شِفَاءُ الصُّدُورِ مِنْ دَاءِ العُجْبِ والغُرُورِ !
حمل الكتاب من هنا
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 70,71]
أَمَّا بَعْدُ :
فهذه بعض نقولات وشذرات من مواعظ العلماء والعُبّاد، ونتفٌ من كلام النُسّاك والزُهاد، في التحذير من داء العجب، وآفة الغرور، وشر البطر والكبر، كنت قد اقتطفتها وجمعتها من مصادر شتى، وأودعتُها كُناشتي خلال قراءتي في كتب السلف، أقدمها بين يدي القارئ الكريم، عسى الله أن ينفعني وإياكم بها، وأسأل المولى جل وعلا أن يرزقني وإياكم العبرة والعظة من فوائدها المجموعة، ودررها المنظومة، ومواعظها المنتقاة، وأن يجنبنا وإياكم الكبر والرياء والعجب والغرور، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
تمهيد
سئل حمدون القصار –رحمه الله-: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟! قال: لأنهم تكلموا لعز الإسلام ونجاة النفوس ورضى الرحمن، ونحن نتكلم لعز النفس وطلب الدنيا وقبول الخلق.
شعب الإيمان (2/297)
إن لكلام السلف رحمهم الله، في الوعظ، والنصح، والتذكير معان عظيمة، منظومة من درر متناسقة باسقة، من قلوب خِيرةِ هذه الأمة وصفوتها، وأنوارٌ صادرةٌ، من تلك الصدور، التي ما كان ولن يكون مثلها بعد الصدر الأول من أمة هي خير الأمم وزبدتها.
إنه نفحات من الحكمة، ونسمات من رياح الحق، نابعة من تلك القلوب الصلدة الصافية الرقيقة الجليلة العالية المطمئنة، التي ملأها حبّ الله ففاضت به، وأماتها خوفه، وأحياها رجاؤه، وامتزج فيها الإيمان والقرآن، والصبر والشكر، والمخافة والمعرفة، والرجاء والحياء، والحق والصدق، والخضوع والخشوع، والرأفة والرحمة، والعزة والذل، واليقين والتوكل، والزهد والجد، والشجاعة والقناعة، والعلم والفهم، والهدى والنور.
فعليك - يا من يحرص على النافع من العلم ويرجو التوفيق إلى الصالح من العمل - بآثار أسلافنا، فاسمع قصصهم وأخبارهم واجمع حكمهم وآثارهم، واقبل عظاتهم ونصائحهم، أَقبلْ عليها، وعض عليها بناجذيك؛ فإنها فوائد تشد إليها الرحال ونفائس يتنافس فيها الرجال: ارتو من مائها فإنه عذب فرات، واقتبس من ضوءها فإنها كواكب دريات مضيات، وتحل بها فإنها عقود أنيقات ثمينات؛ واستمع لندائها قف عليها تتدبرها بتأن وتعرض نفسك عليها بتجرد وتقابل شأنك بها بتأمل وتعرف حقيقة حالك بواسطتها بتحقق؛ فهي ميزان منضبط يزن به المرء نفسه، وأعمال مستقيمة يعرض عليها المرء حقيقة أعماله، وأحوال صحيحة يعرف بها موضع حاله، وسراج منير يستهدي به المرء في حله وترحاله.
واعلم أن من رغب عن آثار السلف ووصاياهم وبيانهم للدين، فقد زهد في غير زهيد وأراد تناوش الخير ولكن من مكان بعيد، فأنى له حصوله؟ وأبطأ السير فكيف يتم وصوله؟ واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وآثر الظلمة على النور، وتحول من ظل وارف إلى حرور، بل ليعلمْ أنه إذا انتسب إليهم فنسبته زور، وإذا حسب أنه على سبيلهم فجاهل مغرور.
وقال الحافظ ابن رجب –رحمه الله-:
كلام السلف قليل كثير البركة، وكلام الخلف كثير قليل البركة.. وفي كلامهم – أي السلف - كفاية وزيادة فلا يوجد في كلام من بعدهم من حق إلا وهو في كلامهم موجود بأوجز لفظ وأخصر عبارة ولا يوجد في كلام من بعدهم من باطل إلا وفي كلامهم ما يبين بطلانه لمن فهمه وتأمله ويوجد في كلامهم من المعاني البديعة والمآخذ الدقيقة مالا يهتدى إليه من بعدهم ولا يلم يه، فمن لم يأخذ العلم من كلامهم فاته ذلك الخير كله مع ما يقع في كثير من الباطل متابعة لمن تأخر عنهم، وفي ذلك كفاية لمن عقل. وشغل لمن بالعلم النافع عني واشتغل.
