القيامة بالخصلة الحسنة من طاعة الله من [كل] خصلة ترضي الله (جل وعلا)، فالله (جل وعلا) يُضاعفه على أقل التقديرات عشر أمثالها، أي: فله عشر حسنات، كل حسنة مثلها، فأقل المضاعفة للمحسنين عشرة. ثم إنه بيّن في بعض المواضع أنه يضاعف إلى سبعمائة، وفي بعضها أنه يضاعف حسب مشيئته بحيث لا يعلمه إلا هو حيث قال في المضاعفة إلى سبعمائة: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ} فجاءت الحبة بسبعمائة حبة، وهي مضاعفة الحسنة بسبعمائة. ثم قال: {وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ} [البقرة: آية 261] أي: يضاعف لمن يشاء من الأضعاف ما شاء، فأقَلّ المضاعفة عشر حسنات، إلى سَبْعِمِائة، إلى ما شاء الله. فتوضع الحسنة في الميزان بعشر حسنات. ثم قال: {وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ} أي: بالخصلة السيئة التي تسوء صاحبها إذا رآها في صحيفته يوم القيامة {فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} فجزاء السيئة سيئة واحدة مثلها، وجزاء الحسنة على أقل التقديرات عشرة أمثال، فمن غلبت آحاده عشراته فلا خير فيه، ولا يهلك على الله إلا هالك؛ لأن هذه الحنيفيَّة السمحة التي جاء بها سيد ولد آدم (عليه الصلاة والسلام) هَيَّأَ الله فيها طريق الجنة ويَسَّرَها تيسيراً عجيباً، رفع فيها الأثقال والآصَار والتَّكَالِيفَ، من شقّ عليه السفر فليفطر، وليقصر الصلاة ، ومن لم يقدر على الصلاة قائماً صلى قاعداً، وهكذا في أنواع التخفيف، فمع هذا فالحسنة تكتب له بعشر حسنات كل حسنة مثلها، والسيئة إنما تكتب عليه سيئة واحدة مثلها، ومن هَمّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومن همّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه، بل قد تكون حسنة، إن كان تركه لها لأجل ابتغاء مرضاة الله، فهذه الآيات من أعظم المبشرات للمسلمين؛ لأن جميع حسناتهم عند الوزن الذي قال الله: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} [الأعراف: آية 8] إذا كانت حسنتك تضاعف عشر مرات، وسيئتك إنما تُجازى بسيئة واحدة مثلها، ففي هذا أعظم البشارة للمسلمين، وعليهم أن يكثروا من الحسنات. ومن الحِكَم العظيمة وجوامع الكلم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا» يعني: إن صدرت منك سيئة فأتبعها بحسنة؛ لأن السيئة تُجعل في كفة الميزان سيئة واحدة؛ وتجعل الحسنة في الكفة الأخرى عشر حسنات فيثقل وزنها عليها.
العَذْبُ النَّمِيرُ مِنْ مَجَالِسِ الشَّنْقِيطِيِّ فِي التَّفْسِيرِ (608/2-610)
مشاركة الأخ نجيب الأثريّ الجزائريّ أثابه الله
في سحاب
مشاركة الأخ نجيب الأثريّ الجزائريّ أثابه الله
في سحاب