بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة في التشويق إلى دار النعيم
لفضيلة الشيخ عمر بن محمد السبيل -رحمه الله تعالى-
خطبة في التشويق إلى دار النعيم
لفضيلة الشيخ عمر بن محمد السبيل -رحمه الله تعالى-
الحمد لله الذي جعل الجنة مأوى أوليائه، وبوأها للمتقين من عباده، أحمده سبحانه وأشكره على عموم نواله، وسوابغ نعمائه، وأشهد أن لا إله إلى الله وحده لاشريك له في ربوبيته وألوهيته، ولا في أسمائه وصفاته، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الداعي إلى جنته ورضوانه، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيلهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
أمابعد: فيا أيها المسلمون اتقوا الله وأطيعوه، واستقيموا على شرعه ودينه ولا تعصوه، وسارعوا إلى مغفرته ورحمته، وأجيبوا الداعي إلى دار كرامته، ورضوانه، فلقد أعد الله عز وجل لأهل طاعته ومرضاته جنات تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها، هيأها للمؤمنين، وبوأها للمتقين، وأودع فيها من أوصاف النعيم والخيرات، وأنواع الفضل والمسرات ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر {فلا تعلم نفس ما أخفي لها من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}


جلى لنا ربنا جل وعلا في كتابه، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعد لأهل كرامته ورضوانه في دار الإقامة من الفوز العظيم، والملك الكبير، والنعيم المقيم في جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، أولئك هم الأمنون يوم الدين، يوم يقوم الناس لرب العالمين {لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون}








نعم الدار دار المتقين دار جل من سوها وبناها، دار طابت للأبرار منازلها وسكناها، دار تبلغ النفوس فيها منيتها ومناها، سقفها عرش الرحمن وتربتها المسك والزعفران، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وبناؤها لبنة من ذهب ولبنة من فضة {غرف من فوقها غرف مبنية}




في الجنة يا عباد الله يتزاور الأقارب والأصحاب، يجتمعون في ظلها الظليل، يتنازعون كؤوس الرحيق المختوم، والتسنيم والسلسبيل ويتنادمون بأطيب الأحاديث، قد نزع من قلوبهم الغل والأحقاد وطرد عنهم الهم والأحزان، أمنوا الموت والفناء واطمأنوا الدوام والخلود والبقاء في سرور وهناء {ونزعنا مافي صدورهم من غل إخوانا عل سرر متقابلين لايمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين}








من كمال نعيم أهل الجنة أنه يأكلون ويشربون ولا يتمخطون ولا يتغوطون ولا يبولون، بل طعامهم ذلك جشاء ورشح كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتكبير كما يلهمون النفس، لهم فيها أزواج مطهرة، خيرات حسان الوجوه، جمعن الجمال الباطن والظاهر من جميع الوجوه، في الخيام مقصورات، وللطرف قاصرات، كأنهن الياقوت والمرجان، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، لايفنى شبابهم، ولا يبلى جمالهن، لو اطلعت إحداهن على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء عطرا وطيبا، ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ما في النجوم من ضياء، حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون، راضيات لا يسخطن أبدا، خالدات لا يزلن أبدا.
في جنات عدن يأتلف شمل أهل الجنة مع الصالحين من أبائهم وأزواجهم وذرياتهم، وملائكة الرحمن يدخلون عليهم من كل باب بالسلام والترحيب والإكرام {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من ءابائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار}


ومع ماهم فيه من نعيم، يتفضل عليهم المولى عز وجل بيوم المزيد، وما أدراك ما يوم المزيد، يوم يكشف فيه الرب الحجب، ويتجلى لأهل الكرامة، فيغشاهم من النور ما يغشاهم وينظرون إلى وجهه الكريم، فيحصل لهم بذلك تمام السرور، وكمال النعيم الذي يقصر دونه كل فضل ونعيم {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}


فهذة بعض أوصاف جنات عدن وما أعد الله فيها من الإكرام والنعيم، فهل من مشمر إلى تلك الدار، وسالك إليها مسلك الأبرار، فلتلك الدار يا عباد الله: فليعمل العاملون، وفي الأعمال الموصلة إليها فليتنافس المتنافسون، فلقد جعلها الحق عز وجل مستقرا لخاصته، وأهل كرامته، وملأها برحمته ورضوانه، وبوأها للمخلصين من عباده {الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون}










اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين وبفضلك يا أكرم الأكرمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
من كتاب النسيم العليل من أقوال الشيخ الجليل عمر بن محمد السبيل