ومن وقف على هذا وأخلص القصد فيه لوجه الله عز وجل واستعان عليه أعانه وهداه ووفقه وسدده وفهمه وألهمه. وحينئذ يثمر له هذا العلم ثمرته الخاصة به وهي خشية الله كما قال عز وجل (إِنَّما يَخشى اللَهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ) قال ابن مسعود وغيره كفى بخشية الله علما وكفى بالإغترار بالله جهلا وقال بعض السلف ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم الخشية. وقال بعضهم من خشي الله فهو عالم ومن عصاه فهو جاهل وكلامهم في هذا المعنى كثير جدا.
ذكر بعض ما جاء في الكتاب والسنة من ذم العجب والغرور
يقول المولى تبارك وتعالى: ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ) [الحجرات:17]
وقال تعالى: (وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ) [المدثر: 6]، قال الحسن البصري: لا تمنن بعملك على ربك تستكثره
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أن رسول الله قال "لو لم تكونوا تذنبون خشيت عليكم أكثر من ذلك: العُجْب".
السلسلة الصحيحة (2/263)
وعن العباس بن عبد المطلب – رضي الله عنه قال -: "بينما أنا مع النبى صلى الله عليه وسلم..، إذ أقبل رجل يتبختر بين برديه وينظر إلى عطفيه و قد أعجبته نفسه، إذ خسف الله به الأرض في هذا الموطن، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة"
السلسلة الصحيحة (4/81)
وروى الطبراني في الأوسط، والبيهقي في الشعب وحسنه الألباني، أن النبي قال: "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه"
ذكر الآثار وأقوال العلماء الواردة في (ذم العجب والغرور)
سُئل عبد الله بن المبارك – رحمه الله - عن مفهوم العُجْب؟ فقال: أن ترى أن عندك شيئا ليس عند غيرك!
شعب الإيمان (7/50)، تذكرة الحفاظ ( 1/278 )
وقال بشر بن الحارث –رحمه الله-:
«العجب أن تستكثر، عملك وتستقل عمل الناس أو عمل غيرك»
حلية الأولياء ( 8/348 )
وقال مسروق –رحمه الله-:
بحسب الرّجل من العلم أن يخشى اللّه عزّ وجلّ وبحسب الرّجل من الجهل أن يعجب بعلمه!
أخلاق العلماء للآجري (1/70)، مصنف ابن أبي شيبة (7/149)
وسُئِلَ الحافظ عبد الغني المقدسي -رحمه الله-:
لِم لا تقرأ من غير كتاب؟ قال: أخاف العجب
سير أعلام النبلاء (21/449)
وقال كعب الأحبار -رحمه الله- لرجل أتاه ممن يتبع الأحاديث:
اتق الله وارض بدون الشرف من المجلس، ولا تؤذين أحدا، فإنه لو ملأ علمك ما بين السماء والأرض مع العجب، ما زادك الله به إلا سفالا ونقصا! فقال الرجل رحمك الله يا أبا اسحاق، إنهم يكذبوني ويؤذوني فقال: قد كانت الأنبياء يكذبون ويؤذون فيصبرون، فاصبر وإلا فهو الهلاك
حلية الأولياء (5/376 )
وقال الذهبي -رحمه الله-:
فمن طلب العلم للعمل كسره العلم وبكى على نفسه ومن طلب العلم للمدارس والإفتاء والفخر والرياء تحامق واختال وازدرى بالناس وأهلكه العجب ومقتته الأنفس {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها} [الشمس: 9،10] أي: دسسها بالفجور والمعصية.
سير أعلام النبلاء ( 13/378 )
وقال الفيض –رحمه الله-:
قال لي الفضيل: لو قيل لك: يا مُرائي، غضبت وشق عليك، وعسى ما قيل لك حق تزيّنت للدنيا وتصنعت وقصرت ثيابك وحسّنت سمتك وكففت أذاك، حتى يقال: أبو فلان عابد ما أحسن سمته، فيكرمونك وينظرونك، ويقصدونك ويهدون إليك،
مثل الدرهم السُّتُّوق (هو الردئ الزيف الذي لا خير فيه) لا يعرفه كل أحد فإذا قُشر قُشر عن نحاس
سير أعلام النبلاء ( 8/438 )
وقال إبراهيم بن أدهم –رحمه الله-:
ما صدق الله عبد أحب الشهرة
علق الذهبي -رحمه الله-: علامة المخلص الذي قد يحب شهرة، ولا يشعر بها، أنه إذا عوتب في ذلك، لا يحرد ولا يبرئ نفسه، بل يعترف، ويقول: رحم الله من أهدى إلي عيوبي، ولا يكن معجبا بنفسه؛ لا يشعر بعيوبها، بل لا يشعر أنه لا يشعر، فإن هذا داء مزمن
سير أعلام النبلاء (7/394)
وقال ابن الجوزى -رحمه الله-:
من تلمح خصال نفسه وذنوبها، علم أنه على يقين من الذنوب والتقصير، وهو من حال غيره في شك،
فالذي يُحذر منه الإعجاب بالنفس، ورؤية التقدم في أعمال الآخرة، والمؤمن لا يزال يحتقر نفسه،
وقد قيل لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:
إن مت ندفنك في حجرة رسول الله، فقال: لأن ألقى الله بكل ذنب غير الشرك أحب إلىّ من أن أرى نفسي أهلا لذلك
صيد الخاطر (ص 250)
وقال حاتم الأصم -رحمه الله-:
لا أدري أيهما أشد على الناس اتقاء العجب أو الرياء، العجب داخل فيك والرياء يدخل عليك، العجب أشد عليك من الرياء ومثلهما أن يكون معك في البيت كلب عقور وكلب آخر خارج البيت فأيهما أشد عليك الذي معك أو الخارج؟ فالداخل العجب والخارج الرياء
حلية الأولياء (8/76)
وقال الحسن البصري -رحمه الله-:
لو كان كلام بني آدم كله صدقا، وعمله كله حسنا، يوشك أن يخسر!
قيل: وكيف يخسر؟ قال: يعجب بنفسه.
شعب الإيمان (5/454)
وقال أبو حفص -رحمه الله-:
من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات ولم يخالفها في جميع الأحوال ولم يجرها إلى مكروهها في سائر أيامه مغرورا ومن نظر إلى نفسه باستحسان شيء منها فقد أهلكها وكيف يصح لعاقل الرضى عن نفسه والكريم ابن الكريم ابن الكريم يقول وما أبريء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي
المقاصد الحسنة ص (120)
وقال عبيد الله بن عمر -رضي الله عنهما-:
أن عمر بن الخطاب كان جالسا ذات يوم، فمرت به جارية تحمل قربة، فقام، فأخذ منها القربة وحملها على عنقه حتى وداها ثم رجع، فقال له أصحابه: يرحمك الله يا أمير المؤمنين! ما حملك على هذا؟ قال: إن نفسي أعجبتني؛ فأردت أن أذلها.
المجالسة وجواهر العلم (6/91)
وقال أبو الدرداء –رضي الله عنه-:
يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم كيف يعيبون سهر الحمقى وصيامهم، ومثقال ذرة من بر صاحب تقوى ويقين أعظم وأفضل وأرجح من أمثال الجبال من عبادة المغترين
حلية الأولياء (1/211)
وقال ابن القيم -رحمه الله- في كلام له في عقوبات الذنوب:
فسبحان الله كم من قلب منكوس وصاحبه لا يشعر، وقلب ممسوخ وقلب مخسوف به، وكم من مفتون بثناء الناس عليه ومغرور بستر الله عليه ومستدرج بنعم الله عليه؛ وكل هذه عقوبات وإهانة ويظن الجاهل أنها كرامة!
الجواب الكافي (ص 140)
وقال الإمام الذهبي –رحمه الله-:
فكم من رجل نطق بالحق وأمر بالمعروف فيسلط الله عليه من يؤذيه لسوء قصده وحبه للرئاسة الدينية فهذا داء خفي سار في نفوس الفقهاء كما أنه داء سار في نفوس المنفقين من الأغنياء وأرباب الوقوف والترب المزخرفة وهو داء خفي يسري في نفوس الجند والأمراء والمجاهدين فتراهم يلتقون العدو ويصطدم الجمعان وفي نفوس المجاهدين مخبآت وكمائن من الإختيال وإظهار الشجاعة ليقال والعجب ولبس القراقل المذهبة –نوع من الثياب-، والخوذ المزخرفة والعدد المحلاة على نفوس متكبرة وفرسان متجبرة.. فأنى ينصرون؟ وكيف لا يخذلون؟ اللهم: فانصر دينك ووفق عبادك.
سير أعلام النبلاء (18/ 192)
وقال سفيان الثوري -رحمه الله-:
إياك وما يفسد عليك عملك فإنما يفسد عليك عملك الرياء، فإن لم يكن رياء فإعجابك بنفسك حتى يخيل إليك أنك أفضل من أخ لك، وعسى أن لا تصيب من العمل مثل الذي يصيب ولعله أن يكون هو أورع منك عما حرم الله وأزكى منك عملا، فإن لم تكن معجبا بنفسك فإياك أن تحب محمدة الناس ومحمدتهم أن تحب أن يكرموك بعملك ويروا لك به شرفا ومنزلة في صدورهم أو حاجة تطلبها إليهم في أمور كثيرة، فإنما تريد بعملك زعمت وجه الدار الآخرة لا تريد به غيره
فكفى بكثرة ذكر الموت مزهدا في الدنيا ومرغبا في الآخرة وكفى بطول الأمل قلة خوف وجرأة على المعاصي، وكفى بالحسرة والندامة يوم القيامة لمن كان يعلم ولا يعمل
حلية الأولياء (6/391)
وقال أبو سليمان الداراني –رحمه الله-:
رد سبيل العجب بمعرفة النفس، وتخلص إلى إجماع القلب بقلة الخطأ، وتعرض لرقة القلب بمجالسة أهل الخوف واستجلب نور القلب بدوام الحزن، والتمس باب الحزن بدوام الفكرة، والتمس وجوه الفكرة في الخلوات
صفة الصفوة (4/281)
وقال الحارث بن نبهان –رحمه الله-:
سمعت محمد بن واسع، يقول: «واصاحباه ذهب أصحابي» قلت: رحمك الله أبا عبد الله أليس قد نشأ شباب يصومون النهار ويقومون الليل ويجاهدون في سبيل الله قال: «بلى ولكن أخ»، وتفل، «أفسدهم العجب»
حلية الأولياء (2/352)
وقال هشام الدستوائي –رحمه الله-:
والله ما أستطيع أن أقول أنِّي ذهبت يوما قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل.
قلت -أي الذهبي-:
والله ولا أنا، فقد كان السلف يطلبون العلم لله فنبلوا، وصاروا أئمة يقتدى بهم، وطلبه قوم منهم أولا لا لله، وحصلوه ثم استفاقوا، وحاسبوا أنفسهم، فجرهم العلم إلى الإخلاص في أثناء الطريق.
سير أعلام النبلاء (7/152)
وقال إبراهيم التيمي -رحمه الله-:
ما عرضت عملي على قولي إلا خشيت أن أكون مكذبا!
الزهد لأحمد (ص 293)، حلية الأولياء (4/211)
وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-:
الهلاك في شيئين: العجب والقنوط
(وإنما جمع بينهما لأن السعادة لا تنال إلا بالطلب والتشمير، والقانط لا يطلب، والمعجب يظن أنه قد ظفر بمراده فلا يسعى)
مختصر منهاج القاصدين ص (234)
وقال إسحاق بن خلف -رحمه الله-:
ليس شيء أقطع لظهر إبليس من قول ابن آدم: ليت شعري بما يختم لي!
قال: عندها ييأس منه ويقول: متى يعجب هذا بعمله؟!
شعب الإيمان ( 1/508 )
وقال المسيب بن رافع –رحمه الله-:
قيل لعلقمة: لو جلست فأقرأت الناس وحدثتهم، قال: أكره أن يوطأ عقبي -أن يتبعني الناس ويمشون ورائي-
سير أعلام النبلاء (4/59)
وقيل لعمر بن عبد العزيز –رحمه الله-:
إن مت ندفنك في حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال لأن ألقى الله بكل ذنب غير الشرك أحب إلي من أن أرى نفسي أهلا لذلك.
صيد الخاطر ( ص 282 )
وقال بعض الحُكماء:
كيف يَسْتقِرّ الكِبر فيمن خُلِق من ترَاب، وطُوِي على القَذَر، وجَرى مجرى البول.
وقال إبراهيم النخعي –رحمه الله-:
كانوا يكرهون أن يظهر الرجل أحسن ما عنده.
سير أعلام النبلاء (20/591)
وقال الحَسَنِ البصري -رحمه الله-:
أن أصحابه مَشَوْا خَلْفَهُ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «رَحِمَكُمُ اللَّهُ، مَا يُبْقِي هَذَا مِنْ مُؤْمِنٍ ضَعِيفٍ»
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/396)
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
إن الله سبحانه إذا أراد بعبده خيرا أنساه رؤية طاعاته ورفعها من قلبه ولسانه، فإذا ابتلى بذنب جعله نصب عينيه، ونسى طاعته وجعل همه كله بذنبه، فلا يزال ذنبه أمامه، إن قام أو قعد، أو غدا أو راح، فيكون هذا عين الرحمة في حقه،
كما قال بعض السلف: إن العبد ليعمل الذنب فيدخل به الجنة، ويعمل الحسنة فيدخل بها النار، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: يعمل الخطيئة لا تزال نصب عينيه، كلما ذكرها بكى وندم وتاب واستغفر وتضرّع وأناب إلى الله، وذلّ له وانكسر وعمل لها أعمالا فتكون سبب الرحمة في حقه، ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه يمنّ بها، ويراها، ويعتدّ بها على ربه وعلى الخلق، ويتكبر بها ويتعجب من الناس كيف لا يعظمونه ويكرمونه ويجلونه عليها، فلا تزال هذه الأمور به حتى تقوى عليه آثارها فتدخله النار.
فعلامة السعادة ان تكون حسنات العبد خلف ظهره وسيئاته نصب عينيه وعلامة الشقاوة أن يجعل حسناته نصب عينيه وسيئاته خلف ظهره والله المستعان
مفتاح دار السعادة (1/297)
وقال الأعمش –رحمه الله-:
كنت عند إبراهيم النخعي وهو يقرأ في المصحف، فاستأذن عليه رجل، فغطى المصحف، وقال: «لا يراني هذا أني أقرأ فيه كل ساعة»
حلية الأولياء (4/222)
وقال السري السقطي -رحمه الله-:
ما رأيت شيئا أحبط للأعمال، ولا أفسد للقلوب، ولا أسرع في هلاك العبد، ولا أدوم للأحزان، ولا أقرب للمقت، ولا ألزم لمحبة الرياء والعجب والرياسة، من قلة معرفة العبد لنفسه، ونظرِه في عيوب الناس! لاسيما إن كان مشهورا معروفا بالعبادة، وامتد له الصيت حتى بلغ من الثناء ما لم يكن يؤمله، وتربص في الأماكن الخفية بنفسه، وسراديب الهوى، وفي تجريحه في الناس ومدحه فيهم.
الطبقات الكبرى (ص73)
وقال عبدة بن أبي لبابة –رحمه الله-:
إن أقرب الناس من الرياء آمنهم له
حلية الأولياء (6/113)
وقال ابن الحاج -رحمه الله-:
من أراد الرفعة فليتواضع لله تعالى، فإن العزة لا تقع إلا بقدر النزول، ألا ترى أن الماء لما نزل إلى أصل الشجرة صعد إلى أعلاها؟
فكأن سائلا سأله: ما صعد بك هنا، أعني في رأس الشجرة وأنت تحت أصلها؟! فكأن لسان حاله يقول: من تواضع لله رفعه.
المدخل (2/122)
وقال شيخ الإسلام ابن القيم -رحمه الله-:
لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فاقبل على الطمع أولا فأذبحه بسكين اليأس وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص فأن قلت وما الذي يسهل علي ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح
قلت أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينا أنه ليس من شيء يطمع فيه الا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره ولا يؤتى العبد منها شيئا سواه وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين ويضر ذمة ويشين إلا الله وحده كما قال ذلك الأعرابي للنبي إن مدحي زين وذمي شين فقال ذلك الله عز وجل فازهد في مدح من لا يزينك مدحه وفي ذم من لا يشنيك ذم وارغب في مدح من كل الزين في مدحه وكل الشين في ذمه ولن يقدر على ذلك إلا بالصبر واليقين فمتى فقدت الصبر واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب قال تعالى فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون وقال تعالى وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون
الفوائد لابن القيم (ص 149)
وقال حماد بن زيد -رحمه الله-:
سمعت أيوب يقول: ينبغي للعالم أن يضع الرماد على رأسه! تواضعا لله جلت عظمته.
أخلاق العلماء ( ص 48 )
وقال الماوردي –رحمه الله-:
ومما أنذرك به من حالي أنني صنفت في البيوع كتابا جمعت فيه ما استطعت من كتب الناس، وأجهدت فيه نفسي وكددت فيه خاطري، حتى إذا تهذب واستكمل وكدت أعجب به وتصورت أنني أشد الناس اضطلاعا بعلمه، حضرني، وأنا في مجلسي أعرابيان فسألاني عن بيع عقداه في البادية على شروط تضمنت أربع مسائل لم أعرف لواحدة منهن جوابا، فأطرقت مفكرا، وبحالي وحالهما معتبرا فقالا: ما عندك فيما سألناك جواب، وأنت زعيم هذه الجماعة؟ فقلت: لا. فقالا: واها لك، وانصرفا. ثم أتيا من يتقدمه في العلم كثير من أصحابي فسألاه فأجابهما مسرعا بما أقنعهما وانصرفا عنه راضيين بجوابه حامدين لعلمه، فبقيت مرتبكا، وبحالهما وحالي معتبرا وإني لعلى ما كنت عليه من المسائل إلى وقتي، فكان ذلك زاجر نصيحة ونذير عظة تذلل بها قياد النفس، وانخفض لها جناح العجب، توفيقا منحته ورشدا أوتيته.
أدب الدنيا والدين (ص73)
قال شيخ الاسلام ابن تيمية –رحمه الله-:
وقد يحبونه - أي المعجب بنفسه - لعلمه أو دينه أو إحسانه أو غير ذلك، فالفتنة في هذا أعظم إلا إذا كانت فيه قوة إيمانية
وخشية وتوحيد تام فإن فتنة العلم والجاه والصور فتنة لكل مفتون وهم مع ذلك يطلبون منه مقاصدهم إن لم يفعلها وإلا نقص الحب أو حصل نوع بغض وربما زاد أو أدى الى الإنسلاخ من حبه
مجموع الفتاوى (338/10)
وقال يوسف بن الحسين -رحمه الله-:
يتولد الإعجاب بالعمل من نسيان رؤية المنة فيما يجري الله لك من الطاعات
تاريخ دمشق (74/ 230)
وقال الفضيل بن عياض –رحمه الله-:
«من وقى خمسا فقد وقي شر الدنيا والآخرة. العجب والرياء والكبر والإزراء والشهوة»
حلية الأولياء (8/95)
وقال ابن أبي يعلى -رحمه الله-:
وكانت أول بدعة علمتها فاشية من الفتن المضلة ومن العماية بعد الهدى وقد رأيت قوما في حياة أبي عبد الله كانوا لزموا البيت على أسباب من النسك وقلة من العلم فأكرمهم الناس ببعض ما ظهر لهم من حبهم للخير فدخلهم العجب مع قلة العلم فكان لا يزال أحدهم يتكلم بالأمر العجيب فيدفع الله ذلك بقول الشيخ جزاه الله أفضل ما جزى من تعلمنا منه ولا يكون من أحد منهم من ذلك شيء إلا كان سبب فضيحته وهتك ما مضى من ستره فأنا حافظ من ذلك لأشياء كثيرة وإنما هذا من مكايد إبليس مع جنوده يقول لأحدهم أنت أنت ومن مثلك فقل قد قال: غيرك ثم يلقى في قلبه الشيء ليس هناك سعة في علم فيزين عنده أن يبتدئه ليشمت به وإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وقد ظننت أن آخرين يلتمسون الشهرة ويحبون أن يذكروا وقد ذكر قبلهم قوم بألوان من البدع فافتضحوا ولأن يكون الرجل تابعا في الخير خير من أن يكون رأسا في الشر وقد قال ابن مسعود اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم كل بدعة ضلالة
طبقات الحنابلة ( 1/68 )
وقال عبد الله ابن المبارك –رحمه الله-:
لا أعلم في المصلين شيئا شرا من العجب
حلية الأولياء (7/383 )
وخطب أبو الحكم الأندلسي -رحمه الله-:
وقد كان فقيها محققا، وخطيبا بليغا مفوها: فأعجبته نفسه وهو يخطب، فقال: حتى متى أعظ ولا أتعظ، وأزجر ولا أزدجر، أدل على الطريق المستدلين، وأبقى مقيما مع الحائرين، كلا إن هذا لهو البلاء المبين.
اللهم فرغبني لما خلقتني له، ولا تشغلني بما تكفلت لي به.
سير أعلام النبلاء (16/ 177)
وقال الإمام ابن حزم -رحمه الله تعالى-:
من امتحن بالعجب فليفكر في عيوبه فإن أعجب بفضائله فليفتش ما فيه من الأخلاق الدنيئة فإن خفيت عليه عيوبه جملة حتى يظن أنه لا عيب فيه فليعلم أن مصيبته إلى الأبد وأنه لأتم الناس نقصا وأعظمهم عيوبا. وأضعفهم تمييزا. وأول ذلك أنه ضعيف العقل جاهل
ولا عيب أشد من هذين لأن العاقل هو من ميز عيوب نفسه فغالبها وسعى في قمعها والأحمق هو الذي يجهل عيوب نفسه إما لقلة علمه وتمييزه وضعف فكرته وإما لأنه يقدر أن عيوبه خصال وهذا أشد عيب في الأرض. وفي الناس كثير يفخرون بالزنا واللياطة والسرقة والظلم فيعجب بتأتي هذه النحوس له وبقوته على هذه المخازي.
واعلم يقينا: أنه لا يسلم إنسي من نقص حاشا الأنبياء صلوات الله عليهم فمن خفيت عليه عيوب نفسه فقد سقط وصار من السخف والضعة والرذالة والخسة وضعف التمييز والعقل وقلة الفهم بحيث لا يتخلف عنه مختلف من الأرذال وبحيث ليس تحته منزلة من الدناءة فليتدارك نفسه بالبحث عن عيوبه والإشتغال بذلك عن الإعجاب بها وعن عيوب غيره التي لا تضره في الدنيا ولا في الآخرة. وما أدري لسماع عيوب الناس خصلة إلا الاتعاظ بما يسمع المرء منها فيجتنبها ويسعى في إزالة ما فيه منها بحول الله تعالى وقوته.
وأما النطق بعيوب الناس فعيب كبير لا يسوغ أصلا. والواجب اجتنابه إلا في نصيحة من يتوقع عليه الأذى بمداخلة المعيب أو على سبيل تبكيت المعجب فقط في وجهه لا خلف ظهره ثم يقول للمعجب ارجع إلى نفسك فإذا ميزت عيوبها فقد داويت عجبك.
ولا تمثل بين نفسك وبين من هو أكثر عيوبا منها فتستسهل الرذائل وتكون مقلدا لأهل الشر وقد ذم تقليد أهل الخير فكيف تقليد أهل الشر! لكن مثل بين نفسك وبين من هو أفضل منك فحينئذ يتلف عجبك وتفيق من هذا الداء القبيح الذي يولد عليك الاستخفاف بالناس وفيهم بلا شك من هو خير منك. فإذا استخففت بهم بغير حق استخفوا بك بحق لأن الله تعالى يقول: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا).
فتولد على نفسك أن تكون أهلا للاستخفاف بك بل على الحقيقة مع مقت الله عز وجل وطمس ما فيك من فضيلة.
فإن أعجبت بعقلك ففكر في كل فكرة سوء تحل بخاطرك وفي أضاليل الأماني الطائفة بك فإنك تعلم نقص عقلك حينئذ.
وإن أعجبت بآرائك فتفكر في سقطاتك واحفظها ولا تنسها وفي كل رأي قدرته صوابا فخرج بخلاف تقديرك وأصاب غيرك وأخطأت أنت. فإنك إن فعلت ذلك فأقل أحوالك أن يوازن سقوط رأيك بصوابه فتخرج لا لك ولا عليك والأغلب أن خطأك أكثر من صوابك وهكذا كل أحد من الناس بعد النبيين صلوات الله عليهم. وإن أعجبت بعملك فتفكر في معاصيك وفي تقصيرك وفي معاشك ووجوهه فوالله لتجدن من ذلك ما يغلب على خيرك ويعفي على حسناتك فليطل همك حينئذ وأبدل من الْعُجْب تنقصا لنفسك.
وإن أعجبت بعلمك فاعلم أنه لا خصلة لك فيه وأنه موهبة من الله مجردة وهبك إياها ربك تعالى فلا تقابلها بما يسخطه فلعله ينسيك ذلك بعلة يمتحنك بها تولد عليك نسيان ما علمت وحفظت.
ولقد أخبرني عبد الملك بن طريف وهو من أهل العلم والذكاء واعتدال الأحوال وصحة البحث أنه كان ذا حظ من الحفظ عظيم لا يكاد يمر على سمعه شيء يحتاج إلى استعادته وأنه ركب البحر فمر به فيه هول شديد أنساه أكثر ما كان يحفظ وأخل بقوة حفظه إخلالا شديدا لم يعاوده ذلك الذكاء بعد. وأنا أصابتني علة فأفقت منها وقد ذهب ما كنت أحفظ إلا ما لا قدر له فما عاودته إلا بعد أعوام.
واعلم أن كثيرا من أهل الحرص على العلم يجدون في القراءة والإكباب على الدروس والطلب ثم لا يرزقون منه حظا. فليعلم ذو العلم أنه لو كان بالإكباب وحده لكان غيره فوقه فصح أنه موهبة من الله تعالى فأي مكان للعجب ها هنا! ما هذا إلا موضع تواضع وشكر لله تعالى واستزادة من نعمه واستعاذة من سلبها.
ثم تفكر أيضا في أن ما خفي عليك وجهلته من أنواع العلم ثم من أصناف علمك الذي تختص به. فالذي أعجبت بنفاذك فيه أكثر مما تعلم من ذلك فاجعل مكان العُجب استنقاصا لنفسك واستقصارا لها فهو أولى وتفكر فيمن كان أعلم منك تجدهم كثيرا فلتهن نفسك عندك حينئذ وتفكر في إخلالك بعلمك وأنك لا تعمل بما علمت منه فلعلمك عليك حجة حينئذ ولقد كان أسلم لك لو لم تكن عالما. واعلم أن الجاهل حينئذ أعقل منك وأحسن حالا وأعذر فليسقط عجبك بالكلية.
ثم لعل علمك الذي تعجب بنفاذك فيه من العلوم المتأخرة التي لا كبير خصلة فيها كالشعر وما جرى مجراه فانظر حينئذ إلى من علمه أجل من علمك في مراتب الدنيا والآخرة فتهون نفسك عليك
الأخلاق والسير ( ص 69 )
وقال كعب الأحبار -رحمه الله-:
إياكم والعجب فإنه الذبح والهلاك
حلية الأولياء (5/376)
وقال أبو حازم الأعرج -رحمه الله-:
«إن العبد ليعمل الحسنة تسره حين يعملها، وما خلق الله من سيئة أضر له منها، وإن العبد ليعمل السيئة حتى تسوءه حين يعملها، وما خلق الله من حسنة أنفع له منها، وذلك أن العبد ليعمل الحسنة تسره حين يعملها، فيتجبر فيها ويرى أن له بها فضلا على غيره، ولعل الله تعالى أن يحبطها ويحبط معها عملا كثيرا، وإن العبد حين يعمل السيئة تسوءه حين يعملها، ولعل الله تعالى يحدث له بها وجلا يلقى الله تعالى وإن خوفها لفي جوفه باق»
حلية الأولياء (3/242)
وقال الحافظ ابن الجوزي –رحمه الله-:
إذا تم علم الإنسان، لم ير لنفسه عملا؛ وإنما يرى إنعام الموفق لذلك العمل، الذي يمنع العاقل أن يرى لنفسه عملا، أو يعجب به، وذلك بأشياء: منها: أنه وفق لذلك العمل: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7]، ومنها: أنه إذا قيس بالنعم، لم يف بمعشار عشرها، ومنها: أنه إذا لوحظت عظمة المخدوم، احتقر كل عمل وتعبد، هذا إذا سلم من شائبة، وخلص من غفلة.
فأما والغفلات تحيط به؛ فينبغي أن يغلب الحذر من رده، ويخاف العتاب على التقصير فيه، فيشتغل عن النظر إليه.
وتأمل على الفطناء أحوالهم في ذلك: فالملائكة الذين يسبحون الليل والنهار، لا يفترون، قالوا: ما عبدناك حق عبادتك، والخليل عليه السلام يقول: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي} [الشعراء: 82]، وما أدل بتصبره على النار، وتسليمه الولد إلى الذبح. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما منكم من ينجيه عمله"، قالوا: ولا أنت؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته". وأبو بكر رضي الله عنه يقول: وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟! وعمر رضي الله عنه يقول: لو أن لي طلاع الأرض، لافتديت بها من هول ما أمامي قبل أن أعلم ما الخبر"، وابن مسعود يقول: ليتني إذا مت لا أبعث، وعائشة رضي الله عنها تقول: ليتني كنت نسيا منسيا. وهذا شأن جميع العقلاء، فرضي الله عن الجميع
صيد الخاطر ص 393
منقول
تعليق